التَّعايُشُ مع الفساد

التَّعايُشُ مع الفساد
الجمعة 28 شتنبر 2018 - 14:00

إذا لم يستطع الأطباء إيجاد دواء للقضاء على مرض عضال ينصحون المرضى بأن يتعايشوا معه.

ولكن هل يمكننا التعايش مع الفساد؟

لا يمكن للطبيب أن يعرف نوع الداء ليصف للمريض نوع الدواء إلا بعد القيام بعملية التشخيص والكشف على جسد المريض وجس نبضه، بل حتى إخضاعه للكشف بالصدى وطلب القيام بالتحليلات اللازمة.

ويحترم الأطباء في العالم بأسره، بعد القانون، “قسم أبقراط” بأن ينفذوا قدر قدرتهم واجتهادهم هذا القسم وهذا العهد. وبأن لن يعطوا عقارًا مميتًا لأي إنسان إذا سألهم إياه، وبأن لن يعطوا اقتراحًا بهذا الشأن. وكذلك لن يعطوا لامرأة دواءً مجهضًا، وسوف يمارسون وظيفتهم وفنهم بطهارة وتقوى…

وأيا كانت البيوت التي قد يزورونها، فإنهم سيدخلونها لنفع المريض، على أن يظلوا بعيدين عن جميع أعمال الظلم المتعمَّد، وجميع الإساءات، وبخاصة العلاقات الجنسية سواء مع الإناث أو مع الذكور، أحرارًا كانوا أو عبيدًا. وسوف يظلون حريصين على منع أنفسهم من الكلام في الأمور المخجلة، التي قد يرونها أو يسمعونها أثناء فترة المعالجة وحتى بعيدًا عن المعالجة فيما يتعلق بحياة الناس، والتي لا يجوز لأحد أن ينشرها.

فإذا ما وفيت بهذا القسم، يقول أبقراط، ولم أحِدْ عنه، يحق لي حينئذ أن أهنأ بالحياة وبالفن الذي شَرُفت بالاشتهار به بين جميع الناس في جميع الأوقات؛ وإذا ما خالفت القسم وأقسمت كاذبًا، فيجب أن يكون عكس هذا نصيبي وجزائي.

وفي عالم السياسة، هل يحق للساسة والسياسيين أن يقسموا على محاربة الفساد وخدمة الصالح العام والتضحية من أجل إسعاد غيرهم من الشعب؟

إن عقيدتهم هي السلب والنهب، وإن من أقسموا بأغلظ الأيمان أيام الحملات الانتخابية، فقد أقسموا بأن يخدموا مصالحهم الشخصية، وتضخيم أرصدتهم البنكية واسترجاع ما أنفقوا من أموال على موائد الإطعام والإفطار والإشهار السياسي، من أموال الدولة وتعويضاتها وريعها، والترافع في البرلمان على شق الطرق وفك العزلة على ضيعاتهم وكهربتها وتزويدها بالماء الصالح للشرب، وفي الوقت نفسه معارضة أي إصلاح حقيقي عميق من شأنه القضاء عن الفساد وبنيته في الدولة والمجتمع.

إن قضية التعايش مع الفساد لا تهم فقط من يستفيدون منه ماديا أو معنويا، ولكن تهمنا حتى نحن المتفرجين على المشهد السياسي الفاسد، فحين يفشل المجتمع في الثورة على الفساد ومظاهره يصبح متعايشا معه، وهكذا يقبل العمال في المصنع عطايا رب العمل بمناسبة الأعياد وبعض المناسبات كنوع من الرشوة خارج المجهود العضلي وساعات العمل القانونية ويبررون هذا بالحق، كما أن القبول بالعمل بالساعات الإضافية خارج أوقات العمل مثلا يساهم في الفساد لأن فيها حرمان لجيوش العاطلين من فرصة للعمل.

بل حتى موظفي الدولة حين يقبلون بأنصاف الحلول ويتفاوضون متفرقين يستقوي عليهم الفساد ويستهزئ بمطالبهم “الخبزبية” لأنهم يطالبون فقط بالزيادة في الأجور أو بمنح خارج الأجرة الشهرية للاستفادة من مال منظومة الفساد، وليس الدفاع عن العدالة الاجتماعية.

‫تعليقات الزوار

6
  • توت
    الجمعة 28 شتنبر 2018 - 15:13

    نحو فلسفة مغايرة

    أي باعتباره استراتيجية تفكيكية مزدوجة، للذات وللآخر، للكائن العربي، والكائن الغربي، من خلال خلخلة وتقويض الميتافيزيقا الغربية (والتمركز على الذات) من جهة وللميتافيزيقا (والثيولوجيا) العربية من جهة ثانية.

    عثمان لكعشمي

  • Peace
    الجمعة 28 شتنبر 2018 - 17:05

    العدالة الاجتماعية مجال متشعب و مرتبط بتخصصات عدة الاقتصاد و تسيير المقاولات و الادارة و القانون و علم الاجتماع. و له ايضا كلفة بالنسبة للافراد و الجماعات و ليس صدقة من الدولة كما يضن البعض و لكن الدولة تعيد توزيع وارداتها من جديد على الطبقات المعوزة و تضع لذلك قوانين محددة و تراجع هذه القوانين باستمرار لتطوير نمودج الاقتصاد الاجتماعي الذي وضعته.

    ناخذ مثال في تسيير المقاولات, العامل له حقوق وواجبات, لكن يجب التعامل معها بشكل مرن لانك تتعامل مع انسان اي انسنة العلاقة بين المشغل و المستخدم. مثلا يجب دراسة دقيقة لعدد العمال الذين احتاج اليهم باستمرار لكي لا اجهد العمال بالساعات الاضافية و لذلك يجب وضع قانون للشغل يحدد الحد الاقصى للساعات الاضافية التي يمكن للمشغل مطالبة العامل بها في الاسبوع و لا يجب تجاوزها. و غيرها من الامور الكثيرة جدا سواء داخل مقاولة او في المجتمع.

  • الرياحي
    الجمعة 28 شتنبر 2018 - 21:02

    التعايش مع الفساد وهم وسراب تورط المتعايش في االجريم إلى أذنيه.الفساد ياسيدي إن لم تقتله قتلك .وحكومتنا ليس لها ذيل بداية بصيص فُكيْرة محاربته ولو في الحلم وكيف تحاربه وهي فاسدة أصلا حتى النخاع إذ كلهم قابلون بريع الإستوزار أو غيره من أنواع الريع العديدة العجيبة اللتي يشيب لها الغربان.وما الريع يا أهلي إلا فساد ورشوة وحكرة ونذالة وعنصرية وضرب كل مبادئ المساواة.الفساد والحكومة برمتها وكل أبوها إخوان بالرضاعة مع الفساد وإليه ترجع في كل حين .كل الحكومات المعاقبة وقعت هدنة أبدية مع الفساد وحسن الجوار أما الأخوة فهي تبابثة تجمعهم كلهم البزولة الفائضة عطفا وحنانا تسهر على أرصدتهم البنكية.ستبتدأ الحرب ضد الفساد لما تأتي حكومة متمردة تقول للفساد خد ريعك وأرحل ودون ذلك ومرة أخرى شعر و"فانتازم"
    حالة يقولون عنها أسيادنا المغاربة "خارج مايل من الخيمة"

  • مهتم
    السبت 29 شتنبر 2018 - 00:36

    من الصعب التعايش مع الفساد، لانه هو السبب في فشل التنمية

  • زينون الرواقي
    السبت 29 شتنبر 2018 - 09:03

    مجتمعنا ينقسم الى فئتين : الاولى وجدت ثغرة للنفاذ الى ضرع الدولة والاستمتاع بما يجود به بلا حدود وهي لا ترى في ذلك فساداً الا متى كانت خارج دائرة المستفيدين .. وفئة سدت في وجهها الأبواب فترى من ضمن الأسباب التي تحول دون تمكنها من الضرع استشراء الفساد اي ان الفساد يمنعها من التمتع بالفساد .. الفئة الاولى لا يمكن ان تعود الى النقاء والعذرية بينما الفئة الثانية قد تفقد عذريتها الاخلاقية وتنقلب 180 درجة بمجرد تمكنها من فرصة الالتحاق بمن تنتقدهم من الفاسدين وهو ما يصطلح على وصفه بمراجعة الذات والتخلي عن سخونية الراس وغير ذلك من التوصيفات التي تتغير حسب الظروف وحسب ما تقتضيه الطبيعة الحربائية للكائن المغربي ولنا تجارب مع الكثيرين ممن كانوا غيفارات زمانهم ايام الزلط قبل ان ينقلبوا أنبياء ورسل للفساد والريع والسلب والنهب والسلطوية والتسلط …

  • العقل السليم في ...
    السبت 29 شتنبر 2018 - 15:22

    … في الجسم السليم.والعكس صحيح.
    فلولا محاربة الانسان للامراض الفتاكة بالعقل لبقيت الأوبئة تحصد ملايين الارواح.
    وكذلك الامراض الاجتماعية يجب محاربتها بعد الكشف العلمي الصحيح عن اسبابها.
    هناك عدة وسائل لمحاربة الفساد الاداري اولها توعية الناس بحقوقهم.
    فلولا وجود الراشي ما كان هناك مرتشي.
    فحين يصطف الناس لقضاء حاجة ما في الادارة وياتي منعجرف ولا يحترم الصف فيردعه ذوي الاسبقية بالاحتجاج فانه لن يكرر ذلك مرة اخرى.
    محاربة الفساد تكون من المجتمع وليس من الحكومة.
    حين يحترم القوي الضعيف ويحترم الجار جاره ويحتزم الصغار الكبار ويقوم المدرس والطبيب والقاضي بواحبه ، انذاك يمكن محاربة الفساد.
    اما حين يمارس كل مسؤول الفساد كان يستهتر الاب او الام بواجباتهما تجاه ابناءهما او يهمل الزوج روجته فتلك ايضا سلوكات فاسدة.

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49 74

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 67

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 4

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة