كفى من وصم تلاميذ بِـ "راسو قاصْحْ ومَكَتْدْخْلّوشْ القْرايا فْالرّاسْ"

كفى من وصم تلاميذ بِـ "راسو قاصْحْ ومَكَتْدْخْلّوشْ القْرايا فْالرّاسْ"
السبت 8 شتنبر 2018 - 19:53

أرى سنويا مع اقتراب الامتحانات عددا كبيرا من الآباء مع أبنائهم، ولما أسأل عن أسباب الزيارة الطبية، يكون ردهم “مَكَيْبْغيشْ يْقْرا” أو “ناقْصْ عْنْدو التَّرْكيزْ” أو “راسو قاصْحْ مَكَدْخْلّوشْ القْرايا” أو “راسو مْكْلّْخْ”، وهم يلتفتون إلى أطفالهم وكأنهم يتحدثون عن كمبيوتر عاطل مع أحد التقنيين في الحاسوب لإصلاح أعطابه! ولا أخفي عنكم أن هذه الصفات الخطيرة تُحطم الطفل وتُجمد طاقاته على النجاح في دراسته.

سأكتفي في موضوع اليوم بالإشارة إلى طبيعة ذهن الطفل والعوامل المحيطة به التي تساهم في نمو قدراته العقلية.

1. طبيعة دماغ الطفل

دماغ الطفل ما يزال في نموه المتطور ويستمر هذا النمو إلى سن 24 أحيانا قبل أن يبلغ النضج النهائي. فكيف لنا أن نحكم على مخ طفل بِـ “المْكْلّْخْ” ودماغه ما زال في طور النمو؟

كما نعرف أيضا أن كل مخ ينمو بشكله الخاص (لا حاجة للمقارنة بين الأطفال) كما أن كل القدرات الدماغية لا تنمو بشكل متوازن، فهناك دماغ طفل تنمو بعض قدراته أكثر من الأخرى. مثلا نجده يهتم بالرسم فتنمو لديه قدرة الفن بسرعةٍ تفوق نسبة القدرة على الكتابة، وهذا لا يعني أن “راسو قاصْحْ”.

2. ليس هناك طفل ذكي وطفل غبي أو “جْنّْ” و”مْكْلّْخْ”

الطفل لا يولد صفحة بيضاء نكتب عليها ما نريد أو كأنه إناء فارغ نملؤه بما نشاء. مخ كل الأطفال بدون استثناء له قدرات لا نهاية لها، وإذا اتجهنا وتحدثنا مع ذكائه (كشخص ذكي) فسوف تنمو عنده قدرات الذكاء بشكل لا يتصور، أما إذا اتجهنا وتحدثنا معه كشخص “مْكْلّْخْ” لا يدرك شيئا فسوف تنمو عنده قدرات “الكلاخ” ونخنق بذلك ذكاءه.

مخ الطفل كسائر الأعضاء، لكي ينمو بشكل سليم، في حاجة إلى مواد خاصة، فإذا آتيناه بما هو في حاجة إليه فستنمو كل قدراته، أما إذا آتيناه بما هو مُضر له فسنجمد كل قواه العقلية.

كما لا يجب اعتبار الطفل “مَكَيْفْهْمْ والو” مند ولادته، بل هناك دراسات تبرهن عن ذكاء الطفل وهو في رحم أمه.

3. جودة المحيط العائلي تقرر درجة الذكاء

يُعتبر المحيط عاملا مهما في نمو قدرات دماغ الطفل وذكائه. وأهمية المحيط لا علاقة لها مع الوضع المادي للعائلة التي ينشأ فيها الطفل لأن العوامل التي سأسردها تبقى مجانية في غالبيتها. ولكم أهم مميزات ودور المحيط الذي يساهم في تنمية القدرات الذهنية عند الطفل في الفترة ما قبل ولوجه التعليم الابتدائي:

– الهدوء: محيط هادئ تسود فيه الراحة والطمأنينة.

– التناغم: محيط يسود فيه الانسجام والتناغم بين أفراده.

– تعامل عطوف: محيط يُلغي بدون أي استثناء العنف اللفظي والجسدي والسب والاحتقار.

– “التشجيع والتشجيع”: محيط يشجع بالإطلاق وبدون أي ملاحظة سلبية على كل انجازات الطفل كيفما كانت ليستمر في تقوية وتطوير قدراته الإبداعية.

– اللعب: محيط يُكثر من اللعب مع الطفل وأقصد الآباء. اللعب هو أحسن الطرق للتربية وتقوية القدرات العقلية والعلاقات العاطفية. وهنا لا حاجة لنا بلُعبٍ خاصة، بل نلجأ إلى اللعب الجسدي والسباق وألعاب تشاركية بسيطة لا تتطلب سوى تخصيص وتوفير وقت كاف لقضائه مع الطفل.

– الحُب: محيط عائلي يعبر عن الحب لأن الحب يُنمي القدرات العقلية لدى الطفل. كما أن الطفل في حاجة كبيرة ليسمع من والديه بدون تقشف عبارة “كَنْحْبّْكْ بْزّافْ”.

– المداعبة: محيط يكثر من مداعبة وملاطفة وعناق وتقبيل الطفل لأن هذا يُحدث في دماغ الطفل إفرازا كبيرا من هرمون الحب “أوسيطوسين” الذي يلعب دوراً كبيراً في نمو الذهن والثقة في النفس والشعور بالسعادة.

– الاستماع: محيط ينصت إلى الطفل لما يتحدث معنا، إنصاتا جادا وصادقا لأن الطفل يشعر ويدرك نوايانا.

– زرع حُبِّ المعرفة: محيط يهتم بقراءة القصص للطفل. في هذه القراءة نقوي العلاقة العاطفية ونسمح له باكتشاف متعة القصة ويدرك أن بفضل القراءة بإمكانه هو الآخر الاطلاع ومعرفة القصص بنفسه.

– مشاركة الطفل في المطبخ: يُعتبر المطبخ من أكبر المختبرات بحيث نترك الطفل (ذكرا وأنثى) يلعب وهو صغير بأواني المطبخ التي في الواقع هي أدوات موسيقية بحيث يستعمل الصغير كل حواسه وتساعده على نمو ذكائه. وعندما يصل سن الثالثة بإمكاننا أن نلعب معه بالعجين ونصنع معه حلويات مثلا، ليدرك كيف نحول موادا بسيطة إلى نتيجة معقدة.

– المرافقة: محيط يهتم بكل ما يحدث ويروج في عالم الطفل مع تدريبه على التفكير والنقد. مثلا إذا كان الطفل يشاهد رسوماً متحركة فمن الممكن أن نطرح عليه أسئلة بسيطة مثل “ما هي القصة؟” و”ما رأيك فيما فعله ذاك؟” و”هل أنت متفق معه؟ ولماذا؟”. وبهذا الشكل نسمح للطفل أن يقوي قدراته على التعبير والتحليل والتفكير والنقد، والهدف هو إيصال الطفل إلى القدرة على التفكير بنفسه.

*خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي.

‫تعليقات الزوار

6
  • Zoom
    السبت 8 شتنبر 2018 - 21:06

    شكرًا لرجوعك الى هذا الموقع و لكتاباتك المباشرة و الجريئة بل و الصادمة احيانا و التي التي تساهم بشكل كبير في تنوير العقول المضلمة.
    موضوع مهم جدا و معقد وفقت فيه بامتياز.
    مشكلتنا اننا لا نريد أو لا نود الاعتراف ان الطريقة التي تربى عليها حل المغاربة لم تعد الْيَوْمَ صالحة بتاتا.
    حين يسمع الطفل ان أباه أو أمه تعيد أمامه بدون مراعاة مشاعره انه لا يصلح لشيء و انه "مكلخ" أو "راسو تقيل" أو انه "عشور" فكن على يقين ان هذا الطفل لن يكون مستقرا نفسيا طول حياته.
    زِد على ذلك ان عدد كبير من الأطفال يتم تربيته أو ترويضه عن طريق الضرب و الشتم لابسط الأمور، مثل امتناعه عن الصلاة مثلا.
    التربية المغربية ينعدم فيها حب الأبناء كما هم، و معاملتهم كأصدقاء، بل تعتمد غالبا علو أسس دينية لم تعد صالحة الْيَوْمَ بل و لم تكن صالحة أبدا (مثل وجوب الضرب لإجبارهم على الصلاة)
    و شكرًا
    و شكرًا

  • طالب
    الأحد 9 شتنبر 2018 - 00:23

    ابعدوا ابنائكم عن الشاشة او على الاقل اضبطوا وقت تعرضهم لها و سترون العجب فيما يخص ذاكرتهم. هذه خلاصة دراسة بريطانية حول تاثير الشاشة على ذاكرة الاطفال و المراهقين

  • M. KACEMI
    الأحد 9 شتنبر 2018 - 01:10

    الإشكال بالنسبة للتلاميذ هو أنهم الوحيدون في المنظومة الذين لا إمكانية حقيقية لهم للتعبير المباشر عما يعيشونه من أوضاع تعليمية وموقفهم منها. الشيء الذي يساعد غيرهم على التنصل من مسئولياته بتعليق الفشل كاملا على شماعة التلاميذ. وهذا الإختلال واللاعدل في فرص التواصل يبعدنا عن أخذ الصورة الحقيقية عما يروج في واقعنا التعليمي، وبالتالي لا يساعد البته على ضبط العديد من مكامن الخلل الموجبة للتدارك. ينبغي حقيقة التفكير في آليات تجعل صوت التلميذ يصل، تماما كما تصل أصوات المكونات الأخرى. فما يعانيه التلميذ من انعدام لإمكانية التعبير المفتوح والمنتظم يعد اضطهادا له وخدمة لمن قد يحمله المسئولية بالباطل

  • cosmos
    الأحد 9 شتنبر 2018 - 04:47

    ر سالتك هذه ربما لمناطق معينة من المغرب التي تتوفر على الامكانيات والبيئة الملائمة في هذا الاتجاه
    في الوسط القروي الذي كنت اعيش فيه منذ ان ولدت وانا اسمع فقط القبح في الكلام النصح بالكلام القبيح والحب بطروق خشنة الاحتقار والمحيط لايروج فيه الا الكلام القبيح
    في صغري تعرضت للاغتصاب ولكن انتقمت لنفسي من الجاني بنفس الطريقة
    نوعية الاكل مهم

  • مهند المغربي
    الأحد 9 شتنبر 2018 - 04:53

    أمر غريب فحتى في موضوع بعيد عن الطوباوية التي ألف الكاتب الخوض فيها يصر على إقحام عبارات غريبة عن المجتمع رغم توفر الدارجة المغربية على رصيد غني من عبارات الحب و العطف كمثال لا للحصر : كنبغيك راك عزيز الحبيب ديالي إلخ …

    "كَنْحْبّْكْ بْزّافْ".
    تكفي هاته العبارة ليعرف القارىء أن كاتب المقال بعيد جدا عن ثقافة المجتمع الذي يحاول ارشاده كما تحيلنا هاته العبارة الهجينة للتساؤل حول مدى تطبيق الكاتب لما يقوله في الواقع هذا طبعا إن كانت لديه أسرة و أبناء يخاطبهم بالدارجة وليس الفرنسية كحال عيوش و أمثاله

  • فريد
    الأحد 9 شتنبر 2018 - 07:10

    المحيط السليم يخلق إنسانا متخلقا، مؤدبا…كلنا نولد اذكياءا وqi كل واحد ينطلق من 0 إلى مافوق ال140 .لو كان للمحيط العائلي تأثير كبير على الذكاء لكان كل عباقرة العالم من الأسر الغنية، أو كل أبناء الأحياء الشعبية "مكلخين" .في نظري الإنسان يزداد ذكيا ويجب فقط صقل ذكائه بالتربية والتعليم والتحفيز.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة