مسؤولية الفقيه الفضائي في تهديد الأمن الروحي

مسؤولية الفقيه الفضائي في تهديد الأمن الروحي
الأربعاء 25 أبريل 2018 - 11:04

تعيش البرامج الدينية في الإعلام العربي حالة غريبة تتسم بالموسمية، وجعلتها أحياناً مثلها مثل صناعة الدراما، وصناعة السينما، إذ حولتها الفضائيات في كثير من الأحيان إلى حالة صناعة موسمية، صناعة تروّج وتنتشر في أيام ويخفت ضؤوها في أيام أخرى، وهذه الأيام وقبل أيام من شهر رمضان المبارك تنشط آلة صناعة (الدعوة عبر الإعلام) كما تنشط في الوقت نفسه آلة صناعة الدراما الرمضانية، كما تنشط آلة صناعة السينما لعيد الفطر وهكذا.

وبعيداً عن المقارنة المزعج بعضها، وهو صناعة الخطاب الديني عبر الإعلام، وكيف أن البعض حوّل هذا المجال من رسالة قائمة دائمة مطلوبة في كل وقت وكل مكان إلى صناعة موسمية؛ حيث يعيش بعض الدعاة طوال العام على ذمة برنامج رمضاني بإنتاج مليوني ضخم، وكأنهم يصنعون سينما ويروّجون لفيلم، وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل: لماذا حوّل البعض (الدعوة) إلى صناعة و(شو إعلامي)؟، وهل أفاد ذلك الشباب المسلم وتحدي التحصين من تيارات الغلو أم أضرّ بها؟، وكيف يمكننا أن نعود بالدعوة لجادة الطريق لتحقق هدف نشر الخير والمحبة؟ وهل الفضائيات بإنتاجها الضخم والرعايات الإعلانية الكبيرة وعقود الاحتكارات وإشكاليات تملق بعض (الدعاة الجدد) لتوجهات فضائية بعينها.. هل أضر كل ذلك برسالة الإعلام و معها رسالة (الدين) أم أفادها؟.

إن دخول الفضائيات بالاستثمارات المبالغ فيها في عملية إنتاج البرامج الدينية وصناعة الدعاة الجدد له قليل من الإيجابيات أمام كثير من السلبيات، فالأزمة في دخول الفضائيات بعقود احتكارية ورعايات إعلانية وتوجهات بعينها تموّل طرق تفكير وأسلوب معالجة للنوازل الفقهية واحتياجات الناس الروحية أفسد على مسار البلاغ الديني بإرشاداته ونصائحه، وأعطى الفرصة للمتمردين والهواة ومحبي إثارة القضايا الخلافية أحياناً لممارسة أدوار هددت الأمن الروحي للمؤمنين، وعرّضت قلوب الناس لفتنٍ كبرى ما أنزل الله بها من سلطان.

إن اعتماد بعض مقدمي البرامج على أسلوب مستفز للنيل من رواة الحديث، والتشكيك في صحيح البخاري ومسلم، ولو كان جاداً في طرح علم، وتبنٍ لمنهج مصادم مع ثوابت الأمة، يخلق حالة الشك عند المتلقي الذي بدوره سيبحث عن صحيح المعلومة الدينية في الفضاء الأزرق الذي أصبح منصة المتطرفين و المتعصبين. والقضية بالمثل تجلت حين ظهرت العقود الاحتكارية المليونية لكبار العلماء، خاصة أن بعضهم يقدم أفكاراً تمثل ثورة على المناهج والأساليب المتبعة، ويتجلى على عموم المسلمين عبر شاشات تقدم من يشككون في التاريخ الإسلامي، والحديث والسُنة، ويأتي هو الآخر ليشكك في دور العلماء والفقهاء في إفتاء الناس في أمور دينهم بما خصهم الله به في كتابه بأنهم أهل ذكر، وأهل الذكر هم أهل التخصص كل في مجاله، بل ويهاجم العلماء كل العلماء بأنهم أوصياء دين، والمحصلة في النهاية عقود مليونية ضخمة لصالح هؤلاء، بالمقابل تشكيك لعموم المسلمين في التاريخ الإسلامي والفقه والشريعة والحديث.

إن صناعة الإعلام وحساباته المرتبطة بالرعايات الإعلانية، ومكاسب «الشير» و«الترافيك» و المشاهدات عبر اليوتيوب، والموازنات الضخمة، والعقود الاحتكارية المليونية، جميعها لا تتفق مع تقديم الدعوة الخالصة لله تعالى، وهناك نماذج في غاية الروعة وتحمل رسالة وتقدم للناس ما ينفعهم في دينهم ودنياهم عبر إنتاج هادئ، وعقود محترمة، ورسائل تبتغي وجه الله، أما أن تتحول الفضائيات بالدعاة إلى نجوم سينما، وعقود احتكارية ورعايات بالملايين من الدولارات، وأن يقدم هؤلاء ما يشوه على المسلمين دينهم، فهذا مبدأ لا يقبل به غيور على دينه في مواجهة من يتاجرون بالدين لتحقيق مكاسب ذاتية ضخمة وكذلك أضرار دعوية أكثر ضخامة، ولذا فأنا أدعو لضرورة مراجعة تمويل هذه النوعية من البرامج التي تهدم كثيراً وتشكك كثيراً فيما يتم بناؤه وتشييده من قبل مؤسساتنا الدينية الكبيرة في عموم العالم الإسلامي.

*أمين عام المؤتمر الإسلامي الأوروبي

‫تعليقات الزوار

4
  • abdel
    الأربعاء 25 أبريل 2018 - 11:41

    لماذا لا نساءل كل شيء مادام الله سبحانه و تعالى حبانا بعضو فريد من نوعه ألا وهو العقل؟

  • Mhamed
    الأربعاء 25 أبريل 2018 - 16:48

    بل يجب التشكيك في رواة الحديث من أجل حماية الدين و أصوله من تحيفات التاريخ و السياسة و العصبيات.
    رواة الحديث مجرد بشر يصيب و يخطيء… و مروياتهم تاريخية و تنطبق عليها أدوات تحليل التاريخ. فهي ليست أصلا من أصول الدين، إلا عند الفقهاء المقلدين الذين يتبعون ما فرضه ملوك و طوائف القرن الثاني و الثالث الهجري … عشرات السنين بعد موت النبي..

    الأفضل أن نفرق بين أصل الدين المحفوظ و بين العنعنات … الدين لا يؤخذ من الظني، و الحديث ظني. فما بالك لو عارض آيات محكمات!!
    أمثلة:
    القرآن يرفض الإكراه على الدين و يمقت المنافقين. لكن المرويات : من بدل دينه فاقتلوه!
    القرآن يجعل الوصية آلية رئيسية للإرث قبل التقسيم الاحتياطي. لكن لمرويات: لا وصية لوارث!!
    القرآن ينفي التفريق في التعصيب بين الولد الذكر و الأنثي. و المرويات (السنية) تقول الولد هنا (و فقط هنا) هو الذكر!!

  • الحسين
    الأربعاء 25 أبريل 2018 - 16:50

    سؤال غريب ؟ أخي الكريم نحن نعيش في زمن التكنولوجيا وما العيب في ان نسخر هذه التكنولوجيا للدعوة لديننا الاسلامي ونبين للجميع رحمته وسماحته .
    غيرنا من الأديان بفعل ذالك.
    وما لم يتم الواجب الا به فهو واجب

  • جليل نور
    الأربعاء 25 أبريل 2018 - 22:27

    سيدي تعيش في أوروبا و تتحدث عن "الأمن الروحي" ؟!..لا يزال أمامك إذن الكثير لتتعلمه من الإعلام الفضائي الأوروبي حيث الحرية المؤطرة بقوانين تحدد العلاقة مع المواطنين في الواجبات و الحقوق و في التعامل معهم كراشدين تُحترم أفكارهم و عقائدهم ما دامت لا تحض على الحقد و الكراهية..ذلك ما يجعل المواطن قادرا على الحماية الذاتية ل"أمن روحي" مفترض و رافض لحراس من النوع الذي تمثلونه..ما تدعو إليه من وصاية و من استعداء للسلطة و الفقهاء المتزمتين ضد النظر العقلي، في الدين و في كل ما يهم حرية الإنسان المسلم، لا يعني إلا أنك لم تستفد شيئا ذا قيمة من مقامك في أوروبا حيث تتحمل المسؤولية التي تدعيها..لا أدري هل أنت فعلا "أمين عام المؤتمر الإسلامي الأوروبي" أم بالأحرى مدير عام الأمن الروحي الإسلامي الأوروبي؟!

صوت وصورة
الماء يخرج محتجين في أزيلال
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:30

الماء يخرج محتجين في أزيلال

صوت وصورة
كورنيش يشتكي الإهمال في سلا
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:14 9

كورنيش يشتكي الإهمال في سلا

صوت وصورة
ابن يجهز على الأب بالجديدة
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 12:47 11

ابن يجهز على الأب بالجديدة

صوت وصورة
قصة | صابرين مزيكير
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 10:50

قصة | صابرين مزيكير

صوت وصورة
ملفات هسبريس | أزمة المياه
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 23:30

ملفات هسبريس | أزمة المياه

صوت وصورة
معرض حلي للقصر الملكي
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 23:15

معرض حلي للقصر الملكي