الحركات الإسلامية من الدينية إلى المدنية.. ما المانع؟

الحركات الإسلامية من الدينية إلى المدنية.. ما المانع؟
الإثنين 6 غشت 2018 - 11:53

سؤال أعتقد أنه يستمد مشروعيته انطلاقا من مجموعة معطيات نوردها كالتالي:

اليوم وقد مر على ميلاد الحركات الإسلامية بالمغرب أكثر من أربعة عقود في ظروف معينة يصعب الإحاطة بها مجتمعة في هذه المقالة الموجزة، لكن يمكن الإشارة إلى ظروف الحرب الباردة وقتها بين المعسكرين الشرقي والغربي على أشدها، وكانت الجامعات المجال الخصب تعكس هذا الصراع، إذ كان اليسار الراديكالي يبسط هيمنته على الوسط الطلابي بالترهيب والترغيب. فلا صوت يعلو على صوته، ولا نشاط ينظم غير الذي يعزف على وتر إيديولوجيته، وإلا لتعرض أصحابه لمحاكمات تصل أحيانا للتعنيف.

فكانوا بمثابة “دولة في قلب دولة”، وكان إمعانهم في التحدي للشعائر التعبدية يبلغ مداه كالإفطار العلني، والسخرية من الصلاة والأذان، وكانت النقطة التي أفاضت الكأس لما ينزعون حجاب الطالبات بالقوة من هنا كان احتداد الصراع مع التيار الإسلامي الذي كان يتلمس طريقه للبروز. و كانت نكسة 1967 ترتب عنها طرح سؤال الهزيمة، وضمور صوت القومية العربية، و سقوط جدار برلين، و الشد والجذب بيم النظام وبعض القوى أفضى إلى ما يعرف بسنوات الرصاص، تزامن مع طبع كتب مجموعة من المفكرين المشارقة من أمثال سيد قطب وأبي الأعلى المودودي وحسن الترابي لاحقا وراشد الغنوشي بتونس وأشرطة عصام العطار وغيرهم، فبدأت شرارة الحركات الإسلامية في التوقد.

أضف إليها مظاهر التخلف التي كانت سائدة في المجتمعات العربية تطال السلوك الاجتماعي والتدين والأمية المنتشرة بشكل واسع وانتشار الفكر الوهابي. كلها عوامل هيأت التربة ليطفو صوت الحركات الإسلامية على سطح المشهد المغربي.

السؤال إذا كانت هذه ظروف نشأتها، فما الذي تبقى منها يبرر وجودها بشكلها الحالي الذي لم يختلف كثيرا عما دشنت به مشوارها الوجودي؟

اليوم وقد جرت مياه كثيرة تحت جسر هذه الحركات إذ أصبحت فاعلا سياسيا بامتياز فما الذي بقي من برامجها الدعوية والفكرية والثقافية، إذا استثنينا ما هو مسطور في أوراقها، وما يرشح عنها أحيانا من أنشطة في شكل محاضرات تهم القضية الفلسطينية على الخصوص، أو الحضور في بعض المحطات الاحتجاجية، ما دون ذلك فأين هي معارض الكتاب التي كانت تنظم سنويا وعيا منها بفعل القراءة في التغيير؟ وأين هي المسابقات الثقافية والرياضية التي كانت تؤطرها بطريقة أو بأخرى اهتماما بالشباب وبالمرأة؟ وأين هي دروس محو الأمية التي كانت تمارس بمقراتها تطوعا؟ و أين اختفت كل هذه الأنشطة وغيرها مع ضمور الحس التطوعي وأصبح جل أعضائها لا يتحركون إلا بمقابل مادي؟

اليوم وقد تغول النشاط السياسي على هذه الحركات حتى أصبح رأسا وأضحت هي ذيلا تابعة له، يحركها حسب أجنداته السياسية، في تصفية حساباته مع بقية خصومه السياسيين مما يجعلها في حيص بيص من أمرها، هل تنسجم مع ذاتها وفق منطلقاتها الداعية إلى دعم الصلاح أينما وجد، أم تسخر كل طاقتها لدعمه وشد عضده؟

أعتقد أن هذه الحركات الدعوية فقدت أسباب وجودها ليس من جهة الضربة السياسة القاضية وحسب، ولكن فقدت قدرتها على منافسة الجهات الرسمية التي تتقاطع معها في ميدان الاشتغال، بما لديها من إمكانات مادية و لوجستيكية. فهل هناك دراسات علمية تبين عدد خريجيها من الدعاة و الوعاظ والفقهاء تربوا في محاضنها، تؤهلهم للاجتهاد لعصرهم؟ وكم عدد مفكريها لهم مشاريع فكرية من عيار الجابري والمهدي المنجرة رحمهما الله وطه عبد الرحمان أو عبد الله العروي وغيرهم يضيق المقام بذكرهم مجتمعين، مفكرين يحملون جيناتها يمكن الجزم بأنهم منتوج خالص لها تولت الإشراف على إعدادهم منذ النشأة إلى التمكن؟

ما المانع أن تراجع هذه الحركات أوراقها لتتحول من حركات دينية إلى حركات مدنية، تسنفيد من إمكانات الدولة، تناضل من أجل الديموقراطية ونشر الوعي وحرية التعبير وتحسين ظروف عيش المواطن وضمان كافة حقوقه في التعليم وفي الصحة وفي العيش الكريم. أليست هذه المطالب هي جوهر الدين فلم الإصرار على مصطلح”الإسلامية”؟ أليست الدولة هي أصلا إسلامية بنص الدستور، وبحكم الواقع؟ فالمغاربة في عمومهم يؤدون شعائرهم التعبدية، ومعروفون بتسامحهم و بحبهم لنبيهم وآل بيته، وحتى العصاة بالتعبير الفقهي فلسانهم يلهج بالدعاء المعروف “الله يهدينا”؟ ما المانع أن تستكمل الاندماج في برامج المؤسسات المعنية، بما أن الهدف واحد هو الإصلاح كما هو مفصل في أوراقها، قبل أن يحكم عليها الزمن بالانقراض؟

‫تعليقات الزوار

7
  • رشيد زين العابدين
    الإثنين 6 غشت 2018 - 13:13

    تبين وبما لا يدع مجالا للشك أن كل هذه الحركات كان هدفها الأول والوحيد هو الهيمنة عل السلطة دون إعداد خطط واضحة لمواجهة المشاكل الحقيقية للناس من تعليم وصحة وسكن وفرص للشغل وبهذا لا هم قاموا بدورهم الدعوي المنبني على الرقي بالبشر لمصاف المثالية ولا هم أحسنوا تدبير السلطة لما وصلوا إليها بل على العكس تحولت ممارساتهم إلى أنكى من تلك التي كانت تقوم بها الأنظمة التي كانوا ينتقدونها.

  • saccco
    الإثنين 6 غشت 2018 - 13:37

    الحركات الاسلامية بدأت تتوارى عن المسرح السياسي لأنها اولا لم تصمد امام إغراءات وإغواء السلطة ثم انها لم تستطع تقديم مشروع مجتمعي وغد مشرق يساير العصر وبدا فكرها لا تاريخي بشعار العودة الى السلف وهو مطلب لا يتوافق مع متطلبات العصر الآني الذي تعايشه اجيال جديدة نالت حضها من التعليم والمعارف والتفكير السائد بالمقارنة مع الاجيال السابقة
    خطاب الاسلام السياسي كان مجرد خطاب بلاغي لم يغير سوى العادات والمظاهر (اللباس اللحي …) اما ما يسمى الاقتصاد الاسلامي والطب الاسلامي وغيرها ليست الا خطاب فارغ المحتوى وخيال وسراب على ارض الواقع فلم نشهد قيام مجتمعات جديدة لا في إيران ولا باكستان ولا السعودية ،مجتمعات تجيب على حاجيات مجتمعية متطورة بل لم تنجح في ضبط التشردم التقليدي بين مرجعيات اسلامية مختلفة بل وفّرت أطارا كبيرا لعودته

  • الجوهري
    الإثنين 6 غشت 2018 - 14:51

    لماذا لا نطرح السؤال نفسه على الحركات اليسارية التي فشلت في جميع الميادين وعلى جميع المستويات حتى أصبحوا يلجؤون للحكام كي يستمروا في الحياة السياسية مع التوقيع على شيك أبيض للحاكم العربي بأنهم رهن الإشارة وأنهم على السمع و الطاعة أين هي شعراتهم الكبيرة وإديولوجيتهم التي سجنوا وعذبوا من أجلها لماذا انبطحو فالإسلاميين على الأقل هم على دين شعوبهم وأجدادهم فماذا يعبد اليسار العربي الٱن وشكرا

  • الرجوع الى الاصل ...
    الإثنين 6 غشت 2018 - 21:59

    … اصل.
    الإسلام السياسي نشأ مدنيا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة.
    والدليل على ذلك صحيفة المدينة التي تعتبر اول دستور لاءيكي في العالم الذي اعتبر المسلمين واليهود والنصارى من سكان المدينة امة واحدة في واجب الدفاع عن مدينتهم.

  • مسلم مغربي
    الإثنين 6 غشت 2018 - 23:36

    دأبنا بمشاركتنا بالتعليق على بعض المقالات التي تتناول بالأخص قضايا تشغل بال المغاربة بصفة عامة أو تتناول مسائل تهم عالمنا الإسلامي على إبداء رأينا لعلنا نفيد بما نكتب ونستفيد مما نقرأ، بعد الاستقلال بدأت بوادر الانشقاقات لدى القادة السياسيين بفعل التأثيرات الغربية والشرقية والشرقأوسطية، فانقسم الأصل إلى فرع يوالي موسكو وفرع آخر يحابي المشرق العربي الخاضع لواشنطن،احتدم الصراع بين الرجعية أو المحافظين بزعامة حزب الاستقلال وبين التقدمية والتحرر بقيادة الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي له بدوره عدة أجنحة أنجبت فيما بعد عدة أحزاب معارضة، لا داعي للحديث عن أحزاب سياسية جديدة والتي عرفت بالإدارية، المهم حزب الاستقلال باع الماتش واسمح في الصفحة الدينية ليوم الجمعة بجريدة العلم…جاء حزب العدالة والتنمية بمرجعية إسلامية " رجعية محافظة " والكل يعرف أسباب الولادة والتنشئة وعند الوصول خفف أعضاؤه من اللحية وعفوا عما سلف ، وهكذا انقضى أجل الإتحاد مع البرايسترويكا والاستقلال مع الليبرالية المتوحشة والعدالة مع التنازلات والقضاء على الطبقة المتوسطة ، اللهم لطفك بنا فيما جرت به المقادير يا رب.

  • عزيز الغرباوي
    الثلاثاء 7 غشت 2018 - 02:06

    السلام عليكم
    عوض ان نناقش الموضوع ونستفيد، ونستفسر الكاتب حفظه الله، تأتي بعض الاطراف للبكاء على الماضي وتصفية الحسابات كل مع خصمها الابدي، وننسى روح المقالة التي تدعو الى التساؤل وتقويم المسار.
    مذا يهمنا تاريخ الشيوعيين المغاربة او الضرب في الكحومة السابقة او اللاحقة بقدر ما يهمنا برامج الحركات الاسلامية، ومملكتنا حفظها الله تقوم بما كانوا يقومون به وتوقفوا عنه !

  • مسلم مغربي
    الثلاثاء 7 غشت 2018 - 07:42

    رد على 6 ، لفهم الحاضر نرجع عادة إلى الماضي لتتبين لنا الأمور ،نستقرؤ الأحداث ونسائلها كي نعرف أسباب التعثر التي تعيق سير العمل في الحاضر ، ونحاول الوقوف على مكامن الخطأ قصد تجاوزها وبناء مستقبل أفضل، وهذا ما يسمى بأخذ الدروس والعبر من لأن كثرة الرسوبات والتجارب الفاشلة المتتالية تكون عادة هي السبب في النجاح في الحياة السياسية وفي كل المجالات وبدون استثناء، ثم إن السياسيين المسلمين لا يجب فقط أن يشتغلوا بمنطق المصالح والنفعية البراغماتية، لنا دين وموروث حضاري لزم الحفاظ على الأخلاق والالتزام بالوعد وبالبرنامج الانتخابي، فالرجل المخلص هو الكلمة، حقيقة الأمر ليس بالهين نظرا لعدة اكراهات داخلية وخارجية لكن لنثبت ولنواجه ، " وما أخذ المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا".ومع ذلك فلنا الثقة الكاملة في قدرات الشباب، فالمستقبل واعد، فتجارب السابقين لن تذهب هباء منثورا بل ستكون محفزة على عطاء أفضل لنلتحق بركب الدول الراقية، فالمغاربة سواء بالداخل أو المقيمين بالخارج لهم من المؤهلات ما يكفي للعمل، سننتصر بالعزيمة والإرادة مع حب الدين والوطن لكن عند توفر إرادة سياسية فعليةفوقية وتحتية .

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين