التباس مفهوم الأنا والآخر في عالم عربي متغير

التباس مفهوم الأنا والآخر في عالم عربي متغير
الإثنين 22 يناير 2018 - 04:01

حالة الفوضى التي يشهدها العالم العربي ليست من نوع الحروب الأهلية أو الثورات الخلاقة التي تضطر إليها الشعوب في بعض المنعطفات التاريخية للخروج من عنق الزجاجة وتجاوز حالة استعصاء لم تفلح معها المعالجات السياسية السلمية، فهذا النوع من الحروب الأهلية حتى وإن نتجت عنه فوضى فهي تنتمى إلى الفوضى الخلاقة – بالتأكيد ليس الفوضى التي بشرت بها كونداليزا رايس في عهد أوباما – لأنها تستولد في أغلب الحالات جديدا أفضل مما كان موجودا في كل مناحي الحياة، في السياسة والاقتصاد والثقافة والفكر الخ.

أغلبية الحروب الأهلية والثورات وبالرغم مما صاحبها من ويلات فقد أسست لأفكار وأيديولوجيات وأوضاع اجتماعية وسياسية واقتصادية شكلت شبه قطيعة بالمعنى الإيجابي مع ما كان سابقا. الثورة الفرنسية عززت ونشرت مفاهيم الحرية والمساواة وإرادة الأمة، والثورة الأمريكية عملت على توحيد الولايات الأمريكية وأسست لنظام ديمقراطي مهد الطريق لإلغاء العبودية، والثورة الروسية في أكتوبر 1917 أنهت النظام القيصري، وهكذا بالنسبة لكل الثورات والحروب الأهلية في أوروبا التي وضعت القارة في طريق الديمقراطية والتحضر، الأمر نفسه بالنسبة لثورات التحرر الوطني ضد الاستعمار التي نقلت الشعوب من حالة العبودية إلى الحرية والاستقلال.

ما يشهده العالم العربي اليوم لا علاقة له بما سبق، بل هو فوضى هدامة وحروب أهلية طائفية ومذهبية وصراع حول المصالح والمغانم، أغلبية أطرافها المتصارعة ليست نتاج تطورات داخلية أو صيرورة لتفاعلات داخلية خالصة، بل تمت صناعتها ويتم تمويلها خارجيا.

ما يثير القلق من الحالة العربية الراهنة ليس فقط الجانب السياسي وتمظهراته، زعزعة مرتكزات الدولة الوطنية، سيطرة هاجس الأمن على حساب متطلبات التنمية المستدامة، تزايد النفوذ الأجنبي والتبعية للخارج، وتطاول دول الجوار على الأمة العربية، فهذا الخراب المادي والسياسي يمكن مواجهته وتعويضه نسبيا.

الخراب والخطر الأعظم هو ما يتعلق بالهوية والثقافة والتاريخ وزعزعة الثوابت والمرجعيات الجامعة على المستوى الوطني والقومي والإسلامي. ما تشهده المنطقة من فوضى استحضرت مجددا مسألة الهوية وإعادة تعريف (الأنا) و(الآخر) والاستقطاب الهوياتي. (الأنا) اليوم لم تعد العربي المعتز بذاته وتاريخه في مواجهة (الآخر) الغربي والإسرائيلي المُصَنف كعدو تُلصق به كل ما في قاموس اللغة العربية من مثالب، ولا (الأنا) المسلم عنوان الرحمة والعدالة والأمة الوسط في مواجهة (الآخر) المسيحي أو اليهودي (الواجب قتاله حتى يدخل الإسلام أو يدفع الجزية)!

التبس وتغيَر مفهوم (الأنا) ومفهوم (الآخر) كتعريف هوياتي وأيديولوجي استقطابي كما وقر في الفكر السياسي الإسلامي طوال ألف وأربعمائة عام وكما وقر في العقل السياسي العربي طوال مرحلة ما بعد الاستقلال. العربي اليوم يقاتل ويُخوِّن العربي، والمسلم يقاتل ويكَفِر المسلم، كما تشوهت والتبست مفاهيم الوطن والوطنية والمواطن داخل الوطن الصغير أو الدولة الوطنية.

داخل ما كان أو يجب أن يكون وطنا مشتركا التبست وتشوهت الأنا الوطنية، فلم يعد اليوم العراقي أو السوري أو الليبي أو الجزائري أو الفلسطيني الخ هو ذاته في مواجهة آخر يهدد الدولة والهوية الوطنية، بل تشظت حتى الأنا الوطنية وأصبح الآخر العدو من داخل الحالة الوطنية وليس خارجها، بل من كان يوصف كآخر وعدو أصبح اليوم صديقا وحليفا عند البعض.

(الأنا) اليوم لم تعد الهوية الكلية الجامعة بل تشظت وتشظرت لتصبح أنا العائلة والمذهب والطائفة والملة وكل من تلتقي مصالحه معها يصبح جزءا منها حتى وإن كانت إسرائيل أو واشنطن، و(الآخر) لم يعد كل مَن يهدد الأمة العربية والإسلامية والأمن القومي والوطني بل كل من يتعارض مع أنا العائلة والمذهب والطائفة والملة حتى وإن كان مَن شاطرني الوطن والديار والعيش المشترك لمئات السنين.

وهكذا، وسط انشغال الجماهير العربية بفوضى الربيع العربي غابت القضايا الكبرى وكل ما يعبر عن الثوابت والمرجعيات الوطنية والقومية والإسلامية الجامعة، وانزوى المفكرون والمثقفون العقلانيون الكِبار الذين يُبدعون للوطن وللأمة متحررين من الحزبية المقيتة والطائفية الضيقة، وأصبحت الكتابة اليوم في القضايا الفكرية الكبرى وحول الثوابت والمرجعيات وكأنها تغريد خارج السرب أو هروب من مواجهة الواقع.

اليوم كل شيء أصبح مسطحا وبلا هوية وبلا معنى، والأخطر أن الآخر – الغرب وخصوصا واشنطن -هو الذي أصبح يُصنِف ويُحدد هويات ساكِنة المنطقة ويضع الخرائط ويُعيد ترسيم الحدود.

‫تعليقات الزوار

7
  • Rio
    الإثنين 22 يناير 2018 - 07:00

    سيدي الكاتب،
    لقد كتبت موضوعا حول العولمة، دون ادراك و دون ذكرها مباشرة.
    مشاكل الدول العربية بدأت من سقيفة سعادة بعد موت محمد مباشرة، مرورا بمعركة الجمل بين عائشة و علي و التي دهب ضحيتها 30000 مسلم (معظهم صحابة مبشرين بالجنة!!) وصولا الى الكراهية الدفينة بين أهل البيت(الشيعة) و الصحابة (السنة).
    مشكل الدول العربية يكمن في محاولة اجبار الناس على قبول مفهوم الأمة بالقوة، متناسية مدى اختلاف ثقافة الشعوب, و طرق تفكيرهم.
    ان كان إلانا على حق، و الاخر اليهودي الذي يجب قتاله الى ان يدفع الجزية عن يد و هو صاغر، فأنا لا اريد ان أكون من هذه الأمة.
    و شكرًا

  • وعزي المسعور
    الإثنين 22 يناير 2018 - 17:24

    رقم 1

    تقول في تعليقك ما يلي: (( ان كان إلانا على حق، و الاخر اليهودي الذي يجب قتاله الى ان يدفع الجزية عن يد و هو صاغر، فأنا لا اريد ان أكون من هذه الأمة)).

    هل وجدت جملة أو كلمة أو مجرد إشارة في مقال الكاتب المحترم يُلمٍّح فيها تلميحة بسيطة لضرورة قتال اليهودي إلى أن يدفع الجزية لتورد تعليقك المشار إليه أعلاه؟ طبعا الجواب لا.

    أنت قرأت مقالا ينتقد فيه الكاتب الفكر العرقي المنغلق وازدهاره في أيامنا هذا فأسرعت للكيبورد لكتابة تعليقك، لأنك من دعاة العرقية البربرية النتنة الكريهة، ومن النافخين فيها في كل تعليقاتك.. وطبعا يتم ذلك، ليس لله في سبيل الله، وإنما مقابل شي بركة ديال شيكل والدولار والفرنك الفرنسي، كما أن نشر كاتب فلسطيني لمقالاته في جريدة مغربية يستنفر فيك جميع مشاعر الحقد والكراهية التي تكنها للعرب والمسلمين عموما والفلسطينيين خصوصا..

  • Rio
    الإثنين 22 يناير 2018 - 19:13

    الى الأخ المحترم المسعور,
    السيد الكاتب أعطى مثال بالانا "المسلم" و الاخر "اليهودي" و دفعه للجزية، و أنا أبديت رأيي و قلت انني لا اريد ان أكون من أمة لها تفكير إقصائي، فاشي، نازي و رجعي.
    اتهمتني بأنني ممول من جهات مجهولة، و انني أدافع عن قضية تعتبرها نتنة و كريهة، رغم ان أغلبية المغاربة أمازيغ أو خليط من عرب و أمازيغ . هذه يا اخي مصطلحات و ادعاءات تبين ان مستواك في النقاش و مستواك الاخلاقي محدود جدا.
    تقبل تحياتي.
    و شكرًا

  • sam
    الإثنين 22 يناير 2018 - 20:46

    rio رقم 3

    أعدت قراءة المقال جيدا ولم يدعو الكاتب فيه إلى قتال اليهودي إلى أن يدفع الجزية وهو صاغر، كما جاء في تعليقك، أنت الذي افتريت عليه وقوَّلته تلك الجملة كذبا وبهتانا، ومعروف عن البربر العرقيين المتعصبين حقدهم على العرب والمسلمين عموما والفلسطينيين خصوصا، وموالاتهم لدولة الأبارتايد إسرائيل.. لم آت بأي شيء جديد، فليس من الأخلاق في شيء الافتراء على الكتاب وتقويلهم ما لم يقولوه..

  • Rio
    الإثنين 22 يناير 2018 - 21:21

    الى الأخ sam,
    الكاتب قال و بالحرف ما يلي:
    ولا (الأنا) المسلم عنوان الرحمة والعدالة والأمة الوسط في مواجهة (الآخر) المسيحي أو اليهودي (الواجب قتاله حتى يدخل الإسلام أو يدفع الجزية)!
    لم اقل في تعليقي ان السيد الكاتب أيد الفكرة، بل قلت ان من يُؤْمِن بهذا المنطق فهو نازي، فاشي، رجعي و ارهابي.
    اضم ان ما لم يعجبك في تعليقي هو سرد الحقيقة المرة التي لا يريد العرب الاعتراف بها، و هي ان الصحابة المبشرين بالجنة و أهل البيت تقاتلوا فيما بينهم من اجل السلطة. و ان الصراع ليس وليد الامس القريب كما يحاول السيد الكاتب إيصاله للقاري بل بدا قبل دفن محمد.
    ما دخل القضية الفلسطينية في الموضوع؟
    و شكرًا

  • sam
    الإثنين 22 يناير 2018 - 23:02

    إلى 5 -Rio

    إذا كنت تعني حقا أن الكاتب لم يؤيد فكرة وجوب قتال اليهودي إلى أن يدفع الجزية صاغرا، فهذا أمر جيد، وأنا معك في أن كل من يدعو إلى مثل هذه الأفكار الدينية ا, العرقية المتعصبة والإقصائية نازي وفاشي ورجعي ومتخلف.

    إذن نحن على اتفاق، وإذا كان الصحابة المبشرين قد تقاتلوا من أجل السلطة، فتلك أمة قد خلت لها ما لها وعليها ما عليها، وليس العرب وحدهم من تحاربوا بينهم من أجل السلطة، في كل بقعة من العالم سفكت الدماء من أجل السلطة والغنيمة، ففي المغرب ذبح المرابطون البورغواطيين، واستأصل الموحدون المرابطين، وأنهى المرينيون من الوجود الموحدين، وهؤلاء جميعهم كانوا بربرا، واقتتلوا بينهم ولم تشفع لأي منهم نزعته البربرية للخلاص من الهلاك على أيدي البربري الآخر. فالبربر ليسوا استثناء في مجال الصراع على السلطة لكي تخص به العرب لوحدهم.

  • amahrouch
    الثلاثاء 23 يناير 2018 - 10:03

    Sam 6,oui c est vrai toute l humanité s était entre-tuée au Moyen Age et après.Mais toute l humanité a quitté les idées causales de ces drames sauf les arabes.Ces derniers continuent à nourrir les germes de la discorde humaine et propager la haine contre les non musulmans voire même les chiites.Au lieu d appeler à la révision de notre religion et de notre Histoire pour sortir de ce chemin que nous a tracé le Salef et échapper à ses retombées,vous voilà qui campez sur ses positions faisant fi de tout ce que nous pourrions subir.Al Aqsa que le calife Omar avait ordonné de construire sur un site judéochrétien nous cause problème aujourd hui.Le sunnisme et le chiisme menacent de nous faire exploser de nouveau.Ya ssi Abdesslam,ya Ou3azzi,ya Hafida tkaiss 3la rassek je vous vois rempli de haine envers vos concitoyens.Ce n est pas bon

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 7

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس