الحكومة وأزمة التواصل العمومي

الحكومة وأزمة التواصل العمومي
الجمعة 18 ماي 2018 - 17:49

تعتبر الحكومات من بين أهم السلط التي تسهر على خدمة المواطنين وتقديم كل الخدمات الأساسية، من صحة وشغل وتعليم، داخل مناخ من الامن واحترام القوانين الداخلية وكل المواثيق والأعراف الدولية التي تعنى بالإنسان وحقوقه الكونية، والسهر على تدبير كل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالإضافة إلى تحسين كل العلاقات التجارية والدبلوماسية مع الخارج. كما تسهم كذلك في رسم معالم وخطوط الخريطة الجيوستراتيجة للدولة.

كل هذه القواعد تحتاج إلى وضع إستراتيجيات ونماذج للاشتغال من أجل خلق القيمة المضافة والثروة اللازمة الكافية لمواجهة متطلبات الأجيال المقبلة وكل مكونات المجتمع المغربي؛ لكن الملاحظ أن الحكومة كجهاز مؤسساتي منظم لا يأخذ بعين الاعتبار مسألة التواصل العمومي، خصوصا في الفترات العصيبة التي تقتضي التفاعل الآني والفوري سواء على مستوى توضيح المعطيات أو تعزيز وتأطير النقاش العام حتى لا يخترق من لدن أفكار خبيثة أو متطرفة.

وفي سياق التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي بمختلف مكوناته وتنظيماته، نتيجة انفتاحه على باقي المجتمعات الأخرى عن طريق منصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تغري بالمتابعة من لدن الرأي العام بفعل جاذبيتها على مستوى تجويد المعلومة وسهولة ترويجها في غياب المعلومة من المصادر الرسمية أو عندما تتريث السلطات في إيداعها لدى الرأي العام أو المتتبع لمجريات بلاده، من هذا المنطلق تطرح مجموعة من التساؤلات حول مدى قدرة الحكومة بصفتها مسؤولة عن تدبير عملية التواصل بين المواطنين وبين المؤسسات، بالرغم من أنها مسؤولة عن بنية إعلامية تشتغل تحت وصايتها وتحت مسؤوليتها؛ لكن هل هناك جدوى؟ وهل هناك فاعلية على مستوى الإعلام العمومي؟ وهل يساير كل نبضات قلب شريحة كبيرة من المجتمع أصبحت لها متابعة يومية لكل القضايا الراهنة من أسئلة اقتصادية مرتبطة بالأسعار والاحتكار واقتصاد الريع؟…

ويبقى الناطق الرسمي باسم الحكومة هو الآلية الوحيدة المعتمدة بعد كل اجتماع حكومي لإعطاء التصريحات والبيانات اللازمة للجسم الصحافي؛ لكن تبقى هذه العملية شبه غائبة على مدار الأسبوع، خصوصا أمام التفاعلات المجتمعية التي أصبحت تدقق في كل الأشياء بفعل تراكم التجارب أو بفعل التكوين الأكاديمي والمعرفي للشباب المتخرج من الجامعات والمعاهد.

أمام هذا الوضع، الحكومة لها رهان كبير لتحديث كل مقارباتها التواصلية سواء داخل الإدارة العمومية أو بين كل القطاعات الوزارية أو حول زيادة منسوب الدينامكية بين الواقع والمعطيات الرسمية لمؤسسات الدولة، من خلال تحيين كل المواقع الإلكترونية للمؤسسات العامة أو خلق مراكز التواصل التابعة للحكومة وتنشيطها ودعمها بكل الوسائل الحديثة في أفق بناء المعلومة وسهولة الحصول عليها دون تطويقها قانونيا مخافة التوغل في المعطيات الأمنية والشؤون الحساسة للدولة..

أمام كل هذه المعطيات، تبقى الحكومة فاعلا أساسيا في التواصل وإعطاء المعلومات اللازمة لتطعيم كل الأبحاث العلمية والأكاديمية، بالرغم من الإكراهات اللوجستيكية والتقنية المرتبطة في بعض الأحيان بالعقليات الإدارية التقليدية وتمسكها بالإدارة مع صعوبة تغييرها وانضباطها وفق النماذج الجديدة لتدبير الإدارة ومواردها البشرية، وهي أمور تستدعي الحكومة إلى الاستثمار في التكوين والتكوين الأساسي في مجال تدبير التواصل العام والخاص، سواء على المستوى المؤسساتي والمجال الترابي بصفة عامة من أجل مواجهة كل التصدعات سواء بين الإدارة والمواطن أو بين الحكومة والرأي العام في أفق خلق مناج إيجابي يتسع إلى الحوار الهادف والنقاش الرزين لبناء مجتمع صلب وقادر على كل التحديات المستقبلية.

*باحث في تدبير الشأن العام

‫تعليقات الزوار

2
  • صيحة ولا مجيب
    الجمعة 18 ماي 2018 - 19:14

    ليت الدولة يقتصر ضعفها في التواصل مع الشعب لهانت ولكنها أيضا وهذا هو الأخطر لاتجيد الإستماع مايجعلها صديقا جاهلا وهذا أسوأ من أن تكون عدوا عاقلا .

  • محمد الصابر
    السبت 19 ماي 2018 - 12:13

    مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك القنوات التلفزيونية الوطنية والاذاعات الرسمية ، تمارس التواصل بنوع من العمى والجبروت،وعليه فان محاربة التضليل في الخبر الزائف لايكون فقط تجاه ما يدخل يوميا الى مسامعنا وبيوتنا، كما أن غياب المصدر الوحيد والاحادي والمصداقي للمعلومة هو مانعرفه من تشتت وتمييع وتناسل مفبرك ومنقح على المقاس وفق المزاج،وهذا مايعطي للمتلقي امكانية تعدد المصدر وتأويل الخبر. فلماذا تكون القناة المثالية للخبر عقيمة بل وأن أصحابها مازالوا يتخاطبون بلغة: مجهولين وخارجين على القانون، في امتناع عن التواصل،لماذا لاتكون منابرالقنوات بيد خبراء التواصل يفتحونها في وجه العموم ،يتكلمون بهدوء أو بصخب عما يضرهم باعداد من سيرد عليهم أو يناقشهم أو يعاتبهم فورا ووفق القانون والمصلحة العليا للناس بوضوح؟ لماذا نترك للفايسبوك أو غيره تسيير شعب بل وتوجيهه في مسألة المقاطعة مثلا؟
    ان العواقب وخيمة ـ فيما لو بقي الوضع المعلوماتي والصحفي بهذا الشكل ـ حيث ستتطورالامور فيما لو بقي الكل صامتا باستحداث وتطوير تقنيات جديدة فورية وخبيثة تكون فيها الكلمة لافتراضات الكواليس أوللاخبار وفق التعليمات.

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49 47

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 53

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 3

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55 1

"ليديك" تثير غضب العمال