جورج ويا.. أيها الرائع، ابق مثلما أنت!

جورج ويا.. أيها الرائع، ابق مثلما أنت!
السبت 13 يناير 2018 - 15:46

أخرجت أدغال إفريقيا الناعسة من جوفها، وأنجبت أزقة مدائنها المنهكة فقرا وتعبا وتسلطا واستنزافا، دون استشراف وفي غفلة عن كل ممكنات الوقائع، مجموعة من مهرة كرة القدم الذين رسموا بأقدامهم أجمل اللوحات؛ فأسعدوا بكل سخاء وعفوية الإنسان الإفريقي المنهك، المقهور بوقائع يوميات بربرية العسكر، وشراسة عنف شرذمة المستغلين الذي لا يضاهى جشعه؛ وما يستتبع ذلك من مختلف تجليات الإذلال والاستعباد والحرمان

بقدر ما شكلت كرة القدم، بالنسبة إلى اللاعب الإفريقي بداية، مجرد متعة عابرة، هروبا من شقاء طفولة غير رحيمة بتاتا؛ ثم سبيلا لا مناص منه ثانيا، فتصبح مسالك الكرة اختيارا واعيا تحكمه طموحات بعيدة؛ فإنها تصير بعد ذلك نموذجا إنسانيا، ملهما القادمين مستقبلا. ربما اهتدوا، فوجدوا قبسا من نور شعلة، وسط تيه حلكة مدائن وصحارى قارة؛ تكالب عليها أعداء الأمل والحياة على الدوام، فاغتالوا ما شاؤوا، وقتلوا ما قتلوا، واجتثوا ينابيع ما أرادوا.

بالتأكيد، تاريخ الذاكرة الكروية الإفريقية مفتوحا باستمرار، قدر الثراء الجغرافي للقارة السمراء. بالتالي، يكفي من باب التمثيل الإجرائي لا غير، استحضار أهم الأسماء النموذجية: العربي بن مبارك (المغرب)، طارق ذياب (تونس)، رابح ماجر (الجزائر)، روجيه ميلا (الكامرون)، عبيدي بيليه (غانا)، محمود الخطيب (مصر)، حسام حسن (مصر)، محمد التيمومي (المغرب)، عبد المجيد الظلمي (المغرب)، كالوشا بواليا (زامبيا). كي نستوعب في المجمل الإطار الإتيقي والخريطة الجينية للاعب الإفريقي: الموهبة الفطرية، المهارات الذاتية المذهلة، القدرة على التحمل، العصامية، البساطة والتواضع، الروح الرياضية، العمق والامتداد الشعبيين.

جورج ويا، موضوع حديثي هذا، يتأصل ضمن نسق لتلك الزمرة اللامعة؛ لكنه سيتميز عنهم حقيقة أكثر في مساره؛ وهو ما أهله سنة 1995 للفوز بجائزة أفضل لاعب في العالم، فاستحق عن جدارة الكرة الذهبية؛ ثم تتويجه لثلاث مرات بمرتبة أحسن لاعب إفريقي. أيضا، من جهة أخرى، يعتبر الكروي الوحيد الذي استطاع الارتقاء إلى أعلى منصب قيادي في هرم الدولة؛ بحيث سيقود هذه المرة بلده ليبيريا سياسيا، بعد انتخابه مؤخرا من طرف الشعب، بمناسبة الاستحقاق الرئاسي، بنسبة 61. 50%، مقابل 38% حصل عليها منافسه بواكاي.

انتخابات تبقى استثناء نادرا جدا، قياسا لإفريقيا استأنست فقط على بشاعة دوامة الانقلابات الدموية، ومرتكزات أنماط حكم توتاليتارية ذات شرعية قروسطية: أسرية وقبلية وعشائرية وأوليغارشية وتيولوجية، مما حكم على قارة الرؤى الحكيمة لـ: بن بركة ومانديلا وعبد الناصر وبن بلة وليوبولد سيدار سنغور وجوليوس نيريري ونيكروما ولومومبا…، كي تتخلف للأسف تاريخيا بآلاف السنين عن أفق الوضع الذي بلغته راهنا، الأنساق المجتمعية للديمقراطيات المعاصرة.

رقمان معقولان، احترما ذكاء المواطن الليبيري، المتعطش للحرية والحياة بمفهومها المتكامل؛ وهو ما يؤكد أن الانتخابات مرت وفق أجواء سليمة ونزيهة، راهنت كليا على الشرعية الدستورية والتناظر والمنافسة والاستحقاق المشروع. بمعنى، تلك القيم التي استلهمها وكرسها جورج ويا، منذ شبابه المبكر بكيفية أخرى فوق أرضية أرقى الملاعب الأوروبية، متباريا بكل ثقة مع منافسين أقوياء، امتلكوا كل المقومات الفيزيائية والنفسية والمادية. هكذا، جاءت أولى برقيات الثناء، من أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ثم رئيس بعثة مراقبي الاتحاد الأوروبي.

إذن ابتداء من يوم 22 يناير، سيتقلد جورج ويا (51 سنة)، رسميا مهمته الجديدة. سيمكث في القصر الرئاسي لمدة ست سنوات، خلفا للسيدة إدلين جونسون سيرليف، الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2011، والمرأة الوحيدة التي أشرفت على إدارة شؤون بلد إفريقي. للتذكير فقط، سبق لمهاجمنا الرائع الترشح لأول مرة عام 2005؛ لكنه أخفق. ثم لاحقه ذات الإخفاق سنة 2011، حينما تنافس على منصب نائب الرئيس.

ابن الفقراء الفذ، المنتسب إلى أسرة تألفت من اثني عشر طفلا، صقل أولى مواهبه بين دروب مدينة مونروفيا العاصمة الليبرالية، ثم صار بكده وعمله الدؤوب، فخرا لإفريقيا مثلما وصفه الأيقونة نيلسون مانديلا. فهل يواصل عطاءه وإشعاعه، وقد تحول إلى ميدان السياسة بكل ما تطويه الكلمة عموما حسب دلالاتها في إفريقيا والعالم المتخلف، من جرائم في حق الشعوب؟ أم يحافظ لا محالة على منظومة القيم الكبرى، التي استشرفها منذ الصغر بالعرق والسعي الطموح. طبعا، لن تكون المهمة سهلة في حدودها اليسيرة أو القصوى نظرا لعوامل عدة، لا داعي للخوض فيها. لكن، ما يشكل ربما حصنا حصينا لجورج ويا يكمن في السمعة الرمزية التي راكمها نوعيا داخليا وخارجيا.

أولى كلمات السيناتور جورج، بعد فوزه، مخاطبا مواطنيه، جاءت كما يلي: “بعاطفة كبيرة أريد أن أشكر الشعب الليبيري على اختيارهم لي، يا له من أمل كبير…. يمكنكم أن تثقوا بي لأنني أعرفكم وأنتم تعرفونني، علينا أن نشيد من جديد بنيتنا التحتية، وعلينا إعادة أطفالنا إلى المدارس، شعبنا يحتاج للخروج من الظلام…يمكنني القول علنا إن الطريقة الفضلى للاحتفال بالليبيريين هي بتحسين حياتهم. واليوم أعلن أن تحسين حياة الليبراليين تعتبر مهمة استثنائية… إن الذين سيختارون في الحكومة سيكونون مكرسين لفكرة العمل من أجل الفقراء والتحول الاجتماعي”.

مما لاشك فيه أن سيرة جورج ويا أكدت سلفا تمتعه بنزعة إنسانية عميقة، فكان يتبرع بأمواله لمساعدة اللاعبين الفقراء، ويتكفل بمصاريف رحلات منتخب بلاده، كما ظل من الشخصيات الفاعلة في مجال الأعمال المجتمعية وتعاونه مع صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة.

لأجل ديمومة ذلك، أتمنى حقا، أن لا يحترف جورج ويا، هذه المرة اللعب داخل مضمار مكائد دهاليز السياسة؛ كي لا ينحرف عن مثال ويا، المحترف لرياضة كرة القدم، فأبهج قلوبنا سنوات أواخر الثمانينيات وطيلة التسعينيات.

بالتالي، أيها الرائع جورج ويا وفخر إفريقيا؛ كما نعتك ”ماديبا” أي مانديلا الرجل الكبير والمحترم: ابق مثلما أنت، كبيرا ومحترما.

‫تعليقات الزوار

7
  • مقبرة الرجال
    السبت 13 يناير 2018 - 16:31

    السياسة او تسيير الشأن العام على أعلى المستويات مقبرة الرجال خصوصا في العالم الثالث حيث يتحول المناضلون الأفذاذ الى الهة حال التمكن ، وينقلبون بشكل غريب يكاد يكون قاسما مشتركا بينهم جميعا . جمال عبد الناصر وقف في وجهه الملكية التي كان يرى أنها رجعية لينتج نظاما أسوأ اعدم المعارضين وابتدع تداولا شكليا على الحكم يكرسه عقب كل اقتراع . السيد بوتفليقة حتى وهو بنصف ادراك يأبى الا الاستمرار في الحكم . السيسي لن يغادر . بشار فضل قتل شعبه بيد الروس والايرانيين وحزب الله والامريكان واسراءيل وفضل ان يهيم نصف شعبه في ارض الله على الترجل من كرسي السلطة . هنا في المغرب سياسيون كنا نخالهم نظيفي الأيادي صدمنا بعد أن اكتشفنا أنهم يغرفون من ريع الشعب الفقير والأنكى وما يدفع للجنون أنهم حتى بعد أن ضبطوا متلبسين يدعون أنهم في خدمة الشعب . كم أنت راءع أيها المعتمد بن عباد… أولها دعوة وأخرها ملك وسلطان .

  • انتصارات وهمية
    السبت 13 يناير 2018 - 17:16

    السيد جوج ويا استخدم تجربته الكروية لصالح شعبه وعرف عنه اندماجه مع الهم الوطني لشعبه وساهم من وقته وماله من أجل خدمة بلد يعشقه . بينما هنا في العالم العربي تسارع الحكومات للأغداق على رياضييها بالأموال والعطايا والمنح والأوسمة لانهم ساهموا في تفعيل مقولة الرياضة أفيون الشعوب . ثم ماذا سيتفيد مريض لايجد علاجا من ميدالية علقت على صدر رياضي أسقط خصمه بالضربة القاضية .

  • كاره الضلام
    السبت 13 يناير 2018 - 17:26

    لأجل ديمومة ذلك، أتمنى حقا، أن لا يحترف جورج ويا، هذه المرة اللعب داخل مضمار مكائد دهاليز السياسة؛ كي لا ينحرف عن مثال ويا، المحترف لرياضة كرة القدم، فأبهج قلوبنا سنوات أواخر الثمانينيات وطيلة التسعينيات."
    هو يعترف ان السياسة فن المكائد و لكنه ينتظر ان لا يتسخ بها جورج ويا، يقول للرجل ادخل غمار الوحل دون ان تتسخ و انحرف دون ان تفقد طهرانيتك و مارس فن الخداع و الصراع دون ان تتغير و تصبح مثل السياسيين، مشكلة الحالمين المثاليين انهم عميان البصيرة و ليس البصر، اد انهم يفهمون الواقع و لكنهم يتشبثون بالمثل المستحيلة، ما قيل عن ويا قيل عن فنانين و شعراء مارسوا السياسة فكانت النتيجة كارثية، يقارن لنا مجال اللعب و الفن الكروي مع فن المكر و الخداع و الانانية و الميكافيلية و ينتظر من العدراء ان تبقى مثلما هي بعد دخلتها، ويا سيصطدم بواقع عصي على الاصلاح، سيتاخر تحقيق وعوده، سيخرج معارضون صادقون او مغرضون، سيضطر للتصدي لهم بالضرب تحت الحزام،و كل هدا في اقل من عامين ،ستتململ الجماهير ضده و سيظهر وجهه البشع و سندكرك رغم ان الدكرى لا تنفع الحالمين

  • KITAB
    السبت 13 يناير 2018 - 19:15

    من الأخطاء الشائعة في نظرتنا للسياسة عموماً هي شخصنتها أو بالأحرى أن ننسب النجاح أو الفشل لرئيس معين، والأمر ليس كذلك، فقد يكون قبل توليه السلطة مثال الحزم والصرامة…. لكن عند توليه يتحول من حمل إلى وحش ضار، لماذا لأنه دخل في لعبة "النظام السياسي" الذي يقود تلك البلاد، فكم من أشخاص "ومناضلين" كانت كلماتهم مدوية في الآفاق وتعرفهم منصات الخطابة بالضرب والألسنة النارية اللهيبة، لكنهم بمجرد أن دخلوا قفص السلطة وضعوا أسلحتهم وأسلموا القيود لأهلها وأصبحت كلماتهم و نظراتهم تحت العين الرقيبة، فكذلك بالنسبة لرؤساء الدول فهل ماكرو اليوم هو ماكرو الأمس، وهل لأسد سوريا مثلاً هامش الحرية في أن ينسحب من الرئاسة… لا طبعاً هو مرتبط بمنظومة سياسية جد معقدة تدخل في تكوينها الجوانب العسكرية والاقتصادية والمالية والاستراتيجية … وو وكذلك الشأن بالنسبة لبوتفليقة الذي ما هو إلا رمز لنظام يقبع خلفه بالسلاح والمال والبترول وو . هذا طبعاً ينتشر بالدول ذات الأنظمة شبه الشمولية، لكنها تخف وطأة في الدول الديموقراطية كألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وتحياتي

  • كاره الضلام
    السبت 13 يناير 2018 - 19:19

    مجرد ترشح ويا للرئاسة و اصراره عليها يعني انه يعتبر نفسه اكبر من بقية الليبريين، الطموح الشخصي الجارف يسميه الحالمون ارادة خدمة الشعب و الوطن، و في سبيل وصوله الى الرائاسة سلك كل الطرق بما فيها التحالف مع زوجة الدكتاتور السابق تشارلز تايلور، و بما انه قادم بعد فترة عصيبة في بلده فان طموح الشعب و انتظاراته ستكون كبيرة و هو سيصطدم باكراهات اكبر منه حتى لو افترضنا انه جاء للاصلاح و بالتالي فانه سيلجا الى كلمات المؤامرة و المعارضة الماجورة و سيقمع احتجاجات الشعب الدي لا يحب الانتظار، هكدا تتم عملية توسيخ المتورطين في السلطة، هدا ان لم يكن قد استخ فعلا في سبيل الوصل اليها لان الصناديق تفوز الاكثر مكرا و خداعا و تغريرا، الصناديق تفرز الاقدر على خداع الناس و ليس الاقدر على خدمتهم، و لقد كانت دائما الصورة المثالية للفنان او الرياضي تستميل الناس لرؤيتهم في السياسة في البرازيل سابقا او مع طارق دياب في تونس فتكون النتيجة فقدان الصورة الجميلة دون تحقيق نتائج سياسية فيصدق عليهم المثل المغربي: لا ديالو بقى لا وجهو تنقى

  • كاره الضلام
    السبت 13 يناير 2018 - 20:21

    دو الانتماء المغربي سيفرح لوصول ويا الى السلطة لانه صديق للمغرب و دو الانتماء الطوباوي المثالي يفرح لانه يتوسم في الرجل صفات ممنوعة من دخول مجال السياسة، الاخلاق ممنوعة من ولوج مجال السياسة و النجاح في السلطة يتطلب حنكة سياسية و قدرة على التقلب و المكر و صد الضربات و السعي الى المصلحة، و ان كان لاعبو الكرة يفشلون بعد اعتزالهم حتى في مجال الكرة نفسه مثل التدريب فكيف ينجحون في فن اخر له قوانين مختلفة، اللعب المحبوب يتحول الى مدرب مكروه و هو يدير فريقا من عشرين نفرا فكيف به ان اصبح رئيسا لشعب من الملايين، كيف تخفق في نيل رضا لاعبين ملياريدرات و تنجح في نيل رضا ملايين الجوعى؟ ما العلاقة بين منح الناس فرجة و سعادة ناتجة عن موهبة و تلبية حاجاتهم المعيشية الملحة؟ الموهبة السياسية هي التسويف و التماطل و شراء الوقت و هي موهبة لا تنتج فرجة سعيدة ، جورج ويا الان مثل لاعب سيرك يمشي فوق حبل و يحمل اناء فيه ماء وجهه و ينبغي ان يبلغ اخر الحبل و الاناء هو هو، الحالمون يعتقدون انه قادر على دلك و الواقعيون يعرفون انها معجزة لو تبقى على بضع قطرات

  • منير الدحماني
    السبت 13 يناير 2018 - 20:30

    قالها دفين أغمات قبل قرون أولها دعوة واخرها ملك وسلطان جورج ويا ارتقى مرتقى صعبا . فالشأن العام في دول العالم الثالث لم يفلح يوما الا في خلق الحاكم الذي لا يأتيه الباطل من ببن يديه ولامن خلفه ، حتى لو كان من خلفية المناضلين . عثمان بن عفان المبشر بالجنة تسلم الخلافة بعد الفاروق فأصبح لعبة بيد الأمويين الذين أضاعوا الحرث واهلكوا النسل بمباركته قبل أن تكون نهايته على يد ابن الصديق الذي هو الاخر قتل ودفنت جثتته في بطن حمار نافق .

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 2

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 19

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 9

جدل فيديو “المواعدة العمياء”