تشرشل ضيفا بمعرض الكتاب

تشرشل ضيفا بمعرض الكتاب
السبت 24 فبراير 2018 - 10:26

فقدت الثقة، منذ مدة طويلة، في المهرجانات الثقافية والسينمائية ومعارض الكتاب؛ لأنها مجرد فضاءات للاستهلاك والتقاط الصور لبعض “الفنانين والكتاب”.. لكن فكرت أن أتوقف عن هذا الصوم القاسي، وفتح صفحة جديد مع عالم الكتب، وأصبحت منذ ثلاث سنوات أزور معرض الكتاب بالدار البيضاء.

وأول ما يشد انتباه الزائر وهو يقوم بجولة قصيرة بين صفوف عارضي الكتب الانتشار المهول للكتب المدرسية مرتفعة الأسعار وفارغة المحتوى، وكتب الطبخ على مختلف الأحجام..

غريب هذا الأمر، الوطن العربي أصبح لا يفكر سوى في بطنه، نحن المغاربة لا نتحدث سوى في اختراع وحيد وأوحد هو “اختراع الأكلات الشهية”.. تحولنا بقدرة ما إلى مجتمع استهلاكي بامتياز، يتحدث عن الأكل كموضوع يسبق كل المواضيع التي تهم الشأن العمومي، وهذا أكبر خطر على مجتمع عندما يصبح يفكر من خلال بطنه.

أمر غريب يشد كذلك الزائر هو الإنزال المهول “للكتب الدينية”، وأكثر العناوين إثارة ما يتعلق بـ”عذاب القبر” و”عقاب الآخرة” و”الحصن الحصين” والعديد من الأقراص عليها مواعظ الدعاة الجدد في العديد من القضايا.

والمثير في الأمر هو أن أغلب هذه العناوين تجد على أغلفتها صورا للأفاعي بالحجم الكبير ووجوه مفزعة، وهو ما يجعلني أتساءل: “لماذا العديد من الكتب “الدينية ” وهذه التسجيلات تركز على عنصري الرعب والترهيب في التعاطي مع المسلمين؟ لا أعرف لماذا يتم تغييب عنصر أساسي وجوهري في ديننا الحنيف، وهو عنصر الجمال. إن الدين الإسلامي دين مبني على عنصري الجمال والفرح وليس القبح والخوف، نحتاج إلى وقت طويل من أجل التخلص من عقدة الخوف الذي يسكننا، علينا أن نصفي تاريخ القبح من نصوصنا ومن كتبنا المفروضة علينا فرضا.

في المساء، وأنا أتجول بين العارضين ، استوقفني أحد الصحافيين بإحدى القنوات التلفزيونية المغاربية، وطلب مني باعتباري زائرا للمعرض أن أقدم تصريحا للقناة التي يعمل لصالحها حول بعض الانطباعات عن المعرض الدولي في نسخته (…) ، قلت ما كان يحز في نفسي بدون لف ولا دوران، وأضفت “أن المعرض مجرد واجهة من واجهات السياحة لا يختلف عن المهرجانات التي تنظم طيلة السنة، والثقافة لا تصنع في المعارض وإنما تصنع في المدارس الحقيقية”، مثل الحياة توجد في مكان آخر على تعبير ميلان كونديرا في روايته الجميلة.

انسحبت بسرعة واتجهت، صوب جناح الأفارقة، فارغ بكامله، لا أحد يهتم بالثقافة الإفريقية، ولا أحد يعرف شيئا عن الأدب الإفريقي، المغاربة يحاولون الانسلاخ بالمرة عن إفريقيا، إنها مصدر الجوع والأوبئة والحروب.. هذا ما تقدمه القنوات الدولية؛ لكن لا أحد سأل يوما من المسؤول عن هذه الوضعية؟ ولا أحد فكر يوما وتساءل: لماذا لا نقرأ الشعر والقصص الإفريقي؟ لماذا كُتُبُ إفريقيا لا تنزل إلى السوق؟ ولماذا لا يتم ترجمة المنجز الإفريقي؟ لماذا هذا التغييب الممنهج لهذا الإرث العظيم؟ ربما قِبلة وعطور باريس لم تتركا لنا أي فرصة للالتفات إلى جذورنا الحقيقية باستثناء ما يقوم به العاهل المغربي وبعض المتطوعين الشرفاء في الآونة الأخيرة من اهتمام لهذه القطعة الجغرافية المغيبة في كل شيء.

أثار انتباهي، وأنا أتجول، المجموعة الكاملة للمسرحي الكبير وليام شكسبير بأحد الأجنحة المصرية، وهي فرصة لي للاطلاع على هذا العظيم، فاقتنيت المجموعة كاملة، وهي غنيمة لم تكن في الحسبان.

شعرت بالناشر تغيرت ملامحه، وبدت علامات الانتشاء كأنه فاز في مسابقة ، ومن شدة فرحه سلمني كتاب “مذكرات تشرشل ” في جزأين بالمجان.

بعد عودتي من المعرض، بدأت في قراءة “مذكرات تشرشل” وكم كانت مفاجأتي كبيرة عندما اكتشفت أن الرجل كان جد متواضع في دراسته، وانسحب من الدراسة وهو لا يزال في الأقسام الثانوية، ليلتحق بالمدرسة الحربية الملكية في ساهندهيرست وتخرج منها عام 1894، كانت مهمته الأولى مع الجيش الإسباني في كوبا الذي كان يقاتل الكوبيين، ثم أرسل إلى الهند حيث قضى مدة طويلة، كانت كافية لقيامه بنوع من التربية والتثقيف الذاتيين، فقد كانت أمه ترسل له صناديق من الكتب، وكان يطالعها كلها، وقد تأثر بالمؤرخين غيبون وماكولي وبنظرية داروين في النشوء والارتقاء.

والمثير في المذكرات، كما يحكي تشرشل، هو أنه كان كلما غادر منصب الوزارة، حيث تقلد العديد من المناصب الوزارية، كان يجلس عاطلا عن العمل، وأول من كان ينقذه من الجوع والعطالة هي الكتب؛ فقد كان يعيش من خلال ما يصدره من كتب ومن مقالات متعددة كان ينشرها بالصحف البريطانية.

في الحقيقة، عندما أنهيت الجزء الأول من المذكرات فهمت جيدا أن أزمة الوطن العربي وتخلف شعوبها تكمن في خيانتها العظمى للكتاب، وفهمت جيدا أن بريطانيا التي لا تغيب فيها الشمس، لم تختر ونستون تشرشل القائد الكبير عبثا ليدافع عنها من وحشية هتلر، مستعينا بمقولته الشهيرة: “إن الإجابة الوحيدة على الهزيمة هي الانتصار”؛ إلا أن سلاحه الوحيد لتحقيق ذلك هو المعرفة، هو تشبثه الشديد بالكتاب الذي يرفض أغلبية مسؤولينا الاعتراف به كمدخل أساسي لصناعة المستقبل.

*كاتب وباحث

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30

احتجاج أساتذة موقوفين