زواج المتعة بنكهة ماركسية سلفية

زواج المتعة بنكهة ماركسية سلفية
الأربعاء 8 غشت 2018 - 16:50

يعرف الزواج عادة بأنه الرابطة الاجتماعية التي تجمع فردين متمايزين جنسيا وقرابيا، ويكون هدفها السعي للعيش المشترك بأهداف وغايات واضحة متعارف عليها اجتماعيا، بحيث يكون منتهاها تكوين أسرة تعتبر بمثابة الفضاء الذي يحتضن المتناقضات ويعمل على تقليص حدة هوتها، وذلك بتخلي طرفي مؤسسة الزواج عن نمط حياتهما الفردي، والاندماج ضمن نمط حياة جديدة عنوانها المشاركة والتعايش، واحتواء نواقص الآخر.

تكون الوظائف داخل نسق مؤسسة الزواج محددة سلفا، بناء على معطى الطبيعة والاجتماع الإنساني. وهو حال زواج المتعة المنتشر في صفوف الشيعة الجعفرية، مع اختلاف جوهري في وظيفته التي تقتصر على استمتاع طرفي الزواج ببعضهما جنسيا، وإن كان الاستمتاع في عرف من ابتكر هذا النوع من الزواج يقتصر على الزوج الذكر، لأن التمثل الاجتماعي لعلاقات الزواج في شقه الجنسي مبني على نظيرة الهيمنة الذكورية، حيث يسود الاعتقاد بأن الاستمتاع الجنسي يقتصر على الذكر الذي يشبع غرائزه الجنسية بتفريغ مكبوتاته في جسد أنثى مغلوب على أمرها، فالطبيعة قد أعدتها لتكون وعاء يفرغ فيه الذكر فرائسه لبلوغ النشوة الجنسية وتعزيز وضعية السيادة التي يتمتع بها.

ينطبق توصيف هذا الزواج على زواج من نوع خاص، زواج تختلط فيه السياسة بالدين، والإيديولوجيا بالوهم، والإلحاد بالتوحيد، للسعي لبلوغ التركيب الناتج عن محاولة توحيد المتناقضات، من خلال منطق الديالكتيك الذي يؤلف ويجمع المتناقضات في سلة واحدة. وهو ما يتحقق في حالة زواج المتعة بين السلفي المتدين، الباحث عن مشروعية وجوده في حركة الارتداد نحو ماضي السلف الصالح. وبين الماركسي الحالم الذي يرى في هذا الكائن المتدين الطريق السالك لترويج إيديولوجيتة البالية التي لم تعد قادرة على استيعاب الواقع والتاريخ.

يجتمع الطرفان (السلفي والماركسي) ويتوحدان تحت مقولات محاربة الفساد والظلم والإقصاء الاجتماعي، ولكل واحد منهم في ذلك مآرب شتى. فالأول (السلفي) يسعى لتغيير الواقع الاجتماعي الغارق في نظره في المنكرات والمعاصي، بالاستناد للشريعة وقوانينها. والثاني (الماركسي) يحلم بإسقاط هيمنة الطبقة البورجوازية التي تستغل عرق الكادحين وتغتني من مجهودهم العضلي. يجتمع النقيضين صدفة ويتوحد خطابهم النضالي، ويتبادلان أطراف الحديث بلفظ الأخ الرفيق، والرفيق الأخ، ويلجم السلفي جماح لسانه عن نطق عبارات الشكر لله والعودة لصحيح البخاري… ويرتدي الماركسي عباءة المتدين البار بالدين، ويتحاشى الخوض في أمور الخلق وقدم العالم، فيتحقق التعايش بينهما على شاكلة زواج المتعة الشيعي، مع فارق بسيط، يكمن في تبادل أدوار الفاعل والمفعول به، وفي النهاية يستمتعان بنفث سموم حقدهما على واقع جعلهما في الهامش، فكلاهما على هامش المجتمع والتاريخ. فالماركسية كتفسير علمي للمجتمع فقدت مصداقيتها ولم تعد قادرة على استيعاب مستجدات التاريخ الإنساني. والسلفية الدينية بمختلف توجهاتها وتلاوينها أسقطت السياسة عنها قناع البراءة وصفاء الذمة الذي ادعته لردح طويل من الزمن.

