الملكية الثانية..

الملكية الثانية..
الأربعاء 19 أكتوبر 2011 - 01:29

حمل الخطاب الافتتاحي للسنة التشريعية الجديدة مسؤولية النهوض بالمرحلة القادمة لكل من الحكومة والبرلمان بما لهما من صلاحيات تشريعية وتنفيذية كاملة، وهي مسؤولية حقيقية إذا اقترنت بالتأويل الديموقراطي للدستور وبالممارسة اليومية للمؤسسة الملكية، وهو ما يتطلب تواري الطابع التنفيذي للمؤسسة الملكية وما يتعلق بها من تدشينات وبروتوكولات تضفي الهيبة على مؤسسة لا تكتفي بوظائف رمزية ولكنها تتدخل في تفاصيل الممارسة التنفيذية.

فبإطلالة سريعة على الفقرة الأخيرة من الفصل 88 من دستور 2011 نقرأ ما يلي: “تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي”.

معنى ذلك أننا أمام مبدأ هام من مبادئ النظام البرلماني أي احترام مبدأ الشعب مصدر السلطة والانضباط للإرادة الشعبية المعبر عنها بواسطة صناديق الاقتراع، وذلك من وجهين: تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر نتائج الانتخابات، واشتراط ثقة مجلس النواب المعبر عنها بالأغلبية المطلقة لأعضائه لاستكمال عملية التنصيب النهائي.
وإذا كانت مسؤولية الحكومة في الفقه الدستوري تعني أن هذه الأخيرة هي التي تحدد السياسة العامة للبلاد وتقودها فإن الحكومة في المغرب ظلت تفتقر إلى هذه السلطة لأن دستور 1996 ظل ينيط هذا الاختصاص الهام بمجلس الوزراء الذي يترأسه الملك… وهو ما ظل يكرس ضعف الحكومة وكذا الوزير الأول.

الآن أصبح رئيس الحكومة هو رئيس السلطة التنفيذية حيث تم تخصيص الباب الخامس للحديث عن السلطة التنفيذية، هذا الباب يتحدث عن مؤسسة الحكومة فقط مع غياب واضح لمؤسسة الملك، وهو ما يعني أن الملك ليس جزءا من السلطة التنفيذية، وأن الاختصاصات التي يمارسها بصفته رئيسا لمجلس الوزراء هي مهام مرتبطة بوظائفه الرمزية والتحكيمية والسيادية باعتباره رئيسا للدولة، ولا ينبغي تأويلها في الاتجاه الذي يضعنا أمام ممارسة تنفيذية تفتقر إلى آليات المحاسبة والمراقبة.

وهو ما يتأكد مع نص الفصل 89 الذي نص على ما يلي: “تمارس الحكومة السلطة التنفيذية وتعمل تحت سلطة رئيسها، على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين. والإدارة موضوعة رهن تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية”، وبموجب التعديلات الجديدة فإن رئيس الحكومة يمارس السلطة التنظيمية ويعين في الوظائف المدنية في الإدارات العمومية، وفي الوظائف السامية في المؤسسات والمقاولات العمومية، وهو ما يعني إرجاع العديد من المؤسسات العمومية إلى منطق التبعية للحكومة وإخضاعها للسياسة العامة للدولة التي أصبحت من اختصاص مجلس الحكومة قبل عرضها على المجلس الوزاري.

لقد أصبح مجلس الحكومة يتداول/ يقرر في السياسات العمومية والسياسات القطاعية وفي القضايا الراهنة المرتبطة بحقوق الإنسان وبالنظام العام وفي مشاريع القوانين ومنها قانون المالية الذي تعرض توجهاته العامة على المجلس الوزاري وفي مراسيم القوانين وفي مشاريع المراسيم التنظيمية وفي المعاهدات والاتفاقيات الدولية قبل عرضها على المجلس الوزاري وفي تعيين الكتاب العامين ومديري الإدارات المركزية في الإدارات العمومية ورؤساء الجامعات والعمداء، ومديري المدارس والمؤسسات.

كما أن التعيين في بعض الوظائف داخل المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك،ينبغي أن يتم في دائرة المقترحين من طرف رئيس الحكومة، وبمبادرة من الوزير المعني، وذلك في الوظائف المدنية التالية: والي بنك المغرب، والسفراء والولاة والعمال، والمسؤولين عن الإدارات المكلفة بالأمن الداخلي، والمسؤولين عن المؤسسات والمقاولات العمومية الاستراتيجية.

إن المكانة التي سيحتلها رئيس الحكومة في المرحلة القادمة ستجعل منه الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية إذا حرص على ممارسة مهامه الكاملة كما هو منصوص عليها دستوريا، فاقتراح أعضاء الحكومة يمثل سلطة حقيقية لا يمكن للملك أن يعين من خارجها، وهي سلطة كاملة لا استثناء فيها ولا وجود فيها لبدعة وزراء السيادة، فجميع الوزراء، وفق المنطق البرلماني، يتمتعون بالسيادة الشعبية لأن الحكومة بأكملها منبثقة عن الإرادة الشعبية..

كما أن تعيين والي بنك المغرب والولاة والعمال والسفراء ومديري المؤسسات العمومية الاستراتيجية لا يخرج عن دائرة الرغبة التي يعبر عنها رئيس الحكومة من خلال سلطة الاقتراح.

إن العلاقة بين رئيس الحكومة والملك من جهة وعلاقة مجلس الحكومة بالمجلس الوزاري من جهة أخرى، ينبغي أن تتميز بتدشين تقاليد جديدة بين المؤسستين مطبوعة بالتعايش وامتلاك القدرة التفاوضية.

هذه التقاليد ينبغي إرساؤها على أساس النظام البرلماني الذي يباشر فيه الملك مجموعة من المهام المرتبطة بوظيفة التحكيم والإشراف العام على السير العادي لمؤسسات الدولة بينما تقوم الحكومة بممارسة سلطتها التنفيذية الكاملة فيما يتعلق بتحديد السياسة العامة للدولة، وبالمقابل تتحمل مسؤوليتها الكاملة أمام البرلمان انسجاما مع قاعدة الربط بين تعيين رئيس الحكومة وبين نتائج الانتخابات التشريعية لمجلس النواب، ومع قاعدة ربط المسؤولية العمومية بالمحاسبة ومع تقوية سلطة رئيس الحكومة على الوزراء بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية ووضع حد للازدواجية القاتلة بين سلطة الدولة وسلطة الحكومة، وهكذا فإن رئيس الحكومة بمقتضى التعديلات الجديدة هو رئيس السلطة التنفيذية ويتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة وعلى الإدارة العمومية ويتولى قيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي، كما يوقع على الأعمال الملكية بالعطف طبقا لما يحدده للدستور، حتى يتحمل رئيس الحكومة مسؤوليته الكاملة باعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية.

بل إن ترؤس أشغال المجلس الوزاري يمكن أن يتم من طرف رئيس الحكومة بناء على جدول أعمال محدد، وهو ما يعطينا الحق في القول بأن رئيس الحكومة إذا مارس مهامه المنصوص عليها دستوريا سيكون هو الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية.

في بعض الملكيات البرلمانية الأوربية تتضمن دساتيرها سلطات ذات طبيعة تنفيذية للملك، لكن الممارسة الديموقراطية تطورت في الاتجاه الذي يقوي من مكانة رئيس الحكومة ويجعل منه المسؤول الأول عن مؤسسة الحكومة في الوقت الذي اختارت فيه الملكيات الأوروبية عدم ممارسة العديد من الاختصاصات ذات الطابع التنفيذي، وهو ما يؤكد ضرورة تدشين تقاليد جديدة تسمح بتطوير الممارسة الديموقراطية في اتجاه الانسحاب التدريجي للطابع التنفيذي للمؤسسة الملكية، كما تعتمد على التأويل الديموقراطي الذي ينزع نحو تقوية الطابع البرلماني في الممارسة السياسية. آنذاك يمكن أن نكون أمام ملكية ثانية.. أما الممارسة الحالية التي نتابعها عن طريق الإعلام العمومي فإنها لا تكرس الملكية التنفيذية في أبشع صورها…

‫تعليقات الزوار

7
  • محمد الخميسيي
    الأربعاء 19 أكتوبر 2011 - 12:13

    ان المؤسسة الملكية في جل خطبها تدعو المؤسسات الدستورية الاخرى الى الالتزام بالمبادئ الاخلاقية التي تضمن الفعل السياسي النزيه والشفاف؛ لكن الواقع الميداني يكشف على ان هذه المؤسسات تعاني من ازمة بنيوية قد تكون المؤسسة الملكية مساهمة فيها بشكل أو بأخر،وان اي خطاب معياري لن يستطع ان يخرجها من ازمتها.
    ما العمل؟كيف يمكن ان نخرج الفعل السياسي من ازمته؟وكيف يمكن للنخب السياسية ان تدفع بالاصلاح السياسي قدما؟وهل الخطب الملكية كفيلة لوحدها بالاصلاح؟…؟؟؟

  • الرداد
    الأربعاء 19 أكتوبر 2011 - 12:40

    شكرا الاساد حامي الدين كل ما تفضلت به من تفسير لروح بنود الدستور الخاصة بريس الحكومة صحيحة لكن المشكل هو هل المغرب يتوفر على رئيس حكومة قوي يتمتع بكاريزما قوية يضطلع بما يمليه عليه الدستور دون خف ولا وجل من الضغوطات التي تنهال عليه من كل طرف في ظل بيئة سياسية فاسدة يتداحل يها كل السلطات وان كان الدستور الجديد قد حسم في فصلها.نحن في حاجة الى رجل دولة قوي يقول لا حينما يحس بان صلاحياته قد مست ’اما رئيس خانع يحاف لى منصبه فقد فهدا لا بستقيم مع دستور جديد اناط به صلاحيات واسعة وجسيمة تحتاج الى اتخاد قرارات مستقلة تتمتشى مع البرنامج الدي انتخبه عليه الشعب.تحتاج الى رئيس يضع الرجل المناسب في المكلن المناسب بعيدا عن الحزبية الضيقة والزبونية والمحسوبية.

  • abdou172
    الأربعاء 19 أكتوبر 2011 - 13:34

    سحب قانون المالية بدون علم رئيس الحكومة يقبر كل هذه الامال

  • hassan Maroc
    الأربعاء 19 أكتوبر 2011 - 15:37

    le roi possède selon la nouvelle constitution tous les pouvoirs, il impose la stratégie générale à travers le conseil des ministres, en ce qui concerne la traduction opérationnelle de cette stratégie, il peut la faire lui même car la constitution lui accorde le pouvoir suprême dans nombre d'articles.donc on est et on restera dans la monarchie traditionnelle qui consacre le pouvoir du roi.les causes de cette situation sont bien connu

  • ابنادم
    الأربعاء 19 أكتوبر 2011 - 16:58

    هنا الاستعصاء هل بمقدور الاحزاب ان يكون امينها العام الدي ينتخب رئيس حكومة له من الاعراف والتقاليد السياسية المبنية علىالنزاهة في تكريس هدا المعطى الجديد بكلثقل وان تكن له القدرة ولكل الاحزاب في جعل المرحلة القادمة قفزة نوعية نلاحظ ان تركيا رغم ان مؤسسة الجيش هي الحاكم الفعلي الحامية للدستور استطاع حزب سلامي ويا للمفارقة من بلوغ تشاركية تضفي على العمل السياسي في تركيا العلمانية بعدا يكرس لتقليد الديموقراطية والحزب يكون في خدمة الوطن وليس شعاراته هذا ما نتمنى ان نبلغه بالتشارك مع مؤسسة ملكية خرجت من رحم هدا الشعب ودافع عنها الشعب وليس لتجاذبات سياسية لن تفيد الا اعداء الوطن

  • أحمد
    الخميس 20 أكتوبر 2011 - 03:39

    أولا يجب أن نفرق جيدا بين مستويات ثلاثة للملك وهي الرمز والمؤسسة والشخص الرمز يحترم ويوقر والمؤسسة يؤخد منها ويرد عليها أما الشخص فلا شأن لأحد به
    الملك كشخص أعتقد أنه ديمقراطي وحداثي أكثر من أي سياسي آخر في المغرب وقد عبر سابقا عن إعجابه بالملكية البريطانية والجهوية الألمانية لكن يجب ألا ننسى أنه يشغل وظيفة داخل مؤسسة (الملكية) وحينما تطالب النخبة في البلد بملكية برلمانية فإنها تتعهد بإعطاء الملكية كل ما يمكن أن تعمل من أجل تحصيله بالديكتاتورية لكن المشكل هو أن هناك واقعا متشعبا ومتداخلا نتجت عنه مشاكل بنيوية مزمنة وتداخل مصالح فئات مختلفة مع الملكية والأدهى أن هناك شعبا لن يقبل بملك قد يعتبره "دمية" ولهذا فإن مسألة التدشينات لا أعتبرها سيئة وهي على كل حال ليست تنفيدية وإنما فخرية شرفية خصوصا وأنها تقتصر على كل ماهو اجتماعي وعدد مهم منها هي من تمويل مؤسسات اجتماعية خيرية فالملك مثلا لم يحضر تدشين ملعبي مراكش وطنجة وحضر تدشين بعض ملاعب القرب في أحياء شعبية …
    ثم لا أعتقد أن الولاء للملكية في المغرب مرده إلى التدشينات بل هو راجع بالدرجة الأولى إلى عوامل دينية وتاريخية ونفسية متراكمة

  • متتبع مغربي
    الخميس 20 أكتوبر 2011 - 13:02

    ساذج أو إنتهازي من يظن، في ميدان السياسة، أن المكاسب والديمقراطية يمكن اكتسابها بالنوايا الحسنة والتمنيات، بل تكتسب بالنضال والصمود. كما أن النخب الخالية غير مؤهلة لإعطاء رئيس حكومة كاريزماتي وذو شخصية قوية ومستقل في تفكيره وقراراته

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين