الحوار بين الديانات

الحوار بين الديانات
الأربعاء 4 أبريل 2018 - 16:56

إذا كانت التيارات الإسلامية المتطرفة تنادي بالعنف و”الجهاد” كوسيلة لفرض آرائها على “الآخر” أو تأكيدا لمواقفها من قضية معينة؛ فإنها تعتبر من التيارات التخريبية والدخيلة على الإسلام والأمة المسلمة، ذلك أن الاتصالات بين العالم الإسلامي وباقي الديانات مرغوب فيها؛ لأن المسلمين من واجبهم احترام أهل الكتاب؛ أي المسيحيين واليهود، وهذا من أهم الأسباب التي تدعو المسلمين إلى عدم رفض الحوار.

نعم لقد قامت الإمبراطورية الإسلامية، وكانت الفتوحات الإسلامية؛ ولكن وجب التنبيه إلى أن الإسلام وصل أوروبا من جهتين؛ فقد دخلها من الشرق وشمال البحر الأبيض المتوسط وبلغ “فيينا” كما دخلها عند استقراره في الأندلس والأمران مختلفان تماما.

فلم يحدث أبدا في الأندلس أن تم إحراق شخص مسيحي أو تعرض أي مسيحي لأذى، كما لم يتعرض أي يهودي لسوء المعاملة طوال الحقبة التاريخية التي قضاها العرب في إسبانيا مع العلم أن ثلثي هؤلاء العرب كانوا مغاربة.

وعلى العكس من ذلك، كان هناك الإسلام الذي انتشر عبر طريق الشمال بواسطة قوات الإمبراطورية التي كانت مكونة من أتراك ودروز وحتى بعض الهنود وبلغ حتى “فيينا”، وكان هؤلاء يذبحون كل من يصادفونه في طريقهم، إذ هذا إسلام غير متسامح.

فالدين هو مثل سائر فروع المعرفة فالأمر فيه يتوقف على الطريقة التي يتم بها تعريفنا بالله مثلما نتعلم الرياضيات، مثلا عندما نصادف مدرسين يقولون إن الله رحيم وكريم ولا إله إلا هو آنذاك سنسلك سبيل التضحية وتقبل الآخرين.

لكن عندما نصادف أشخاصا متزمتين ومتعصبين لا يرون في الدين إلا النصوص ولا يدركون كنهها، ويقولون لنا إن الله شديد العقاب ولا يرحم فمن الأكيد أنهم لا يذهبون بنا إلى جوهر الأشياء، وآنذاك نتعرف على ديننا على وجه غير صحيح.

إن الجهل بجوهر الدين ينتج عنه عدم تفهم الآخرين، الأمر الذي قد يؤدي أحيانا إلى وقوع مآس فردية أو جماعية.

هناك في ظل كل ديانة جانب تطهير النفس وجانب التكفير عن الذنوب وجانب العقاب، وكل هذا متروك لله فالله وحده يعلم هل يعاقب أم لا، وليس للإنسان أن يقوم مقام الله في الأرض في هذا الشأن.

ولتصحيح هذه المغالطات الصادرة عن التيارات المتزمتة المتطرفة، بعث الملك الراحل الحسن الثاني، بوصفه أميرا للمؤمنين ورئيسا لمؤتمر القمة الإسلامي، رسالة ملكية إلى “المؤتمر الدولي حول العلاقات بين الإسلام وأوروبا” المنعقد “بستوكهولم” بتاريخ 15 يونيو 1995، نبه فيها إلى “سوء الفهم الذي طبع بعض التصورات والمواقف من الأديان…ولا سيما منها الدين الإسلامي، وكم نحن في أمس الحاجة اليوم إلى تصحيحها… لذا فنحن نتوق جميعا إلى قيام إدراك أفضل وتقارب أوسع لعلاقات العالم الإسلامي والعالم الغربي عبر الفهم المشترك والاحترام المتبادل ورفض الأفكار المسبقة الجاهزة والانكباب على دراسة هذه الإشكالية من منظور واضح لتوفير أدوات صلبة ومتينة للتعارف والتواصل بين الإسلام والغرب وخلق جو الثقة… إذا ما كنا نرغب فعلا في الحفاظ على التواصل بين الحضارتين دون تعصب والتركيز على ما يجمع بين الديانات السماوية ولا يفرق بينها.

عامان بعد مؤتمر “ستوكلهم” العالمي حول الإسلام وأوروبا”، سيلتئم “بفيينا” “المؤتمر العالمي الإسلامي المسيحي الثاني” بتاريخ 16 ماي 1997؛ وسيوجه الحسن الثاني بصفته أميرا للمؤمنين رسالة ملكية إلى المؤتمرين، حيث اعتبر هذه المبادرة مفتاحا لأبواب الحوار المسيحي – الإسلامي الجاد لنشر السلم في العالم؛ ذلك “أن إرادة الحوار متى تمكنت من دعاته لتعبر عن مضامين حضارية سامية… وعن اعتراف بالغير وعن احترام لغيرته واختلافه… ومن البدهي أن أحق الناس بالحوار أولئك الذين يجتمعون حول الإيمان بالله الواحد ويلتقون عند التسليم بالقيم الروحية التي جاءت بها الرسالات السماوية”.

ولنجاح الحوار بين الديانات لابد من احترام شروطه وهي:

أولا: احترام “الآخر” وحقه في الاختلاف؛

ثانيا: التخلص من الأفكار المسبقة؛

ثالثا: التزود بالمعرفة الحقيقية لدين “الآخر” لا السطحية؛

رابعا: تجاوز صراعات الماضي.

وبتاريخ 16 فبراير 1998، انعقدت بالرباط الندوة الدولية حول “الحوار بين الديانات التوحيدية الثلاث.. نحو ثقافة السلام”، حيث وجه أمير المؤمنين الحسن الثاني بالمناسبة رسالة ملكية إلى الندوة اعتبر فيها الندوة مناسبة للجميع للتأمل والتفكير في استشراف المستقبل الروحي للإنسانية، ومناسبة لإبراز القيم المشتركة بين الأديان السماوية، وبناء ثقافة حوارية على هذا الأساس لرفع التحديات التي تواجه معتنقي الديانات السماوية الثلاث، من تفسخ للقيم وتفش للرذيلة وانتشار للعنف، لهذا دعا جموع الحاضرين إلى ضرورة تبني “إستراتيجية تتضافر فيها جهود كل الفعاليات الدينية والثقافية والاجتماعية لتطويق” انتشار تلك الآفات، ولنشر روح الحياة الطاهرة وفق مبادئ الديانات السماوية الداعية للسلم والأخوة والعدالة، ولإبراز “دور الدين في تعبئة النفوس وتحسيس الضمائر لتدارك هذا الخلل الذي يتهدد السلام العالمي” عبر “الإقرار بمشروعية الاختلاف واعتباره أمرا طبيعيا بين الناس ودليلا على الغنى الفكري للإنسانية وعلى التنوع الثقافي والحضاري، كما تستوجب التسليم بالتعددية في الهويات الثقافية والمعتقدات الدينية وما يترتب على الإقرار بمشروعية الاختلاف من الالتزام بالحوار سبيلا إلى التعارف والتفاهم ومنهجا في التواصل.

*أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق – جامعة الحسن الأول بسطات.

‫تعليقات الزوار

4
  • طالب جامعي
    الأربعاء 4 أبريل 2018 - 21:53

    العالم اليوم في حاجة الى احترام جميع الديانات، والتأكيد على احترام الآخر، لأن التقليل من شأن دين بعينه يؤدى الى مشكلات كبيرة ،كما أن الاشادة بدين وتحقير ثان تؤدي لا محال الى تعقيدات دقيقة فى العلاقات الانسانية و الدولية

  • khalid
    الأربعاء 4 أبريل 2018 - 22:07

    الفتوحات الإسلامية ! لما درسنا في الكلية مادة العلاقات الدولية أدركنا أن تلك الفتوحات ما كانت إلا غزوا مبينا . والغزو هو هجوم على الغير، والتمركز في أراضيها، ومحاولة السيطرة علىها بالقوة. في تلك " الفتوحات" إستعمل السيف، فرضت الجزية ولم يستثنى منها حتى الفقراء، إنتشرت وبكثرة تجارة الرقيق، وكانت تشمل الجواري والعبيد والأطفال

  • عامر حسين
    الأربعاء 4 أبريل 2018 - 23:03

    لن ترضى عنك لااليهود ولا النصاري ليش تضحكون على انفسكم ليش الغرب لازال يفكر في الحروب الصلبية ونحن تركنا الجهاد في سبيل اللةوالاننتجاور عاى الاديان ويتهموننا في الارهارب

  • هند
    الجمعة 19 أكتوبر 2018 - 23:28

    هل فعلا الحوار بين الأديان ممكن .لأن هناك مؤيد ومعارض لهذا الحوار

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين