الكتاب.. عائق تربوي أم وسيط بيداغوجي؟

الكتاب.. عائق تربوي أم وسيط بيداغوجي؟
الخميس 17 ماي 2018 - 14:08

إن استمرار المجتمعات قائم على التوريث الموكول للتربية، التي لها مشروعية نقل التراث الثقافي والمنجز الحضاري للأجيال اللاحقة، مع ما تقتضيه العملية من حذف وملاءمة وإضافة وإغناء. وهكذا، تتعاظم عملية العمران البشري بحمولتها القيمية والأخلاقية، وتزدهر العلوم، وتتراكم التقنية. وعملية كهذه تحتاج إلى قيادة بيداغوجية تأخذ بيد الناشئة التي هي في أحوج ما تكون إلى خدمات الراشدين التربوية والتكوينية، المستمدة من خبراتهم وما راكموه من عطاءات علمائهم وأدبائهم، وما تمثلوه من مثل وقيم هي اليوم راقدة بين دفات الكتب والأسفار، تحتاج باستمرار إلى من يغرف من معينها، لإضفاء نوع من الإغراء على الحياة لكي تستحق أن تُعاش، وذات جودة تستحق أن يُتشبث بها.

لقد شكل اختراع الكتابة نقطة تحول كبرى في مسيرة الإنسان، فبالإضافة إلى دورها التواصلي، شكلت الأداة التي بواسطتها استطاع أن يحفظ ذاكرته ويدوّن منجزاته ويبث من خلالها أحاسيسه ومشاعره التي لا غنى للإنسان عنها، لأن “ما يكتب فيبقى وأما ما يقال فتذروه الرياح” (اللبرتو مانويل).

كان الكتاب ولا يزال متكأ وموجها لكل فاعل تربوي. يعتمده في ممارسته الأبوية والمهنية ضمانا لرشد الممارسة ونضج المنهج؛ فهو الحافظ الأمين لتجارب المربين، ومختلف المعارف والعلوم التي تميط اللثام عن خفايا النفس وآليات الفكر التي نحن بصدد تهذيبها أو تكوينها. وهو بالإضافة إلى كونه مادة معرفية، فهو وسيلة تعليمية لأنه “الوعاء الذي يحتوي المادة التعليمية، الذي يفترض فيها الأداة- أو إحدى الأدوات على الأقل – التي تستطيع أن تجعل التلاميذ قادرين على بلوغ أهداف المنهج المحدد سلفا”. إن مبرر وجوده مساعدة الطفل والمتعلم على تمثل واستيعاب بشكل منظم المعارف والمهارات التي هي موضوع العملية التعليمية التعلمية على أسس سيكولوجية وإبستمولوجية، في قالب مشوق ومبسط، بما يتضمنه من نصوص وصور وأنشطة.

ولا يمكن لأحد أن يدعي، اليوم، أنه يغني عن التفاعل المباشر مع الأشياء والمعطيات كما هي في بيئتها الطبيعية، وعن الممارسات العملية التي لا تغني المقالة النظرية في الإمساك بتلابيب ما تحقق من أهداف تعليمية راسخة، وتجعل المدرسة في معمعان الحياة، والحياة في قلب المدرسة، وهو ما يشكل اليوم ضالة منظومتنا التربوية. ولا يمكن أن يزيح حضوره المبادرة الشخصية والإبداع الشخصي لكل من المعلم والمتعلم، إذا استثمر بخلفية تربوية تستحضر خصوصية الفرد وأسلوب وسيرورة تعلمه وإدراكه، التي تختلف باختلاف المتعلم والأوساط التعليمية. دون أن يطغى على باقي الوسائل التعليمية الأخرى قديمها وحديثها، وإذا لم يكن التقيد الحرفي بما بين دفتيه من مضامين معرفية ومنهجية عقيدة، لا ينبغي نقضها والانفلات منها دون الكفر بها، بالتوظيف السليم وتطويع محتواه مع خصوصية المتعلم وتفرده، وعدم الاقتصار على كتاب دون آخر، فبعضها يغني عن بعض، وما بخل به هذا، يجود به ذاك.

وإن الدعوة القائمة والملحة في إدخال التكنولوجيا الرقمية في الممارسة البيداغوجية، ليست مشروعة فقط، بل هي ضرورية؛ فلا يتصور مدرسة ناجحة في مهامها المتجددة دوما، ومحط جذب لمرتاديها. وقد أوصدت الأبواب دون الرياح الحاملة لقيم العصر التواصلية هي ديدن إنسان الآن، معرضة عن الانفتاح على مستجدات العصر التكنولوجية ذات الصلة بخدمة التربية والتكوين. محلقة في غياهب الماضي، تسبح بحمد الموتى. إن الجودة التي هي أعز ما يطلب، والفعالية التي يتوسل بها لبلوغ الأهداف، رهين بقدرة المدرسة على حسن توظيف الرقمي لفعاليته وجدته، والورقي لغناه وأصالته، “فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها”. والفعل التربوي بما هو إعداد للحياة، فمن العبث التغريد خارج المنجز الحضاري، وإعداد أجيال بأساليب خارج التاريخ ومنطقه التطوري، الذي يعترف بتغير القيم والأخلاق، فوسائل اكتسابها أولى بالتغيير والتجديد والإغناء والتنويع.

إن الكتاب حاضر في ثنايا الوسائل الرقمية، بدليل أن علومها وتقنيات استخدامها ومختلف برمجياتها مدونة في الكتب ومعتمدة في معاهد تكوينها؛ فالحامل الورقي حاضر بشكل أو بآخر في مختلف الفروع والتخصصات المعرفية، لأسباب تتمثل في سهولة استدعائها في كل وقت وحين، في الحل والترحال، في وجود مصادر طاقية وفي غيابها، وفي مختلف الفضاءات والأمكنة سواء كانت تنعم ببنية تحتية تستوعب الوسائط الرقمية، أم قروية تعيش على هامش التطور العمران البشري. عدا الإمكانية التي يتيحها الورق وخصوصا في المراحل الأولى، في التنقل بين الصفحات، أو الشطب وإعادة المحاولات الواحدة تلو الأخرى. فاعتماده على القراءة يسمح للمتعلم العمل وفق إمكاناته الذاتية ووتيرته التعلمية، بما يوفره من معارف وعلوم في حدودها الدنيا، مع إمكانية دمجه في جل الطرائق التعليمية، سواء النشيطة منها بمختلف تقليعاتها، أو التقليدية والتي لا يمكن لمدارسنا الاستغناء عنها، لأهميتها في تكوين الشخصية المؤمنة بالحوار والقادرة على اتخاذ القرار في المواقف المختلفة مع تحمل مسؤوليته. ويتجاوز الكتاب فعل القراءة في بعدها التعليمي، إلى تكوين اتجاه إيجابي لدى المتعلم اتجاه القراءة الحرة المشبعة لحب الاستطلاع، وتنمية الميل إلى التثقيف الذاتي ومتابعة التكوين مدى الحياة.

إن الضربات التي يتلقاها الكتاب من أنصار الثورة الرقمية، لا تبعد مضامينها كثيرا عن تلك التي وجهها له بعض فلاسفة عصر النهضة، الذين أولوا الأهمية الكبرى “لتربية الطبيعة والأشياء” وأهمية اكتساب الخبرات والمهارات في بيئتها، والقيم في حلبة صراعها وتدافعها.

لم تبرح هذه الدعوات زمانها، وبقيت في عداد التاريخ، والكتاب يصول ويجول بين الأحياء من الامم الحية، التي تتنافس في إنتاجه، وتربي أبناءها على التعلق به والاستئناس بحمله ومرافقته؛ لأنه “عصارة الفكر ونتاج العلم وخلاصة القيم ودوحة التجارب، وهو عطية القرائح وثمرة العبقريات” (تريمستان)

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس