استقلالية القضاء ومعادلة النهضة والانحطاط

استقلالية القضاء ومعادلة النهضة والانحطاط
الأربعاء 4 يوليوز 2018 - 13:56

القضاء، إلى جانب التربية والتعليم، هما المدخلان الأساسيان إلى بناء أي مجتمع متنور، ديمقراطي وعادل. على أنه إذا اختل التعليم الذي يوفر الشروط الذاتية في كل مواطن للانخراط إيجابيا والإسهام في بناء هذا المجتمع المنشود، فإن دور القضاء آنذاك، بمفهومه العام الذي يحفظ الحقوق والحريات لكل مواطن ومواطنة، يلعب دور إعادة التوازن إلى الموازين والعلاقات التي اختلت بسبب غياب وازع التربية والمواطنة الذاتية.

ولهذا، وجب في أي بلد يطمح إلى هذا الأفق أن يلف نظام العدالة فيه بكل ضمانات حسن الأداء، من بنيات تحتية ملائمة، ومنظومة قانونية متنورة حافظة للحريات والحقوق. على أن رأس الأمر كله يعود إلى رجالات القضاء، الذين يجب أن تتوفر لهم كل شروط الكفاءة والنزاهة والاستقلالية. فبدون قاض كفؤ، نزيه ومتشبث بالعدالة، لا يمكن لأي بلد أن يتقدم.

إن اختلال القضاء اختلال للمجتمع، وتأجيج للفساد والحيف، وتغليب للقوي على الضعيف ولمنطق الصراع والنزاع المؤامرة والغش، ضدا على قواعد العدل والحقوق والواجبات؛ وهو ما يتحول معه المجتمع، بتراكم الأعوام والسنين، إلى مجموعة بشرية عدوانية متناحرة متنازعة، فاقدة للثقة فيما بينها، عوض أن تكون لحمة واحدة، تقدر حقوق بعضها، وتلتئم على تشجيع القيم الإيجابية والأخلاق الرفيعة التي بها تتقوى الأمم والأوطان.

ولقد تقدمت بلادنا في هذا الطريق فصولا مهمة، كانت فيها محطة دستور 2011 لحظة فارقة، دخلت بموجبها المملكة في مصاف الدول ذات الترسانة الدستورية الأكثر تقدما على مستوى ضمانات استقلالية القضاء. ويؤكد الفصل الـ107 من الدستور أن “السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية”. كما يؤكد الفصل الـ109 أنه “يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء؛ ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات، ولا يخضع لأي ضغط”، حيث “يجب على القاضي، كلما اعتبر أن استقلاله مهدد، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية”، كما أن “القانون يعاقب كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة”.

هذه الضمانات الدستورية المنيعة التي سيج بها الدستور استقلالية القاضي ونزاهته جعلت المشرع الدستوري يعتبر في الفقرة الموالية من الفصل نفسه “أن كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد يعد خطأ مهنيا جسيما”، يتحمل القاضي تبعاته كاملة.

وفي جانب الاستقلال المؤسساتي للقضاء، عزز دستور 2011 هذه الاستقلالية بإحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية، كمؤسسة دستورية ذات الاستقلال الإداري والمالي، والتي يؤول إليها تدبير قطاع القضاء، حيث تسهر حسب الفصل الـ113 “على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولاسيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم”.

إننا، إذن، أمام ترسانة دستورية متقدمة، أعطت للقاضي الضمانات الدستورية والمؤسساتية الكافية التي تحفظ له استقلاليته في أداء مهمته ورسالته، والتي حددها الدستور في فصله الـ117 بالتأكيد على أن القاضي “يتولى حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون”، تحقيقا لغاية أعلى كما جاء في الفصل الـ120 من الوثيقة الدستورية، وهي تمكين “كل شخص من الحق في محاكمة عادلة”.

كل قاض، إذن، يجب أن يسائل نفسه، وأمام كل قضية ومحاكمة، هل يؤدي رسالته بكل استقلالية وتجرد؟ هل يحفظ للمتقاضين حقهم في محاكمة عادلة؟ وهل يسهر على حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم… فذلك واجبه الدستوري والوطني والأخلاقي والشرعي الذي لا يحق له التنازل عنه، بل عليه حمايته بكل الوسائل والإمكانات، لأنه بهذا التنازل يفتح الباب أمام الظلم والجور والفساد.. هذه الأمراض الفتاكة الذي تهوي بالمجتمعات إلى أعماق الانحطاط الاخلاقي والحضاري الذي لا رجعة منه.

‫تعليقات الزوار

4
  • wadiaa
    الأربعاء 4 يوليوز 2018 - 14:15

    la justice est independente de l'autorite executive et legislative mais, elle est en parfaite service des coups de telephone.

  • MOHAMMED MEKNOUNI
    الأربعاء 4 يوليوز 2018 - 14:32

    على ما يبدو أن كاتب المقال نسي أم تناسى أنه ومنذ دستور 2011 وإلى إعفاء رئيس الحزب كانت وزارة العدل في شخص السيد الرميد إذن فما هي الإ صلاحات التي قدم ؟
    ليس هناك أي إصلاح لقد ضاعت الحقوق في خضم فوضى من المصطلحات وهذه المصطلحات أبى كاتب المقال إتحافنا بها ليس إلا .

  • احمد
    الأربعاء 4 يوليوز 2018 - 14:40

    العدل قيمة إنسانية والمؤسسات هي وسيلة المجتمع لترسيخ القيم ومن أهم تلك القيم العدل؛ ولكن الحقيقة أن وجود التشريع في يد السلطة ومع غياب كامل للمجتمع عن السلطة وإدارتها؛ جعل القانون هو أحد أدوات السلطة لتحقيق أهدافها المعادية للمجتمع، وبالتالي أصبح القانون ومن يديره مما تسمى بمؤسسات القضاء هو وسائل مساعدة للسلطة لقهر المجتمع. وعلى ذلك فالهجوم الكاسح على المؤسسات الفاسدة المعادية للقيم هو أعلى نقاط الانتصار للقيم والمفاهيم وهو أيضا الهدف الأكبر لإعادة تشكيل الوعي المجتمعي، فالعدل أساس الملك ولكن ليست المؤسسات التي تدير منظومة الظلم وتدعي بكل صفاقة أنها مؤسسات العدالة.

  • الرياحي
    الأربعاء 4 يوليوز 2018 - 15:52

    كرر الكاتب ما جاء في الدستور
    "كما أن "القانون يعاقب كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة"
    ——————————-
    .كان حريا بك أن تقدم النصيحة في سبيل الله لإخوانك الوزراء البيجيديين ومنهم الرميد اللذين جمعهم حامي الدين أسبوع قبل مثوله أمام المحكمة في قضية قتل مع سابق الإصرار.يبقى كلام إنشائي أعيد للمرة ألف بدون أي مفعول بدون أي جدوى.
    كما أن كبير الإخوان الغير مأسوف عليه السيد بن كيران صرح
    "لن نسلم أخانا حامي الدين للقضاء"
    أليس هذا ضغط صريح على القضاء بل خرق سافر للدستور وتمرد يستحق الجرجرة إلى المحاكم.
    في بلادنا من أأتمن على القانون يخرقه وله كتائب تقلب الحقائق
    تقدمنا بكري !

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة