زمن المغرب الراهن وزمن الألفية الثالثة وجها لوجه

زمن المغرب الراهن وزمن الألفية الثالثة وجها لوجه
السبت 11 غشت 2018 - 15:29

-1-

الأسئلة المتراكمة على فضاءات المغرب الراهن تكاد تكون مستعصية، حرجة ومحرجة، تعطي الانطباع منذ الوهلة الأولى بأن مغرب العقد الثاني من الألفية الثالثة سوف لا يبقى مستقرا فقط على القضايا والمشاكل والأزمات التي كرست فقره وتخلفه وفساد إدارته على الخريطة العربية الإفريقية، منذ عدة عقود، بسبب الفساد السياسي/ المالي/ الاجتماعي، متعدد الصفات والأهداف، ولكنه سوف ينجر لا قدر الله إلى الأسوأ بسبب الاتساع المطرد لبطالة الشباب وانسداد أبواب الرزق في وجوههم، وتخلف نخبه بالأحزاب والسلطة، وأيضا بسبب اتساع رقعة العنف والتهميش والتسلط وانتشار الأمراض، والفقر والتفقير على حساب الإفلاس المتواصل للسياسات الحكومية، وبرامجها واستراتيجيتها في التعليم والتشغيل والثقافة والصناعة والاقتصاد والإعلام والثقافة والصحة، وكل القطاعات المنتجة… وهو ما جعلها في نظر العديد من الخبراء داخل المغرب وخارجه، سياسات مثقلة بالركود والهزالة والهشاشة والخيبة والتراجع واختلال التوازنات والعجز في المبادرة واتخاذ القرارات.

-2-

ليس خفيا على أحد أن مغرب اليوم يعيش في ظل حكومة ضعيفة تفتقر إلى الرؤية السليمة، تواجه سلسلة من الأزمات: من أزمة التعليم إلى أزمة الصحة، ومن أزمة الشغل إلى أزمة السكن ومن أزمة الانكماش الاقتصادي إلى أزمة ارتفاع أسعار المواد الطاقية والمواد الغذائية، ومن أزمة انخفاض عدد مناصب الشغل وتراجع توازن الميزانيات والحسابات الخارجية إلى أزمة ارتفاع مديونية الخزينة العامة وتراجع احتياطي العملة، ومن أزمة الديمقراطية الداخلية بالأحزاب السياسية إلى أزمة الثقة في المؤسسات. سلسلة مترابطة من الأزمات تنعكس جميعها سلبا على الأفراد والجماعات على مغرب مثقل بالصراعات والتحديات.

ولا شك أن هذه الأزمات جميعا لا ترتبط فقط بالخلل الذي يمس القطاعات الحيوية في عهد حكومة السيد عبد الله بنكيران: التعليم/ الصحة/ السكن/ الفلاحة/ الصناعة/ الشغل/ الخدمات، ولكنها ترتبط أساسا بالخلل الذي يمس التخطيط منذ عدة عقود من الزمن، وهو ما جعل التخلف حقيقة لا جدال فيها.

في ظل هذه الحقيقة المقلقة، يأتي السؤال ملحا: ما هي صيغة المستقبل الذي ينتظر بلدا متخلفا يعاني من الفساد والفقر، وجد نفسه كذلك في زمن التقدم العلمي والتكنولوجي والعولمة وهو يعاني من أمراض وأزمات وإشكالات ثقافية وحضارية واقتصادية متداخلة ومتشابكة، ورث غالبيتها عن الماضي الاستعماري، وكرس بعضها في عهد الاستقلال؟

ما يزيد من قلق هذا السؤال أن مغرب اليوم المطوق بهذه الأزمات والإشكالات ليس له أي دخل في الصورة التي وجد نفسه عليها، أنه استيقظ من إغماءته التي استمرت قرابة قرن من الزمن، ليجد نفسه في مطلع الألفية الثالثة مكبلا بعشرات القيود والالتزامات، قيود الفقر والبطالة والأمية والتخلف التكنولوجي التي لم تستطع لا حكومة بنكيران ولا الحكومات التي قبلها التحكم في مفاتحها، وليجد نفسه أيضا يعاني من تفشي الجريمة والفساد الأخلاقي، والفساد الإداري والمالي، ومن الانفجارات الديموغرافية غير المخطط لها، وهو ما يفرض عليه إيجاد المزيد من الخبز والأدوية والمدارس والمستشفيات ومناصب الشغل، والمزيد من القروض والخبراء الأجانب، لمواجهة التخلف.

-3-

السؤال الذي تطرحه المشاكل الاجتماعية / الاقتصادية / السياسية، المترابطة والمتشابكة، على مغرب الألفية الثالثة هو: كيف سيصبح الوضع في المغرب سنة 2020، حيث من المنتظر أن يصل عدد السكان إلى حوالي أربعين مليونا؟

في نظرنا، تتعاظم أهمية هذا السؤال في القطاعين الاقتصادي والاجتماعي كلما نظرنا إليه من زاوية الاختلالات التي مازالت تضرب التعليم والصناعة والفلاحة و”سوق الشغل”، والتي تؤثر سلبا على مختلف القطاعات الإنتاجية، وبالتالي على مسار التنمية المستدامة، كما تتعاظم أهميته، من جانب آخر، أمام المؤهلات المحدودة للاقتصاد المغربي في توسيع هذه السوق والتقلص المستمر لإمكانيات الهجرة والعمل خارج الحدود.

يعني ذلك أن مغرب اليوم الذي يسعى إلى ترسيخ الديمقراطية ودولة الحق والقانون / دولة المؤسسات، يواجه تحديات “ثقيلة” متعددة ومتداخلة ومتشابكة، لا قدرة لهذه الحكومة على مواجهتها؛ فالنمو الديموغرافي ومحدودية الاقتصاد وتقليص الهجرة لا تعني فقط التراكم المستمر للأزمة الاجتماعية، ولكن أيضا تعني “تحفيز” الأزمات الأخرى على الظهور والتأثير.

تقول المؤشرات إن نسبة البطالة قد تصل خلال السنوات القليلة القادمة، إذا لم يعالج الآمر بصرامة، إلى 25% من إجمالي السكان النشطين، بمن فيهم الخريجون والذين لا حرفة ولا تكوين لهم.

وتقول هذه المؤشرات أيضا إن فئات اجتماعية جديدة قد تنتقل خلال نهاية هذا العقد، إذ لم يعالج الأمر، إلى العيش تحت مستوى الفقر.

يعني ذلك بوضوح أن الوضعية المغربية الراهنة المثقلة بسلسلة من الأزمات تتطلب إصلاحات جذرية في هياكل المؤسسات لخلق ملايين مناصب الشغل، وإعادة التوازن لخدمات الدولة في التعليم والصحة والسكن وغيرها من القطاعات الفاعلة في التوازن الاجتماعي، وهو ما يواجه بتحديات صارمة للعهد العالمي الجديد، القائم على العولمة والتنافسية والديمقراطية.

ومن باب الاستئناس، يمكن أن نذكر أن وضعية المغرب الراهنة لا تتطلب فقط إصلاحات هيكلية في إدارتها لمواجهة تحديات العولمة، كما يتراءى لزعماء الحكومة الحالية، ولكن أيضا تتطلب إحداث خمسة ملايين منصب شغل، ومضاعفة عدد المعلمين والأساتذة ومكوني التكوين المهني والأطر التربوية والإدارية، ومضاعفة عدد الفصول الدراسية في المدارس الابتدائية والثانوية، ومضاعفة عدد المعاهد العلمية والجامعات لتأمين المقاعد المدرسية والجامعية والتكوينية/الحرفية لكل المؤهلين والقادرين على التعليم، وذلك دون ما تفرضه من إصلاح وتوسيع وإعادة هيكلة للصحة والصناعة، والصناعة التقليدية والزراعة والتجارة وكل المجالات والقطاعات الحيوية الأخرى… وهو ما يجعل الأزمة حادة، وثقيلة، وربما خطيرة أيضا.

-4-

يقول الخبراء عندما تصبح “الديموغرافيا” حالة مستمرة من التنافر بين نموها وبين التخطيط لها، يتدخل الإصلاح باستعجال لاستدراك الموقف.

“فالحالة المغربية” تواجهها تحديات متنوعة ومتداخلة ومرتبطة بسلسلة من المعطيات، منها ما يتصل بالنمو الديمغرافي ومنها ما يتصل بالتخطيط الاقتصادي/ الاجتماعي، ومنها ما يرتبط بالمناهج الدراسية وضآلة الإنتاج، ولأن المغرب على أبواب تحوله التاريخي، وبصدد استكمال الشروط الموضوعية لهذا التحول، فإن العراقيل المادية ليست وحدها تبقى واقفة في وجه هذا التحول، بل كذلك غياب السياسات والاستراتيجيات العقلانية، والانتقال إلى مرحلة جديدة من التاريخ.

العديد من المحللين والمستقرئين “للحالة المغربية” يعتبرون أن مسألة التحول والانتقال والخروج من الأزمات، أو من بعضها على الأقل، هي مسؤولية جماعية، مسؤولية الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والحقوقية، ومسؤولية الأبناك ورجال الأعمال والأساتذة والمعلمين والخبراء… ذلك أن النخبة الواعية بظروف هذه “الحالة” وخلفياتها التاريخية والمادية وأثارها السلبية على الحاضر والمستقبل هي الغائبة، المغيبة، الأكثر مسؤولية والأكثر وعيا بها، ولكنها مع ذلك، ترى أن حكومة وطنية منسجمة وواعية وحدها قادرة على تقريب الانتقال المطلوب إلى وضعه المطلوب.

والسؤال: كيف لهذه النخبة أن تقوم بدورها في تعميق وعي الشعب المغربي بمتطلبات الانتقال وهي نفسها مازالت لم تتخلص من الأزمات المحيطة بها من كل جانب؟

أفلا تنظـــرون؟

‫تعليقات الزوار

7
  • المغرب اليابان .
    السبت 11 غشت 2018 - 17:37

    نريد ملكية برلمانية ورئيس حكومة موسع السلطات يحاسب كل إعادة انتخاب فإن أحسن كنا له من الشاكرين وإن أساء حاسبناه بشدة وأودعناه وزبانيته السجون.

  • حزين
    الأحد 12 غشت 2018 - 00:55

    مقالك يؤلمني كيف انام عندما قراءت هدا انه الفزع الخوف انه المجهول
    كيف سنتحكم في هذه الامور كلها
    يارب استر العاقبة بخير

  • اذا كان الحال كما ...
    الأحد 12 غشت 2018 - 06:41

    … كما وصفت يا استاذنا المحترم والمغاربة سكوت خاضعون لا يثورون فالضعف فيهم وليس في الحكومة.
    ان المتامل في الخريطة العربية و يرى كيف تحولت احوال ليبيا وسوريا والعراق واليمن وكيف تازمت احوال الجزائر ومصر وكيف انقسمت السودان وكيف اختلت احوال تونس يبدو له المغرب منارة مشعة يغبطه الناظرون.
    المغرب يا استاذ يسير في الطريق الصحيح ويعمل جاهدا لرفع التحديات وتسوية الازمات .
    فلنشاهد حولنا بين الرباط وسلا فقط تلك المنجزات الكبرى التي تحققت في بضع سنين من طرقات وقناطر وتعمير على ضفتي نهر ابي رقراق الذي تحولت رماله فعلا الى زبيب وحليب وصار السلاوي للرباطي حبيب.
    تذكيرا بالمقولة

  • وماذا عن الرأسمال ...
    الأحد 12 غشت 2018 - 14:20

    … اللامادي المغربي يا أستاذ ؟
    تتحدث عن المغرب و كأنه حثالة بلدان الأرض.
    كل الأزمات التي هولتها عبارة عن أعراض ملازمة لكل إجتماع البشري أينما وجد في كل الأزمنة والأمكنة منذ الأزل.
    الفقر ليس عيبا ولا أزمة دائمة إذا زانته عزة النفس والصبر والحزم والسعي لمغالبته ، فالنبي موسى عليه السلام اشتغل أجيرا ( إن خير من استأجرت القوي الأمين) ، وكذلك كان الرسول محمد عليه الصلاة والسلام إلى ان تاجر في مال خديجة.
    المغرب "قلعة الصمود والتحدي" منذ أن رفع سكانه الأمازيغ راية الدفاع عن الإسلام.
    لقد فشلت وانهارت كل أنظمة (جبهة الصمود والتصدي) التي أسسها سنة 1977 قادة : ليبيا، وسوريا، والعراق، والجزائر، ومنظمة التحرير الفلسطينية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، وبقي النظام المخزني المغربي صامدا يتحدى الأزمات بفضل رأسماله اللامادي.
    من مقومات ودعامات وركائز هذا الرأسمال المعنوي هو أنه في المغرب الأقصى أسس أمازيغ أوربة أول إمارة للمؤمنين في كل البلاد الإسلامية بقيادة أهل البيت ، ما يزال إشعاعها وهجا إلى اليوم.
    يتبع

  • تابع تعليق 4
    الأحد 12 غشت 2018 - 20:32

    المغرب الأقصى هو مركز الأمبراطورية المرابطية التي وحدت الغرب الإسلامي وأنقذت الأندلس ، ومركز الأمبراطورية الموحدية التي وحدت كل البلاد المغاربية ، و أسس شيخها بن تومرت بالقوة النظام المخزني القائم على الولاء للحاكم وحصر التشاور في أهل الحل والعقد ، والإعتماد على الأعيان في التنفيذ .
    ابن تومرت أسس مجلس العشرة للتشاور يضم عشرة من خيرة أصحابه ، ومجلس الخمسين من أعيان القبائل لتنفيذ قرارات مجلس العشرة ، وفرض عبد المؤمن لخلافته رغم أنه غريب عن قبائل مصمودة مرجحا الكفاءة على العصبية للإنتماء القبلي.
    حتى تسمية المخزن بدأت في عهده بتسمية دار المؤونة ب " المخزن " كما ذكر المؤرخ البيدق .
    وفي عهد عبد المؤمن شملت التسمية خزينة الدولة كما ذكر بن القطان في نظم الجمان.
    المغرب الأقصى هو الخازن الأمين لنفائس الحضارة الأندلسية التي مهدت لقيام الحضارة الأوروبية، والتي يشتغل في الحفاظ عليها ألاف الحرفيين المبدعين.
    فبهذا الرصيد المعنوي والرأسمال اللامادي استطاع المغرب اجتياز العقبات ومواجهة التحديات.
    وأكبرها مواجهة حرب العصابات التي شنها عليه المعسكر السوفياتي مدة 16 سنة بعد استرجاع صحرائه.

  • لا خوف على زمن ....
    الأحد 12 غشت 2018 - 21:29

    … المغرب في الالفية الثالثة بعد ان وضع اسس تنميته وحيد عصره وفريد دهره العالم الفقيه القائد المتبصر الملك الحسن الثاني الذي رسم طريق المغرب في كتابه التحدي سنة 1976 حيث سمى الفصل الاخير من الكتاب ب " الشجرة"
    ومثل المغرب بها وقال ان جذورها في افريقيا وفروعها في اوروبا .
    وها هي الشجرة التي غرسها الحسن الثاني يتعهدها بالرعاية خلفه محمد السادس وانها ستاتي اكلها باذن الله.
    وكما تجاوز المغرب ازمنة الخوف التي كانت سائدة في المدن المغربية المحاطة بالاسوار . فعلى سبيل المثال كان اهل الرباط يسخرون من اهل سلا ويقولون عنهم انهم يحمقون بعد العصر لانهم كانوا يتسابقون لدخول منازلهم قبل اغلاق ابواب المدينة ، فانه قادر على تجاوز الازمات الحالية.

  • amahrouch
    الأحد 12 غشت 2018 - 21:58

    D près l auteur le Maroc est atteint d une maladie cardio-vasculaire qui,bientôt,va le faire mourir tellement les vaisseaux(administration)sont obstrués et le cœur(économie) au ralenti !Oui,le Maroc souffre et ça ne date pas d aujourd hui.Sa souffrance est né le jour où le pays a eu l indépendance.Seulement le peuple se résignait à la précarité et n osait pas protester ;les médias étant muselés et les citoyens réprimés.Nos compatriotes une fois au pouvoir ne pensaient ni au pays ni au peuple,ils pensaient à leurs affaires et pour ce faire ils vidaient les caisses de l Etat pour remplir les leurs !!De sorte qu aujourd hui l Etat se trouve en quasi-faillite !Tout est dans la tête.Nous avons une culture excessivement égoiste et je m en foutiste,nous sommes dénués d humanisme et de toute probité.L occupant français avait une dose d humaisme au dessous duquell il ne descendait pas,ilinvestissait au pays et fait travaillait les locaux.Les nôtres amassent de l argent à l extérieur du pays

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز