كيف نقنع، بسلاسة؟

كيف نقنع، بسلاسة؟
الجمعة 21 شتنبر 2018 - 18:19

الحلقة الأولى

تقديم

إنك تعيش في بيئة اجتماعية بالغة التعقيد، عليك أن تتعلم سبل التعامل معها، معتمدا طرقا مختصرة وفعالة. عدم استعدادك للتحليل المنطقي لكل شيء يصادفك يجعلك تلجأ إلى أنماط قالَبِيةٍ، نَمَطِية، من السلوك.

روبير سياديني، عالم النفس الأمريكي؛ أفضل من يحدثنا عن سبل الإقناع الأكثر فعالية؛ من خلال كتابه “التأثير-علم نفس الإقناع”.

السلوك الآلي النمطي

“الغالي هو الأجود”: هذا ما نؤمن به ونحن نتسوق. إنها قناعَة نَمَطِية غيرُ صحيحةٍ دائما: حينما لاحظَتْ تاجرةُ المُجوهرات أن قطعا من الفيروز لا يُقبل عليها الزبناء، طلبت من العاملة إنزال ثمنها إلى النصف. فهمت العاملة الأمر معكوسا، فضاعفته.

ذُهلت التاجرة وهي تلاحظ تهافتَ مجموعة من السياح على قطع الفيروز: ليس الغالي هو الأجود دائما.

حتى في عالم الحيوان تُرتكَبُ أخطاءٌ من هذا القبيل: أنثى الدجاج الرومي عدوة شرسة لابن عرس؛ لكنْ ما أن يُوضَع في مجالها مُجَسَّمٌ لهذا المُخاتِل، يَصدرُ عنه صوتُ صغيرِها: “تْشِبْ، تشب” حتى تحضَنه بجناحيها. لقد تَم تضليلُ غريزتِها الآليةِ.

مثلُ هذا التضليل مُعتمدٌ كثيرا، في مجال الترويج التجاري؛ وهو يندرج في ما يسمى “تقنيات المطاوعة”: حمل الزبون على الاقتناع والشراء.

إذا وضعتَ إحدى يديك في إناء به ماءٌ بارد، والأخرى في إناء به ماء ساخن، ثم أخرجتهما ووضعتهما معا في إناء به ماءٌ عادي، فستندهش لأن اليد الأولى تستشعر الحرارةَ،والثانية البرودةَ، بالرغم من أنهما في إناءٍ واحدٍ.

إنه مبدأ التباين، وصوره المعتمدة في مجال التسويق التجاري متعددة:

في مجال العقار، يطوف بك السمسار على المنازل المتهالكة، يعرضُها بثمن مرتفع؛ وحين يصل بك إلى منتهى هدفه تجد نفسك أمام شقة في غاية الأناقة، وتقبل ثمنَها لأنه أقل من الأطلال التي أوهمك بأنها للبيع، وهو يعرف أنك لن تشتريها. هذا استغلال ذكي لمبدأ التباين، الذي يَضغَط على زِرِّ النمطية فيك لِتُوجِّه سلوكَك.

“إن الحضارة تتقدم بتَوسيع عددِ العمليات التي نقوم بها دون أن نُفكر بها” الفيلسوف الإنجليزي ألفريد نورث وارتهيد A.N.WHITEHEAD .

” التبادل” من أقوى أسلحة التأثير :

الوردةُ الفخُّ:

وأنت بمطار واشنطن، يقترب منك عضوٌ من جماعةِ كْرِيشْنا الهندية؛ يُسلمك وردة هدية، تُحاول أن تعيدَها إليه فيُصِرُّ على أنها مجردُ هدية. تدفعك النمَطية المتأصلةُ فيك إلى قَبولِها؛ لحْظتَها فقط يطلبُ منك المساعدةَ. لقد خلق في نفسِك إحساسا بالمديونية يُفقدك دولاراتٍ وأنت راض.

إنها لحظة “تبادل” عَرفت الجماعة كيف تَخلُقها وتوظفها سلاحا “يفتِك” بجيبك.

تَحارُ كيف تُشَغِّل محركَ سيارتك في صباح جليدي، يساعدك جارُك الشاب.. بعد يومين، يأتيك مستعيرا منك السيارة؛ بماذا ترد؟ لا شيء غير تسليمه المفاتيح. مرة أخرى اشتَغل سلاحُ التبادل، مستندا إلى مِنصَّة النمَطية الآلية.

كُلٌّ من الإحْساس بالمديونية وضرورة مبادلة الخدمة بالخدمة يفرضان عليك الالتزامَ والثباتَ عليه، دون إيلاءِ أهمِّية لقُوة العقل.

في المثال المُقدم، لم تَستحضِر كونَ الشابِّ قد يقود السيارة بتَهوُّر؛ لأن إحساسك بالمديونية أقْوى. إن الإصْرار على الاختِباء في حُصون الالتزام والثبات يُجنبنا التصرُّف العاقل في الكثير من المواقف.

في مجال الترويج التجاري لِلعَبِ الأطفال تستغِل الشركاتُ الكبرى التزامَك حينما وعَدت طفلَك بتمكِينه في العيد من اللُّعبة التي يُغري بها الإشهار.

مع اقتراب المناسبة، تُلاحظ قِلَّتَها في السوق. لقد احتفَظَتْ بها الشركة في مخازنها حتى تبيعَ لعَبا أخرى؛ وقد اضْطُرِرتَ إلى اقتنائها. يواصل الابن إصراره على رغبته الأولى، فتُعاودْ زيارةَ المتاجر في آخر يوم يسبق المناسبة. تُصاب بالذُّهول وأنت تلاحظ وجودَ اللعبة بوَفرة فتَقتنيها. لقد وُفِّقَتِ الشركة في استغلالِ ثَباتِكَ على الالتزام إزاءَ عزِيزك .

“إن شبكة المديونية آلية تأقلم فريدة في النوع البشري، فهي تتيح تقسيم العمل، تبادل الأغراض والخدمات المختلفة، مما يجعل ظهور الخبراء ممكنا”.

البُرهان الاجتماعي

أغلبُ الناسِ مقلدون، المبدعون قلة؛ ومن هنا تأثرُّك في اختياراتك، في التجارة والأعمال وغيرهما من المجالات، بسلوكِ الأغلبية. بهذا تُفَعِّل، ما يسميه علمُ نفس الإقناع بـ”البرهان الاجتماعي”.

تتفاجأ في الشارع بشخص مُتمدد على الأرض، لطارئ صحي، وهو، طبعا، بحاجة إلى من يطلُب له الإسعافَ. لا أحدَ يلتفت إليه، لماذا؟ لأن العابرين ما لم يروْا تجَمهُرا قلِقا للناس، يظنون ألا شيء يحتاجُ إلى اهتمام.

إذا تعرضت لمثل هذه التجربة، فخاطب شخصا مُحددا: أنت، يا سيدي، اطلب لي إسعافا. هكذا تجعله يتخلص من قوة البرهان الاجتماعي ويُفَعِّل مبدأَ الالتزام.

هل، حقا، تكون آمنا حينما تكون وسط الحشود؟

لا، لأن البرهان الاجتماعي يُحدث لا مبالاةٍ واسعة بين المشاهدين؛ نتيجة لـ”الجهل التعددي”.

لا أحد يبْدو عليه القلقُ لما يحدُث لأحدهم.. وعليه، فلا داعِي للقلق. يُطل سكان العمارة على ما يقع في الشارع من اعتداء على شابة، ولا أحد يتصل بالأمن. يكتفي الناس بالفرجة، وفي أحسن الأحوال يعتقد كل واحد أن شخْصا ما يكون قد اتصل بالأمن؛ وفي الواقع لا أحد اتصل.

“حيث إن 95% من الناس مقلدون، و5% فقط من الناس مبدعون، يقتنع الناس بأفعال الآخرين أكثر من أي برهان نستطيع أن نقدمه لهم”.

يتبع

‫تعليقات الزوار

5
  • le bien venue
    الجمعة 21 شتنبر 2018 - 18:27

    حاخامات البقرة الحمراء

    «إشكاليتنا اليوم في المجتمع الإسرائيلي أننا نبحث دائماً عن هتلر جديد، ونعتبر كل من يخالفنا متعاوناً مع العدو، مع ضرورة التحذير من بعض الحاخامات الذين يغذون ظاهرة الكراهية لأي مختلف عنا، حتى لو كان من اليهود».

    رشاد ابو داوود

  • حميدو د لحومة
    الجمعة 21 شتنبر 2018 - 18:35

    براڥو دكتور . تحسن جيد ملحوظ على مستوى النمط الكتابي . حبذا لو تابعت بوتيرة اسرع عكس ما تعودناه فيك من كثير تذبذب ، فالزم الموضوع الذي فتحتم بابه عليكم على مصراعيه ، لكن على نفس وتيرة الجودة اللامعهودة فيكم ،، شكرا

  • زينون الرواقي
    الجمعة 21 شتنبر 2018 - 19:14

    أولا لا اعتقد انني سأعير سيارتي لجاري لمجرد انه ساعدني بالأمس لإدارة محركها وإقلاعها فهذا غباء أكثر منه عرفاناً بالجميل .. انه ليس الشعور بالمديونية فقط بل ببيع الوهم والشطارة في تسويقه وهذا أمر تعتمده أذرع الدولة بما فيها تلك التي توهم المواطن الغلبان انها خط الدفاع الأمامي عن مصالحه ومتطلباته .. يتظاهر الجوعى ضد زيادة درهم كانت الذئاب تفترض في خططها بلوغ نصفه فقط فترفع سقف الاعتداء للتحاور بشأن السقف المراد بلوغه فتتدخل الأذرع الخادعة ثم تتظاهر اللوبيات النّهمة بالتراجع فتسقط نصف درهم عن الزيادة المفروضة ليرفع الجوعى شارة النصر وتحمل ذئاب التمثيليات المتواطئة على الأكتاف .. يتبع كذلك ..

  • عييت. لخبار فراسك
    الجمعة 21 شتنبر 2018 - 21:56

    «بلسان عربي مبين»

    ومن أهم أسباب‏ ضعف اللغة العربية عند الطلاب ابتعادهم عن القراءة السليمة للقرآن الكريم وفهم معانيه؛ فإنه مصدر تعلم الفصاحة، والبلاغة العربية.

    اريج السنان

  • متتبع
    السبت 22 شتنبر 2018 - 12:25

    ماجاء به المقال يعزز النظرية السولوكية في الاشهار التي تعتبر الانسان مجرد سلبي ومتكاسل فهو لايعرف رغباتة وحاجياته ولهذا فالمطلوب من الاشهار هو اثارة رغباته وتوجيههانحو منتج معين وبالتالي جعله لايشتري ولايحدد حاجياته الامن خلال الاشهار

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب