الشجرة التي تخفي الغابة

الشجرة التي تخفي الغابة
الثلاثاء 18 شتنبر 2018 - 07:41

بعيدا عن نظرية المؤامرة نتساءل عن الزوبعة المستعرة في المواقع الاجتماعية وعلى صفحات الجرائد الورقية والإلكترونية، التي أثيرت حول ثماني كلمات أدرجت ضمن أحد مقررات التعليم الابتدائي (البغرير، البريوات، غريبة…)، والتي هي اليوم محل مراجعة حسب الناطق الرسمي للحكومة وبعده رئيسها نفسه، مؤكدا الرفض القاطع لاستعمال أي لغة من غير اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية. نتمنى صادقين أن يتم هذا الحزم مع بقية ملفات التعليم الحارقة للخروج بالقطاع من عنق الزجاجة. فابتداء نقر بأن النقاش دائما وأبدا هو ظاهرة صحية، وإن تباينت الرؤى واختلفت الآراء حد التباين والتناقض، بشرط أن يبقى في حدوده البعيدة عن الاتهامات والاتهامات المضادة، ما يجعل القضايا أحيانا تكون على درجة كبيرة من الأهمية، لكن تتحول بقدرة قادر إلى مجرد مطايا لتصفية حسابات بين الفرقاء السياسيين والتيارات الفكرية والإيديولوجيات ليس إلا.

في خضم هذا التجاذب كان لا بد من تسجيل جملة من الملاحظات نوردها كالتالي، خاصة والأمر جد لا هزل فيه.. إنه يتعلق بأطفالنا زهرة الحاضر وثمرة المستقبل. قد نذهب جميعا أو يذهب بعضنا، ولكن يبقى هؤلاء الذين يستسهل البعض التلاعب بمصائرهم من أجل مكاسب سياسوية أو إيديولوجية:

أعتقد أن معضلة التعليم ببلادنا أعقد بكثير من بضع كلمات بالدارجة أدرجت ضمن أحد المقررات بالتعليم الابتدائي، وهي في حقيقة أمرها ليست سوى الشجرة التي يُرادُ لها أن تُخفي غابة ما يتخبط فيه قطاع التعليم من مشاكل جمة تستعصي عن الحل، تتوارثها الحكومات دون أن تسجل فيها شيئا يذكر. ولعل المستوى المتدني للتلاميذ في اللغات والمواد العلمية أبرز تجليات الفشل الذريع الذي منيت به المدرسة المغربية عموما والعمومية على الخصوص. وللأسف يتوزع دم هذا الفشل بين مجموعة من المتدخلين في العملية التعليمية، ما يُصَعِّب تبيان نسبة إسهام كل طرف على حدة، لتتم محاسبته بقدر مسؤوليته، في حالة ما تم تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة التي لا تكاد الخطب الملكية في الآونة الأخيرة تخلو من الإشارة إليها.

من خلال هذا الجدل الذي أثير حول هذه الكلمات وما خلفته من ردود فعل متفاوتة الحدة، سواء على المستوى الرسمي باستدعاء وزارة التربية الوطنية للمساءلة واضطرارها لتصدر بلاغا توضيحيا بهذا الشأن، أو على المستوى الشعبي عبر الفضاء الأزرق في شكل تعليقات ساخرة ونكت وأزجال، يطرح سؤال الانسجام حول القضايا التعليمية المفصلية كالمسألة اللغوية (عربية أمازيغية فرنسية إنجليزية إسبانية وأخيرا الدارجة) المفروض فيها التحلي بالموضوعية وطرحها للنقاش المعمق في إطار مناظرة وطنية يسهر عليها خبراء في المجال للخروج بتوصيات مبنية على أسس علمية تحكمها مصلحة الوطن ابتداء وانتهاء. فاليوم غير الأمس كل شيء يمكن حسابه وقياسه ورصد نتائجه.

أمر آخر أفرزته هذه الكلمات يتعلق بآليات الاشتغال داخل مجلس أعلى الواجب فيه الاحتكام لمعايير واضحة من شأنها تدبير الاختلاف بين مكوناته، حتى تكون القرارات ملزمة بما لا يدع مجالا للتراشق بالاتهامات بين أعضائه على الهواء مباشرة، إذ من شأن النزاع أن يؤخر عملية الإصلاح المتأخرة أصلا. فقطاع التعليم قطاع حيوي وحساس ليس كبقية القطاعات، بما أنه يهم ملايين التلاميذ ويقتطع الميزانية ربما الأهم من كل الميزانيات الأخرى.

أليس من المنطقي كما أثير هذا النقاش حول التلهيج والتدريج حول كلمات معدودة أعتقد لو أنهم اكتفوا بجعلها بين قوسين وبدون شكل، بما أنها من صميم واقعنا المغربي، وإن كان يطرح مشكل الجهات بخصوص التسميات، ما كانت لتثير كل هذه النقاشات، أن يستمر النقاش والضغط على الحكومة حتى يتضح خيطها الأبيض من خيطها الأسود حول قضية مجانية التعليم، التي إلى اليوم لازالت الحكومة تقدم رجلا وتؤخر أخرى بخصوصها في ظل تضارب التصريحات وغموض بعض مواد القانون، يزيدها لبسا تأكيد الناطق الرسمي في تصريحه بأن القانون يُقرَّ إلزامية ومجانية التعليم الأولي، ما يطرح التساؤل عن بقية الأسلاك التعليمية، وكذا غموض الفئات المعنية بأداء رسوم التسجيل، علما أن الفئة المستهدفة هي من أبناء المعوزين بالدرجة الأولى، يليهم أبناء الطبقة المتوسطة، إن سلمنا بأن لنا طبقة وسطى، ببساطة لأن مسار أبناء علية القوم غير مسار هؤلاء بالمرة.

ألم يكن الأجدى تقدير الأمور قدرها، بما أن مشاكل التعليم متعددة الأوجه ومختلفة الأشكال، ليتم التعاطي مع قضاياه الشائكة بشكل موضوعي. فأين النقاش حول الملايير المنهوبة في البرنامج الاستعجالي؟ وأين النقاش حول ما تتخبط فيه المدرسة العمومية من خصاص مهول على مستوى عنصرها البشري المؤهل الذي يظهر أنه حتى سياسة التعاقد ليست ذات جدوى، بما أنهم لم يكملوا سنتهم الأولى حتى تكتلوا في تنسيقيات، ونزلوا إلى الشوارع سعيا منهم إلى شل حركة التعليم في حركة أظن ألا مثيل لها في العالم؛ نقضوا عقودهم التي بصموا عليها بأيديهم، ليطالبوا بالترسيم في الوظيفة العمومية، علما أنهم انخرطوا في سلك التعليم بمحض إرادتهم بعقود مع الأكاديميات الجهوية، تضمن لهم كافة الحقوق من تغطية صحية وتقاعد وترقية وحركة انتقالية وغيرها.

لم لا يحظى تأهيل مدارسنا بنَفْس النَّفَس لتكون في مستوى تطلعات ناشئتنا، وتكون على خطى ما نتابع تفاصيله بمدارس غيرنا بالبلاد المتقدمة من تجهيزات بأحدث الوسائل التعليمية، وما تتوفر عليه من فضاءات للترفيه، ومختبرات علمية، وأحواض مائية وغيرها من طيور وحيوانات ونباتات؛ إلى درجة أن العقاب الذي يخشاه التلميذ هناك هو حرمانه من الذهاب إلى المدرسة. وقبل هذا الأستاذ باعتباره محور العملية التعليمية، وما يحظى به من امتيازات ربما تفوق ما لدى الوزراء وكبار المسؤولين، (ألمانيا نموذجا متمثلا في رد المستشارة ميركل لما طالبوها بالمساواة مع رجال التعليم ونسائه، فكان جوابها “أتريدون أن نساويكم مع من علموكم؟”). تعليم تجاوز الحيطان الأربعة التي لازال تلاميذنا يحشرون فيها حشرا كأنها زنازين، همهم الأساس هو التحرر منها. فأين تعليمنا مما يعرف في التربية بـ”اليد في العجين” لتجاوز عملية التلقين وبيداغوجية “احفظ واعرض”؟.

فلم لا القيام بما يوازي هذه الهَبَّة من قبل البعض التي اعتبرها مسألة حياة أو موت، لمواجهة ما تشكو منه آلاف المدارس من خصاص في بنياتها التحتية، إذ تتحدث الأرقام عن 6000 مدرسة تفتقر إلى مراحيض؟. ولنتصور مدارس بدون هذا المرفق الحيوي وانعكاس ذلك على نسبة الهدر المدرسي الذي يصل إلى 400 ألف سنويا يشكل تلاميذ السلك الابتدائي نسبته الكبيرة، وخاصة في صفوف الفتيات، وهو ما يعني تزويد نسبة آفة الأمية بالآلاف منهن كل سنة.

*كاتب

‫تعليقات الزوار

2
  • عبد الرحيم فتح الخير
    الثلاثاء 18 شتنبر 2018 - 09:03

    عندما نستغل حراكا مجتمعيا لتمرير خطاب لاعلاقة له بصلب القضية ، نسقط في مايصتلح عليه في المرجعيات النضالية بركوب الموج ، واستغلال الوهج ، من أجل تمرير خطاب خاص . وهو ماقام به الأستاذ الذي وإن أبدى رأيه وخاض مع الخائضين ، إلا إنه ممر خطابا جانبه فيه كل الصواب . بأن دعى لتحسين وضعية المدرس في مغالطة لواقع يقول بالعكس . فالأساتذة الذين يقدمهم الأستاذ ضحايا التهميش استفادوا في ظل الحكومات السابقة بفعل ضغط النقابات الممثلة للقطاع من امتيازات وزيادات لامبرر لغالبيتها ، في ظل تدني أجور السواد من ممتهني القطاع الخاص والحر . ولولا الحزم في التعاطي والشراسة والقبضة الحديدية الحسنة الوحيدة لحزب العدالة والتنمية . لتعرض جيل كامل للضياع بعد أن دخل رجال التعليم مع الأسف في اضرابات غير وطنية ونضالات شوفينية (وبعدي الطوفان) ابتزازية ماتكاد تنتهي إلا لتبتدأ . كانت سنوات سوداء عجاف جعلت ولأول مرة في تاريخ البشرية المعاصر ، طلبة وتلاميذ يخرجون في مسيرات احتجاج ضدا عن إضرابات ما يصتلح على تسميتهم (تجاوزا) برجالات التربية والتعليم وهو الأمر الذي أجبرهم على الرجوع صاغرين للفصول .

  • أستاذ الرياضة البدنية
    الثلاثاء 18 شتنبر 2018 - 15:15

    عندما نستغل حراكا مجتمعيا لتمرير خطاب لاعلاقة له بصلب القضية ، نسقط في مايصتلح عليه في المرجعيات النضالية بركوب الموج ، واستغلال الوهج ، من أجل تمرير خطاب خاص . وهو ماقام به الأستاذ الذي وإن أبدى رأيه وخاض مع الخائضين ، إلا إنه ممر خطابا جانبه فيه كل الصواب . بأن دعى لتحسين وضعية المدرس في مغالطة لواقع يقول بالعكس . فالأساتذة الذين يقدمهم الأستاذ ضحايا التهميش استفادوا في ظل الحكومات السابقة بفعل ضغط النقابات الممثلة للقطاع من امتيازات وزيادات لامبرر لغالبيتها ، في ظل تدني أجور السواد من ممتهني القطاع الخاص والحر . ولولا الحزم في التعاطي والشراسة والقبضة الحديدية الحسنة الوحيدة لحزب العدالة والتنمية . لتعرض جيل كامل للضياع بعد أن دخل رجال التعليم مع الأسف في اضرابات غير وطنية ونضالات شوفينية (وبعدي الطوفان) ابتزازية ماتكاد تنتهي إلا لتبتدأ . كانت سنوات سوداء عجاف جعلت ولأول مرة في تاريخ البشرية المعاصر ، طلبة وتلاميذ يخرجون في مسيرات احتجاج ضدا عن إضرابات ما يصتلح على تسميتهم (تجاوزا) برجالات التربية والتعليم وهو الأمر الذي أجبرهم على الرجوع صاغرين للفصول .

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة