إن السيرة الذاتية مبدئيا ركن في الكتابة ركين، يحسن مقاربته وارتياده، خصوصا إن كان يتيح عبر طريق الاعترافات والإستغوار التأملي معرفةَ ما تيسر من شؤون النفس الإنسانية وأحوالها. فما أجمل أن نقرأ في هذا الباب نصوصا للغزالي وابن حزم والتوحيدي وابن منقذ وابن بطوطة وابن خلدون وطه حسين وإدوارد سعيد، أو نصوصا في الثقافة الغربية لأوغسطين ونيتشه وريلكه وبورخيس وسارتر ومالرو وكامي، وغيرهم.
غير أن هناك صنفا في السيرة الذاتية دأبت على الزهد أو التقصير في اعتماده وقراءته لكونه قائما على زمنية خطية استذكارية فقط، بدءا من الطفولة فأطوارِ الحياة الموالية، ولعل مرد ذلك أن في وعيي المضمر يثوي تقليد في التربية الإسلامية، القاضي بالتعفف في الحديث عن النفس وبالعياذ بالله من ذكر أنا، أو لعله شاخص فقط في كوني لست في حالة صلح ووفاق مع لحظات وبؤر في وجودي، بحيث يكون نسيانها -أو محاولة نسيانها- أفضل عندي من تمثلها بعديا والعود إليها بالإسترجاع والذكرى. وشعاري حالئذ هو قولة بليز باسكال: «الأنا مستكره».
إن ما دعاني إلى اتخاذ موقف معتدل من السيرة الذاتية وتبنيها إجمالا أمثله في عوامل ثلاثة:
أ/ على أحد جدران معبد ديلفوس اليوناني، يطالعنا نقش لحكمة اتخذها سقراط مبدأً فكريا ونهجا حياتيا، إنها «إعرف نفسك بنفسك تعرفِ العالم واللاهوت»؛ كما أننا نقرأ في أدب الصوفية مأثورة متواترة، هي «من عرف نفسه فقد عرف ربّه»؛ ومن جهة أخرى، نعلم أن أيَّ طبيب نفساني لا يقتدر على ممارسة مهنته إلا بعد أن يخضع هو ذاته لتحليل نفساني من لدن طبيب غيره، ماهرٍ وعليم، وذلك لمدة بضع سنين. وإجمالا، فإن الاستبطان، أي السبوح قدر الإمكان في الحياة الجوانية، لعله يكون مفتاح معرفة الذات، وبالتماهي والممثالة معرفة ذوات الآخرين، ولو بمقادير محدودة ومتفاوتة.
ب/ إن ما صرت أعلمه ويعلِّمنا إياه علم النفس التحليلي، هو أن كبت الماضي في حياة الفرد، حتى عندما يكون إراديا، لا يتم من دون أن يُحدث آثارا ومضاعفات تندرج في ما يحدد الشخصية من حيث بنيتها وسيرتها. وطور الطفولة والمراهقة (الممتد إلى الشباب)، كما نعلم، هو طور إنبناء الذات وتشكُّلِ خصائصها وطبائعها، وبالتالي فهو الحلقة الأساس في صيرورة الفرد الحياتية والعلائقية؛ إنه إذن زمن من أدق أزمنة العمر وأخطرها. لذلك فإن عرضه على الطي والنسيان ليس من شأنه أن يزيله ويمحوه، فهو دائما حاضر على نحو أو آخر في طور الشباب والكهولة، ويبقى كذلك إلى آخر مطاف الحياة. ويحسن بالفرد أن يراجعه من حين لآخر، ولو انتقائيا (كما سأفعل في حالتي ضمن هذا الكتاب)، وذلك طلبا لإضاءة المنسي والمكبوت في تكوين شخصيته، ولمحاولة فهم عِلِّية ميولاته وسلوكاته، وإلا فقد تضطره صعوبات التكيف والتعامل إلى الاستعانة بخدمات الطبيب النفساني المنصتِ المؤول.
ج/ إني مدين لكتاب المقاربات (Les Essais) لميشل دي مونتاين (القرن 16) الذي ينبه القارئ مدخليا إلى أنه يرسم ذاته ويتخذ نفسه مادة لكتابته. لكن ما يميز هذه السيرة الذاتية هو أنها في الغالب الأعم فكرية أو ذهنية (intellectuelle)، ولها صلات بمواضيع متنوعة شتى في الفلسفة والأدب والتاريخ والأخلاق أو، إن شئنا، في الثقافة بمعناها الإنسانيّ العميق. ومونتاين يضطلع بها ويطرقها كذات عاقلة ووجدانية تدرك ما تتحدث عنه وتنفعل به وتتفاعل معه. ولا أخفي أني سأقتدي بنهجه ما استطعت من حيث إني لن أعالج موضوعاتي إلا وأنا متلبس بها ومنضوٍ فيها إما ذاتيا على نحو صرفٍ وإما أدبيا وفكريا وإما لغويا وثقافيا. وفي سياق هذا الاقتداء الموضوعاتي أضيف أيضا فريدريك نيتشه (القرن 19) في سيرته الفكرية هذا الإنسان (Ecce Homo)، حيث يتحدث عن ذاته من خلال إخضاع مجمل أعماله الفلسفية لعملية استرجاعية تأملية. ويرى نيتشه أن السيرة الذاتية لأي فيلسوف لهي من إحدى المفاتيح الناجعة لفهم أفكاره وكتاباته. وقد أُدرج في المنحنى نفسه مؤلف أندري مالرو (القرن 20) الصريح التوجه على عتبة عنوانه المذكرات المضادة (Les Antimémoires) وأيضا من القرن نفسه سيرتين ذاتيتين للمستشرقين جاك بيرك وأندري ميكل، الأولى ذاكرة الضفتين والثانية شرق الحياة، وقد خصصت لهما دراستين في كتابي العرب والإسلام في مرايا الاستشراق.
وبالتالي، وعلى سبيل المثال فقط، كم هو مؤثر أن نقرأ بقلم جان-جاك روسو (قـ 19) في الإعترافات Les confessions هذا البوح الصادق: «كانت أمي تحب زوجها حبا حنونا. ترجته بعد فرقة أن يؤوب إليها. فترك كل شيء ولبّـى الرجاء. وكنت أنا ثمرة هذه الأوبة. بعد عشرة أشهر وُلدتُ معوقا ومريضا، وعقب ذلك ماتت أمي، فكانت ولادتي أول ما تصدّر شقاواتي»… وكم هو مفيد ومَشُوق أن نطلع في كتاب التوطئات Le Livre des préfaces على السيرة الذاتية الموجزة للأديب الموسوعي لويس خورخي بورخيس (القرن 20)، مبدع الواقعية السحرية، إذ تُظهر أنه شاعر موفق مواظب وكاتب فذ لقصص قصيرة لم يكتب سواها، وأنه لم يُعرف عالميا وحتى في بلاده الأرجنتين إلا بعد أن تُرجمت نصوصه إلى الفرنسية. هذا ما نستفيده من سيرته الذاتية التي أرادها قصيرة كقصصه. ونعلم منها كذلك أنه نشأ في بيته ببينوس آيريس محاطا بمكتبة أبية الضخمة التي أمست فضاءه المفضل و”معبده” الأثير. وقد كان أبوه كاتبا وناشرا، أما أمه فكانت مثقفة قرّاءة ومترجمة؛ وبورخيس، كما يعترف، مدين لها بالشيء الكثير في مشواره الأدبي، ترعاه وتنصحه، وظلت على ذلك حتى بعدما أصيب بالعمى، إذ تكفلت بسيكرتاريته والقراءة له. وفي السيرة الذاتية نفسها نتعرف على نوعية مطالعاته التي تغلب عليها القصة القصيرة والشعر، وأيضا على اختياره الأسلوبي المتوخي للبساطة في البناء والسرد، كما كان ميالا في كتابته الأدبية إلى مزج شيق بين القص والمقالة.
أمّا الملاحظ عموما في وسطنا الروائي العربي لهذا العهد فهو أن عددا من ممارسي “الأوتوبيوغرافيا” إنما تفرز مجملُ كتاباتهم سيرا ذاتية مباشرة أو مقنعة، هي في معظمها سير اللهج بالأنا الصرف، فتستحيل غالبا إلى نرجسيات مغالية حول الذات كقطب محوري وقاعدة ذهاب وإياب ودوران، أي كشغل شاغل وديدن أوحد. هذا مع أن هناك اليوم أكثر من سؤال نظري يحق طرحه على السيرة الذاتية صنفا وممارسة.
يعرّف أحد المتخصصين، فليب لوجان، العقد الأوتوبيوغرافي بأنه «سرد استرجاعي نثري يصوغه شخص واقعي حول وجوده الذاتي، وذلك حينما يؤكد على حياته الفردية، وبالأخص على تاريخ شخصيته». لكنْ، هل يمكن لأي عقد أوتوبيوغرافي أن يقوم على الحقيقة والصدق في الاعتراف والسرد؟ وهل حقا يتيح هذا العقد للذات أن تكشف عن كل شيء وتقول كل شيء حول مجمل أطوار الحياة، وذلك بضمير المفرد أو حتى الغائب متخطية حدود ما لا يقال؟ والذات، أيُّ ذات، ماذا عساها أن تحكيه وهي تسوِّد الصفحات وتنزل فيها إن لم تكن بلغت حدا من الاستثنائية والتفرد كبيرا، خارقا للعادة، أو إن لم تكن في قلب الوجود الجنوني، المعتل أو الكارثي؟ إني لا أزعم أن الأنا الخالص يلزم إقباره وطمسه، بل أرى فقط أن هوابطه وصواعده في مغارة الباطن لا تكفي حصريا لخلق الكتابة السير-ذاتية ككتابة ثقافية كلية، متحررة من أي عقد أو ميثاق.
إن كان العمل الروائي مثلا يقوم على اختيارات ورهانات، فإني في ممارسته أمْيَلُ ما أكون إلى اجتناب التمحور الكلي والحصري على سيرتي الذاتية، وأعوذ برحاب الثقافة الواسعة من الإمعان في ذكر أناي. أما من كتبوا سيرهم بنحو ما وفي مرة واحدة، أو كتبوها كإشارة على عتبة توديع الحياة، كما في التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا مثلا، أو كانوا ممن صدتهم حياتهم المتدافعة المرتجة عن ذلك (كالحاكم بأمر الله الفاطمي وعبد الحق ابن سبعين)، أو كانوا ممن لا طاقة لهم بالكتابة وهم من مختبري محن الحياة المجهولين (الفتى زين شامة وعنبر بلال في سماسرة السراب وأسماء في امرأة أعمال ورقية في الراوي والمتجردة، وغيرهم في مجمل رواياتي)، فإنهم جميعا يهمونني بدرجة عالية، وأندب نفسي كاتبا لسيرهم الذاتية بوصفها شهادات وقطعا حياتية تحيل إلى الواقع بما هو واقع، وأيضا بما هو مستوهم ومتخيل. وفي كتابتي هاته ليس لي بالطبع أن أدعي الإمحاء تماما خلف شخوصي، نظرا لأن هناك قدرا ما من إسقاطاتي الذاتية عليهم لا أستطيع رده أو إلغاءه، خصوصا ما يتعلق منها برؤاي واختياراتي النظرية والإديولوجية.
نحن بحاجة الى اساتذة جدد.
امثال سالم حميش الذين يجترون الماضي مللنا كلامهم.
والتحية لهسبريس
ذاكرة المناصب و ذاكرة التاريخ
كان طالبا مجتهدا واضعا نصب عينيه أهدافه وأهمها ان لم يكن كلها ان يستقر بنيانه وسلطانه فى بلاط صاحبة الجلالة كان يعشق مهنة الصحافة ان صح ان نسميها مهنة فقد كان يحلو له ان يصفها بالرسالة لكونها تتوافق مع مايهدى به الرسل قومهم وتوضح لهم الصواب من الخطأ والخير من الشر .
كريمة ابو العينين
الاستشراق.. والاستشراق المضاد
قام الباحثون الأوروبيون برصد الدراسات العربية والإسلامية في جامعاتهم ومراكز أبحاثهم، لاسيما الجامعات الألمانية، على مدى العقود الماضية، وقد استندوا إلى المنهج التاريخي الأثير لدى المستشرقين، في تتبع نشأة الاستشراق الألماني وتطوره.
الاستاذ الفلسفي حسن حنفي
أعظم خط وسط في التاريخ !
هاي كورة_ على الرغم من القيمة الثابتة لثلاثي وسط ريال مدريد توني كروس ولوكا مودريتش وكاسيميرو وحصولهم على ثلاثة ألقاب على التوالي إلا إنهم لايضنفوا من ضمن أفضل خطوط الوسط التي تكونت في تاريخ كرة القدم من قبل وسائل الإعلام ولا أحد يعرف السر وراء ذلك ؟
الخطاب و الخطاب فهل تلاحظون !
قال الإمام الغزالي: ليس من الضروري أن تكون عميلاً كي تخدم عدوك؛ يكفي أن تكون غبياَ !
ميسون كحيل
لا أعتقد ان بركان بامكانه تدارك هزيمته الساحقة بالكونغو الديمقراطية. ففيتا كليب ليس هو جينيراسيون فوت.فيتا كليب أحرج حتى الرجاء بترسانته وما أدراك ما الرجاء. الاجدر بالنهضة التركيز على البطولة ومحاولة تفادي التقهقر الى القسم الثاني ومن ثم إلى قسم الهواة
من يعيش بباروكة فوق رأسه طوال حياته.هل له ان يتكلم عن السيرة الذاتية.وهو مزور يوميا امام المرأة!امام نفسه و امام الناس و الكل يعلم اهن يصطنع في كل شيء.اخلع عنك المصطنعات و انذاك ستكون سيرةك صحيحة ز مقبولة اما وانك مخادع ظاهريا ففي العمق امكر و اخدع!!
نحن بحاجة الى استاذ مبصر بصير يرى الواقع
ولا حاجة لنا باعمى عميش وحميش
تحياتي الى المواطنين الاحرار
تكره حميش هذا حقك لأن الحب والكره لا يد للإنسان فيهما لكن أن تصل بك الحقارة لأن تمس الشخص في جسده ومظهره فأنت انتقلت من مناقشة فكر الشخص إلى سبه وقدحه …تريد أن تنتقد حميش السياسي من حقك ومن حقك أن تنعته بما تشاء …تريد أن تنتقد حميش المفكر والفيلسوف من حقك إن كان لك المستوى العلمي لذلك وهو ما أشك فيه كثير …أما أن تعيب الشخص بصلعه أو إعاقته أو مظهره الخارجي فهذا التصرف لا يصدر سوى من وضيع حقير
إلى رقمي 7و8
أن يحمل بنسالم حميش أو لا يحمل باروكة فهذا شأن شخصي يهمه لوحده ويدخل في نطاق ممارسته لحريته الفردية، أنت لم تناقش أي كلمة من كلمات مقاله، انصرفت إلى شخصه لأنك مشغول به شخصيا، ولا تملك القدرات الفكرية لمناقشة ما جاء في مقاله، يضاف إلى هذا حقدك عليه لأنه قومي عربي وسبق له أن انتقد بحدة معلمك عصيد.. وهذا مستوى هابط في التصرف يا رفيق وعزي..
غدا يوم الحساب يقال"اقرا كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا".لعمري ان هذه الاية هي الاصل في كل سيرة ذاتية.وهي من اعوص الامور في علم الكلام لانها مرتبطة بالقضاء والقدر.وتبعا للاية تكون السيرة الذاتية هو عمر الانسان ككل وليس فقط زمن الطفولة.وشكرا على المقال
إلى الذي يعاير حميش بصلعته أو بباروكته..
ملايين من بني البشر صلعاء والعديد منهم يضعون الباروكات فوق رؤوسهم، وأنت حين تعاير حميش لصلعته وباروكته لأنه يحمل عقيدة سياسية وثقافية مختلفة عن عقيدتك البربرية العرقية، فإنك تعاير معه كل الذين مثله صلعاء ولهم باروكات رغم أن لا خلاف لديهم معك، ثم لماذا لا تتشجع أنت أيضا وتكتب لنا مقالات وتنشرها مرفوقة بصورتك لنرى إن كنت خاليا من أي عيب خلقي، أم أنك أصلع أيضا وربما أعور كذلك يا رفيق وعزي؟؟؟
الاستاذ بنسالم حميش قامة فكرية شامخة …وقد قرأت كثيرا من كتبه بالعربية والفرنسية..
أما العرقيون البربر الذين يكرهونه يثبتون حقارتهم ووضاعتهم
وكلامهم يبعث عل الغثيان