والواقع أن زواج المتعة هذا تحكمه رابطة واحدة ووحيدة، وهي رابطة الفشل والرغبة في المصالحة مع كل أنواع الفشل التي تفتك بكلاهما، لذلك يتوحد الاثنان معا لخوض صراع تبرير الفشل، عوض خوض معركة الخروج منه. فالسلفي يشعر بأن خطابه قد أفل نجمه مع تصاعد الوعي التنويري لعموم الجماهير، وبأنه لم يعد مرغوبا فيه، لكن عامة الناس يقبلون به على أساس احترام حقه في العيش وفق ما يراه يحقق ذاته، فيحترمون خصوصيته، فيعتقد بغباءه المطبق أنه مطلوب ومرغوب لذاته، في حين أنه مرفوض جملة وتفصيلا، لكن بما أنه جزء من نسيج المجتمع، فإننا نقبل به ونتعايش معه على أساس ما يجمعنا ويوحدنا وليس على أساس ما يفرقنا.

يستغل الماركسي الغارق في أزمات الهامش هذا المعطى، فينخرط في إقناع الناس بصدقية نضاله، ويعرض نفسه على السلفي قصد الاستمتاع ببعضهما البعض، وله في ذلك مآرب شتى لا يدركها السلفي بغباءه المتولد عن ثقته العمياء في صدقية مشروعه، فهو يمتلك أفيون تنويم وعي الجماهير المغلوب على أمرها والتواقة للانعتاق من سلطوية الحاكم المستبد. لذلك يدفع الفشل الاجتماعي الطرفين للاجتماع على مائدة زواج المتعة القصير الأمد، فالأول (السلفي) يتاجر بهموم ضعاف النفوس أمام خطاب الدين، فيبشرهم بأنه يمتلك مفاتيح خلاصهم في العالم الآخر، والثاني ( الماركسي) يتاجر بمعاناة الجماهير من قهر السلطة واستبدادها السياسي والاجتماعي، مروجا باقة من الأحلام الوردية التي لا توجد إلا في مخيلة ماركس، هذا الأخير أرغمه أتباعه على النوم على سرير واحد، جوار رجل الدين وأبرما لهما عقد نكاح عرفي للمتعة سرعان ما ستتهاوى بنوده عندما يقضي الطرفان مآربهما، فيتم الإسراع لخوض معركة الطلاق البائن في محكمة الجماهير التي ستدرك تآمرهما بفطنة ونباهة عقول متنوريها، لتزج بهما في سجن النسيان.

‫تعليقات الزوار

11
  • الحبيب لوناسا
    الأربعاء 8 غشت 2018 - 18:14

    موضوع جد رائع نتمنى لك التوفيق سي سمير

  • حسسسسسان
    الأربعاء 8 غشت 2018 - 18:27

    ليسمح لي الكاتب المحترم لأبسط وجهة نظر أخرى فأقول إن السلفي كما الماركسي يتكئآن على خلفية نظرية إيديولوجية ليضمن لهما انسجاما في التفكير والعمل على تغيير الواقع وفق ما يريانه أن الأصلح. ولا ضير في ذلك ما دام أنهما يسعيان إلى تغيير واقع الناس نحو ما يريانه الاصلح والاجدى. فكيفما كان الحال فهما مجتهدان يخطئان ويصيبان ويساهمان بقدر في دينامية التاريخ والاجتماع.
    فلماذا يا سيدي تبخس جهدهما الفكري والسياسي وتربطه بزواج المتعة وكل الأفكار التي بسطتها في مقالك محاولا إبراز فشلهما والعمل على الخروج مما تعتبره ورطة…
    للإشارة ولكي لا تتهمني أنني أدافع عن فشل شخصي، فأنا لست سلفيا ولا ماركسيا ولكنني مفكر حر أحترم اختيارات الآخرين.

  • كاره الضلام
    الأربعاء 8 غشت 2018 - 18:47

    زواج المتعة هدا بين الاسلاموية و الماركسية اولا لا يوجد الا في العالم العربي الاسلامي حيث الماركسية تختلف عنها في معقلها الغربي لانه تم اجتزاءها من طرف اليساروية القومجية التي احتكرت المشهد الثقافي في بلاد العرب طيلة العقود الماضية، و سبب هدا الزواج هو ان التقاطب في هده البلاد لم يكن ابدا ايديولوجيا و انما سياسوي، الثقافة السياسية العدمية المتمثلة في العداء البنيوي لفكرة الدولة قبل سلوكها او طبيعتها و المبني على الفوضوية و الانقلابات هو المعيار الدي تكون التحالفات بناء عليه و بالتالي فالماركسية و الظلامية الدينية هما نفس الخطاب و لا تختلف سوى التسميات ، الحكم العاض او الجبري هنا و الحكم الرجعي او الاقطاع هناك، سيادة الشعب او حكم البروليتاريا هنا و حكم الارادل هناك، و هما ان اصطدما فاصطدامهما من اجل المصلحة السياسية و ليس التناقض الايديولوجي ، تلك الايديولوجيا ليست سوى دريعة و المعيار الوحيد و الحقيقي هو الوصول الىالسلطة و التحكم في رقاب البشر و قمه المخالف بشيطنته فيكون تارة كافرا بالنسبة للظلاميين او رجعيا امبرياليا بالنسبة لاشباه اليساريين

  • elamiri elmamoun
    الأربعاء 8 غشت 2018 - 19:21

    لا يمكن إنكار أن لزواج المتعة، شأنه شأن أي علاقة بين ذكر وأنثى، مواليد يحيرون المجتمع في أي خانة يمكن تصنيفهم. هؤلاء المواليد لا نجد لهم قبولا ولا إستساغة لأنهم مشاغبون وعاقون. ضرب القدرة الشرائية للمواطنين لا تُضَمِّدُ كدماتها وجراحها لا تخفيض أثمنة بعض الأدوية ولا برامج الراميد. التمدرس والتطبيب مع البنية التحتية وإن كانوا يستنزفون الميزانية العامة للدولة فقد تعرضوا لسلوكات شادة. إبتداع شركات الأمن الخاصة التي توظف كل المنحرفين لتبدأ معهم المعاناة والكل بتعليمات المدير أو الطبيب الرئيس إلا درجة أن المواطن يستأنس بالعدمية والسلبية ليتجاوز معاناته وتعقيدات دهاليز إدارة الكل ينتقد فساد ومحسوبية وتكاسل موظفيها. الإسلام و الشيوعية يوجد في تعاليمهما وأدبياتهما ما يدعو إلى الإخلاص في العمل والحفاظ على الدوام والأخد بيد المرتفق وإعانته على قضاء حوائجه، وهذا أقل الواجب. الأكثر عقوقا وسخطا عدم إحترام لا الوطن ولا الوطنية ولا المواطنين. طبيعي وككل العلاقات الفاشلة يتم الطلاق والغير طبيعي هو أن لا تتم محاسبة الفاسدين والسارقين والمسوفين لحقوق المواطنات والمواطنين.

  • كاره الضلام
    الأربعاء 8 غشت 2018 - 19:28

    كلا الفريقين قائم على نفس المثال و هو حكم الارادل و بالتالي فالدافع حقد طبقي و عقد ارادلية عميقة يستحيل معها ان يكون الهدف نبيلا انسانيا خيرا كما يدعون،و حينما يكون الدافع مرضيا مثل الحقد الطبقي الارادلي لا يمكن لصاحبه ان يتشبث بمبدا سابق او شعار تابث فيكون المبدا الواحد و الوحيد هو الوصول الى الهدف و القضاء على العدو، دلك العدو الدي كان قريش او ابو سفيان يوما ما هو الدي اصبح اليوم الطاغوت و حكم الجبر او قيصر روسيا او حكم الاقطاع الرجعي، تختلف الازمنة و الامكنة و الحقد واحد و الدافع نفسه و هو دلك النهم و تلك اللهفة الشديدة على الحياة و على السلطة، و السبيل لنيل الهدف هو وحده لدى الفريقين اي السلطة الروحية المقدسة سواء كانت دين الاسلام او ديانة ماركس التي لا ياتيها الخطا من اي جهة و من ينتقدها كافر،و كلاهما لا ينفر من الاخر لان عدوهما واحد و كلاهما غريب على المجتمع و منبود و عاجز عن نيل التعاطف عبر الطرق السياسية التقليدية و لا يمكنهما معا الوصول الى الهدف الا عبر العنف و الفوضى و رفض قوانين اللعبة مهما تظاهروا بالخضوع لقوانينها

  • عبلة
    الأربعاء 8 غشت 2018 - 19:49

    لقد اصاب الكاتب ببراعة فائقة في تحليل العلاقة بين المتناقضين
    انه الخيال الذي يسبح فيه هؤلاء الاحبة الاشرار
    ويبقى الزواج الوهمي فقط في الخيال
    لكن وعي اغلب الجمهور لازال يعاني من اثر سحره الاسود

  • محمداحمد
    الأربعاء 8 غشت 2018 - 20:04

    نحن اولاد الشعب نعرف ان اولاد عبد الواحد واحد و ان الاحزاب لها اتجاه واحد هو اتجاه الدولة
    والشعب لا يحتاج الى يساريين و لا اسلاميين ولا تنويريين و انما يحتاج الى مخلصين خلص و هم عملة ناذرة في بلدنا الفقير لكل شئ

  • كاره الضلام
    الأربعاء 8 غشت 2018 - 20:36

    لقد كان ارتباطهما وثيقا حتى ان بعضهم تحول من الماركسية الى الاخوانية بيسر مثل منير شفيق و هناك من اجنمعتا فيه و هو نفس الشخص مثل حسن حنفي
    كلاهما ينشد مثالا طوباويا فالاسلامي ينشد الخلافة الراشدة التي لم و لن توجد و الماركسي ينشد حكم البسطاء الدي لم و لن يوجد
    الدين و الثورة كلاهما افيون للشعوب و كما ان الاسلام كان و لازال و سيبقى مخدرا للقطيع فان الثورة كانت و ستبقى مخدرا للقطيع، اليوتيوبا موجهة للقطيع اما سدنة الجماعات و الاحزاب فلا يصدقون الا المصلحة و هي الههم الاول و الوحيد
    لا يمكن لكليهما العيش الا خارج المؤسسات و دلك لعلمهما بغرابة خطابهما على المجتمع و ماضويتهما و لانهما معارضان لفكرة الدولة باي شكل تكون.
    كلا هما دموي و هما من سفك الدماء في الجامعات دون غيرهما و كلاهما شمولي يرفض الراي الاخر و لو تشدق بالديمقراطية و التعددية و الاختلاف،و كلاهما كلم يصفي المخالفين من داخل التنظيم
    كلاهما ملحد الا بالعجل الدهبي و كلاهما مادي صرف عبد للعملة و زواجهما غير مستغرب بالنظر لثقافة العهر التي يمتحان منها

  • السي
    الخميس 9 غشت 2018 - 03:34

    الماركسي ليس ماركسيا و السلفي ليس سلفيا ، فكارل ماركس فلسفته تقوم على تغيير العالم و ليس تفسير أصله و الماركسي الذي لا نعتبره ماركسيا تزوج بنت البورجوازية لعله يرتقي اجتماعيا ماديا ، و السلفي الذي يفر بالخطاب نخو الماضي غارق مع نساء الليبرالية المتوحشة .
    الماركسي و السلفي كلاهما في قبضة المتعة بسبب فقدان العقلانية التي خدمت مشروع البورجوازية علميا و أيديولوجيا .
    و يبقى كارل ماركس بفضحه للواقع و الدعوة إلى تغييره أفضل بكثير من الانتهازيون الذين يستغلون كل شيء من أجل بقاء الوضع الخادم لمتعتهم من بقايا البورجوزاية !!
    ستعرفني أنا من اطلعت على المسودة .

  • chouf
    الخميس 9 غشت 2018 - 09:45

    البرجوازية موجودة في الدول الغربية والعالم المقلد ماشي في الخط.حلل وناقش الفرق الشاسع بين تلك الاقوام وبين الذين يتشثون بالاسلام والتراث واشياء اخرى البعد بين هاؤلاء واولاك كبعد السماء على الارض.احنا عندنا نبارجوازية اوا كملوا.

  • مجرد راي
    الخميس 9 غشت 2018 - 23:29

    هناك ظلم كبير في حق الرجل فليس الرجل وحده المكبوث او الوحيد الذي يستمتع بالعلاقة الجنسية كما ان المرأة ليست بوعاء فكل من هما يستمتع بالاخر في العلاقة الجنسية ان نتكلم عن ظلم المراة في حقوقها وفي مايخص امور الحياة والعيش الكريم بحرية الانسان نقول ان هنالك تجاوزات وتفاوت يجب اعادة النظر فيها ولكن في ما يخص الجنس فلا يمكن ان نتحدث عن الرجل كوحش يستغل المرأة فرب امرأ اكثر شهوة من الرجال في هذا الباب.

صوت وصورة
مغاربة والتعادل مع موريتانيا
الأربعاء 27 مارس 2024 - 01:07 7

مغاربة والتعادل مع موريتانيا

صوت وصورة
المخارق والزيادة في الأجور
الأربعاء 27 مارس 2024 - 00:30 3

المخارق والزيادة في الأجور

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | انتخابات 2011
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | انتخابات 2011

صوت وصورة
قصة | الرجل الذهبي
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 21:30 1

قصة | الرجل الذهبي

صوت وصورة
المدينة القديمة | فاس
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 20:55

المدينة القديمة | فاس

صوت وصورة
معرض تضامني مع فلسطين
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 20:47 1

معرض تضامني مع فلسطين