التّكليخ!

التّكليخ!
السبت 21 أبريل 2018 - 23:16

يُسمُّونه « عِلْمَ التّجهيل»..

ونُسمّيه: «عِلْمَ التّكليخ»..

هو أكبرُ سلاح تستخدمهُ حكوماتٌ مُتخلّفة، ومنها حكومتُنا، لتضليلِ الناس، وإبعادِهم عن المعرفة..

والمعرفةُ التي تُقيمُ الحكومةُ حولَها حواجز، هي: الحقائق التي هي تُخفيها وراءَ الأخبار المعلَنَة للعُموم..

وهذا الأسلوب ليس جديدا..

أَنتَجه، بصيغته الحالية، في تسعينات القرن الماضي، الباحثُ الأمريكي روبيرت بروكتور، وأسماه: علم الجهل Agnotolgy، وصارَ هذا يُدرَّس، بطريقةٍ علمية، لصناعةِ ونشرِ الجهل..

والأمرُ يتعلقُ بمعلومات لأجل التأثير على تفكير الجمهور، والحصول على نتائج يستفيد منها أصحاب المصالح!

وهذا يعني نشرَ معلومات خاطئة، أو محرّفة، أو هي صحيحة ولكن في مجال آخر، أو مكان آخر.. أو ببساطة، لا تتوفرُ فيها مقوماتُ المعلومات والأخبارِ الحقيقية..

وفي هذا ما يُسميه البعضُ جريمةً ضدّ الإنسانية، وما يسميه آخرون خدمةً تستهدفُ الكشفَ عن أساس سياسي ونفسي واجتماعي، لنشرِ الجهلِ بين مواطنين..

وبسُرعة، تطوّرَ «علمُ الجهل»، وأصبحت له قواعد، وتفرُّعات.. وبدأت حكوماتٌ من مختلفِ أرجاء العالم، وخاصة منها ذاتُ التوجُّه اللاإنساني، أي التي تستغلُّ الدين والسياسة والجهل، لإحكام السيطرة على مواطنيها..

وعندها، انفتحت شهيةُ ما أصبح يُسمَّى بالإسلام السياسي عندنا، كما في دول أخرى، وصارت حكومتُنا تتعلمُ كيف تربطُ العشوائية بعلم الجهل الذي يسعى بعضُ مسؤولينا لنشره في التعليم والتربية والثقافة والإعلام والسياسة، لجعل الناس يستمرون في الهروب من الحاضر، مع تشويهِ سمعةِ المثقفين المتطلعين إلى العقل، والانفتاحِ على العالم، وعلى المستقبل المعرفي..

وصارت نُخبتُنا السياسية، هي الأخرى، تُفَبْرِكُ أحداثا، لإشغالِ اهتمامِ الرأي العام، وتوجيهِ المواطنين إلى تضليل اجتماعي يحظى بالأكثرية، لتكون الأقليةُ المثقفةُ وحدها، بعيدا عن أغلبيةٍ مُنقادةٍ بالعاطفةِ والجهل..

ـ ومن يجهل، هو لا يعرف..

وهذا ما تُريده النخبُ الحزبية التي لا يهمُّها إلا الخلود على الكراسي..

وهذا أيضًا ما يُفسرُ تدميرَ التعليم في بلدنا، وتخريب البحث العلمي، وتهجير الكفاءات إلى ما وراءَ البحار..

سياسةٌ مُبرمَجة، مقصودة، لم يساهم في إعدادِها فقط مُتسيّسون، أو انتهازيون، أو شبكات المال والأعمال، بل أيضا «فُقهاء» في الصحافة والإعلام، و«مُثقفون»، وتوابعُ تمت زراعتُهم في بعض مراكز القرار، هنا وهناك، ومنهم نفسانيون، واجتماعيون، واقتصاديون، وتجار الدين، وكل من لا تهمُّهم إلا المصالح الذاتية..

ويتم الاسترشادُ بالتجارب الغربية في «علمِ التّجهيل»، على أساس مختبرات متحركة أقامتها هذه الدول المتطورة في بلدانٍ فقيرة..

ونحنُ أيضا ما زلنا نُشكلُ مختبرات اجتماعية لتغذيةِ مؤسسات «علم التّجهيل» بالمعلومات، في إطار «تبادل الخبراتِ والمعلومات» حول تأثيراتِ «سياسة التّجهيل» على مختلف شرائح بلادنا، في خضمّ السياسة التجهيلية لحكومتِنا التي يقودُها خبيرٌ نفساني بمعية ما يُسمَّى «الأغلبية الحكومية»..

وهذه الكوكبةُ الحاكمة لا تَقبلُ إلا «سياسة الزيادات»: الزيادة في الضرائب، في الأسعار، البطالة، المرَض، اللاعلاج، اللاتعليم، اللاوعي، وغيرِ هذه من أوجاعِ الرأس…

وهي مهتمة جدا بمزيد من المعرفة في «التّكليخ»، وما زالت تعتبرُنا مجردَ أكباش هي تقودها في أيّ اتجاه، وهي أيضا متأكدة أن كل الحِراكات والمسيراتِ، حتى وهي سلمية وذاتُ مطالب اجتماعية مشروعة، لن تجعلَها تُغيّرُ سياستَها اللاإنسانية..

وهي تتعمّدُ هذا، حتى وبلادُنا لها دستور ينصُّ على حقوق الإنسان، ولها التزامات أمام القانون الدولي، وهي أيضا التزاماتٌ حقوقية..

حكومتُنا تحسبُ أن حُلفاءَنا الغربيين لا تهمُّهم إلا مصالحُهم، ومن أجل مصالحهم سيخرقون معها كلَّ قوانينِها المحلية، وحتى القوانين الدولية..

هكذا تُفكر حكومتُنا..

وتعتقدُ أيضا أن ابتساماتِها لأوربا وأمريكا والصين وروسيا وغيرِها، سيجعلُها فوق كل القوانين الكونية..

وقد كان عليها أن تختار الطريقَ الصحيح، فتعملَ بجدّ ومنطقٍ ومسؤولية، وعدالة اجتماعية حقيقية..

وأن تشتغل في مشاريعِ الإنتاج الوطني، وفي اقتصاد المعرفة..

لكنها لا تريد..

ونحنُ من جانبِنا لا نُريدُها.. هي عندنا مرفوضة..

إنها أولُ واقعٍ في فخ «علم الجهل»..

«حكومةُ التجهيل» تَجهل، أو تتجاهل، أن بلدَنا قد تَغيّر..

وهي على هواها، ما زالت تتصوّر أن ابتساماتِها ستَشفعُ لها في زراعة مُقرّبين بمراكز القرار، وفي تَعَمُّدِ «سياسةِ التكليخ» في بلاد لها تاريخ، وأمامها أُفُق..

إنَّ بلادَنا لها من يحكمُها..

أما «الفُلكلور التجهيلي»، فلا يُجدِي..

لا مع الداخل..

ولا مع الخارج..

ـ ولا ينفعُ إلا الجدّ!

[email protected]

‫تعليقات الزوار

6
  • بوشتة ايت عراب
    السبت 21 أبريل 2018 - 23:42

    جازاكم الله على هذا المقال القيم و التشريح الموضوعي للواقع الوطني…لا نصنع وطنا بالانتهازيين الذين لا قيم و لا مبادئ لهم و القادرين على بيع البشر و الحجر لمن يجفع اكثر و بالتالي دوس الاخرين…الانتهازية اخطر وباء يصيب شعبا اذ يقتل فيه الاسس الصلبة التي ينبني عليها وجوده…فلا قيمة لهولاء الانتهازيين و الوصوليين غير الدرهم و المصلحة و عبادة المادة و لا خير يرجى منهم ابدا فقلبوهم و ابصارهم تعميها الطمع و اللهفة و اللهطة التي لا نهاية لها

  • citoyen
    الأحد 22 أبريل 2018 - 02:11

    تحليلك صائب وقيم ولكنك تقف عند الحكومة ولا ادري تجهل ام تتجاهل كونها لانفوذ ولاقوة لها لان حكومة في الظ هي من تعطيها اوامر وهذا لايخفى على آحد
    الحكومة والمعارضة كلاهما يآتمرون باوامر حكومة الظل

  • فرحات
    الأحد 22 أبريل 2018 - 09:38

    نطالب السادة البرلمانيين بسن قانون لاصلاح الفضاءات التعليمية بمنع التلاميذ حالقي الرؤوس وذوي الألبسة التي لا تحترم النظام المدرسي من ولوج المدارس الحكومية والخاصة وكذلك عدم الوقوف أمامها ومنع التجمعات من أمام المدارس

  • mimou
    الأحد 22 أبريل 2018 - 10:04

    لهذا لو استفاق الشعب المغربي من سباته يجد نفسه على الهاوية كبنيان بلا اعمدة
    وجسم اختلت مناعته لا يستقيم ولا يقدر على الوقوف منتصبا مجوف نخب هواء

  • أستاذ الإجتماعيات
    الأحد 22 أبريل 2018 - 14:33

    في عام 1979، سُربت مذكرة سرية من شركات التبغ إلى الجمهور، وحملت عنوان "الاقتراح المتعلق بالتدخين والصحة"، والتي كتبتها شركة براون آند ويليامسون للتبغ قبل نشرها بعقد من الزمان. وكشفت تلك المذكرة السرية عن عدد من التكتيكات والأساليب التي تتبعها شركات التبغ الكبيرة لمواجهة "القوى المناهضة للتدخين".
    في أحد أكثر الصفحات صراحة في تلك المذكرة، التي تتعرض لكيفية تسويق السجائر للجمهور، ورد ما يلي: "الشك هو وسيلتنا الفضلى لمواجهة الحقائق التي تسكن عقول الجمهور. وهو أيضاً وسيلة لإثارة البلبلة".
    هذا التسريب أثار حفيظة روبرت بروكتور، وهو مؤرخ علمي بجامعة ستانفورد، والذي بدأ في التحقيق والتحري عن سلوك شركات صناعة التبغ، وكيف تنشر الحيرة بين الناس حول ما إذا كان التدخين يسبب السرطان.
    وتوصل بروكتور إلى أن صناعة التبغ لا تريد للجمهور أن يعرف عن أضرار منتجاتها، ومستعدة لإنفاق الملايين لحجب الحقائق عن الأضرار الصحية للتدخين.
    توصل بروكتور إلى أن صناعة التبغ لا تريد للجمهور أن يعرف عن أضرار منتجاتها، ومستعدة لإنفاق الملايين لحجب الحقائق عن الأضرار الصحية للتدخين.

    يتبع …

  • Alucard
    الأحد 22 أبريل 2018 - 17:56

    ونحنُ من جانبِنا لا نُريدُها.. هي عندنا مرفوضة..

    شكرا على قول حقيقة المرة فأغلب الناس يريد أن يعيش في نعيم الجهل..
    لأن إعمال الفكر النقدي والمنهجية المنطقية-العلمية ستنتهي ببعض الناس للاستنتاج أن عقليتهم هي جزء من المشكل.
    النقد الذاتي سينتهي بتبديد الأشباح ومواجهة الحقيقة..
    قد يكون Robert Proctor هو من أحدث مصطلح Agnotology لكن الذي برع في هذا الميدان هو David Dunning صاحب تأثير دانينغ-كروجر Dunning–Kruger effect
    ولك أن تقرأ حول هذا التأثير (مقالة Wikipedia جيدة جدا) وقل لي ألا ينطبق هذا على كل المغاربة؟
    لديك شعب مصاب ب:
    تأثير دانينغ-كروجر Dunning–Kruger effect
    وهم التفوق Illusory superiority
    انحياز معرفي Cognitive bias
    انحياز تأكيدي Confirmation bias

    هل نحن في حاجة لسياسة في «علم الجهل»؟
    نظامك dē factō مكلخ

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 7

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين