"المجتمع المدني" المُفْتَرىَ عليه بالمغرب

"المجتمع المدني" المُفْتَرىَ عليه بالمغرب
السبت 6 أكتوبر 2018 - 06:44

في المغرب ظاهرة خطيرة هي تداول مجموعة من المفاهيم وترديدها والتسويق لها دون تحديد دلالتها وأبعادها.

في هذا الإطار، نميز بين مجموعة من المفاهيم الوافدة على المغرب من الشرق والغرب، كالقومية والسلفية والوهابية والماركسية والليبرالية، وبين مجموعة من المفاهيم التي يصنعها النظام ويروج لها بنفسه عبر الخطاب الرسمي، كالمفهوم الجديد للسلطة.

ومن بين المفاهيم الغربية الأكثر استهلاكا اليوم في الساحة الوطنية مفهوم “المجتمع المدني”، حيث أصبح الجميع يتحدث عن “المجتمع المدني” وبأنه جزء لا يتجزأ منه، وهو غير واع بالمفهوم وأصوله وأدواره التاريخية.

وبالرجوع إلى الكتابات التأصيلية في هذا الباب، وبالخصوص كتابات “أنطونيو غرامشي” (Les cahiers de prisons)، ليشعر المرء بالخجل حين يرى ويسمع تشدق وتطاول بعض الانتهازيين وتعسفهم في استعمال مفهوم “المجتمع المدني” بالمغرب كشعار لتحقيق مآربهم الشخصية في تقرب فاضح من السلطة السياسية، في حين إن فكرة المجتمع المدني في صيرورتها التاريخية تعني خدمة الصالح العام من خلال أعمال تطوعية وباستقلالية تامة عن السلطة السياسية.

وفي هذا الباب، نشير كذلك إلى الكتاب القَيّم والمؤسس تحت عنوان “المجتمع المدني–التاريخ النقدي للفكرة”، للكاتب “جون إهرنبرغ “، ترجمة: علي حاكم صالح وحسن ناظم، (الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، سنة 2008)، وفيه متابعة نظرية تحليلية لتاريخ مفهوم المجتمع المدني ولتأثيراته في الفكر السياسي الغربي خلال ألفين ونصف الألف من السنين، منذ أرسطو، مروراً بفلاسفة عصر التنوير وماركس، وتوكفيل.

إنّ المؤلف يعرض فيه ما يمكن لهذا المفهوم، ذي الأهمية المتزايدة، أن يقدمه للشؤون السياسية المعاصرة، كما يعرض فيه حدود هذا الإمكان، وذلك في تحليل متين، يلقي الضوء، قوياً، على تطوّر مفهوم المجتمع المدني.

إنّ إهرنبرغ يضع أشكال فهم المجتمع المدني في سياق العلاقات المتغيّرة، تاريخياً، بين الدولة والاقتصاد والمجتمع، وبذلك يساعد على فهم نواحي الغموض والتناقضات التي تحوِّل هذا المصطلح إلى لغز.

وللإشارة فجون إهرنبرغ هو أستاذ العلوم السياسية في جامعة لونغ آيلند في أمريكا، ناشط في الحقوق المدنية ومناهضة الحروب، له كتابات كثيرة في الماركسية والفكر الديمقراطي وتاريخ النظرية السياسية.

ومن هذا المنبر، أضم صوتي الى أصوات الباحثين المغاربة الرافضين لتمييع مفهوم المجتمع المدني وبلقنة المشهد المجتمعي، حيث سعى النظام بعد إفراغ الأحزاب السياسية من محتواها وتمريغ تاريخها النضالي إلى تفريخ أكثر من 130.000 جمعية سنة 2016، حسب تقرير رسمي.

وأمام هذا الفائض من الجمعيات، هل نحن أحسن من فرنسا، على حد تعبير مسؤول حكومي مغربي، التي لا يتجاوز عدد الجمعيات بها 1749 جمعية سنة 2012؟

(كتاب: المجتمع المدني – التاريخ النقدي للفكرة، قابل للتحميل بصيغة PDF).

‫تعليقات الزوار

4
  • Peace
    السبت 6 أكتوبر 2018 - 09:02

    و فعلا اتفق معك استاذ, هناك الكثير ما يقال في هذا الباب, لذلك ساقتصر على الحلول العملية.

    اولا يجب لتركيز على الشخصيات الاوائل من المجتمع المدني, التي ناضلت فعلا من اجل الشعب و من اجل مبادئها و مشاعره الانسانية, بدون استعمال اية مرجعية اديولوجية او انتهازية, لانها هي بنفسها انبتقت من الشعب. مثلا السيدة عائشة الشنا, التي يمكن اخذها كمثال, باعتبارها ام المجتمع المدني في المغرب.

    في غالب الاحيان يبدا انسان ما عمل معين بنزاهة و عندما تريد الدولة تحفيز هذه الاعمال بالدعم المالي, ينبتون انتهازيين كالفطر من كل مكان و يستولون على كل شيء و يهمشون النزاء, اذن اذا ارادت الدولة تقديم دعم مالي او معنوي, خاصها تعرف لمن و معامن تشتغل, و ماشي تطلق كل شيء على عواهنه. الدولة كانت ها نية حسنة و لا تريد التمييز بين المواطنين, لكي لا يتم اتهامها بالزبونية و المحسوبية. و النتيجة هي تكوين الاف الجمعيات التي تدافع عن حقوق المراة و حقوق الانسان تتلقى الدعم من الدولة بدون فائدة تذكر, او بنتيجة ربما في بعض الاحيان عكسية…

  • الرياحي
    السبت 6 أكتوبر 2018 - 09:19

    حسب التوضيحات اللتي أتى بها الأستاذ عبد الرحمان شحشي مشكورا وفهمي للمجتمع المدني فكل هذا كان ولا زال موجود عندنا مند أكثر من ألف سنة يشرف عليه المحسنون وعلى سبيل المثال وفي عز قوتهم أحدث المسلمون عدة أوقاف أبرزها
    وقف الجزار
    وقف الإناء المكسورة
    وقف الكلاب الضالة
    وقف الخيل المسنة
    وقف الطيور المريضة
    وقف التكايا : تأكل تشرب تنام l’équivalent de l'armée du salut
    وقف حق المريض
    وقف التواشيح
    وقف الذهب لتزويج الفقيرات
    etc etc etc

  • عين طير
    السبت 6 أكتوبر 2018 - 12:40

    يشهد الواقع المغربي على أن المجتمع المدني ليس شيئا أكثر من جمعيات انتهازية، معظمها يطمح إلى كسب صفة المنفعة العامة، والصفة تعني هنا التمويل من المال العام لقاء … يجري الكلام في المقاهي عن خزان للانتخابات … ويتحدثون عن مآرب أخرى : جمعية "مول الدارجة" نموذجا.

    كنت عضوا شرفيا في إحدى الجمعيات شهدت تأسيسها، ورفضت أن أكون عضوا فيها فشرفت عضوا شرفيا زهدت فيه أيضا، فالإنتماء تحت أي صفة كانت يعني تقييد الحريات بما فيها حرية الرأي والتعبير، وهو أمر لا أطيقه، فحيث أوجد تتململ الأشياء طوعا أو كرها، فأغدو غير مرغوب في، ولقد استغربت من سعيهم إلى التقرب من السلطة، ومن استرزاق رئيسها باسمها، وكان يكن لي احتراما صادقا، وانتهى بي الأمر أن انصرفت أبيا غير محدث ضجيجا، فانحلت من ورائي، فلم تعد.

  • massinissa
    السبت 6 أكتوبر 2018 - 12:56

    أصبح موضوع الساعة هو هل المغرب أحسن من كندا أو لا، العثماني بهذا التصريح خلق نوعا من البلبلة وقد نجح في ذلك.

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة