درس "يوم الصمت الانتخابي"

درس "يوم الصمت الانتخابي"
الإثنين 24 أكتوبر 2011 - 00:01

تقدم التجربة التونسية في تدبير انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عدة دروس ذات دلالة حقوقية بالدرجة الأولى. فالانتخابات بصفتها التجسيد العملي لقاعدة اقتسام السلطة في المجتمع تعد أهم مقياس لدرجة احترام وتقدير المواطن المصدر الوحيد للسلطة في المجتمع. ورغم ما تزخر به انتخابات ما بعد بنعلي من تجارب غنية تدور كلها حول احترام إرادة المواطن وحرية اختياره، إلا أن ما اصطلح عليه في تونس بـ “يوم الصمت الانتخابي” يحمل دلالات قوية في تنزيل قيم احترام المواطن واختياراته الحرة.

فالهيئة المستقلة للانتخابات وفرت للناخب التونسي يوما كاملا للتفكير بعيدا عن ضغط الحملات الانتخابية وقبل يوم الاقتراع، و قررت أن يكون يوم السبت “يوم صمت انتخابي” يعتبر خرقه جريمة انتخابية يعاقب عليها القانون. ويحرم على الأحزاب المتنافسة أن تقوم بحملاتها في هذا اليوم الفاصل بين أيام الحملة الانتخابية ويوم الاقتراع العام، بما في ذلك إرسال رسائل “سمس” عبر الهواتف المحمولة أو حتى تحيين مواقعها الالكترونية.

“يوم الصمت الانتخابي” يقدم الكثير من المزايا التي تروم كلها توفير الشروط النفسية والمادية ليتمكن المواطنون من التعبير عن اختيارهم الحر بعيدا عن ضغط الحملة الانتخابية وصخبها بعد أن استمعوا للبرامج المتنافسة وشعاراتها ووعودها، فهم بحاجة إلى فرصة يوم كامل ليبلوروا موقفهم الانتخابي بحرية قبل التوجه يوم الأحد إلى صناديق الاقتراع.
وعلى عكس “الصخب الانتخابي المتصل” عندنا يقدم “يوم الصمت الانتخابي” في التجربة التونسية عدة مزايا نذكر منها 3 مزايا رئيسية:

أولى تلك المزايا تتعلق بكون “يوم الصمت الانتخابي” يسمح بوضع فاصل زمني من يوم كامل بين مرحلتين أساسيتين في العملية الانتخابية مرحلة بلورة الموقف الانتخابي التي تهيمن عليها الحملات الانتخابية، ومرحلة اتخاذ القرار فيها بالاقتراع، وهذا الأمر لا يتعلق فقط بالمواطن صاحب القرار الأخير، بل بكل الفاعلين في الانتخابات من الأحزاب المؤثرة في قرار المواطن إلى السلطات المسؤولة على توفير الشروط الضرورية لاتخاذ ذلك القرار ضمن الشروط الضرورية لذلك، مرورا بالمراقبين بصفتهم شهود العملية الانتخابية. وأول درس في هذه النقطة يتعلق بحسن تدبير الزمن الانتخابي بما يعزز حرية اختيار المواطنين، وذلك خلاف التضييق على المواطن وحرمانه من الوقت الضروري ليس فقط لحسم موقفه الانتخابي في الانتخابات المقبلة بل لاكتساب حق المشاركة بالتسجيل في اللوائح الانتخابية حيث تم خصم أزيد من عشرين يوما من الجدولة الزمنية الأصلية التي تضمنها مشروع القانون المتعلق بتجديد اللوائح الانتخابية في نسخته الأولى والإبقاء مكانهاعلى مدة 48 ساعة فقط !

ثاني مزايا “يوم الصمت الانتخابي” تتعلق بمحو معالم الدعاية الانتخابية في المجتمع بما فيها تنقية الشوارع من مخلفات الدعاية الانتخابية يوما قبل يوم الاقتراع. وهذه المزية مهمة جدا حين تقارن بالفوضى التي تعتري شوارعنا صبيحة يوم الاقتراع حيث تستمر الدعاية الانتخابية طيلة يوم الاقتراع بشكل غير مباشر حيث تمتلئ الشوارع وأمام مكاتب التصويت بل أحيانا داخل المعزل الذي يختلي فيه المواطن لتسجيل قراره، بأوراق الدعاية الانتخابية مما يشكل استمرارا للدعاية الانتخابية في يوم الاقتراع وهو ما تحرمه جميع القوانين الانتخابية في العالم.

ثالث مزايا “يوم الصمت الانتخاب” التونسي تتعلق بما يسمح به للسلطات ولمختلف الفاعلين من ضبط آليات الدعاية والقدرة على رصدها، فالفاصل الزماني المحدد في يوم كامل يفرض على الفاعلين في الدعاية تعطيل آليات دعايتهم كما يسمح للسلطات بسهولة ضبط المخالفات يوما قبل يوم الاقتراع مما يوفر ضمانات كبيرة لعدم وقوع دعاية يوم الاقتراع. وبالمقابل لا تنتهي الداعية الانتخابية لدينا قانونا إلا في أول ساعة من يوم الاقتراع، مما يسمح للدعاية غير القانونية أن تستمر تحت جنح الظلام طيلة يوم الاقتراع وساعات قبل عملية الاقتراع. ويعتبر محترفو الانتخابات وسماسرتها الساعات الأولى من يوم الاقتراع أفضل مناسبة لحسم الصفقات وزعزعة الولاءات.

وبالإضافة إلى المزايا التي ذكرنا بعضها لـ “يوم الصمت الانتخابي” في تونس فهذه المنهجية تزداد دروسها وعبرها دلالة حين نستحضر أننا بصدد أول انتخابات الربيع الديمقراطي العربي بعد تسعة اشهر من الثورة التي فتحت باب تساقط الطغاة العرب و المطلوب فيها بالضرورة تسجيل قطيعة واضحة مع المنهجيات السابقة على ذلك الربيع، وهو الامتحان الذي بدت كثير من المؤشرات على أن المغرب قد لن يتمكن من تسجيل تقدم معتبر فيه. ولعل أهم تلك المؤشرات الارتباك الذي طبع إعداد القوانين المنظمة لتلك الانتخابات والثغرات التي اعترتها وضمنها المخالفة لمنطوق الدستور الجديد.

‫تعليقات الزوار

1
  • مواطن مغربي
    الإثنين 24 أكتوبر 2011 - 01:07

    و مع ذلك عرفت العديد من مراكز الاقتراع دعاية يوم الانتخاب … الامر ليس بهذه السطحية و النظرة الوردية للامور … يجب التركيز في النتائج و المالات و الامور بخواتيمها … فلطالما كنتم تمدحون التجربة السودانية حتى عرفنا مصيرها و لطالما فرحتم بالتجربة الجزائرية و قد كانت انتخاباتها في بداية التسعينات مضرب الامثال لدى تيارات الاسلام السياسي … لكن ماذا كانت النتيجة ?… انتظر و سترى … ان العجلة من الشيطان…

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة