في نعي القضاء.. أو أحكام الهزيع الأخير من العدالة

في نعي القضاء.. أو أحكام الهزيع الأخير من العدالة
الأحد 1 يوليوز 2018 - 12:19

تصدير:

لا يختلف اثنان حول طبيعة القانون التجريدية والصورانية المتمثلة في قواعده الباردة وأركانه القائمة من نظير وجود الجريمة والشهود والأدلة والدفاع والحق المدني إلخ… وبمناسبة صدور أحكام ليلة الثلاثاء الأسود على شبيبة حراك الريف، التي توزعت عليهم ليصل مجموع الزمن الخالي من الحرية إلى ثلاثة قرون، نقول مع الذين يرون ضرورة احترام الأحكام الصادرة عن القضاء إنه لا مانع من ذلك، لكن لو كان القضاء أو على الأقل بعض القضاة مستقلين للزم الأمر ذلك.

وأستغرب مما سمعته شخصيا من أشخاص ينتمون إلى مجال العدالة بصفة من الصفات، يتحسرون لكون الأحكام إياها كانت رحيمة ومخففة؟ بل إن أحدهم كان بالأمس مدافعا عن الحريات وأصبح وزيرا للعدل ثم وزيرا لحقوق الإنسان (وهل تحتاج الحقوق إلى حقيبة وزارية؟) يقول إنه لم يكن يتوقع هذه الأحكام وإنه تفهم عدم استساغتها من طرف الرأي العام على الأقل الافتراضي، وإنه لا بد من التعويل على أحكام أخرى عند الاستئناف، ولست أدري هل ينتظر الإعدام؟

لقد عايشت حراك الريف عن قرب وكتبت بصدده مقالات شارحا الأسباب الواضحة لاندلاعه، التي أكرر أنها لم تتجاوز السقف السلمي المطلبي الاجتماعي من الحق في الصحة والتعليم والعيش الكريم في إطار من المواطنة الكاملة.

وشاهدنا كيف تخرصت الحكومة وعجزت عن احتواء منسوب الغضب الاجتماعي في الريف واضعة أصابعها في الآذان غير مكترثة بالآتي، وتواترت الأحداث بعد مقتل محسن فكري، وارتفعت في سماء الحسيمة والريف، بل وفي أرجاء الوطن، شعارات التضامن لأن المطالب كان عليها ومازال إجماع: الحق في الحلم بوطن يكون جديرا بنا كما نكون جديرين به، لا وطن الفساد والريع والحكرة والسخرة والاستبداد.

والآن والأحكام جاهزة وماثلة أمام أعيننا ترفل في السريالية، في الوقت الذي كنا نظن فيه أن المغرب قد قطع مع سنوات الجمر والرصاص وأننا نعيش ما بعد زمن العدالة الانتقائية، لقد أصبنا بالوهم، عوض الحلم، وبالألم بدلا من الأمل، يبدو أن الدولة في واد والمجتمع المغربي في واد آخر.

في الحاجة إلى تحليل سوسيولوجي وأنثروبولوجي جديدين

إن جل من تحدث عن الحراك المغربي منذ ما سمي بـ”الربيع العربي” وقارب ظاهرة 20 فبراير إلى حراك الريف، لم يلامس العمق لعقم منهجية المقاربة الكلاسية التي أكل الدهر عليها وشرب، والتي تنتمي في جلها إلى القرن الماضي.

ونحن في زمن الديجيتال عجز محللونا عن متابعة التحولات الاجتماعية التي بقيت سجينة المعطى الديموغرافي وبعض التشخيصات السوسيولوجية السطحية التي يسميها ألان تورين بالتبدلات عوض التحولات أو التغيرات الاجتماعية (براديغم جديد 2005) يلعب فيها الفرد دورا مهما، لا يعني به في آخر المطاف سوى الفاعل الخاص باعتبار الأول، أي الفرد، يعيش منعزلا عما سماه بالتاريخية مفهوما مركزيا في تحليلاته، والتي هي قدرة المجتمع على إنتاج توجهاته الاجتماعية والثقافية انطلاقا من الفعل الذي ينتجه بنفسه، والذي يسبغ عليه معنى العصب الأساس في الصراع المحتدم بين الداخل والخارج ضمن الحركات الاجتماعية.

وبالرجوع إلى كتابات هذا السوسويولوجي المثيرة للجدل، سواء من خلال كتابه الموسوم بـ “هل نستطيع العيش جميعا؟” الصادر في 1997، أو من كتابه “ماهي الديمقراطية؟” الصادر في 1994، يتضح أن مقاربة التبدلات داخل نسق المجتمعات الحديثة في ما أسماه ما بعد السياسة وما بعد المجتمع إثر انهيار الوساطة بين الدولة والمجتمع، أي الأحزاب، قطع معرفيا مع أساليب المقاومة الكلاسية لتغول الدولة، وهو ما حدث عندنا لما أصبح الفضاء الأزرق المنطلق من فرد بالمعنى الذي أضفاه ألان تورين عليه، أي الفاعل الخاص في إنتاج التوجهات الاجتماعية التي لم تستطع الدولة تشفيرها، ولعل المقاطعة أحد أبرز الأمثلة على ذلك.

إن حراك الريف هو أحد التجليات البارزة لمغرب ما بعد السياسة وما بعد المجتمع؛ لذلك على الدولة الآن أن تكون في مستوى التقاط اللحظة التاريخية بتراجعها عن المنوال الكلاسي في التدبير الدولاتي، وأن تركب الحداثة الديمقراطية في جوهرها.

إن المقاربة الاستبدادية وإن توسلت بالقضاء تبقى استبدادية ولها تكلفة غالية، فالذي يتحرك في الفضاء العمومي الأزرق تقوده فكرة لا طبقة ولا فئة ولا جنس بعينه، ومن هنا قوة نجاعته مهما بلغ شأو القمع.

عود على بدء

إن الأحكام الجائرة التي نطق بها الابتداء في غرفة الاستئناف ليلة الثلاثاء لا يمكن أن تترجم شعارات العهد الجديد الذي رفعته أعلى سلطة في البلاد، وإن الأحزاب السياسية إن لم تتدارك وضعها البئيس، فإن مزيدا من الاحتقان والمسافة بين الدولة والوسيط ستزداد بونا، فالمؤمل أن يركب عقل الدولة الحكمة ويتم تدارك المأساة عند رفع هذه الأحكام الجائرة إلى أنظار الاستئناف فقط لأنني ما زلت أثق في بض من القضاء والقضاة المغربيين.

*شاعر مترجم وباحث.

‫تعليقات الزوار

7
  • كاره الضلام
    الأحد 1 يوليوز 2018 - 13:07

    من يسمع كلامهم عن موت العدالة يعتقد ان العدالة في المغرب هي طائر الفونيكس الدي يبعث حيا بعدما يترحم عليه الناس، من يحصي عدد المرات التي اعلنوا فيها الحداد على العدالة بالمغرب يعتقد انها تنبعث من رمادها بعد كل موت، ثم يقول لنا ان الاحكام جاهزة بينما حكمه هو على العدالة هو الجاهز و جملة واحدة تكفي لنكف عن فراءة كلامه و هو وصف احداث الحسيمة بالسلمية، ثم يدعون الفهم و يسردون لك كلام هدا الكويتب او داك بينما هم لا يفهمون ما يجري تحت اقدامهم، انتم عاجزون عن فهم حتى طبيعة الدولة التي ادمنتم انتقادها،و يخلط احداث الحسيمة بعشرين فبراير رغم انعدام اي تشابه بينهما، سبب احداث الحسيمة(ماشي حراك الريف) هو الكراهية العرقية و الحقد العنصري التاريخي و التقوقع الداتي الدي غرسه مند عقود دعاة الكراهية في عقول ابناء الريف و لم يلتقفه الا بعضهم، غوغائية الحسيمة لا علاقة لها بالتنمية و سببها ما يسميه الجابري عودة المكبوت،تلك الاحقاد المكبوتة اعتقدت ان الظرف موات لخروجها ،و التي تلخصها جملة الزفزافي:المهم نزعزع امها هدا الدولة بالدبابات و الاباتشي

  • كاره الضلام
    الأحد 1 يوليوز 2018 - 15:38

    كم هم مثيرون للشفقة و السخرية معا حينما يدعون الدولة للقيام بكدا و كدا و كانها هي من في ورطة بينما هم المنكوبون، انتم الدين ترون ايقوناتكم في السجون و انتم من عليكم ايجاد حل لورطتكم لان خيالاتكم السابقة اتبتث انها نكت في احسن الاحوال، مادا بعد نعيكم للعدالة؟ هدا هو السؤال الدي تهربون منه، المرحلة تتطلب من منظري الكراهية ان يقولوا شيئا جديدا لمن غرروا بهم طيلة عقود، اما موت العدالة فقد قلتموه لهم لحد القرف ،غياب العدالة الدي تتخيلونه ليس سوى احباطكم الشديد من تهاوي خيالاتكم المضحكة في لحظة، لقد تركت الدولة خيالاتكم تكبر حتى ظننتموها حقيقة فلقفتها كما فعل موسى بسحر خصومه، عند بدء احداث الحسيمة قالوا ان الدولة في حرج شديد و ان النظام لا يمكنه ان يبقى صامتا و ان الاحداث تزعزعه و حينما لم يابه بهم قالوا انه يقترف خطا بعدم تدخله و اعتقدوا ان عفوا لا بد سيصدر عنهم و لم يصدر، بكلمة انها عقد الوزن و الحجم و التواجد تحت الشمس اصيبت باحباط، اعتقدوا لحظة انهم يساوون شيا ما و يرب لهم حساب فاصابت الاحكام احلامهم بصدمة و خيبة سموها موت العدالة

  • سلوى
    الأحد 1 يوليوز 2018 - 15:55

    نتكلم كثيرا ونتوه في التفاصيل والأمور بسيطة وتكررت أمامنا مرات عدة هذه القصة تتبعها جميع المغاربة منذ بدايتها وقد انطلقت يوم قتل بائع السمك ثم خرجت الإحتجاجات ولم يكثتر لها المسؤولين فتطورت وظهر الزفزافي بالصدفة حيث كان مواطن عادي لا علاقة له بالسياسة لا من بعيد ولا من قريب طالب بتحسين وضعية سكان الحسيمة فقبض عليه وعلى عدد من المواطنين فما أقدموا عليه كان واضحا لكن التهم التي حوكموا بها هي التي لم تكن واضحة وحكم على المحامي الذي دافع عليهم بالسجن لكنه طلب اللجوء السياسي ونجاح بجلده لكن الحكم عليهم ب 300 سنة ثلاثة قرون كانت مفاجئة سيئة للجميع فهل هؤلاء قاموا بانقلاب عسكري أو ما شابه ذلك أتمنى أن يتدارك القضاء المغربي هذه الهفوة ويرجع الأمور لحالتها العادية قبل أن مفاجئ بشيء فكل المغاربة غير راضون على الحكم ويتهمون القصر لتدخله في الموضوع وهذه إشاعات غير مطمئنة شكرا

  • موحند
    الأحد 1 يوليوز 2018 - 17:15

    إلى كاره الضلام. انت من بين النماذج المخزنية التي تدعي شيءا وقيم جميلة ولكن في الواقع تعمل نقيض ما تدعيه. كاره الضلام هو في الجوهر يفكر ويحس ويعبر ويسبح في ظلام دامس. نماذجك هم من تشبعوا بالفكر الاقصاءي والعنصري ومن شربو من منابع العبودية والإستبداد والفساد والريع. امثالك تنطبق عليهم مقولة " الى امطرت السماء حرية سارع العبيد ليحملوا المظلات" نشطاء الريف ليسو بملاءكة ولكن لا يستحقون هذه الأحكام القاسية الغير العادلة لأنهم فقط يطالبون بحقوقهم المشروعة ويطمحون إلى العيش في حرية وكرامة وعدالة اجتماعية ولكن هذه الطموحات تتناقض مع طموحات العبيد امثال كاره الظلام.

  • mnm
    الأحد 1 يوليوز 2018 - 17:47

    كاره الضلام

    في بدايات حراك الريف سبق لك وان كتبت على هذا المنبر تعليقا تخبرنا فيه بانك ذهبت والتقيت بشباب الحراك راغبا في الانضمام اليهم لكنهم رفضوا اقتراحك لسبب ما ومنذ ذلك الحين وانت تتهجم عليهم وتقذفهم باقدح الاوصاف والنعوت بمناسبة وبدون مناسبة انك تحقد عليهم حقدا لا حدود له لايسع الا في صدرك تتحين الفرصة للانتقام منهم حتى الاحكام القاسية لم تشف غليلك .بعثروا اوراقك ولخبطوا حساباتك دون علمهم غيرت مسار تعاليقك الى الاتجاه المعاكس حتى تحولت من كاره الضلام الى كاره كاره الضلام
    كن شجاعا واعترف للقراء بان هذا هو سبب كل هذا الحقد والضغينة والكره واعترف انهم لو قبلوا طلبك لكان رايك مخالف تماما ولامطرتهم بتعاليق تمجدهم وتهلل لهم فيها ولجعلت منهم ابطالا ما بعدهم ابطال

    انتظر اعترافك ربما سيكون سببا للتخفيف عنك من ثقل هذا الاحساس الاليم اللئيم المقيت
    ارجوك راجع نفسك ثم راجع نفسك وخصص مكانا في قلبك للتسامح والصفح والعفو والتاخى هذا سيريحك بالتاكيد
    ثنميرث
    نرجو من هسبريس نشر التعليق

  • زينون الرواقي
    الإثنين 2 يوليوز 2018 - 07:17

    في معرض تهكمه واستعلائه المرضي يقول كاره الضلام انهم اعتقدوا ان عفوا سيصدر عن المعتقلين وبما انه يبيت على رآي ويستيقظ على رأي آخر اعود لأنعش ذاكرته بتذكيره بتعليقاته حول مقال الاستاذ برحيلة " الملك يعاقب متورطين وعفو قريب عن المعتقلين " المؤرخ 25 أكتوبر 2017 حيث يقول بالحرف وبصيغة الواثق من نفسه أن " عفوا عن المعتقلين الذين رفعوا شارة النصر سيصدر قريبا يوم ذكرى المسيرة الخضراء … " كانت تعليقاتي – وبإمكان الإخوة العودة اليها والتي لم تحضى بالقبول – تحاول ترتيب الأحداث وتسلط الضوء على سلسلة الأخطاء المرتكبة في فورة الحماس والانفعال والتي مست هيبة المؤسسة الملكية نفسها والتي ستدفع لتكييف التهم واخراجها عن سياقها المطلبي الاجتماعي بما يرجح كفة إصدار الأحكام الثقيلة كما حدث بالفعل لاحقا .. أخطأ حدس الاستاذ برحيلك الذي نكن له كل الاحترام وأخطأ بشكل مضاعف من يجلد اليوم بلسانه السليط من توقعوا صدور عفو بينما كان أولهم .. اعود وأؤكد ان الخطأ الذي بصم به زعماء الحراك على قرارات ادانتهم وفتح الباب للاجتهاد اكثر لإيجاد ذرائع تبقيهم خلف القضبان الأطول فترة كان الاستخفاف بالمبادرة الملكية ورفض

  • عمر 51
    الثلاثاء 3 يوليوز 2018 - 07:48

    جاء في الحديث: قاضيان في النار وقاض في الجنة. بناء على هذا الحديث فإن 66 % من القضاة في النار. و33 % في الجنة. وهذا؛ نتيجة للأحكام التي يصدرونها، والمبنية على الظلم والتزوير، وعلى اللامبالاة، وربما على الجهل وغياب الاجتهاد. وأغلبية الأحكام التي يصدرها القضاة، و التي تكون لها علاقة بالشهود، تكون أحكام ظالمة وجائرة، نظرا للتزوير في منطوق الشهادة. وبالتالي فالمبني على الباطل فهو باطل. إذا كان القاضي يبني أحكامه وفق القوانين، فلماذا الشهود؟ فوجود الشهود في النازلة، والحكم بناء على شهادة الشهود، دليل قطعي على عـدم وجود القوانين. والسلطة التقديرية التي منحت للقاضي دليل قطعي أيضا على عدم وجود القانون. ودليل على أن المشرع ترك هذا الباب مفتوحا ليس للاجتهاد، وإنما للتلاعب وللأمر الذي يأتي القاضي من الأعلى. إذن؛ فأي القوانين التي يحكم بها القاضي؟ نعم؛ هناك فصول، وهناك مواد، في الكتب، ولكن ليس هناك قضاة. والقضية المعروفة ب[ وهل الفرس تلد العجل يا عجل] في بني أسرائيل، لأكبر دليل على مصداقية أحكام القضاة ؛ يا سعادة القاضي

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة