وَلاءات.. نارٌ تحتَ الرّماد!

وَلاءات.. نارٌ تحتَ الرّماد!
السبت 14 يوليوز 2018 - 23:22

في بلادِنا، ولاءات..

بعضُها قد كَبُر، وأصبحَ مُزعِجًا، وفي بعضِ الحالات، حتى لولاءِ الوَطن!

ولاءاتٌ إيديولوجية، مالية، طائفية، ثقافية، قَبَلية.. ومن التقاليدِ والعادات… وأخرى على أساسِ زواجٍ وعائلةٍ وشرَاكة…

ـ ومصالح مُتبادَلة!

وولاءاتٌ قابلةٌ للبيع والشراء، بأسواقِ «نِخاسةِ الولاءات»..

وهذه بتنوُّعِها ذاتُ مَناعةٍ علاقاتيةٍ واسِعَةِ النطاق.

بَنَت ثرْوَتَها على الرّيع، والامتيازات، والفسادِ الإداري، والتفقيرِ الاجتماعي، وحيثياتٍ أخرى…

ـ وملاحظة: أينما كان التّفقير، قابَلتهُ كفّةُ الإثراءِ اللاّمشروع!

والغَضَبُ الاجتماعي قد تكونُ له مفاجآت..

ولا يُستَبعَدُ أن يتّسعَ الشرخُ بين شَبكاتِ الولاءاتِ الفاعلةِ في الميدان..

زُعماؤها لا تَهمُّهم إلا حماية مصالحِهم المالية والنّفوذية، داخلَ شبكاتٍ هُنا وهناك وهنالك..

التّنافُرُ بينهم مُمكنٌ في أيةِ لحظة..

تنافُرٌ شخصي أو مَذهبي أو حزبي أو تجاري… وقد لا يتوقف، إلا بتدخُّل قانونٍ لا يُوَجّهُه أيُّ حزب، وأيةُ جهة..

ولا تخلُو حقائبُ «الزعماء» من أسرارٍ اقتنَصُوها من عُملائهم ببَعضِ الإداراتِ الفاسدة، ومنها درايتُهم بخريطةِ الفساد، وما فيها من أسماءٍ فاعلة..

ولا يُستبعَدُ أن تكون شَبكاتُهم تتبادلُ المعلومات، وربما تُعِدُّ لوائحَ للانتقامِ من فاعِلين في ولاءاتٍ مُضادّة..

أليس هذا مُحتَمَلاً؟

وهل الولاءاتُ النشيطةُ بخريطةِ التناقُضات الميدانية عندنا، هي ولاءاتٌ في حالةِ «سلاَم دائم»؟ أم يمكنُ تصوُّرُ أن يَحصُلَ العكس، إذا اندلعَت خلافاتٌ من نوعِ ما يقعُ بين عِصاباتِ المافيا، وأباطرةِ المخدّراتِ والتهريب؟

وأنواعُ الخلافاتِ كثيرة: خلافاتٌ في التنافُس على مَصادرِ الثروة..

وعلى أسواقِ وأماكنِ البيعِ والشراء..

ـ ناهيكَ عن مَشاكلَ بشرية…

وما أكثرَ العناصرَ التي قد تُشعلُ الفتيلَ في أيةِ لحظة، لأسبابٍ مباشرة، أو بفعلِ تقاطُعات خارجية، الأمرُ الذي قد يَنعكسُ سلبًا على الولاءاتِ الرئيسية: البلد.. الإنسان.. القانون.. الأخلاق…

إن الفساد قد استَشرَى لدرجةِ أنه أصبحَ سُلَّمًا للتسلُّقِ إلى أعلى المراتِب الاجتماعيةِ والسياسيةِ والاقتصاديةِ وغيرِها…

والزّعاماتُ عندَ المصالحِ تَصطدمُ لدَيْها كلُّ القيَم..

ولا أحدَ في مأمنٍ من اندلاعٍ مُحتمَلٍ لحالةِ «اللاّسِلم»، نظرًا لكثرةِ مَجالاتِ المصالحِ المتشابِكة..

وقد لا تبقَى الخلافاتُ محدودةً في مجالٍ واحد.. نَتصوَّرها وقد انتقلَت من التنافُسِ التجاري إلى نزاعٍ سياسي، فإلى اشتباكٍ بالأيدي، وركلٍ بالأقدام، وربما تراشُقٍ بأدواتٍ أخرى…

منذ الاستقلال إلى الآن، أنتَجت الساحةُ الوطنية كثيرًا من شبكاتِ «المالِ والأعمال» التي أصبحت تقودُ الأحزاب، والبرلمانَ بغُرفتيْه، والحكومة، والفِرَقَ الرياضية، والشركاتِ الكبرى، ومصالحَ ماليةً دولية…

لقد كثُرَت المواقعُ التي يمكن أن تكون مُنطَلَقًا لنزاعاتِ المصالح..

وإذا استمرَّ الغضَبُ الاجتماعي، نتيجةَ العراقيل التي تضَعُها هذه النّخَبُ المالية السياسية، وتُضافُ إليها الدّينية، أمام أيةِ محاولةٍ لحلّ مشاكلِ البلد، فلا يُستبعَدُ أن تصابَ الحالةُ النفسيةُ والعقليةُ والعصَبيةُ لهذه التناقضات بما قد يؤدّي إلى توليد انفجارٍ بين أفرادٍ قد اعتادوا الاعتمادَ على بعضِ الجهات أن تُعيدَهم إلى تهدئةِ الأعصاب..

إن الاعتمادَ على شبكات الأباطرةِ المافيوزية في أن تلعبَ أيَّ دور أمنى، وأي تسيير حزبي، وأي خوضٍ في نقاشاتِ البرلمان والحكومة وغيرِهما من المؤسسات، والجماعات المحلية، هذا يعني أن الأسرارَ التي تصلُ إلي أفرادِها بكيفية أو أخرى، حولَ الشأنِ المحلي والعمومي، هي أسرارٌ غيرُ مُؤَمَّنة، من قِبَلِ عصاباتٍ تبيعُ وتَشتري الولاءاتِ في ميدان النّخاسةِ النيابية..

وأيُّ تصادُم بين هؤلاء قد يؤدي إلى انتشار صراعاتِ الولاءاتِ الاقتصادية والسياسية والاجتماية عبرَ الترابِ الوطني..

وهذا إذا لم يكن فيه خطأ تقديري، قد ينطوي على مَخاطرَ أخرى، لأن نزاعا من هذا القبيل قد يمتدُّ إلى أتباعِ هذه الولاءاتِ المتصارِعة..

والأتباعُ لكل فردٍ منهم تأثيرٌ هنا وهناك..

وقد حدَثَ مثلُ هذا في دُولٍ أخرى لا يَحكمُها القانونُ بقدرِ ما تحكمها الولاءاتُ القبَليةُ والمذهبيةُ والمالية وغيرُها..

والحربُ الأهليةُ في لبنان، أواسطَ السبعينات، لم تكُن سوى نتاجَ ولاءاتٍ مُتصارِعة..

وهذا ما علينا الانتباهُ إليه..

ربما قد حان الوقت، لإعادةِ النظر في إشكاليةِ الولاءات ببلادنا، حيث أن هذه الولاءات لم تعُد فقط عمُودية، أصبحت أكثرَ اتّساعا، بشكلٍ أُفُقِي..

ولا يُستبعدُ أن تؤدي الاحتجاجاتُ الشعبيةُ إلى توليدِ مفاجآتٍ ربما لا تنفعُ معها لا عمليةُ ترويضِ أيةِ «مُعارَضة»، من أي نوع، ولا شراءُ ولاءات جديدة..

وقد يكونُ الحلُّ هو بناء نُخَبٍ جديدة، على أساس المؤهلاتِ والأداءِ الجيّد الذي يُعيدُ المصداقيةَ إلى مُؤسساتِ الدولة، وإلى سيادةِ القانون..

وإذا استمرَّ الرّهانُ على نفسِ النُّخَبِ الفاسدة، فسيكونُ رهانا خاطئا.. خاطئا..

ولن يكون بين هذه الفئةِ الفاسدة، ومن هم معها متواطئون، ما يُطمْئِنُ الناس، ويُطفئ الغضبَ الشعبي..

الناسُ في مُنتهَى الغضب..

والاعتمادُ كلُّ الاعتماد على حُكماء البلاد، لوقفِ الرهانِ على المافيا..

الأمنُ والاستقرارُ لا يأتي إلا بقانونٍ حقيقي، يَسرِي على الجميع..

ولن يُجدي نفعًا أيُّ تفريخٍ لنصوصٍ منسوبةٍ للقانون، وهي أصلاً مُتعارضة مع المواثيقِ الدولية..

حانَ وقتُ تغييرِ الاستراتيجيةِ العامة التي تعتمدُ التحالُفَ السياسي مع نُخبٍ مالية تمت فبرَكتُها للتغطيةِ على المجتمع الذي قد لا يتوقَّفُ عن الصراخ في وجهِ فساد الفضاءاتِ السياسية، وفسادِ العدالة، وتنامِي سياسةِ القمعِ والتّضييق على الحُريات، وحُقوقِ الإنسان، والتنميةِ الاقتصادية…

ـ انقِذُوا بلادَنا!

إن سياسةَ التفرقة، والاعتماد على الفسادِ الإداري، سيزيدُ في إشتعالِ الحراكِ الاجتماعي، من أجلِ مزيدٍ من الضغط..

وستكونونَ أنتم مسؤولين عن الحيلولةِ دون ميلادِ مغربٍ جديد قوامُه «شرعيةُ المجتمع»..

ـ اسمعُوا لنبضاتِ الوطن والمواطن!

[email protected]

‫تعليقات الزوار

2
  • ابن طنجة
    الأحد 15 يوليوز 2018 - 02:05

    الولاءات في مختلف مؤسسات الدولة من أعلاها إلى ادناها هي في الأساس ولاءات مالية ومصالح عائلية تقوم على أساس الأصل العائلي والمعارف والوجاهة تحتكر فيما بينها المناصب والوظائف وكل الامتيازات المالية مقابل تهميش وتفقير شريحة واسعة من المجتمع المغربي التي لا تحظى بأي اهتمام وتنمية اقتصادية واجتماعية فأينما كان التفقير قابلته كفة الإثراء اللامشروع

  • محمد
    الأحد 15 يوليوز 2018 - 11:36

    تحليل عميق للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي المغربي وتوقعات جد متوقعة إذا لم يبادر المسؤولون إلى تدارك الموقف وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة