ما هي علاجاتكم للرشوة الداء القاتل؟

ما هي علاجاتكم للرشوة الداء القاتل؟
الخميس 22 مارس 2018 - 04:46

الرشوة، وبشهادة كل الفاعلين الحقوقيين والسياسيين المغاربة، أصبحت وباء متناسلا في الإدارة المغربية، يتعاظم حضورها في ظل منظومة الفساد التي باتت تهدد كيان المجتمع المغربي في أمنه وعدله واقتصاده وقيمه وأخلاقه، بعدما أصبحت مقرونة باستعمال النفوذ والسلطة.

يعود تفشي داء الرشوة في شرايين الجسد الإداري المغربي إلى أسباب عدة، منها القانونية التي تعود إلى عدم نجاعة الجهاز القانوني نتيجة قلة النصوص الزجرية أو نتيجة تعقيدها أو تعطيلها، أو لغياب الرقابة أو ضعفها، أو لعدم وجود إستراتيجية متكاملة ضدها، وتبعا لذلك ظلت المتابعات القضائية التي تمت أمام المحاكم العادية أو محكمة العدل الخاصة، نهاية القرن الماضي، ظلت متابعات استثنائية وانتقائية، بل إن حملات التطهير التي شهدها المغرب في بعض الفترات، كانت تستهدف محاربة المخدرات والتهريب وليس محاربة الرشوة، رغم كون هذه الأخيرة شكلت دائما أداة مشتركة للعاملين السابقين.

هكذا ظلت الرشوة من الجرائم المسكوت عنها، التي لا تنفع معها الحملات التحسيسية الموسمية ولا التعبئة الظرفية، لأنها اعتبرت دائما أداة لممارسة السلطة وللتعاطي السياسي الذي يرتبط بمسلسل للاندماج الوطني إزاء محيط وتقسيمات اجتماعية، وخصوصيات عرقية أو جهوية أو سياسية.

وفي قراءات المحللين والباحثين لمعضلة الرشوة، في بلادنا، أن أسبابها اقتصادية وإدارية متعددة:

1. الأسباب الاقتصادية:

تنشط الرشوة في ظل السوق السوداء الناجمة عن تدخل أجهزة الدولة في دورة النشاط الاقتصادي، كما تطرح ذلك المدرسة النيوليبرالية التي ترى أن تقوية ظاهرة الرشوة ترتبط بتقوية نفوذ الدولة وبتنامي سلوكات البيروقراطية المعدلة لخروقات مسطرية، في حين يرى المناوئون للتصور النيوليبرالي أن بروز مشكل الارتشاء يكمن في تصدع القيم الأخلاقية واندحار الحس الوطني في تدبير الشأن العام، وتآكل شرعنة الدولة، علاوة على انهيار القيم الجماعية في ظل تنامي الأنانية والفردانية والبرغماتية، أي انتشار ظاهرة الرشوة بسبب ضآلة الأجور أو جمود الترقيات.

2. الأسباب الإدارية:

تكمن في لجوء المواطن إلى الرشوة ليجعل الإدارة رهينة في يده، أو على الأقل ليتقي شرها، فلولا وجود راشين لما كان هناك مرتشون كما يقول المثل العرب؛ “فالذئب لم يكن ذئبا لو لم تكن الخرفان خرفانا”، أو في الاستبطان الفكري أو التشبع العقلي باللجوء إلى الرشوة، وهذا ما حذا بالبعض إلى القول إن الرشوة قبل أن تأخذ شكلها النقدي تبدأ برشوة الفكر، بسبب تناقضات لا يمكن تجنبها بين ما يمليه الضمير الفردي وما تمليه المصلحة.

هكذا بدأت الرشوة تنعكس على مختلف مناحي الحياة، بتراكم السلبيات الاقتصادية والإدارية والأخلاقية والقانونية، وأدت في نهاية المطاف إلى فساد الطباع والانحلال الخلقي والتفسخ الاجتماعي؛ إذ ساعدت على تنامي ظاهرة تهريب المخدرات، وتفاحش الجريمة، وبالتالي الانفلات من مؤسسة الزجر، كما أفرزت أزمة ثقة وفقدانها في الإدارة، وعدم جدوى القوانين، وبالتالي المس بمصداقية الدولة، وطغيان التوجه المادي لدى الفرد والمجتمع.

وبشهادة المراقبين والخبراء، فإن الرشوة في الإدارة المغربية أصبحت عنوانا بارزا لهويتها، تمارس على نطاق واسع، حيث تحولت إلى “عملة” يحصل بها المواطن على وثيقة رسمية، أو شهادة أو رخصة، أو ليستفيد بها من خدمة قانونية… أو من هضم حقوق الدولة أو العدالة.

فالرشوة لا تؤدي فقط إلى هضم حقوق الآخرين، ولكنها تؤدي إلى اغتصاب موقع انتخابي/ إلى الحصول على وظيفة عالية خارج شروطها/ إلى الحصول على قرض/ أو الحصول على صفقة خارج القانون.

ويعتبر الخبراء أن الأموال التي تروج في الزمن الراهن، في قطاع الرشوة، تفوق الأموال التي تروج في بعض القطاعات المنتجة.

وبشهادة “المنظمة المغربية لحقوق الإنسان”، فإن الرشوة بالإدارة المغربية أصبحت تعيق التمتع بحقوق المواطنة المتأصلة، كيفما كانت هذه الحقوق، مدنية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، وبسببها تنامت آفة التهريب والاتجار في المخدرات والعهارة والتملص الضريبي؛ إذ أصبح الإفلات من العقاب يرتبط بالرشوة وبأساليبها المختلفة.

وفي نظر العديد من الباحثين والخبراء، فإن الرشوة في القطاع الإداري المغربي لا تعمل فقط على إعاقته ولكنها أيضا تحرف التعبير الحر عن الإرادة السياسية الجماهيرية، وتحول دون الممارسة الحرة للمشاركة السياسية، تصويتا وترشيحا، وتمس المشروع الطموح للديمقراطية، وتمس بحميمية حقوق الإنسان ودولة الحق والقانون والمؤسسات.

وفي نظر العديد من الخبراء، فإن الرشوة في القطاع الإداري تفضي إلى خلق أولويات غير معقلنة لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتستجيب لإطماع الأفراد، وتؤدي إلى ضرب مبدأ المنافسة الاقتصادية واغتيال روح الابتكار، كما تؤثر على سير جودة المنتوجات وتكلفة انجازها ولا جدوى الخدمات، وبالتالي تعمل على التأثير السلبي في قيمة العمل بسبب تمركز الثروة وسوء توزيع الدخل.

وقد اعتبرت الجمعيات المغربية المحاربة للرشوة، في إعلاناتها ودراساتها المتعددة، أن وجود الرشوة في الإدارة المغربية يعتبر اضطهادا للإنسان/ للمواطن، لأنها (أي الرشوة) تؤخذ بالإكراه المادي والمعنوي وتكرس عدم المساواة في الفرص بين المتنافسين والمتبارين، أفرادا وجماعات ومؤسسات.

واعتبرت هذه الجمعيات أن الرشوة مس سافر بحقوق الإنسان، تعمل على تحويل الخبرات العمومية لجهة مصالح خاصة، وتشكل عائقا للتنمية، ومسا بحقوق الشعب والتحكم في موارد عيشه.

إن الرشوة في نظر هذه الجمعيات، بانسيابها داخل آليات الاقتصاد والإدارة والسياسة والقضاء، تحل المحاباة محل المساواة، والامتياز محل الحق، فتخرق مبادئ المساواة وعدم التمييز في المعاملات العمومية، كما في المبادلات الخاصة.

وترى العديد من التحقيقات الإعلامية أن الرشوة بالإدارة المغربية لا تمس فقط الأخلاق والقانون والعدالة، بل تعمل على تدمير البناء الاقتصادي والنظام السياسي والهيكل الإداري. وعموما تزرع فتيل التوتر ما بين الإدارة والمجتمع، وتمتد آثارها إلى البيئة والصحة العامة وسلامة الأفراد والمجتمع.

وترى العديد من القراءات العلمية/الاقتصادية/القانونية حول ظاهرة الرشوة في الإدارة المغربية أن الرشوة “في الصفقات العمومية” تؤثر بشكل بين وواضح على اختيار الأطراف الخاصة التي تقوم بتوريد السلع والخدمات العمومية؛ إذ يصبح معيار الاختيار بين هذا المورد وذاك هو من يدفع أكثر وليس من ينجز أفضل.

أما في مجال الضريبة العمومية، فترى هذه القراءات أن الرشاوى تستخدم للتقليل من مبالغ الضرائب أو الرسوم الجمركية التي تدفعها الشركات والأفراد إلى الدولة، ومن ثمة يصاب النظام الضريبي بالخلل ويتقلص الإنفاق العام على القطاعات الحيوية بالبلاد.

وفي القطاع القضائي، ترى العديد من القراءات الإعلامية والسوسيولوجية أن معضلة الرشوة تشتعل بشكل قوي في هذا القطاع؛ إذ يلعب مبلغ مادي يقدم إلى القاضي دور نزع الحقوق والملكية وربما الحرية وأرواح الناس بغير حق.

‫تعليقات الزوار

9
  • Farid
    الخميس 22 مارس 2018 - 08:15

    La corruption ne doit pas être étudiée de manière isolée par rapport à la situation générale de la société marocaine. La notion d'interdit au sens moral et juridique perd de plus en plus de sens chez nous. La société vit dans une effervescence collective qui fait reculer les limites et les frontières. Tout le monde veut y arriver vite, ici et maintenant. La religion -qui était un rempart opérant de manière automatique au niveau de la majorité- a été modelée au gré des besoins. Des pans entiers de territoires sont bradés chaque jour au nom de la modernité et de ce vague sentiment d'appartenance à je ne sais quel modèle. Dans ce contexte, la corruption n'est qu'un outil et catalyseur parmi d'autres permettant aux deux parties d'être en phase avec ce manège collectif .

  • عبد الرحيم فتح الخير
    الخميس 22 مارس 2018 - 09:40

    انعدام الأخلاق ، وغلبة الأنا ، وغياب الرقابة ، وفساد المحيط ، وتواطىء الدولة ، وصمت المواطن ، وتطبيعه مع الرشوة ، ودهن السير لكي يسير ، جعلها قاعدة عامة وعرفا بقوة القانون يجمعه مع الإدارة . وميثاق خسة ، ودناءة غير مكتوب ، بين موظف متعسف ، ومواطن لايلتزم . ومن تدليس الأقدار أن تبرر الرشوة بهزالة الرواتب ، فهذا الزعم لايصمد أمام الواقع ، ويكذبه جرد بسيط لممتلكات كبار الموظفين التي تعادل رواتبهم لألف سنة من العمل المتواصل . فهل تملك الدولة إرادة قوية في محاربة الرشوة ، لا أعتقد أنها تريد ، وأبصم بالعشرة . فإذا كنت وأنا المواطن البسيط أرى الفساد ينخر جسد الإدارة ، وأستطيع توريط عشر مرتشين في اليوم الواحد ، وكذالك بائعة البغرير ، فمن المستحيل أن نزعم أن الدولة لاتعلم ، غير أنها تتغاضى ولسان حالها يقول يا حبيبي كلنا لصوص .

  • KITAB
    الخميس 22 مارس 2018 - 10:43

    الشيء الذي يبعث على القرف هو أن نجتر تساؤلات السنين الغابرة "الرشوة" هذا الداء خلق مع وجود أول تجمع بشري على هذه البسيطة وأخذ أشكالاً مختلفة مع التطور المدني، وأثره يمتد حتى إلى داخل الأسرة الصغيرة حينما يقدم أحدهم على استعمال البرطيل في استقضاء حاجياته… إن المناداة باقتلاع هذه "الجرثومة" كمن يصيح متى يمكن وضع حد للمداهنة والمنافحة أو متى يمكن للطب البشري أن يفني إلى غير رجعة ديدان البطن البشرية ؟؟! ، وتحياتي

  • الرشوة ظاهرة ...
    الخميس 22 مارس 2018 - 12:04

    …اجتماعية موجودة حتى في البلدان الراقية المتقدمة.
    التقليل منها يتطلب معالجة معضلات الجهل والجهالة والفقر و الاستكانة.
    في النظام الليبيرالي الراسمالي لا بد من توسيع دائرة الطبقة المتوسطة الميسورة لتمثل نسبة 60 في المئة على الاقل من عدد السكان.
    هذه الطبقة المتعلمة الواعية هي التي تكون صلة الوصل بين الفئة الغنية والطبقة الفقيرة ، وهي التي تواجه طغيان المستغنين وتحدث التوازن في المجتمع.

  • إلى صاحب تعليق الرشوة ظاهرة
    الخميس 22 مارس 2018 - 12:14

    الطبقة المتوسطة التي تدعو إلى توسيع قاعدتها هي المكون الرئيسي لأغلب المرتشين المغاربة وعليه يبقى القضاء على الرشوة هو تفعيل القانون الصيني الذي يعتبر الرشوة من الجرائم الخطيرة والتي يحاكم من تبث تورطه فيها بالإعدام ولو كانت خمسة دراهم .

  • محمد أيوب
    الخميس 22 مارس 2018 - 17:59

    السهل والقاسي:
    علاج الرشوة سهل لكنه قاسي جدا على من اعتاد الارتشاء..سهل لأنه يجب أن يبدأ بكبار القوم ومن غير تمييز ولا تحيز ولا محاباة أو مجاملة مهما كان منصب المرتشي..وقاسي لأنه سيطال وجوها مألوفة لدى المواطن بحيث تعتبر تلك الوجوه من:"النخبة"التي تظهر بشكل شبه يومي هبر وسائل الاعلام وتتبجح بالدفاع عن المواطن وانتظاراته بينما هي في الحقيقة تكدس الثروات.. سهل بتطبيق مبدأ:من اين لك هذا؟..فالمخزن يعاين تكديس الثروة من طرف موظفيه على مختلف درجاتهم ورتبهم وفي ظرف وجيز،لكنه لا يحرك ساكنا لأنه لا يريد"ازعاج"خدامه مهما سرقوا وأفسدوا ونهبوا..تشتكي"الحكومة"من ارتفاع نسبة الأجور في نفقات الميزانية العامة لكنها تتغاضى عن المتهربين من أداء الضرائب وعن ناهبي المال العام وعن الفاسدين والمفسدين وتعفو عنهم بشعار:"عفا الله عما سلف"..انها تقبل أن تضحي بالصغار ليبقى الكبار في منأى عن المتابعة والمحاسبة..تتقن الحكومة رفع الشعارات لكنها تعجز عن تنزيلها على أرض الواقع لتبقى دار لقمان على حالها..نعاين كيف يتصرف مسؤولو الدول الديموقراطية الحقة في المال العام ونقارن ذلك بمسؤولينا نحن فيتبين لنا الفقارق الكبير.

  • الحسن لشهاب
    الجمعة 23 مارس 2018 - 09:42

    في راي وبما ان الرشوة تنوب عن الزابونية و المحسوبية و المصاهرة ،و بما ان الاموال لها كلمة ثقيلة في النظام الراسمالي التقليدي المتبع ،ادن لا يمكن محاربة الرشوة دون محاربة الزابونية و المحسوبية و المصاهرة مع العائلات العريقة كما نقول في ثقافتنا العربية المتخلفة،حيث ليس من العدل ان يكون حلالا على من يتخد الزبونية و المحسوبية و المصاهرة وسيلة لتحقيق اغراضها ،و يكون حراما على من يتخد الرشوة و الهدايا وسيلة لتحقيق نفس الاهداف…

  • معضلة الرشوة
    الجمعة 23 مارس 2018 - 11:26

    معضلة الرشوة صعب القضاء عليها لأنها تتوغل فى كل مفاصل الدولة ويتعامل بها الكبار قبل الصغار فلا تخلو أى إدارة عمومية وحتى خاصة منها لا يمكن أن تحصل ولو على شهادة السكنى دون أن تعطى رشوة أما الصفقات الكبرى فى المحاكم وغيرها فهى صفقات خيالية لتأخذ حق الغير .. مغربنا الحبيب متجه نحو الهاوية … والفساد الإدارى والسياسى ضرب أطنابه لقد شكل دولة داخل دولة تحميه وترعاه ومن يصلح الملح إذا الملح فسد …

  • fati
    الثلاثاء 27 مارس 2018 - 08:28

    للقضاء على الرشوة يجب الإنصات للمواطنين فالمواطن و في كثير من الأوقات يدفع مقابل ما يعتقده حقا من حقوقه.
    فإذا وجد إنصاتا سيكون هناك حالتان إما أن نساعده على الوصول إلى ذلك الحق أو نقنعه بأن لا حق له فيقتنع و لا يلجأ للرشوة فغالبا هناك سوء فهم بين الإدارة و المواطن الذي يعتبر أنها تعطل مصالحه بدون سبب مقنع فيقوم بإعطاء الرشوة.

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 7

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب