الأسئلة المحرجة التي تواجهنا في زمن الألفية الثالثة

الأسئلة المحرجة التي تواجهنا في زمن الألفية الثالثة
السبت 28 يوليوز 2018 - 08:15

-1-

الأسئلة المتراكمة على فضاءات المغرب الراهن تكاد تكون مستعصية، حرجة ومحرجة، تعطي الانطباع منذ الوهلة الأولى أن مغرب العقد الثاني من الألفية الثالثة سوف لا يبقى مستقرا فقط على القضايا والمشاكل والأزمات التي كرست فقره وتخلفه على الخريطة العربية الإفريقية، منذ عدة عقود بسبب الفساد السياسي/ المالي/الاجتماعي، متعدد الصفات والأهداف؛ ولكنه سوف ينجر -لا قدر الله- إلى الأسوأ، بسبب الاتساع المطرد لبطالة الشباب وانسداد أبواب الرزق في وجوههم، وبسبب اتساع رقعة العنف والتهميش والتسلط وانتشار الأمراض، والفقر والتفقير على حساب الإفلاس المتواصل للسياسات الحكومي، وبرامجها وإستراتيجيتها في التعليم والتشغيل والثقافة والصناعة والاقتصاد والإعلام وكل القطاعات المنتجة؛ وهو ما جعلها، في نظر العديد من الخبراء داخل المغرب وخارجه، سياسات مثقلة بالركود والهزالة والهشاشة والخيبة والتراجع واختلال التوازنات والعجز في المبادرة واتخاذ القرارات.

-2-

ليس خفيا على أحد أن مغرب اليوم يعيش في ظل حكومة ضعيفة، تفتقر إلى الرؤى السليمة، سلسلة من الأزمات: من أزمة التعليم إلى أزمة الصحة، ومن أزمة الشغل إلى أزمة السكن ومن أزمة الانكماش الاقتصادي إلى أزمة ارتفاع أسعار المواد الطاقية والمواد الغذائية، ومن أزمة انخفاض عدد مناصب الشغل وتراجع توازن الميزانيات والحسابات الخارجية إلى أزمة ارتفاع مديونية الخزينة العامة وتراجع احتياطي العملة، ومن أزمة الديمقراطية الداخلية بالأحزاب السياسية إلى أزمة الثقة في المؤسسات. سلسلة مترابطة من الأزمات تنعكس جميعها سلبا على الأفراد والجماعات على مغرب مثقل بالصراعات والتحديات.

ولا شك في أن هذه الأزمات جميعا لا ترتبط فقط بالخلل الذي يمس القطاعات الحيوية في عهد حكومة السيد عبد الإله بنكيران: التعليم/ الصحة/ السكن/ الفلاحة/ الصناعة/ الشغل/ الخدمات، ولكنها ترتبط أساسا بالخلل الذي يمس التخطيط منذ عدة عقود من الزمن؛ وهو ما جعل التخلف حقيقة لا جدال فيها.

في ظل هذه الحقيقة المقلقة، يأتي السؤال ملحا: ما هي صيغة المستقبل الذي ينتظر بلدا متخلفا، وجد نفسه كذلك في زمن التقدم العلمي والتكنولوجي والعولمة وهو يعاني من أمراض وأزمات وإشكالات ثقافية وحضارية واقتصادية متداخلة ومتشابكة، ورث غالبيتها عن الماضي الاستعماري، وكرس بعضها في عهد الاستقلال؟

ما يزيد من قلق هذا السؤال هو أن مغرب اليوم المطوق بهذه الأزمات والإشكالات ليس له أي دخل في الصورة التي وجد نفسه عليها، أنه استيقظ من إغماءته التي استمرت قرابة قرن من الزمن، ليجد نفسه في مطلع الألفية الثالثة مكبلا بعشرات القيود والالتزامات، قيود الفقر والبطالة والأمية والتخلف التكنولوجي، التي لم تستطع حكومة بنكيران والحكومات التي قبلها التحكم في مفاتيحها، وليجد نفسه أيضا يعاني من تفشي الجريمة والفساد الأخلاقي والفساد الإداري والفساد المالي ومن الانفجارات الديمغرافية غير المخططة؛ وهو ما يفرض عليه إيجاد المزيد من الخبز والأدوية والمدارس والمستشفيات ومناصب الشغل، والمزيد من القروض والخبراء الأجانب لمواجهة التخلف.

-3-

إن السؤال الذي تطرحه المشاكل الاجتماعية/الاقتصادية/السياسية، المترابطة والمتشابكة على مغرب الألفية الثالثة، هو: كيف سيصبح الوضع في المغرب سنة 2020، حيث من المنتظر أن يصل عدد السكان إلى حوالي أربعين مليونا؟

في نظرنا تتعاظم أهمية هذا السؤال في القطاعين الاقتصادي والاجتماعي، كلما نظرنا إليه من زاوية الاختلالات التي ما زالت تضرب التعليم والصناعة والفلاحة و”سوق الشغل” والتي تؤثر سلبا على مختلف القطاعات الإنتاجية، وبالتالي على مسار التنمية المستدامة….. كما تتعاظم أهميته من جانب آخر أمام المؤهلات المحدودة للاقتصاد المغربي في توسيع هذه السوق والتقلص المستمر لإمكانات الهجرة والعمل خارج الحدود.

يعني ذلك أن مغرب اليوم الذي يسعى إلى ترسيخ الديمقراطية ودولة الحق والقانون / دولة المؤسسات، يواجه تحديات “ثقيلة” متعددة ومتداخلة ومتشابكة، لا قدرة لهذه الحكومة على مواجهتها؛ فالنمو الديمغرافي ومحدودية الاقتصاد وتقليص الهجرة لا تعني فقط التراكم المستمر للأزمة الاجتماعية، ولكن أيضا تعني “تحفيز” الأزمات الأخرى على الظهور والتأثير.

تقول المؤشرات إن نسبة البطالة قد تصل خلال السنوات القليلة المقبلة، إذ لم يعالج الآمر بصرامة، إلى 25% من إجمالي السكان النشطين، بمن فيهم الخريجون والذين لا حرفة ولا تكوين لهم.

وتقول هذه المؤشرات، أيضا، إن فئات اجتماعية جديدة قد تنتقل خلال نهاية هذا العقد – إذ لم يعالج الأمر- إلى العيش تحت مستوى الفقر.. يعني ذلك، بوضوح، أن الوضعية المغربية الراهنة المثقلة بسلسلة من الأزمات تتطلب إصلاحات جدرية في هياكل المؤسسات لخلق ملايين من مناصب الشغل، وإعادة التوازن إلى خدمات الدولة في التعليم والصحة والسكن وغيرها من القطاعات الفاعلة في التوازن الاجتماعي؛ وهو ما يواجه بتحديات صارمة للعهد العالمي الجديد، القائم على العولمة والتنافسية والديمقراطية.

ومن باب الاستئناس، يمكن أن نذكر أن وضعية المغرب الراهنة لا تتطلب فقط إصلاحات هيكلية في إدارتها لمواجهة تحديات العولمة، كما يتراءى لزعماء الحكومة الحالية؛ ولكن أيضا تتطلب إحداث خمسة ملايين منصب شغل، ومضاعفة عدد المعلمين والأساتذة ومكوني التكوين المهني والأطر التربوية والإدارية، ومضاعفة عدد الفصول الدراسية في المدارس الابتدائية والثانوية، ومضاعفة عدد المعاهد العلمية والجامعات لتأمين المقاعد المدرسية والجامعية والتكوينية/الحرفية لكل المؤهلين والقادرين على التعليم، دون ما تفرضه من إصلاح وتوسيع وإعادة هيكلة للصحة والصناعة، والصناعة التقليدية والزراعة والتجارة وكل المجالات والقطاعات الحيوية الأخرى…… وهو ما يجعل الأزمة حادة، وثقيلة وربما خطيرة أيضا.

-4-

يقول الخبراء، عندما تصبح “الديمغرافيا” حالة مستمرة من التنافر بين نموها وبين التخطيط لها يتدخل الإصلاح باستعجال لإدراك الموقف؛ فـ”الحالة المغربية” تواجهها تحديات متنوعة ومتداخلة ومرتبطة بسلسلة من المعطيات، منها ما يتصل بالنمو الديمغرافي، ومنها ما يتصل بالتخطيط الاقتصادي/ الاجتماعي، ومنها ما يتصل بالمناهج الدراسية وضآلة الإنتاج.

ولأن المغرب على أبواب تحوله التاريخي، وبصدد استكمال الشروط الموضوعية لهذا التحول، فإن العراقيل المادية ليست وحدها تبقى واقفة في وجه هذا التحول …. وأن غياب السياسات والإستراتيجيات العقلانية تبقى من العراقيل التي تقف في وجه التحول والانتقال إلى مرحلة جديدة من التاريخ.

العديد من المحللين والمستقرئين “للحالة المغربية” يعتبرون أن مسألة التحول والانتقال والخروج من الأزمات أو من بعضها على الأقل هي مسؤولية جماعية: مسؤولية الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والحقوقية، ومسؤولية الأبناك ورجال الأعمال والأساتذة والمعلمين والخبراء؛ ذلك أن النخبة الواعية بظروف هذه “الحالة” وخلفياتها التاريخية والمادية وآثارها السلبية على الحاضر والمستقبل هي الأكثر مسؤولية والأكثر وعيا بها، ولكنها مع ذلك ترى أن حكومة وطنية منسجمة وواعية وحدها القادرة على تقريب الانتقال المطلوب إلى وضعه المطلوب.

والسؤال هو: كيف لهذه النخبة أن تقوم بدورها في تعميق وعي الشعب المغربي بمتطلبات الانتقال وهي نفسها ما زالت لم تتخلص من الأزمات المحيطة بها من كل جانب؟ أفلا تنظرون؟

‫تعليقات الزوار

6
  • ولد وطلق
    السبت 28 يوليوز 2018 - 10:30

    إن السؤال الذي تطرحه المشاكل الاجتماعية/الاقتصادية/السياسية، المترابطة والمتشابكة على مغرب الألفية الثالثة، هو: كيف سيصبح الوضع في المغرب سنة 2020، حيث من المنتظر أن يصل عدد السكان إلى حوالي أربعين مليونا؟ …. ويبقى الحل هو الحيلولة دون التسليم بهذا المعطى ، واعتباره قدرا لامفر منه عن طريق توعية الناس بضرورة وأهمية تحديد النسل ، وتقنين الإجهاض ، ومحاولة الوصول لمعدل متطابق مع حالات الوفيات للعقود الثلاث القادمة .

  • من حسن حظ ...
    السبت 28 يوليوز 2018 - 11:10

    … العباد أن جعل في اختلاف الأراء رحمة .
    هناك من الخبراء المتفائلين من قارن بين المغرب كما وصفه شارل دوفوكو 1884، والمغرب اليوم وتبين لهم أن البلاد بفضل تدبير النظام المخزني تسير في الطريق الصحيح من الحسن إلى الأحسن.
    بدليل أن شارل دوفوكو لم يشاهد ولو شبرا واحدا من الطرق المعبدة ، وهي تمتد اليوم على طول 60 ألف كم ، والطرق السيارة تقارب 2000 كم.
    كان لا يتنقل إلا على البغال والحمير ، واليوم تعج طرقات المغرب بما يفوق 3 ملايين عربة.
    قدر خبراء الحماية عدد أجداد المغاربة سنة 1912 ب 6 ملايين نسمة 92 % منهم كانوا رعاة ومزارعين فقراء في البوادي ، بعيد الإستقلال تكاثروا في حدود 11 مليون ، وكان أغلب النازحين يسكنون في أحياء القصدير ، فاستطاعت الحكومات المتعاقبة توفير السكن اللائق لكثير منهم.
    في عهد الحماية لم يتجاوز عدد السدود الكبيرة 12 سدا ، ويقدر عددها حاليا ب 150 سدا ، توفر السقي لأكثر من مليون هكتار ، وهي قابلة للتوسع ولن تعجز عن إطعام 40 مليون نسمة وأكثر.
    في ايام دوفوكو كانت نسبة الأمية تقدر ب 99 % ، ولقد انخفضت اليوم إلى 30 % والفتاة المحرومة من التعليم صارت تنافس الولد بالتساوي.

  • موحند
    السبت 28 يوليوز 2018 - 11:50

    شكرا الاستاذ محمد اديب السلاوي على مقالك القيم الذي يعتبرناقوسا للخطر لكي يستيقظ الجميع من نومه العميق. تساءلاتك جد عقلانية وموظوعية وواقعية وعلمية ولكن لماذا هذا الانتظار وعدم المبادرة للعمل وتحمل المسؤولية الجماعية ونحن نعرف باننا ذاهبون للغرق والهاوية? لمذا لا نعترف بالواقع كما هو بالسلبيات والايجابيات? وكما ذكرت في مقالك: "ولا شك في أن هذه الأزمات جميعا لا ترتبط فقط بالخلل الذي يمس القطاعات الحيوية في عهد حكومة السيد عبد الإله بنكيران: التعليم/ الصحة/ السكن/ الفلاحة/ الصناعة/ الشغل/ الخدمات، ولكنها ترتبط أساسا بالخلل الذي يمس التخطيط منذ عدة عقود من الزمن؛ وهو ما جعل التخلف حقيقة لا جدال فيها". لماذا لم نتعلم اذن من اخطاءنا? وهل اصبحنا حميرا ودوابا? اذا اكتشفنا بان تخطيطانا فاشلة يجب عمل تخطيطات هادفة وناجحة. وهذا دور المختصين والكفاءات العالية. وهل امهاتنا لم تنجب هذه الكفاءات? واذا لم نتوفر عليها يجب علينا ان نتعلم من غيرنا لاننا لسنا وحيدين في هذا العالم او نقوم بتحديد النسل لان لا فاءدة فيما ننجبه!! ليس هناك من المستحليل اذا توفرت الرغبة والارادة الحقيقية للتغييرلدى الجميع.

  • مجرد راي
    السبت 28 يوليوز 2018 - 12:59

    لو رجع الاستاذ الى الكتبات والمقالات التي كتبها كتاب امثاله مند عقود خلت لوجد ان الفكرة كلها وحدة وان الموضوع هو واحد والهم واحد والكل يشتكي الازمة والحكومات الفاسدة ورشاوي واختلاسات هذه الامور عاشها المغرب وعدد سكانه لايتجوز 13 مليون نسمة ومازال يعيشها حتى الان وهذا يعني ان من هم يسيرننا ويحكموننا يفصلون لنا الازمات على مقياس كما هو الهندام فكل ما تقدمت السنين وزداد عددنا ووعينا الا وهم محضرين لنا ما يبقينا على حالنا

  • الاحراج والازمات ....
    السبت 28 يوليوز 2018 - 15:13

    … في بلدان انظمة الحزب الواحد والاقتصاد الاشتراكي التي اصابها اليتم بعد سقوط جدار برلين وهي لا تدري كيف تجبر كسورها.
    اما المغرب الذي اختار التعددية السياسية واقتصاد تاسوق منذ الاستقلال فانه يندمج في العولمة بسلاسة.
    وهل الدولة التي تبني مسرحين كبيرين في الدار البيضاء وابي رقراق وتبني اكبر برج في افريقيا في ازمة ؟.
    انه دليل قوة الاقتصاد المغربي ، ولو كان يعاني من الازمات ما تمكن من الاستثمار في افريقيا ولما قصد المغرب عمالقة الاستثمار الدولي.

  • السماء لا تمطر ...
    السبت 28 يوليوز 2018 - 17:00

    … ذهبا ولا فضة .
    هذا ما يعرفه الكادحون من فقيرهم العامل المياوم الذي يربح 100 درهم في اليوم مرورا بصاحب الدكان او الحرفي الذي قد يربح اكثر وصولا الى اغنياهم ارباب المال والاعمال الذين يكدحون ليل النهار للسهر على تسيير شركاتهم التي تروج الملايير .
    كل هؤلاء هم من يحرك الاقتصاد الوطني ويؤدون الضرائب و هم الذين يمثلون الاغلبية وهم من الحامدين الشاكرين الذين لا يطلبون من الله الا دوام الصحة والعافية.
    الكسالى هم الساخطون المتذمرون وهم من المتعلمين ذوي الدخل المتوسط المحترم الجالسين في المقاهي او خلف الحواسب والهواتف ، يمثلون اقلية لا وزن لها في المجتمع فمن ينتظر ان يتمرد مثل هؤلاء والقيام بثورة فهو واهم.

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز