النخبة الحزبية وإشكالية المرور من الهواية إلى الاحتراف

النخبة الحزبية وإشكالية المرور من الهواية إلى الاحتراف
الجمعة 9 شتنبر 2011 - 00:18

ندرة السياسة، انحصار فضاءاتها، طابعها النخبوي وكثرة المتطفلين عليها…كلها عوامل جعلت من غير السهل تصنيف النخبة الحزبية في خانتي الهواية أو الاحتراف، و مع ذلك فإمكانية ذلك تظل قائمة – على الأقل منهجيا – داخل مكونات الطبقة السياسية نفسها.

وقد تمكن المغاربة ولأول مرة منذ زمن طويل من إعادة اكتشاف « سياسييهم »، لكن من منظور مغاير ساهم فيه اختلاف اللحظة التاريخية و بروز فاعلين جدد و شعارات سياسية مؤطرة تجاوزت هذه المرة حدود اللحظة الانتخابية في صورتها الرديئة وإفرازاتها المشوهة، إلى لحظة عرفت – ولازالت- مخاضا سياسيا واجتماعيا مسنودا بنقاش دستوري وسياسي ارتفعت معه نسبيا درجة التسيّـس، على الأقل، من زاوية الانتباه والاهتمام بطبيعة الخطاب السياسي الرائج وسلوك النخبة الحزبية في تعاطيها و درجة تفاعلها مع فورة الأجيال الجديدة ومشروعية مطالب الشارع.

في خضم ذلك، انتاب متتبعين لهذا الحراك الاجتماعي والسياسي امتعاض كبير حيال سلوك بعض الأحزاب السياسية التي تحولت، في زحمة النقاش والتداول المصيري حول حال ومآل الوضع بالبلاد، إلى ما يشبه فرقا كلامية تثير الشكوك في جديتها و السخرية من خطابها و لا تقيم وزنا لدقة المرحلة ومخاطر الالتفاف على المشروع الوطني الديمقراطي. فهذا حزب العدالة والتنمية مثلا جسد الهواية السياسية في أوضح صورها ليس فقط بالسلوك الطائش لقيادييه ولكن باعتماد لغة لا تنهل من قاموس السياسة وتطورات مفاهيمه، قوامها الابتزاز والتهديد والتشكيك حتى في نتائج انتخابات لم تُجر بعد ! فقط لأن الدولة لم تستجب للمطالب الطهرانية للحزب؛ وهو سلوك لا ينم عن امتلاك أي حس احترافي. فهل سيطمئن المغاربة إلى مثل هذه النخب الحزبية في تسيير شؤون الدولة والمجتمع ؟

لهذا السلوك، بدون شك، رواسب ثقافية كبرى لا زالت ترمي بكل ثقلها على النخبة الحزبية بالمغرب وتحُول دون صيرورتها نخبا احترافية تستوعب شرطي الواقعية في التفكير و الحكامة في التدبير.

فأما الواقعية السياسية فإنها تفترض النظر بعين الممكن إلى واقع المجتمع المحكوم بميزان القوى وتحقيق التوازن المطلوب بين هذا الممكن الواقعي والواجب النضالي الذي لا يتجاهل طبيعة المجتمع وقيمه المشتركة، وهي لا تتحقق إلا بمقدار ارتباطها الوثيق بالعقلنة بما تقتضيه من نبذ المزاجية والتهور في العمل السياسي ومخاطبة العقل بعيدا عن النزعات الشعبوية والغوغائية، كما لا يكتمل بنياها الفكري والسياسي إلا بوضع الممارسة السياسية في شروطها التاريخية والموضوعية. فمأساة السياسة تمسكها بيقينيات إيديولوجية محنطة لا تضع تحت مجهرها حقائق الواقع الموضوعي المتحول وممكناته.

فزمن العولمة بقوتها الداهمة ومتطلبات التنافسية الشرسة، وضع إشكالية تدبير معادلة الموارد والحاجيات السوسيو- اقتصادية كأولوية قصوى على جدول أعمال الفاعل السياسي، وبالنتيجة حمل معه متغيرات جديدة في الثقافة السياسية عصفت حتى بالجهاز المفاهيمي الكلاسيكي الذي تغرف منه النخبة السياسية، وأصبحت الحكامة الجيدة أطروحة مركزية في أي تصور أو برنامج غايته تدبير شؤون الحكم والسياسات العمومية. وبتعبير آخر، فالفكرة السياسية مهما بلغت درجة سحرها وجاذبيتها فلن تحقق فعلها في قضايا الإصلاح والتنمية إلا بمقدار ضمان انتقالها إلى مستوى الاقتصاد السياسي التنموي بـأولويات التخطيط السليم و العقلاني وبأهداف واضحة تروم خلق الوفرة بدل الاكتفاء بتدبير الندرة و الأزمات.

فمفهوم السياسة، بهذا المعنى، بات مرتبطا بمدى قدرة الفاعل السياسي على تحقيق الإنتاجية و المردودية للاستجابة السريعة والقصوى لحاجيات المجتمع الملحة التي بات تجاهلها يهدد، بقدر أو بآخر، قيم المجتمع واستقراره وانسجام مكوناته.

على هذا المستوى من التحليل، فشرطي الواقعية و الحكامة لا يلغيا أبدا الفكرة المرجعية ولا حتى اليوتوبيا الحالمة، بل يتم استيعابهما واستبطانهما خدمة للحظة التحول الراهنة ببعدها الإصلاحي ونفسها الاستراتيجي.

فالدستور الجديد بمضمونه الديمقراطي وأفقه التحديثي، فتح أمام النخبة السياسية الحزبية، مجالات رحبة للاشتغال وإمكانيات هائلة لتطوير قدراتها الاحترافية. فالجهوية الموسعة وتوسيع صلاحيات البرلمان واختصاصات الحكومة وتوسيع مجال المسؤولية السياسية وربط المسؤولية بالمحاسبة وإقرار آليات الحكامة الجيدة… كلها آليات دستورية ستكون، بعد تنزيلها، داعمة لمسار تحول النخبة الحزبية نحو الحسم التدريجي مع الهواية في السياسة، لكنها في نفس الوقت معرضة لخطر غياب التأثير في الواقع في حال إهمال تجديد البعد الوظيفي للأداة الحزبية بما يضمن الانتقال من وظيفة «استعارة » الأعيان إلى وظيفة « إدماج » الكفاءات التي لطالما تُركت على هامش الدورة التنظيمية والسياسية للأحزاب .

‫تعليقات الزوار

7
  • B-M. el-Alia Mhammedia
    الجمعة 9 شتنبر 2011 - 13:02

    Vous contibuez aux attaques dont est victime le PJD, ce qui rend ce parti politique très crédible, il doit constituer un danger pour les ourris du bled

  • عبداللطيف
    السبت 10 شتنبر 2011 - 20:54

    أظن أن صاحب 2 حروف الإنشاء قد تطفل وارتمى من على جذران ميدان يجب أن يترك لأصحابه وفطاحلة السياسة والإيدلوجيات، حيث اختلطت عليه التسميات والمفاهيم وكذا المجالات لأن السياسي لم يكن يوما هاوي أو محترف بل السياسي هو ذلك الكائن الناكر للذات يولد الأفكار والنظريات ويزرعها ويمشي في طريقها لا ليجني الثمار هو بالذات بل أجيال، هذا من جهة أما من جهة ثانية وأعتقد أنه يليق المويضع للأخبار الرياضية وبالدارجة…. ومن جهة أخيرة أظن الإنتخابات على الأبواب ومولاها يريد الظهور مع صحابو وفي المغرب، في نفس يعقوب؟؟؟؟؟؟؟؟؟

  • انسان عاطفي
    الأحد 11 شتنبر 2011 - 02:27

    __ فمفهوم السياسة، بهذا المعنى، بات مرتبطا بمدى قدرة الفاعل السياسي على تحقيق الإنتاجية و المردودية للاستجابة السريعة والقصوى لحاجيات المجتمع الملحة التي بات تجاهلها يهدد، بقدر أو بآخر، قيم المجتمع واستقراره وانسجام مكوناته.

    ادعوك الاخ امحمد لقماني للترويج لمصطلح العاطفة و ماله من مدلولات بلاغية قد تفيد الفاعلين السياسيين على تحقيق الإنتاجية للاستجابة السريعة والقصوى لحاجيات المجتمع الملحة.
    و سحقا للقائل بان العواطف عواصف

  • Honte
    الأحد 11 شتنبر 2011 - 23:27

    Le PJD est un parti des terroristes il faut le combattre avant de rendre le Maroc comme IRAN. Personne ne doit avoir confiance dans cette bande de Mafiouzi.
    Voyez vous BENKIRANE Chef de gouvernement?
    Bonjour la HONTE!

  • عبد العزيز سرار
    الإثنين 12 شتنبر 2011 - 23:37

    حقيقة يجب أن يقرها خصوم حزب العدالة والتنمية إذا كان في ضميرهم مثقال ذرة من الإنصاف، والحقيقة هي أن حزب العدالة والتنمية قد أثبت أنه أمل إنقاذ البلاد وإصلاحه، وكل الحملات البائسة ومحاولات النيل منه بمختلف التهم الباطلة الكيدية والسخيفة، سواء من طرف المخزن المتسلط ورموزه المفسدة واقلامه المأجورة أو من طرف أقلية ذات إيديولوجية علمانية بائدة ومنبوذة والتي همها خلق مجتمع لا قيم فيه ولا أخلاق. كل تلك الحملات والمحاولات يكون مصيرها دائما هو الفشل، لأن الشعب بدأ يظهر نضجه ووعيه، فأصبح يدرك طريق مستقبله الأفضل أكثر من أي وقت مضى.

  • mustapha
    الثلاثاء 13 شتنبر 2011 - 11:43

    ان الذين يتكلمون عن السياسة تكون لديهم دراية بخباياها وحيتياتها عندما تكلمت عن الهواية ذكرت حزب محترف يعني ان الهاوي هنا ظهر انا في حد ذاتي لا اتق باي حزب من الأحزاب المغربية والتاريخ يشهد على ذلك ربما بدأنا نرى بعض النور مع ظهور حامل ومؤسس القنديل إذ تركو نوره ينير دربنا السياسي ذلك إن لم يرغموه على إطفائه والإلتحاق بالسبات السياسي اللامتناهي

  • عبد الله
    الثلاثاء 13 شتنبر 2011 - 20:10

    ان كل الاحزاب المغربية العروبية بما فيها الاسلاميين احزاب مثل علب السردين التي انتهت مدة صلاحياتها لاينتضرمنها الصلاح.والمنفعة. لدلك يجب رميها في مزبلة التاريخ .وتاسيس احزاب حية جديدة دات جيل بعقلية متنورة .

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 6

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس