فرِيدَا كَاهْلُو..صلابتها كالصَبّار يَشقُّ طريقَه بين نُتوءَات الصُّخُور

فرِيدَا كَاهْلُو..صلابتها كالصَبّار يَشقُّ طريقَه بين نُتوءَات الصُّخُور
الأربعاء 23 ماي 2018 - 14:44

عاد الحديث من جديد مؤخراً في مختلف الأوساط الفنية العالمية عن الفنانة التشكيلية المكسيكية الذائعة الصّيت فريدا كاهلو بعد أن أخرجت شركة اللّعَب العالمية (Mattel) التي يوجد مقرّها في الولايات المتحدة الأمريكية تزامناً مع يوم المرأة العالمي الأخير دمية لها ضمن سلسلة دُمى “باربي” الشّهيرة، فبالإضافة إلى عائلة فريدا كاهلو التي عبّرت عن احتجاجها عن هذا الأمر، كانت الفنانة السينمائية المكسيكية ” سلمى حايك” (من أصل لبناني) سبّاقة كذلك للتعبير عن استيائها الشديد من هذا الصّنيع، وطالبت بوقف هذه المهزلة التي لا تليق بفنانة كبيرة لها مكانتها الخاصّة في بلدها المكسيك، وقالت: “إنني أكاد لا أصدّق ما أقدموا عليه، خاصّة أن فريدا لم يكن يروقها أن تشبه أحداً وهي شديدة الاعتزاز بأصالتها”.

وصرّحت ممثلة الشركة بياتريث ألفارادو فيما بعد بأنّ أحد أقارب فريدا كاهلو كانت قد منحتهم حقوق استعمال صورتها منذ بضع سنوات، وما زالت هذه القضيّة قيد الدّرس، والمساءلة.

وكان قد أقيم في لوس أنجلس معرض لصور فريدا كاهلو، حيث عرض خلاله ما يقارب 130 نسخة من لوحاتها وإبداعاتها الفنية، ونظراً للنجاح الباهر الذي حققه هذا المعرض تمّ افتتاحه من جديد في محطة الحرية بمدينة سان دييغو. ويشير المشرفون عليه إلى “أن الإقبال على أعمالها كان منقطع النظير، وقد قدم المعرض عدداً من الصور الفوتوغرافية للرسّامة، إلى جانب مجموعة من أثاثها، ومقتنياتها، وممتلكاتها الخاصة، كما تمّ عرض نسخ من بعض أعمالها الفنية التي تحظى بشهرة عالمية والتي لم يكن يُسمح بعرضها من قبل خارج بلدها .

“روح المكسيك العميقة”

لقّبها المكسيكيّون بـ”روح المكسيك العميقة”، وما انفكّت هذه الفنانة منذ رحيلها تحيّر العالم، وتدغدغ مشاعر كلّ عاشقٍ والهٍ بالفنّ الرّائع، والإبداع الفريد داخل بلدها المكسيك وخارجه. معارض عديدة، وتظاهرات عالمية نظّمت لها، وحولها في مختلف أرجاء المعمور وحول إبداعاتها الفنية المُحيّرة والمُثيرة، التي حقّقت بها نجاحات منقطعة النظير. هذه المرأة أصبحت من أغرب الظواهر الفنيّة الفريدة في تاريخ الإبداع التشكيلي في المكسيك، ومن أشهر نسائه في القرن العشرين، بل وفي مختلف بلدان أمريكا اللاّتينية.

يقول الكاتب الإيطالي ينو كاكوشي عنها وعن أحلامها، ومعاناتها، وأوجاعها، وهوسها الفني والإبداعي: “كانت مثل الصبّار المكسيكي، القويّ الصّبور، المتفجّر من أعماق الرّمال، والذي يشقّ طريقه بين وعورة التضاريس، ونتوءات الصّخور البركانية، والمستشيط غضباً بالأشواك في وجه الغرباء، إلاّ أنه في آخر المطاف يظهر بقلب وديع وعذب، كانت فريدا سجينة ذاتها، لكنّ تعلقها وتشبّثها الشديديْن بالحياة نفخا فيها شحناتٍ عاطفيةً كبرى، وطاقاتٍ إبداعيةً مثيرة”.

لم ينقطع الحديث عن هذه الفنّانة غريبة الأطوار التي أصبحت محطّ أنظار مختلف الأوساط الفنية والأدبية في العالم، قصائد عصماء، تُكتب عنها، أفلام تُنجز حول حياتها الغامضة والمتقلبة، أعمال مسرحية تُقدّم على خشبات العواصم الكبرى في مختلف بلدان العالم حول غرامياتها، وعن زواجها من عبقريّ آخر للفنون التشكيلية في المكسيك دييغو ريفيرا، لوحاتها تحفل بالغرائبية، والحزن العميق، والتساؤل المفرط، والحيرة والقلق والمكابدة. كانت رمزاً للنساء المتحرّرات المدافعات عن بنات جنسها، صورتها واسمها أصبحا يُرَصَّعان على المُجوهرات، والخواتم، والأساور، ويظهران في المُلصقات والأقمشة، والقمصان، والقبّعات .

المنزل الأزرق

وُلدت فريدا كاهلو في السادس من يوليو من عام 1907 بمكسيكو، في نفس المنزل الذي عرف رحيلها في الرابع عشر من نفس شهر ولادتها بعد انصرام 47 سنة من حياة قصيرة، ولكنّها حافلة بالمرارة، والمضض، والأحلام، والآمال، والآلام. كان منزلها يسمّى “المنزل الأزرق” وكأنّها كانت على موعد مع هذا اللون السّماوي الحالم منذ لحظة ولادتها أو قدومها إلى هذا العالم الذي خبّأ لها غيرَ قليل من المفاجآت القاسية من كلّ نوع. هذا اللون استعملته فريدا في رسوماتها على الرّغم من أنّ فضاء حياتها كان عابساً ملبّداً مكفهرّاً شحّت فيه البّسمات. والدها غيّيرمُو كاهلو لا يُعرَف الكثير عن أصله سوى أنه كان مهاجراً قدم من مدينة بادن بادن بألمانيا إلى المكسيك عام 1872، ولم يكن يحمل معه وقتها سوى متاع يسير ينحصر في معارف قليلة حول فنّ التصوير، وهيام كبير بالتشكيل، كان من أشدّ المعجبين بشوبنهاور، كان قليل الكلام، قليل الأصدقاء، قليل الحظّ إلاّ أنه لمس في ابنته فريدا شيئاً غريباً منذ نعومة أظافرها، فقد كانت تجسيداً حيّاً لطموحاته الشخصية التي أخفق في تحقيقها. كان يرافقها من مكان إلى آخر، ويشجّعها عندما بدأت مواهبها تتفتّق، وقريحتها تنضج في فنّ الرّسم كان يساعدها على حمل الريشة ليضعها بين أناملها الواهنة، ويقدّم لها النّصح لترخي لعبقريتها العنان، كان يلقنها كذلك كيف تواجه الصّعاب، وكيف تتعلّم تحمّل الآلام الجسدية المبرحة التي هيأتها لها الأقدار، ورصدتها لها الحياة. ليس بالتأوّه أو النحيب، والصّياح، بل بالأفعال، والإنتاج والعطاء المتواصل، وترجمة أحاسيسها، وتصوير عوالمها الداخلية، ووضعها في أعمال فنية، وقوالب إبداعية نادرة ومحيّرة. أمها ماتيلدي كالدرو كانت امرأة مفرطة في التديّن والانغماس في الغيبيّات، عارضت زواج ابنتها من أحد عباقرة عصرها دييغو ريفيرا، الذي كان يصفها بأنّها “امرأة قاسية وأميّة” إلاّ أنها كانت ذكية نشيطة وباهرة الحُسن.

فريدا إلى جانب فريدا !

عندما وقعت فريدا فريسة مرض عُضال ألزمها الفراش كانت تسهر ويمانعها النوم وتشعر بوحشة قاتلة، ولم تكن تجد من سلوى أو سلوان سوى الانغماس في عالم الرّسم، والإبداع وهو معولها الوحيد الهشّ لقهر عزلتها الرّهيبة، والتغلّب على وحشتها، ثمّ اهتدت أخيراً إلى حيلة لملء فراغها القاتل، فطلبت بوضع مرآة كبيرة على سقف حجرتها فوق موضع سريرها، وهكذا كانت فريدا تقضي السّاعات والأيام إلى جانب فريدا! ومن هنا يأتي سرّ العدد الهائل من الرّسومات واللوحات الشخصية أو الذاتية التي رسمتها. ولقد حققت فريدا بهذه اللوحات بالذات شهرة واسعة، وصيتاً بعيداً تخطّيا حدود بلدها إلى مختلف أرجاء العالم، وبعد ولادتها مرضت أمّها، ولم يكن في مقدورها إرضاعها فأرضعتها هندية من السكّان الأصليين، وكان لهذا الحادث تأثير بليغ على حياتها إذ بواسطة هذه المرأة تجسّدت فيها – على حدّ تعبيرها- وتناسخت أرواح السكّان الأصلييّن للمكسيك..! وفي السادسة من عمرها أصيبت بمرض شلل الأطفال، وظلّت حبيسة منزلها لمدّة تقارب الحوْل، وعندما ذهبت إلى المدرسة فيما بعد لقبتها زميلاتها “بفريدا ذات القدم الخشبية” لشدّة نحافة إحدى قدميها التي كانت تحشوها بجوارب سميكة ليتساوى حجمها مع قدمها الأخرى . ورثت فريدا عن والدها حبّ الحياة، والاستمتاع بها وروح المغامرة، وعشق الطبيعة، وهكذا جمعت الأب والابنة آصرة واحدة في غياهب الوحدة الرهيبة، وظلمات العزلة القاتلة.

في أحضان دييغو

ومثلما كان أوسكار وايلد يقول إنّ هناك حادثيْن اثنيْن طبعا حياته، وهما عندما ذهب به والده إلى الجامعة، وعندما ذهب به المجتمع إلى السّجن، كذلك كانت فريدا كاهلو تقول: “هناك حادثان اثنان غيّرَا مجرىّ حياتي، وهما عندما تحطّم عمودي الفقري، وعندما رماني الهوىَ في أحضان دييغو”!.

كانت فريدا قبل أن تتعرّف على هذا الفنّان تعاكسه بطرائق شيطانية فريدة..! فقد كانت تضع الصّابون على السلّم الذي يصعده لرسم جدارياته الشهيرة فتنزلق قدماه ويقع من طوله ! وكانت تخفي سلّة غذائه فيتضوّر جوعاً فلا يقوى على العمل ! وعندما تعرّفت عليه كانت تسبّب له غيرة قاتلة، إلاّ أنها كانت قد وقعت في حبائل حبّه، وكانت كلّ أمانيها في الحياة أن ترزق بطفلٍ منه، إلاّ أنّ الطبيعة وقفت لهما بالمرصاد، ولم تتحقق هذه الأمنية في حياتها.

إعجاب المشاهير بها

عندما بدأت مواهب فريدا تتفتّق داخل محيطها الأوّل، ثم طفقت شهرتها تتخطّى رقعة بلادها بدأت تحظى بإعجاب كلّ من رأى لوحاتها أو قرأ شيئاً عن حياتها المتقلبة والمريرة، ومن أشدّ المعجبات بفنّها من بنات جنسها إيزابيل رسوليني كراوفورد، وغلوريا إستيفان، وإلينا بونياتوسكا، ومادُونّا التي اقتنت لوحتين من لوحاتها المعروفتين، وهما: “صورة ذاتية” (1940) و”ولادتي” (1932)، وسواهنّ من المعجبات.

وحسب بعض المجلات الأمريكية، فإنّ فريدا تقف في مصافّ 60 أعظم شخصية أثّرت في تاريخ المكسيك المعاصر، وظلّت منذ رحيلها (1954 – 1970) مغمورة خارج بلادها، وعندما انتشرت شهرتها في العالم اعتبرت أعمالها الفنية “تراثاً ثقافيّاً وطنيا” ممّا زاد في أهمية فنّها وقيمة أعمالها، وقد حُضّرت في العديد من الجامعات الأمريكية، والأوروبية رسائل وأطروحات دكتوراه حول حياتها وأعمالها الفنية.

ولم تنظّم هذه الفنّانة خلال حياتها القصيرة سوى معرضين اثنين، وجلّ أعمالها اقتنيت من لدن أصدقائها، وسرعان ما بدأت لوحاتها تجوبُ العالم، واحتلّت مكانة خاصّة في الولايات المتحدة الأمريكية بالذات، وحقّقت لوحاتها في هذا البلد أعلى المداخيل التي أدركها الفنّ التشكيلي في تاريخ أمريكا اللاّتينية. فقد نافت أسعار بعض لوحاتها في ذلك الوقت المبكّر الثلاثة ملايين من الدولارات، وقد بذّت في ذلك فنانين عالميّين آخرين .

ضفائر شعرها

عندما بلغت فريدا الثامنة عشرة من عمرها كانت قد أجريت لها 35 عملية جراحية على إثر حادثة سير داخل حافلة، وكان لهذا الحادث تأثير حاسم على حياتها، حيث أصبحت لا تدع أيّ لحظة من لحظات عمرها المرير دون رصدها أو رسمها أو ترجمتها إلى أعمال فنيّة مشحونة بأرقّ الأحاسيس، ومفعمة بمشاعر الحزن، والأسى، والألم، وهكذا أصبحت لوحاتها عبارة عن مشاهد حيّة ناطقة تعكس مختلف مراحل عمرها وحالاتها النفسية المتقلبة وهكذا نقلت هذه الفنانة بواسطة الريشة للناظر إلى لوحاتها تلك اللحظات المريرة والعصيبة أو الحلوة والسعيدة التي عاشتها أو عايشتها.

لقد وصفها أبو السّوريالية الفرنسي أندري بريطون، الذي تعرّف عليها في المكسيك عام 1938، بأنها فنّانة سوريالية بالطبيعة من طراز رفيع، وقد وصفها بأنّها قنبلة موقوتة موثوقة إلى ضفائر شعرها..! إذ تنبثق من لوحاتها طاقة غريبة تبدو فيها فريدا وكأنّها تتعلّق وتتشبّث وتتمسّك بالحياة، وعلى صفحة هذه اللوحات تنزلق دمعات حرّى، لقد كانت تقول:” إنّني أرسم ذاتي لأنني أكثر النّاس معرفةً بها”. وتشير الناقدة الأمريكية هايدن هيريري، التي وضعت أشهر كتاب حول فريدا في أمريكا، إلى أنّ المائتي لوحة التي رسمتها هذه المرأة في حياتها منذ سنّ التاسعة عشرة من عمرها حتى موتها هي في الواقع حوار “مع نفسها وتفجير للطاقات والصّراعات التي كانت تعتمل بداخلها”. كانت مغرمة بارتداء الأزياء التقليدية الشعبية المكسيكية الزاهية والمزركشة للتّباهي بأصلها المكسيكي، ثمّ لتخفي عيباً أو عاهةً في شكل حدبة في ظهرها بسبب اعوجاج في عمودها الفقري.

كانت فترة الأربعينيّات صعبة جدّا في حياة فريدا، فقد ساءت علاقتها مع دييغو حتّى وصلت حافة الطلاق إلّا أنّ القطيعة في الواقع بين الرسّامين العبقريين لم تقع، كانت العلاقة بينهما جدّ معقّدة، كانت تشعر بعقدة عدم الإنجاب، ومداهمة المرض لها في كلّ حين، وعندما اشتدّت بها العّلة لم يكن دييغو إلى جانبها، بل صار يقيم علاقة حميمية مع معشوقته القديمة أنجيليكا بيلوف التي كانت زوجته الحقيقية حتى ولو لم يتم الزواج بينهما، كما ظهرت امرأة أخرى في حياته عندما وقعت فريدا فريسة المرض كذلك وهي غودالوبي مارين كانت هذه المرأة بالنسبة لدييغو تجسيدا للجمال المحسوس في مظهره الخارجي، في حين كانت فريدا تمثل جانبا آخر من حياة الفنان وهي روحه الجامحة، وقد فهم دييغو هذا الشعور عندما رسم فريدا فعبّر عن حالاتها المتقلبة ومعاناتها وهو في الواقع كان يعبّر كذلك عن حالاته ومعاناته وتناقضاته، قال ذات مرّة الدكتور ليو إلويير : “إنّ دييغو كان له حبّان اثنان الأوّل هو الرّسم، والثاني هو الأنثى وهي ليست بالضرورة فريدا” !

فريدا ومِنحة غوغنهام

عثر الناقد المكسيكي إنكريد سوكاير في بعض الأوراق من مخلّفات فريدا كاهلو التي توجد في خزانة وثائق الدولة المكسيكية على طلب كانت قد تقدّمت به عام 1939 للحصول على منحة دراسية من مؤسّسة غوغنهام، وكان الطلب موجّهاً إلى هنري آلان مو، السكرتير الثاني بهذه المؤسّسة، وجاء في هذه الرسالة: “بدأت الرسم منذ اثنتي عشرة سنة، وذلك خلال مكوثي في الفراش لمدّة تقرب من عام على إثر حادثة سير، خلال هذه السنوات عملت بواعز تلقائي وبدافع من أحاسيسي ومشاعري، لم أتّبع قطّ أسلوب أيّ مدرسة معيّنة، كما أنني لم أتأثّر بأحد، ولم أنتظر من عملي سوى الانشراح الذي كان يقدّمه لي الرّسم في حدّ ذاته حتى أقول وأعبّر عمّا لم أستطع قوله أو التعبير عنه بطريقة أخرى. رسمت وجوهاً، وتراكيبَ، وصوراً، ومواضيعَ لها صلة بالطبيعة وبحالاتي النفسية وانفعالاتي العميقة وهي صور من داخلي، وهي أصدق ما يمكنني التعبير عنه”. وتتحدّث فريدا عن معرضها الأوّل في نيويورك عام 1938 حيث عرضت 25 لوحة باعت منها 12 ثم تعرّضت بعد ذلك لمعرضها في باريس الذي أشرف عليه أندريه بريتون وتختم فريدا رسالتها قائلة: “واهتمّ النقد بأعمالي في باريس، واقتنى متحف اللّوفر إحدى لوحاتي”. ونقرأ في حاشية الرسالة- ويا للعُجْب- الملحوظة التالية: “فريدا كاهلو لم تحصل على هذه المنحة قطّ “.!

في الأدب والسينما

الكاتبة المكسيكية إلينا بونياتوسكا تحكي في رواية لها مستقاة من واقع حياة فريدا كاهلو قصّة الحبّ الذي جمعتها بدييغو، وجاءت هذه الرّواية على لسان فريدا وهي تخاطب خليلها: “أنظر إلى عيوني لقد أضناهما السّهاد، إنني أكاد لا أنام، بل إنّني لم أعد أتذوّق طعمَ الكرىَ أبداً، إنّي أقضي الليالي وأنا في حالة قلق مستديم، إنني أستقبل إشارات لا يشعر بها الآخرون، أنظر إلى أناملي المثقلة بالخواتم، إنني أقبل هذه الأنامل لأنّها وحدها لم تخدعني، إنها تنفّذ ما يأمرها به عقلي ووجداني في حين خانني جسمي كله، إنني حبيسة هذا الجسم اللعين منذ سنوات، هذه الأنامل هي التي ضفرت شعرى الطويل الفاحم، وزرعت فيه الزّهور، هذه الأنامل هي التي رسمت دييغو، وكلابي، وإجهاضي، والخادم الهندية الأصلية، وأختي، وحاجبيّ المعقودين، بهذه الأنامل رسمت شفتاي، أشفاري، إرهاقي، والدوائر الزّرقاء حول عيوني، ولادتي، أحلامي، دمي، دم دمي، عندما كنت تغازلني قال لك والدي وقتذاك: “أهجرها.. فإنّ الشيطان يسكنها.. وقد صدق”.. !.

وتختم بونياتوسكا هذه السيرة الذاتية القاتلة: هذه المرأة التي ترون المثقلة بأزهار القرنفل، والخواتم الذهبية فارقت الحياة في 14 يوليو 1954 وعادت إلى الثرى وتلاشت معها ألوانها، وذبلت أزهارها، وامّحى احمرار أظافرها، وخبا بريق عيونها، وحاجبها الوحيد الممتدّ على جبهتها كجناح غراب، شاربها الخفيف، شعرها، دموعها الحرّى السّاخنة، عظامها المكسورة، عكّازها، سجائرها، قيثارتها، ريشتها، مرآتها، الملصقة في سقف حجرتها، هذه المرأة التي ترون قد لا تكون فريدا الحقيقية، بل ربما كانت فريدا المعكوسة في المرآة.. !..

وقد تلقّف الفنّ السّابع الحياة المريرة، والجامحة لفريدا حيث قامت الممثلة المكسيكية المولد، واللبنانية الأصل الشهيرة “سلمى حايك” بتقمّص وتجسيد شخصيتها، وحياتها، ولوحاتها، وصراعها، ومكابدتها، ومعاناتها، وإبداعاتها. كما كانت المخرجة جوليا تيمور، قد قدّمت فيلماً عن حياة فريدا كذلك وسيرتها الذاتية المثيرة، بعنوان “فريدا الحياة المتنافسة”، وكيف أنها جعلت نفسها امرأة فريدة في بابها، تعيش في الخيال السعيد الذي لا يمتّ إلى واقعها الحقيقي التّعس بصلة محاولة أن تنسى أو تتناسى هذا الواقع المرّ، والعيش الكئيب، وحياتها الصّعبة المريرة التي لم تذق فيها أو خلالها طعم السّعادة الحقيقية إلاّ لماماً.

*عضو الأكاديمية الإسبانية- الأمريكية للآداب والعلوم – بوغوطا- كولومبيا.

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة