نظام فدرالي بديل عن الانفصال

نظام فدرالي بديل عن الانفصال
الثلاثاء 16 أكتوبر 2018 - 02:11

في الحروب والصراعات الإستراتيجية والمصيرية قد يكون من الصعب على طرف من طرفي الصراع الانتصار على خصمه عسكريا فقط، فأحيانا يكون الحسم العسكري صعبا لاعتبارات عسكرية أو دولية أو إنسانية أو لطبيعة الصراع، حيث لا يمكن لطرف أن يلغي وجود الطرف الثاني، ولكن يمكن للعدو أن يقلص الخيارات أمام خصمه ويجعله في وضعية لا يمكنه معها إلا الخضوع لإرادته ومسايرة الوضع القائم الذي يخدمه، وهذا هو الحال في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي .

تقليص الخيارات أو انعدامها أمام النخب السياسية الفلسطينية الحاكمة في الضفة وغزة، أو إيصالها إلى قناعة بعدم وجود بدائل وخيارات، لا يعود فقط إلى قوة إسرائيل، بل لفشل هذه النخب والافتقار إلى روح الإبداع الثوري أو لتواطئها مع العدو لوجود مصالح مشتركة غير معلنة.

تُروج هذه النخب أنه لا توجد بدائل وتبرر استسلامها ومجاراتها للوضع القائم الذي صنعته إسرائيل بخطاب الواقعية السياسية أو المرحلية السياسية والتكتيك والمناورة، أو لاعتبارات إنسانية أو الحاجة إلى التمكين الخ، أو تستمر في خطابها المتشدد الذي يتحدث عن التمسك بالثوابت الوطنية وخيار المقاومة ورفض مشاريع تصفية القضية الوطنية الخ، بينما سلوكها على أرض الواقع يصب في طاحونة المخططات المطروحة، كصفقة القرن ودولة غزة .

طرفا المعادلة الفلسطينية غير صادقين تماما في الزعم بغياب البدائل أو تبرير فشلهم وعجزهم بالقول إنهم جربوا التسوية السياسية وإسرائيل أفشلت التسوية كما تقول قيادة منظمة التحرير، أو جربوا المقاومة المسلحة ووصلوا إلى قناعة بعدم جدوى محاربة إسرائيل والانتصار عليها كما تصرح قيادات حماس في الآونة الأخيرة .

صحيح أن إسرائيل لا تريد سلاما يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة، وصحيح أنه لا يمكن الانتصار على إسرائيل من خلال المقاومة العسكرية الفصائلية والموسمية، ولكن صحيح أيضا أن خللا صاحب النهج التفاوضي لمنظمة التحرير، كما صاحب نهج المقاومة بالطريقة الحمساوية. وكون إسرائيل لا تريد سلاما عادلا وأنها متفوقة عسكريا لا يبرر هذا الاستسلام للأمر الواقع، وخصوصا الانقسام ومسايرة صفقة القرن .

الخطاب الذي نسمعه في الآونة الأخيرة من طرفي المعادلة الفلسطينية خطاب بائس ومزر ويشف عن حالة تواطؤ؛ كما أنه خطاب مشفوع بممارسات تصب كلها في خدمة صفقة القرن وصناعة دولة غزة .

أن تتوقف حوارات المصالحة وتقطع حركة حماس مع منظمة التحرير ومع الرئيس أبو مازن وتشن هجوما لا هوادة فيه على الرئيس وحركة فتح في الوقت نفسه، فهي ترسل رسائل عن استعدادها لوقف المقاومة والتفاوض مع إسرائيل؛ بل وتتوقف المقاومة بالفعل وتجري عملية تنسيق مع قطر وميلادينوف ممثل الأمم وإسرائيل وواشنطن للتعامل مع غزة ككيان سياسي منفصل عن الضفة وعن السلطة الفلسطينية الخ؛ وهذا معناه التماشي مع صفقة القرن. وأن يُعلن الرئيس أبو مازن خطوات عقابية قادمة تجاه غزة تضاف إلى الإجراءات السابقة التي ثبت أنها أضعفت التيار الوطني في القطاع ولم تؤثر على سلطة حماس وأنصارها في غزة، بل وظفتها لصالحها بدعم ومباركة من أطراف خارجية؛ فهذا معناه دفع غزة نحو الانفصال والتماشي مع صفقة القرن أو المساعدة ولو بطريقة غير مباشرة على تنفيذها .

وعودا على بدء، يبدو أن إسرائيل نجحت في حصار طرفي المعادلة الفلسطينية، ودفعهما نحو خيارها، وهو الانفصال بين غزة والضفة، وتحميل حركتي حماس وفتح المسؤولية عما يجري من خلال خطاب كل من الحركتين، إذ يتهم كل طرف الآخر بالمسؤولية عن الانقسام وفشل المصالحة. كما نجحت إسرائيل في توليد قناعة عند نخب الحركتين، وروجوها عند الشعب، مفادها غياب البدائل؛ الأمر الذي أدى إلى تفشي حالة شعبية من الإحباط واليأس والاستعداد للتعاطي مع أي مشاريع إسرائيلية وأمريكية وعربية، حتى وإن كانت متعارضة مع المصلحة الوطنية العليا .

فهل صحيح ألا بديل عن الانقسام والانفصال؟ وهل صحيح أن المقاومة فاشلة وغير مجدية؟ .

بالنسبة للأحزاب، ولاسيما حركتا فتح وحماس، والنخب السياسية، قد يقولون بعدم وجود بديل، وإن قالوا بوجوده فما هي إلا شعارات وحديث التمسك بالثوابت أو المطالبة بالعودة إلى حوارات المصالحة العقيمة، أو التهديد بمسيرات عودة على حدود غزة؛ وقد رأينا كيف تم إخراجها عن سياقها وتوظيفها بما يعزز الانقسام ويدفع الأمور نحو الانفصال؛ وهم إذ يدعون غياب البدائل فما ذلك إلا ليحافظوا على مصالحهم واستمرارهم في مواقعهم .

لو تم تحكيم العقل وحساب الأمور بالحساب الوطني وليس الحزبي، وفي إطار الواقعية السياسية الوطنية وليس الواقعية الاستسلامية والانهزامية، وحتى لا تنزلق الأمور إلى كيانين فلسطينيين متعاديين مع بعضهما البعض، وكلاهما متعارض، بل ومهدِد للمشروع الوطني؛ وقد يقتصر الأمر على دولة في غزة ستكون مقبرة للوطنية الفلسطينية وساحة صراع مفتوح حول من يحكم!!!، فإن المصلحة الوطنية تحتم التفكير في حلول إبداعية تقطع الطريق على دولة غزة التي ستكون مقابل التخلي عن الضفة والقدس وحق المقاومة، وتقطع الطريق على الذين يتذرعون بالفصل الجغرافي بين غزة والضفة واختلاف الخصوصيات لتكريس الانفصال التام؛ وذلك من خلال نظام أو دولة فلسطين الاتحادية حاليا بين الضفة وغزة .

وقبل توضيح معنى الفدرالية، نذكر بأن حوالي 33 من دول العالم دول فدرالية، كالهند وسويسرا وألمانيا والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية الخ، ونظامها الفدرالي لا يتعارض مع وحدة الأرض والشعب، بل يعززهما من خلال منح بعض الصلاحيات للولايات لإدارة أمورها المحلية .

فلسطين الفدرالية ليس لشرعنة الانقسام السياسي، بل تأتي ردا على مخطط إسرائيل ومن يتواطأ معها لفصل غزة عن الضفة وتدمير المشروع الوطني، كما أنها تحافظ على تواصل ووحدة الشعب الفلسطيني .

النظام الفدرالي يعني التعايش والترابط الوطني بين أبناء الشعب الواحد، في ظل وجود تباينات فرضتها الجغرافيا أو التاريخ أو الثقافة. وفي الدولة الفدرالية يتم منح الأقاليم صلاحيات لتدبير الشأن المحلي، بما يتناسب مع ظروفها وخصوصيتها؛ ولكن تحت إشراف ومراقبة الحكومة المركزية، وبما لا يتعارض مع دستور الدولة الملزم للجميع .

وفي النظام الفدرالي أو الاتحادي لا يجوز لأي إقليم بشكل منفرد إعلان الحرب أو توقيع اتفاقات سلام أو أي تعاقدات ومعاهدات خارجية، وليس له حق التمثيل الدبلوماسي المستقل وليس له حق الانفصال أو الاستقلال عن الدولة المركزية إلا من خلال استفتاء شعبي عام منصوص عليه بالدستور .

عندما يرفض الجميع مؤامرة دولة غزة، وعندما تتولد قناعة باستحالة خيار الدولة الواحدة على كامل فلسطين التاريخية، وعندما يصبح خيار حل الدولتين بمعنى قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة مقابل دولة إسرائيل، فما الذي يمنع التفكير في الفدرالية بين غزة والضفة، بحيث تكون هناك حكومة وحدة وطنية محلية في قطاع غزة وحكومة وحدة وطنية محلية في الضفة، وللحكومتين مرجعية مركزية قد تكون منظمة التحرير الفلسطينية بعد تفعيلها وانضواء الجميع فيها، أو مجلس تشريعي بعد إجراء الانتخابات؛ كما يكون لها رئيس واحد ودستور واحد .

هذا تفكير إستراتيجي ربما لا ترغب فيه النخب السياسية المستفيدة من الوضع القائم وغير المهيأة للتفكر خارج الصندوق. كما قد يقول قائل إننا لسنا دولة حتى تكون فدرالية. من المؤكد أننا لسنا دولة ذات سيادة، ولكن هناك اعتراف دولي بفلسطين كدولة مراقب بالأمم المتحدة، وهناك سفارات وممثليات خارجية، وهناك حكومتان وسلطتان في الضفة وغزة، وهناك دستور أو قانون أساسي، وقد سبق أن أجريت انتخابات رئاسية وتشريعية وجرى تعديل القانون الأساسي عام 2003؛ لذا وفي ظل هذه المعطيات يمكن التعامل مع الفدرالية كدولة أو نظام، مع تحويرات تناسب الخصوصية الفلسطينية .

نتمنى من كل المفكرين والمثقفين والحقوقيين والوطنيين عموما التفكير في هذا الحل الذي قد يحافظ على شعرة معاوية ما بين الضفة وغزة. وإن لم يحدث ذلك فدويلة غزة المسخ ستقوم قريبا، مع ما سيصاحب قيامها من صدامات وربما حرب أهلية ونهاية فكرة الدولة المستقلة في غزة والضفة وعاصمتها القدس .

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب