20 فبراير: درس تاريخي

20 فبراير: درس تاريخي
الأربعاء 21 فبراير 2018 - 02:35

عندما يبدأ العزف لا نعود في حاجة إلى الجدل، على الجميع أن ينزل من سلم الأنانية، ويخضع لقانون العزف، ويستمتع بتراتيل المستقبل. إنها مشيئة التغيير لمن يريد أن يستمع إلى صوت الحكمة. إنه درس تاريخي للذين يُخْلِصون إلى حاسة السمع.

الموسيقى أدب إنساني، تجرف كل الأوساخ والتعفنات التي تكون عالقة بالأذن باعتبارها إمبراطورية شاسعة الأطراف، ولا تتوقف عند هذا الحد، بل تسافر بهدوء إلى سماء الروح لتستوطن كل أرجائها المعتمة.

عندما نزلت جماهير 20 فبراير إلى الشارع وهي تنشد أغنية الوطن وكرامة المواطن، كمطر خفيف على بدن الدولة المتضخم وعلى عقلية الواحد المهيمن، لتغسل ما علق بهما من أوهام التحكم وترسبات العبودية المقننة، لم يكن هناك من خيار آخر سوى هذا النزول المهذب إلى الميدان في مواجهة المتطرفين من مصاصي دماء البؤساء باسم الدولة وهيبة الدولة.

إن هذا الاختيار لم يكن مغامرة، وإنما حس ووجود تاريخي لصناعة المستقبل الذي أصبحت تقامر به الفئوية المترهلة التي تقتات من سيرورة العهدين القديم والجديد وريعه الفائض. ولهذا كان الاعتقاد أكبر عند جل شباب المغرب بأن التغيير قدر لا مفر منه، وبأن زمن الحلم لا يمكن إيقافه أو مصادرته..أليس الحلم هو بداية البدايات؟.

هل كان ضروريا أن “يسقط الفساد”؟ هذا من الشعارات البدائية التي بُحَتْ بها حناجر المحتجين، وهناك من تعرض للضرب والاعتقال، وهناك من وصف بأقذع الأوصاف واتهم بأشد الاتهامات. أليس هذا مؤشر كبير على أن الشيطان يسكن في كل تفاصيل الدولة وأكثر من ذلك؟.

الاحتجاج ركن من أركان التوازن المجتمعي وسيرورته، هو جرس نبيل للنائمين على جثث المقهورين. والمحتجون هم حراس أوفياء على نبض الوطن حتى لا يتوقف عن الخفقان. أما تهمة المؤامرة ومحاكمة النوايا فهي إعلان صريح عن استمرار الجراح وصناعة التطرف المضاد.

واليوم، بعد مرور سبع سنوات، الجميع يتحدث عن انتصار المغرب، ملكا وشعبا، لما حققه من استقرار، لكن التنمية في بعدها الديمقراطي ظلت الغائب الأكبر، وبذلك لم تعد النخب السياسية تنتج سوى التراشق بالكلمات النابية بدل النضال على تنزيل الملكية البرلمانية بكل أبعادها التشاركية.

والآن الاحتجاجات على أشدها في عدة قطاعات وفي أكثر من منطقة، ترفع الشعارات نفسها وتطالب بالمطالب نفسها التي رفعتها حركة 20 فبراير، أهمها ربط المسؤولية بالمحاسبة، والتوزيع العادل للثروة، لكن يبدو أن هذين المطلبين لازالا بعيدين عن التحقق في المدى القصير.

تجدر الإشارة إلى أنه حان الوقت أن تفكر الدولة بالجدية المطلوبة في تحويل يوم 20 فبراير إلى عيد وطني يحتفل به كل المغاربة داخل الوطن وخارجه، واعتماد جل المطالب التي طالبت بها الحركة بمثابة خريطة طريق نحو الانتقال الحقيقي للديمقراطية، مع التوثيق لأسلوبها الحضاري في الاحتجاج، الذي حافظ على وحدة المغرب واستقراره.

وعلى هذا الأساس، فعندما يكون التغيير مطلبا جماهيريا، وبطرق سلمية وبموسيقى هادئة، فهذا دليل على وجود وعي جماعي وحب عظيم للوطن. أليس الحب هو كل شيء مشترك كما كان يردد شمس التبريزي؟.

تذكروا جيدا أن هناك أمرا واحدا يمكن أن يهيج الحيوان أكثر من اللذة، هو الإحساس بالألم، فما بالك عندما يكون إنسانا، ويتعرض لأنواع شتى من الآلام لفترة طويلة من الزمن، لا تفاجؤوا عندئذ، فكل الاحتمالات ممكنة.

*كاتب وباحث

‫تعليقات الزوار

1
  • mohammed
    الأربعاء 21 فبراير 2018 - 14:59

    نتمنى تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة والعيش الكريم لكل المغاربة مزيدا من النضال الحقوقي لخلق الوعي النضالي للمطالب الاجتماعية

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة