مجلس النُّوّام!

مجلس النُّوّام!
الأحد 22 يوليوز 2018 - 15:30

هو البرلمان..

يُسَمِّيهِ القانونُ «مجلس النواب»..

ويُسَمِّيهِ شبابُنا «مجلس النُّوّام»..

وقد شبع الناس ضحكًا على برلمان لا يستيقظ من سُباتِه العميق.. هو نائمٌ ومُنَوَّمٌ على طول..

لا يتتبّعُ الملفات.. ولا يكونُ البرلماني حاضرا في الجلسات، إلا إذا كان الموضوعُ مُرتبطًا بمصلحتِه الشخصية..

أو خلالَ الجلسةِ الافتتاحية..

وما عداهما، تكونُ قاعةُ البرلمان فارغة، باستثناءِ كمشةِ أفراد هنا وهناك..

وفيهم من حضر الجلسةَ الافتتاحية، وانصرفَ لحال سبيلِه، ولم يعُد للبرلمان إلا بعد ان استكمل ولايتَه النيابية..

جلُّ البرلمانيين وصلُوا إلى البرلمان بشراءِ الأصوات، وشراء التزكيات.. وأغلبُ هذه الأغلبية، هم من تُجّار الممنوعات..

البرلمان ملآن بأباطرة المخدرات، والمهَرَّبات، وعليهم تراهنُ الأحزابُ لتقديمِها للترشيحات أو للمجالس المحلية والإقليمية، باعتبارِها «شخصيات مهمة»، من عليةِ القوم، والأعيان، والأشراف، والوطنيين، والحُجّاج، وذوي العُمراتِ المتلاحقة…

بهذه العيّنات يتمكنُ البرلمان من تكملةِ قوائمِ «نُوّابِ الأمة»، أو حسبَ التّعبيرِ الشبابي «مجلس النُّوّام»..

ومن فيهم حاضرون بين الحين والآخر، من أجل «التواصُل» مع الأسياد في العاصمة: كبار المال والأعمال، وزراء، كبار الموظفين، ومن يريدون منهم هدايا أو سيارات فخمة، أو توصية خاصة إلى فلان أو فُلانة..

«مجلس النُّوّام» لا ينوبُ عن الشعب، ولا يخدمُ مصالحَ الشعب، بل هو في خدمةِ نفسِه، ولا يرى في كلمة «برلمان» إلا «وكالة عقارية» أو مصلحةً من المصالحِ المالية والضرائبية والخدَماتية..

ولا وجودَ للشعبِ في قلبِه وعقلِه..

وعندما يتحدّثون عن الشعب، فمن باب الصدقات، أو الشكاية من شعب يقولون فيه: «إنه لا يحتاج شيئا، إلا الخبز»..

ويقولون فيه: «هذا الشعب يمكننا أن نضحك عليه لقرونٍ أخرى قادمة»..

ولم يخطر ببالهم أن هذا الشعب، ستخرج منه الأعاجيب..

هو نفسه سيبتكر مسيراتٍ اجتماعيةً مسالمة، ومقاطعةً للسلع والمواد الغذائية الغالية، وسينتصر على كل الاحتكاريين، وكل الحكومة المتواطئةِ مع الاحتكار..

وهذا الشعب سيستمتعُ بالضحك..

نُكت كثيرة يتداولُها شبابُنا في مواقعِ التواصلِ الاجتماعي، وفي المجالس الخاصة والعامة..

ويضحكُ الناس..

ويتبادلون النكت.. والفكاهة..

يُحوّلُون «مجلس النُّوّام» إلي أضحوكة..

وشعبُنا هذا يتحمّلُ كثيرا.. ويجعلُ من المرارة ضحكةً من الأعماق..

والضحكةُ مهمّةٌ جدا في حياةِ أيّ أنسان..

تحفزُ على العلاقات، وتساعدُ على الإنتاج، وترفعُ الهموم، وتُنشط العزيمةَ والإصرار..

فوائدُ كثيرة يستخلصُها الضاحكُ من هموم الدنيا..

وقد قيل قديمًا: «الإنسانُ حيوانٌ ضاحِك»!

وانتشرت في بلدِنا ثقافةُ الضحك..

وظهرَ في العالم «أدبُ الفُكاهة»..

والبرلمانُ يحسبُ أنهُ وحده يضحك ويتضاحك..

بينما الضحك، والسعادةُ بصفةٍ عامة، ليست لها حدود..

وشبابُنا يزرعون الفُكاهةَ حولَهم..

وقد أنتجَ مجتمعُنا ظاهرةَ «التّسوُّل الضاحك»: شبابٌ يحملون «صينيةً» داخلَ حافلةٍ عمومية، ويطلبون من الركاب «حسنَةً لوجه الله»، من أجل برلمانيين فُقراء، يموتون من الجوع، وليس لهم لا خُبز ولا ماء…

ـ فُقراءُ مساكين لا يملكون من متاعِ الدنيا إلا بضعة ملايير مكدّسَة في أبناك!

ويضحكُ الرُّكّاب.. ويضعُ كلُّ واحدٍ منهم بهذه «الصينية» بضع دُريهمات من أجل بؤساءِ البرلمان..

برلمان لم يحُلَّ أيةَ مشكلة، رغمَ أنه صفَّقَ بالتّصويت على مشاريع قوانين.. وفي مُجملِها لا تحلُّ المشاكلَ بقدرِ ما تُعَقّدُها..

ـ ثم يضحك الناس..

ويتضاحَكون..

وانفجرَ الناسُ ضحكا على برلمانيين وصفُوا زملاءَهم بأنهم لا يملكون قُوتَ يومِهم..

وانطلقَ شعبُ الفيسبوك، شبابا وكهولاً، في التّنكيتِ على «فُقراء» البرلمان..

وهل في البرلمان فُقراء؟

– أغلبُهم من ذوي الملايير.. هذا بالغرفةِ الأولى..

جلُّهم لا يعرفون حتى كم يملكون..

أما الغرفة الثانية، فهذه كلُّ من فيها اشتروا مقاعدَها.. فهؤلاء، من الغُرفِ التجارية والمهنية وغيرِها، من ذوي المشاريع المالية الكبرى، لا أحدَ منهم لم يشترِ الكرسي..

الغرفةُ الثانية يملكُها من قد اشتروا أعضاءَها..

والتصويتُ فيها أمرٌ شكلي..

إن أغلبَ من في البرلمان بغُرفتيْه ليسوا إلا أثرياء، وورثة الأثرياء، ولا يدافعون إلا عن أثرياء..

وأغلبُهم متشبّعون بثقافةِ تفقيرِ الفقراء، وتكليخِهم، لكي لا يصلحُوا إلا لبيعِ أصواتِهم الانتخابية لهم، لا لغيرِهم، وأن ينوبوا عنهم لتقبُّل أيِّ اتّهام لأسيادهم الأباطرة..

هكذا يرانا الأباطرة..

مجردَ تابِعين..

وأنَّ البرلمانَ هم ورثُوه من أبيهم أو جدّهم، وأن أبناءهم هم سيكونون أعضاءَ فاعلين في نفس البرلمان، ووزراء في حكومةٍ قادمة.. وأن أحفادَهم سيكونون على رأسِ المؤسساتِ المالية، والأحزاب، والنقابات، وغيرها.

هم يحكموننا كما يريدون..

ونحنُ لهم صاغرون..

هم يرثون الثروة والسلطة، ونحن نرثُ الفقر والجهل، ولا ننتطرُ منهم إلا أن يتكرّموا علينا بابتسامةِ رضا، مقابلَ أن يأخذوا منا عرقَ جبينِنا..

وأن نبتسم لهم، حتى ونحن متألمون..

المظلوم يضحك للظالم..

الضحك يُخفّفُ من الأشجان والآلام..

كأننا لا نصلحُ في أقصى «تنازُلاتهم» إلا أن نُضحِكَهُم..

وبالأمسِ أضْحَكناهُم..

واليومَ نحنُ الضّاحِكون على برلمانٍ في منتهَى الغباء..

برلمان يسيءُ لنفسِه.. ولكل البلد..

– والعبرةُ بالأواخِر!

‫تعليقات الزوار

6
  • زينون الرواقي
    الأحد 22 يوليوز 2018 - 16:00

    سأحكي قصة وقعت لي مع مستشار في الغرفة الثانية توفي منذ سنوات وكان من كبار تجار مدينة الرباط كان أميا رحمه الله لكنه كان عصاميا وعبقريا في التجارة وتوليد الدرهم .. بعد ان كثرت أمواله تربص به سماسرة السياسة واستقطبوه في حزب كبير ليترشح باسمه في مسقط رأسه بالجنوب .. فاز رحمه الله بفعل قوة المال وشعبيته في تامازيرت وصار مستشارا وكم من مرة كان يطلب من احدهم بمن فيهم عبد ربه ان يملأ له الشيكات لأنه لم يكن يعرف سوى التوقيع .. جلسنا في مقهى ذات يوم نتحدث بعد فوزه وصادف ان رأني احد إصدقائي الذي اقبل للسلام علينا ليقدم له المستشار نفسه : أنا السي فلان dessinateur ! اعتقد صديقي ان المعني بالأمر يشتغل طوبوغرافا أو في مكتب للدراسات الهندسية قبل ان نتأكد ان المستشار أراد ترجمة الكلمة بالفرنسية فاختلطت عليه député مع sénateur وكان هذا الكوكتيل الرائع .. رحمه الله لكنه كان تجسيدا حيّا لمن يمثل الأمة ..

  • عبد السلام لعروسي
    الأحد 22 يوليوز 2018 - 16:02

    وصف الكاتب و صفٌ صادق بمثابة مرآت تعكس واقعا يتجرّع مرارته شعب مغلوب على أمره أمام مستبدين بلا مواطنة و لا حس وطني.

  • علي
    الأحد 22 يوليوز 2018 - 16:41

    نعم هو مجلس النوّام .. و هذه نصف الحقيقة .. الحقيقة لا تكتمل إلا بسؤال : ترى من أنام النوام ؟ ما الذي أنامهم و من الذي نوّمهم ؟!
    هل هناك سحر " سماوي " كما يطلق في هذه الأيام ؟! هل هو تنويم ميغناطيسي ؟هل هي قوى خفية فوقية أو تحتية أنامتهم ؟ هل العفاريت بالمفهوم " الكيراني " هي المسؤولة عن هذا التنويم ؟! هل هي سكرة المال و المنصب و الراتب الشهري ؟ أليس ذلك النوم هو المطلوب منهم أصلا من طرف القوى الفوقية التي عينتهم ؟ هل لو كانوا متيقظين كان ذلك في صالح الدولة العميقة ؟
    ما فاز إلا النوم .. ( مؤقتا )

  • صالح
    الأحد 22 يوليوز 2018 - 20:37

    ا نا لا اعرف كيف تعمل هده الالة الخشبية بالضبط
    من يقترح من يصادق كيف يصادق هل النائم يصادق عن قناعة او هواه
    عندي كل شئ غامض

  • java
    الأحد 22 يوليوز 2018 - 23:17

    هاداك البرلماني شاري ديك النعسة فداك الكرسي جبد الفلوس حتى نتا بحالو وتبرع مع راسك واحد 200 مليون للمقعد الدولة عارفة هاد الشي لأن عارفة أن هاداك ما نعس تما تا راه مخلص عليها الدولة را ذكية غير ٱجي ولعب معاها فهاد الأمور.

  • chouf
    الثلاثاء 24 يوليوز 2018 - 12:33

    وقع اجتماع في زمن ما.وكانت الجلسة مكونة من الاثريات اصحاب الضيعات الفلاحية للزيادة اجر العامل والعامل كان لا يتعدى اجره300فرنك.واخذ الكلمة واحد من المجموعة قال احنا اللي اخصنا الزيادة نصر وناكل هاذوك غي الخبز يكفيهم.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة