ببغاوات في تعليمنا!

ببغاوات في تعليمنا!
الأربعاء 17 يناير 2018 - 16:45

في تعليمنا غث وسمين..

ونخبة من أساتذتنا علمت أجيالا كيف تفكر.. وإلى جانب هذه الفئة الجادة، يوجد العكس..

وفي الوزارة الوصية، مسؤولون يدفعون في الاتجاه المعاكس: إنتاج «أشباه مثقفين»!

مفارقة غريبة: مجهودات فردية، من أساتذة نزهاء، تنتج الفكر.. وسياسيون يخططون للتجهيل والتكليخ.. وصناعة أشباه مثقفين..

ومناهج دراسية يجب أن يعاد فيها النظر، لتكون في مستوى من علمونا كيف نفكر.. وأن تكف الحكومة عن الاستهتار بالتعليم لعمومي، لكي تكون لنا مدارس غير ميالة إلى تخريج ببغاوات..

كفى من مناهج التلقين والشحن..

المدرسة يجب أن تكون فضاءا للأخلاق والتربية والمعرفة، وتمهيدا لتشغيل مسؤول نزيه..

هذا دور المدرسة..

وكفى من العبث..

لقد شحنونا بالتقاليد، وغرسوا في أعماقنا الفخر والاعتزاز بالتقاليد، فصرنا نعتبرها من الثوابت، غير قابلة للأخذ والرد، وكأن كل ما فيها يفيد ولا يضر..

وجعلوا من التقاليد عشقا لعصور غابرة، ولما في تلك العصور من أحداث، ومن أسماء، وصراعات بين خير وشر..

ونحسب هذا الماضي حافلا بالازدهار والحكمة والعقل والعدل..

ونغفل عن أن تقاليدنا لم تنقل إلينا تراثا متوازنا، سليما..

ليس كل تراثنا معافى..

وتحت اليافطة التراثية، أوصلوا إلينا، في مدارسنا وبيوتنا وشوارعنا وحياتنا العامة، أن كل الخيالات التراثية ما هي إلا صور لنشاطات فكرية وعاطفية وتفاعلية مفيدة..

وأوصلوا إلينا مشاهد لخرافات وشعوذات وسلوكات بعيدة عن العقل، ونحن قد جعلونا نقبلها..

وصرنا نحسب أن العقل ليس مهما لتوازنات وتنمية الأمم، ولتمرير منطق الحياة من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى آخر..

وفي حياتنا اليومية، يعلمون طفولتنا كيف تعيش الحاضر، بعقلية الماضي السحيق، وكيف تبتعد عما يصنعه العالم من بشائر الحاضر والمستقبل..

وأصبحنا، أجيالا بعد أجيال، منفصلين عن اليوم والغد.. وعن المدنية العالمية.. وعن المساهمة في الإنتاج الفكري والعلمي والتكنولوجي الدولي، مقتصرين على الاقتناء والاستهلاك، بعيدا عن الإنتاج الحضاري..

نحن مجرد مستهلكين لما يصنعه غيرنا..

وانفصالنا شبه تام عن الحياة المدنية المعاصرة..

انفصال يقود إلى انفصام في شخصيتنا..

نحن متيمون بالماضي، وفي نفس الوقت نتمنى أن نعيش في بلدان ذات قوانين تفصل الغيبيات عن شؤون الحياة البشرية المشتركة..

– الدين لله، والوطن للجميع..

هذه المقولة يترجمونها إلى واقع، خارج حدودنا، في دول الديمقراطية، والحضارة الفكرية، والسلوكات المتخلقة، تحت غطاء قانون مدني لا يفرق بين الناس..

ونحن بعقليتنا المرتبطة وجدانيا بالماضي، وبالتراث الذي فيه ما فيه، والتقاليد المحملة بخزعبلات، فمنفصلون انفصالا عن القانون الدولي الذي لا يفرق بين البشر، والذي يتعامل مع الجميع على قدم المساواة..

وإلى الآن ما زلنا في حالة انفصام..

وحكومتنا المتأسلمة تعلمنا كيف نمجد هذا الانفصام المركب في شخصيتنا..

وإعلامنا السمعي البصري، والورقي، والأنترنيتي، لا يقبل أن يقدم أي منا على الشك السلبي في تقاليدنا المهترئة..

وحتى فئات متعلمة منا تمجد التراث التقليدي حتى وهو لا ينتمي للعصر الذي نحن فيه..

وحكومتنا توظف التقاليد لتكريس إبقاء عقولنا رهينة لماض سحيق لا علاقة له بالحاضر..

تريدنا أن نبقى على قيد الحياة، مجرد كائنات تتنفس، لا أن نعيش بالفكر، وباستقلالية التفكير..

تريدنا تابعين لأزمنة لا علاقة لنا بها، ولا علاقة لها بنا، إلا من حيث التسلسل التاريخي والأركيولوجي..

وها نحن بالوجدان مبرمجون على أغوار تقاليد الآباء والأجداد، وعمليا في واقع العصر الذي نعيشه بالهاتف المحمول، والشبكة العنكبوتية، ونحن مشتتون بين الحقوق والواجبات، تحت قوانين محلية أقل ما يقال فيها: إنها قوانين الغاب!

وحكومتنا تنهب حقوقنا، وكأن من الطبيعي أن تكون هي ناهبة، ونحن منهوبون..

عقلية الإقطاع ما زالت هي السائدة..

وفي أحزابنا من يرددون أن الدين هو هكذا.. فوق كل تفكير مستقل.. وكل نقاش.. والويل لمن يجادل..

والطاعة العمياء حتى لحكومة تصلي وتصوم، وفي نفس الوقت هي تستولي على أرضك ورزقك وأحلامك، وحتى حقك في حرية التفكير والتعبير..

وفي مدارسنا، تشحن الحكومة أطفالنا بمعلومات تلو أخرى، وكأن العقل وعاء للشحن، فقط.. إنها سياسة التشحين والتكديس..

ومن في شبابنا يتخرج من الجامعة، تعطاه شهادة تفيد أنه قد حصل على ما يشبه طنا، أو حتى عشرين طنا، من المعلومات..

هي تحسب الشهادة بالكم، لا بالكيف.. بالميزان، لا بالقيمة..

إنها شهادة أطنان..

ويحسب الطالب نفسه مثل شاحنة تحمل كذا أطنان من الإسمنت والأحجار والرمال..

وقلة من الطلبة يفلتون من هذه القاعدة التشحينية، ويعون أن المعلومات لا تعني العافية الفكرية..

الفكر لا يكون سليما إلا باستقلالية التفكير والتأمل والقرار والإنتاج..

بينما شهادات كثيرة، حتى وهي جامعية، هي شهادة معطوبة..

وقد أشار لذلك الملك الراحل الحسن الثاني الذي تحدث في إحدى خطبه عن الشهادة، ووصفها بشيك بلا رصيد..

وفعلا، شهادات، ومنها دكتورات، ما هي إلا شيكات بدون رصيد..

وعندما يفتح شخص حسابا بنكيا، يجب أن يشتغل لكي يكون له رصيد، وإلا فشهادته مجرد ورقة تم تخريجها من مطبعة تجارية..

إن بعد الشهادة، يبدأ التعلم الحقيقي، وهو البحث، كما يفعل فطاحلة من بلادنا في الداخل والخارج.. أولاء يدركون أن الشهادة، مهما كانت كبيرة، لا تفيدهم إلا للدخول من بعض الأبواب.. هي لا تعني حسن وجودة التفكير.. ولا تعني أن المعلومات المحصل عليها، هي نفسها المعرفة.. هناك فرق بين المعلومات والمعرفة..

وما أحوج بلادنا إلى استقلالية عن تقاليد بالية، وتشبث باستقلالية المعرفة..

– أية قيمة مضافة تقدمها لغيرك، وللعلم، يا حامل الشهادة؟ أم تراها فقط مثل شهادة الازدياد؟ أو شهادة السكني؟

الجامعة التي لا تخرج استقلالية التفكير، هي مجرد مطبعة عادية، يديرها مطبعي يحمل اسم «رئيس الجامعة»، تحت وصاية وزير اسمه «وزير التعليم العالي»!

– علموا الأجيال الصاعدة كيف تفكر، وكيف تنتج، وكيف تساهم في بناء الوطن، وتوجيه المواطن، لا كيف تكون مجرد ببغاء..

[email protected]

‫تعليقات الزوار

6
  • houd
    الأربعاء 17 يناير 2018 - 19:12

    – "علموا الأجيال الصاعدة كيف تفكر، وكيف تنتج، وكيف تساهم في بناء الوطن، وتوجيه المواطن، لا كيف تكون مجرد ببغاء.."
    علموا ابنائكم كيف تلحد الماضي و تلحد التقاليد والأعراف و الدين و الله علموها كيف تقلد ببغاواة الغرب من علمانيين ماركسيين ولبراليين قدامى وجدد!!!

  • Moha le fou
    الأربعاء 17 يناير 2018 - 19:44

    Vous avez raison .autrefois Montaigne disait "nous ne voulons pas des ànes chargés ." Nous voulons ded têtes bien faites et non des têtes bien pleines ." Rabelais criticait l'apprentissages de tous les animaux de toutes les riviéres…. Frénet conseillait l'apprentissage par le jeu. Notre gouvernement ne pige rien dans ce domane. C'est vrai les ministres ont des tête bien pleines de mensonge, de démagogie, …..e

  • طنسيون
    الأربعاء 17 يناير 2018 - 21:34

    التعليم خطط له ليصير فاشلا ولينتج أجيال محكومة بالاتكالية والانتظارية للمجهول. أجيال خنوعة وخضوعة تحت الاستعباد. التعليم في بلادنا حبيس منظور تقليدي متخلف بإرادة الشعب و رغبته. الكل يريد شهادة ودبلوما ليشتغل ويضمن عيشه ولا يهمه أين تتجه البلاد. الكل يريد الأمن والاستقرار ولو في مستنقع فساد. الكل لا يريد التغيير ويفضل فشل التعليم وانحطاطه ويرفض التجديد والتحديث والعصرنة. هذه هي صورة المواطن الذي صنعته مناهج وبرامج تعليم تقليدي متخلف لن يصلح ولن يستقيم حتى ولو صار كله خصوصي.

  • Alucard
    الأربعاء 17 يناير 2018 - 22:15

    "ونخبة من أساتذتنا علمت أجيالا كيف تفكر.."
    للأسف لا أظن أن هذه الفئة موجودة أصلا فأساليب التدريس والمقرارات الدراسية المفروضة لن تساعدهم وإن وجدوا.
    العقلية الطاغية هي أن المعلم هو مصدر الحقيقة فهل يجرأ المتعلم أن يناقض معلمه في الاستنتاج؟
    هل يدرس متعلموا الشعب الأدبية والانسانية منهجية الاستدلال المنطقي والحجاج والمغالطات؟
    هل يدرس متعلموا الشعب العلمية المنهجية العلمية وفلسفة العلوم؟
    كيف يعول على من يجهل هذه الأمور أن يعلم ويتعلم؟
    النقاش في التفكير العربي/الاسلامي حاليا ليس سوى سيل من المغالطات التوسل بالتقاليد Appeal to Antiquity حيث يصبح قول ينسب للأقدامين مصدرا للحجة دون عناء اثبات قابلية التطبيق ودون أن ينتبه إلى تناقضات تأويل نفس الأقوال تبعا لظروف.
    والمصيبة أن حتى هؤلاء الأقدمين هم أنفسهم لم يلتزموا بها..
    فلا استغراب أن يكون تعليمنا هكذا لا يعلم التفكير..
    وبدله يتم حشو العقل بكلام طوباوي مثالي
    فينشأ لك مجتمع كل قناعته تعتمد في رسوخها على عدم التفكير لتتحول بفضل قدمها إلى أعراف وتقاليد يتم الاحتجاج بها وهكذا (rinse and repeat) إلى ما لا نهاية…

  • Hassan
    الخميس 18 يناير 2018 - 10:41

    في المغرب الجامعة يسيرها رئيس معين , الجامعة ليست لديها اي استقلالية, و استقلالية الجامعة هي احدى توصيات المواثيق الصادرة عن اعلان ليما في الثمانينات و تحت اشراف اليوتيسكو و اعلان دارالسلام,,,

  • moha
    الخميس 18 يناير 2018 - 12:16

    حديثا عن شهادات كثيرة جامعية معطوبةدون مقدمات سأتكلم من تجريبتي الخاصة،انا شديت ماستر فالاعلاميات ف2010شي واحدين خرجوا ليهم الديبلوم شهرين بعد النجاح،شي واحدين بعد5 شهور،ماشي مشكل،دفعت لعدة وزارات وشركات مع دراري،ومنها وزارة الداخلية عيطوا على2 بدون مبارة ولاهم يحزنون،ماشي مشكل،شركت مع مجموعة الشعل للمعطلين تظاهرات والسليخ والمساهمات،وجا الربيع العربي،وقامت الدولة بتصفية ملف المجموعات اللي كانوا فالشارع،وبقدرة قادر ماكنتش منهم،مشيت لبكاري قال لي صحابك اللي حيدوك،ما علينا،شركت فمجوموعة خرى هي الانبعات طلعت فالتنسيقية المستقلة ولات حرب بينا وبين المعطلين الاخرين،وقعت معنا الدولة محضر 20 يوليوز،وقالو الميزانية ما كفياش تسنوا العام الجاي،طلع بن كيران قال لينا سيروا للمحكامة مشينا حكم لينا السي الهني حيدوه،ما علينا دفعنا لمباريات عيطو على دراري المعدل ديالي احسن من ديالهم،وغير ندوزا حيدونا،وعود تاني بقدرة قادر نجحوا،دفعنا للتعليم ماقبلوناش حيت الشهادة ديالنا مامساوياش الاجازة،اش من تعليم بنادم بلا مايضع ولادوا،اعلمهم حرفة وبرك عليه،اما هاد الشي راه فايت الظلم والنحس

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 4

أجانب يتابعون التراويح بمراكش