قُطّاع في قِطَاع الأعمال

قُطّاع في قِطَاع الأعمال
الخميس 11 أكتوبر 2018 - 22:01

لاشك أن المبدأ في الأعمال منذ العصور القديمة هو الثقة، إذ كانت البدايات الأولى للتجارة عبر المقايضة ترتكز بالأساس على التوافق. بهذه الطريقة أسست البشرية منذ الوهلة الأولى لمفهوم القيمة التجارية، فحددت قيمة الملح مقابل الحبوب بمبدأ وحيد ألا وهو مبدأ الوضوح والتوافق بين الأطراف في عملية البيع والشراء. بظهور الذهب بدأت تطفو على السطح ظواهر جديدة كالاحتكار، مثلا، لتدخل الثقة في بدايات أزماتها. أصبحت السلعة النادرة هي ذات القيمة المرتفعة. بهذا الشكل أخذت قلة الأشياء تحدد ثمنها، فأصبح التاجر يفتعل الندرة من أجل توسيع هامش الربح، وبدأت أولى بوادر الانتهازية تطفو على السطح.

أما مع حلول عصر الأوراق المالية فأزمة الثقة أخذت أبعادا أخرى وتعمقت بشكل فاضح، حيث أصبحت الانتهازية مبدأ في الأعمال بحد ذاته، ودخل عهد قُطَّاع الأعمال من بابه الواسع.

بدأنا للأسف نلاحظ ظواهر تخل بمبدأ بَنَتْ عليه البشرية وجودها، فأصبح المستثمر لا يثق بسوقه، والزبون لا يثق بالمنتوج المعروض عليه، وأصبح المخيف فعلا في هذه العلاقة أن الكل يتصيد الفرصة للقضاء على الآخر، أو بالأحرى يبحث عن أي وسيلة للسيطرة عليه، وطفت على السطح فئة جديدة أَطْلِقُ عليها لقب قُطَّاع الأعمال، هذه المجموعة التي لا همّ لها إلا أن تسود وتسيطر على كل ما يدر مدخولا، فالمستثمر النزيه، اليوم، كالمسافر في صحاري الزمن الغابر يُخْرج رأسماله إلى سوق من واجبات ولوجه الحيطة والحذر من كل شيء، فإما أن ينجو برأس ماله، وإما أن يقع في مخالب القُطَّاع الاستغلاليين الذين يلقون به في مستنقع المفلسين.

وللأسف الشديد، أصبح مغربنا ملجأ لقُطَّاع من هذا القبيل، تسببوا في تدمير عملائهم وجعلوا المستثمر الأجنبي يفر من صحراء يسود فيها مبدأ البقاء للأقوى، أو بالأحرى لقُطَّاع القِطَاع. أما المستثمر المحلي البسيط فيئن من وطأة الديون التي تعتبر أحد أسلحة قطع الطريق. وقد أصبحوا يتسابقون للظفر بالقرار السياسي والسلطة ليتسلحوا بما يحتاجون إليه من عتاد من أجل غزواتهم.

دخل عصر العولمة ليعلن بداية المعارك التجارية الضارية التي تستعمل فيها كل الوسائل وبلا حدود، فذابت الأخلاق وانقرضت الثقة التي هي التعريف السامي لعملية البيع والشراء. بدأت حروب تجارية دولية تقودها قوى عظمى، وحروب محلية تتسيدها لوبيات استولت على دواليب السياسة والسلطة.

والخاسر في كل هذا هو أنا وأنت، نحن المستهلك المنهزم على كل الأصعدة، من جهة لأننا سوقهم، ومن جهة أخرى لأننا أداة الإنتاج، وبالتالي سلاحهم.

فُقِدت الثقة في الأعمال، طالت الأزمة العلاقة الأزلية التي جمعت إلى الأمس القريب بين من صَنَّع، من وزع ومن استهلك.

لم يجد المستهلك سبيلا في هذه الحرب الضروس، وهو الحلقة الأضعف في السلسلة، إلا ما قام به الأولون من طينة غاندي لصد الاستبداد كإشهار سلاح المقاطعة.

سار كل واحد يشتق اسمه من فعل قَطَعَ وبالطريقة التي تخدم مصالحه، فهناك من قَاطَعَ وهناك من دخل فئة القُطَّاع.

فكيف لك يا بلدي أن تسلم من ويلات قُطَّاع القِطَاع الذين يعيثون فسادا في الأرض ولا يصلحون.

‫تعليقات الزوار

4
  • Peace
    الجمعة 12 أكتوبر 2018 - 07:09

    "بظهور الذهب بدأت تطفو على السطح ظواهر جديدة كالاحتكار، مثلا، لتدخل الثقة في بدايات أزماتها."

    اولا الاحتكار لم يبدا باكتشاف الذهب, و انما ببداية التخزين stockage و هذا الاخير بدا باكتشاف الزراعة و تربية الاغنام و الابقار او الحوانات الاسطبلية بصفة عامة كالدجاج و الخيول و الحمير ووو مما ادى الى استقرار الانسان و خروجه من مرحلة التنقل للبحث عن القوت من بذور و اوراق و جذور و نباتاث و للصيد. و يقال ان المراة هي ن اكتشفت الزراعة و تربية لحيوانات, لان الرجل كان يخرج للصيد و هي تبقى في الكهف او بعد ذلك بيوت من جدوع الاشجار و النخيل او الاحجار و غيرها من البيوت البدائية, التي تختلف من منطقة الى اخرى حسب حسب المواد الطبيعية المتوفرة في تلك المنطقة, مثلا في القطب الشمالي يستعملو الثلوج لبناء البيت, لانه لا توجد اية مادة اخرى و الصحاري يستعملون جلود الحيوانات لصنع خيمة, لانه لا يمكن بناء بيت او قصور من رمال كما يقال ههههه فتبقى المراة مع الاطفال, الى ان اكتشفت عبر مراقبة نبات البدور اليابسة المتناثرة هنا و هناك و ان بعض الحياوانات كالحمام او معز او كذا تبقى معها اذا وجدت الكلئ و تعود كل مرة.

  • Peace
    الجمعة 12 أكتوبر 2018 - 07:37

    عندما بدا الاحتكار باكتشاف التخزين, بدا الناس يجمعون الثروات و بدا لمجتمع الانساني ينقسم الى غني و فقير و تكون الطبقات الاجتماعية و هذه مسالة حتمية, فبدا الانسان بدل ماجهة الطبيعة و الحيوانات المفترسة و الصيد ب الاسلحة التي صنعها لهذا الغرض, يستعملها في الحروب و الغزوات للسطو على الممتلكات المخزبة و البيوت و الاراضي و النساء و الخدم او العبيد و الحيوانات. يعني بدا الصراع حول لثروات و الممتلكات و السلطة, التي تكون لدى من يمتلك هذه "الاشياء" لان النساء و العبيد او الخدم تم تصنيفهم كثروة لانهم ينتجون الاطفال و يقدمون خدمات. فتهجم قبيلة على قبيلة اخرى و يتم السطو على الممتلكات و النساء و الخدم و الاطفال ليصبحوا بدورهم خدم مستقبلا لدى القبيلة التي سطت. فبدات كل قبيلة او مجموعة من القبائل تطور اسلحتها و جنودها و حصونها و لو ام تكن هناك ثقة و لا معملات جيدة في التجارة و غيرها الا داخل تلك المجموعات, الا من رحم ربك. و كان الله يبعث الانبياء و الرسل و الصالحين لانذارهم او تبشيرهم من السماء مباشرة عبر الملائكة, لان الانسان بطبعه غالبا ميؤوس منه, بسبب طمعه و شجعه و حبه للمال و البنين و السلطة.

  • Peace
    الجمعة 12 أكتوبر 2018 - 07:59

    لكي لا اطيل عليكم في سرد تاريخ البشرية, فان الانسان استعمل ايضا الاديولوجيا في التحكم, فاخترعت كل قبيلة او مجموعة من القبائل الاها خاصا تعبده للتميز به عن الاخرين و تدعي بان الاهها احسن و اعظم من الالهة الاخرين و لذلك فان بعض الناس احسن من الاخرين و لذلك يجب ان يكونوا اسيادا و الاخرين عبيدا لهم. لذلك ارسل الله لانبياء و الرسل بالبراهين و المعجزات لاقناع لناس, بان هذا افتاء على الله و ان الاههم واحد و الناس سواسية و ان اخلاقهم و اعمالهم الصالحة الفاسدة هي ترفع او تخفض دراجتهم عند الله و ليس الهتهم المبتكرة و المزيفة و لا اموالهم و لا اولادهم.
    لذلك اشترط الله على الناس قول لا الاه الا لله و فعل الخيرات و الاعمال لصالحة و الايمان بان هناك عقاب او جزاء في الاخرة للدخول الى الجنة و ان الدنيا ليست عبثا, يفعلون فيها ما يشاؤون و ربما ياتيهم بعض الجزاء او العقاب في لدنيا قبل الاخرة ان لم ينتهوا عن اعمالهم الاجرامية و افتراءاتهم على الناس و حتى على الله بذاته.

  • Peace
    الجمعة 12 أكتوبر 2018 - 08:22

    الله سبحانه و تعالى لم يقتصر على تعليم الناس الاديولوجيا الصحيحة, ما يسمى عند فقهاء الدين بالعقيدة, و تعليمهم القيم الانسانية و الروحية و و المعاملات الاخلاقية la morale و انما العلم الدنوي ايضا لترسيخ هذه المبادئ او كدليل قاطع على الوهيته و وحدانيته و بانه يهيمن على كل شيء بما في ذلك العلم الدنيوي.
    مثلا
    " وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37) هود او "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ.. (282)البقرة

    للرجوع الى موضوع "الثقة"

    كما يقول المثل الالماني: " الثقة جيدة و لكن المراقبة احسن" او كما يقول المغاربة " الحساب صابون" لذلك يجب توثيق العهود و الاتفاقيات و الوصايا ووو

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 4

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال