هل هما أكثر من خطيبتين؟

هل هما أكثر من خطيبتين؟
الثلاثاء 16 أكتوبر 2018 - 19:00

هناك الكثير من التكلف والصناعة والإسقاط في الربط بين ما جرى للوزير المغربي يتيم وللإعلامي السعودي جمال خاشقجي؛ فما يفرق ويفصم بين حالتيهما هو بالتأكيد أكثر مما يجمع ويؤلف بينهما.

أحده الرجلين حي يرزق، تجوب صوره مع خطيبته أروقة التواصل الاجتماعي على الهواتف النقالة للمغاربة أجمعين، يظهر لهم منتشيا بسكرة الحب متنعما بعودة الشباب ولم لا برجوع سنين المراهقة السعيدة، وقد تحول إلى مادة للسخرية والتنكيت وإلى صور لا تنتهي للفوطوشوب التي يبدع فيها مناوئوه ومناصروه على السواء؛ الأولون للتعبير عن صدمتهم فيه بعدما بدا لهم تنكره للمبادئ التي كانت سبب وجوده وزيرا عليهم، والآخرون لإظهار إعجابهم به وبتقليعة سلوكه الجديد الأقرب إلى العلمانية منها إلى الإسلامية؛ وذلك بعدما قرر أخيرا أن ينتقم لقسوة المنهج وشظف النضال (البالي)، المرهق، فأناخ للحداثة، ثم اعتنقها، ولم يلبث سوى ردح قصير من الزمن لتحسن حداثته.

والرجل الآخر مختف منذ أكثر من أسبوعين، لا يعرف إلى الآن مصيره، هل كان سلاما أو نجاة أو هلاكا كما قد قال المتنبي في شطر في إحدى قصائده المفعمة قلقا.. تفتقده خطيبته اللهفى بلوعة وحرقة نقلتها شاشات العالم، ما أضفى بعدا وتعاطفا إنسانيا كبيرا مع قضيته… قد تحول إلى مادة خبرية دسمة أولى تعج بالتعليقات المتضاربة وباجتراح سيناريوهات كثيرة ومتعدد ة بتعدد زوايا الرؤيا والجهات المتصارعة بسبب نكبته.

الإعلامي جمال خاشقجي صار اختفاؤه يتصدر كبريات الصحف العالمية، وقضيته ليست واضحة المعالم إلى حد الآن؛ فعالم المخابرات الضاري عامر بالمفاجآت، وبما قد يخطر أو لا يخطر ببال. الرجل يوجد في قلب معادلات استخباراتية عالمية معقدة، يحمل خزانة أسرار ملأى، يحسن الحديث وطرح أفكاره، ويقارع بكتاباته العميقة الكبار..كان يتنقل عبر العالم، وهناك الآن دول بقضها وقضيضها تعد أطرافا في حكايته: تركيا، السعودية ودول إقليمية أخرى..وحتى أمريكا ترامب، حيث اختار أن يبتعد عن وطنه وينفي نفسه.

واليوم هناك قرائن كثيرة حول مصير الرجل، وليست هناك أدلة جازمة أو قاطعة كما يريد القانون؛ وبالتالي فإنه في حالة استمرار اختفائه هكذا عن الأنظار ومرور الأيام سيتحول إلى لغز مستعص ربما قد لا تتكشف خباياه أبدا. وما أكثر ما حفل التاريخ بمثل هذه الألغاز التي لا تنجلي، ولكنه قد يصبح قميص عثمان جديد، سيجر على الأمة العربية فتنة لا تبقي ولا تذر.

أما الوزير المغربي فقضيته واضحة ليس لها أي بعد دولي، بل هي لا تبارح حدود المغرب، ولا تعبر البحر. ولا دول على الخط ولا ألغاز أيضا، مادام الوزير نفسه قد أصل لواقعته بنفسه، تفاصيلها معروفة لا لبس ولا غموض يعتريانها؛ إنها تطرح الحدود بين الحياة الشخصية والحياة العامة للمسؤول العمومي، وسؤال التقيد بالخطاب من طرف الفاعل السياسي لا أكثر ولا أقل. فالوزير لم يرتكب مخالفة قانونية ولا ربما حتى شرعية بعدما اعتبر البعض ممن يتأولون أن من الضروري إعادة تعريف الحلال والحرام بناء على واقعته، ولكنه وقع في الشبهة بالضبط كما أفاد بلاغ حركته التي كان من مؤسسيها ولازال أحد رموزها الآن؛ ذلك أن مسحة الإسلامي التي يتذرع بها تجعل الناس يحملون الإسلام أكثر مما يحتمل عندما يجعلون سلوك الوزير دليلا على ما قد يعتبرونه قولا للإسلام.. خلط يتحمل مسؤوليته المواطن بسذاجته والفاعل السياسي ببرغماتيته التي لا توفر أحيانا كثيرة الدين نفسه في سبيل هوى النفس الأمارة باتباع أخلاق العصر.

هل كانت الخطيبتان أكثر من خطيبتين؟…كما تساءل البعض؟ هل كانتا مجندتين؟ كما يضيف آخر: ربما نعم ولا دليل لدينا على ذلك. لكن من حق الخيال ألا تكون له حدود أو ضفاف، خصوصا أن فكرة المؤامرة راسخة في عقول الكثير منا، ومن الحزم ما تعلمناه في تربيتنا الأولى سوء الظن. وربما لا ولا دليل أيضا على ذلك، لأن الظن لا يغني عن الحق شيئا.

هل تتشابهان؟..المؤكد لا..هذا ما تنضح به على الأقل الصور الوافدة من إسطنبول ومن باريس، فعدا الشكل الذي يختلف في درجة الحداثة والمحافظة، هناك واحدة مع خطيبها تسير بثبات تتطلع إلى المستقبل وإكمال المسيرة، وثانية مكسرة تندب حظها العاثر يتبين لها يوما بعد يوم أن قصة حبها لن تكتمل وقد ولت ربما دون رجعة.

يخطئ الكثيرون حين ينزعون عن السياسيين ومنهم أيضا السياسيون الإسلاميون إنسانيتهم وبشريتهم وينسون أنهم أيضا من لحم ودم ومن شحم كذلك، تنتابهم حالات ضعف ونزوات كما تنتاب كل البشر؛ وأنهم أيضا لهم حياتهم كباقي الناس يحتاجون أن يناموا ويأكلوا ويتسلوا ويحبوا، وقد يخطئون أثناء كل هذا. فابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، وقد رأينا وسمعنا كيف أن رهبانا وقساوسة اعتزلوا الدنيا قد تورطوا في فضائح دنيوية. ولذلك قد خاب كل من فسر دائما كل ما يقع للفاعلين الإسلاميين أو يقعون فيه بالمؤامرة وبكيد وحروب السياسة. قد يكون وقد لا يكون. وحتى المؤامرة هي أيضا من صميم ما يتعرض له الإنسان في الحياة مما ينبغي للمسؤول أن يحسب حسابه، فكفى تذرعا بها.

إن هذا التمرين القاسي صعب احتماله من طرفهم، فقد يجعلهم يتمردون ويتمادون ويستفزون أكثر. يقولون إن من أسباب انفضاض المتنبي عن سيف الدولة أنه كان يرهق هذا بالصورة التي رسمها له في قصائده، فأنهكه إنهاكا إلى درجة أن فراقهما أصبح هو الحل ليعود سيف الدولة كما كان رجلا عاديا لا بطلا يلهث أن يكون نسخة طبق الأصل مما صنع منه المتنبي بأشعاره وكلماته. وطبعا لا شبه بين سيف الدولة ويتيم.

يقول الفقهاء إنه لا قياس مع وجود الفارق، وقياس يتيم على خاشقجي لا يجيزه رأي ولا يقبل به اجتهاد. خاشقجي ظهر لوحده في صورة يتيمة بدون خطيبة ترافقه، ولولا انه اختفى عن الأنظار ودخل غيبته الكبرى ما كان أحد ليسمع بخبر خطبته.. تتضارب الآن حوله الروايات التي لا تخلق إلا الروايات المضادة حول مصيره بعد أن توزع اختفاؤه على دول وتنظيمات. فالبعض سيظل يحمل بلده جريرة دمه أو غيابه بينما سيصر البعض على أن بلده ليست من الغباء لتستدرجه إلى أرض لها فوق تركيا. فالرجل كان ذا نفوذ إعلامي وكانت له شبكة علاقات عنكبوتية مع أطراف متنافرة عدة. صحافي حاول أن يختط له منهجا بين المعارضة والنصيحة..ناصر الربيع العربي ودافع عن الإسلام السياسي وقد يكون ضاع في أغلب الظن بسبب هذا الإسلام السياسي؛ بينما في الحالة الأخرى سفر ونعيم وترف ووزارة وربع أتى على ظهر الإسلام السياسي نفسه.. اختلاف كبير في السياق وفي الثمار وتضاد لا حد له بين المصائر المقدرة.

سيأخذ ملف خاشقجي أغلب الظن طريقه إلى أن يطوى كملف ملح على الساحة الدولية، وسيستحيل إلى لغز أشبه بلغز اختفاء الإمام موسى الصدر في ليبيا القذافي.. وبألغاز اختفاء أخرى تهم شخصيات أخرى.

الواقع أن قضية خاشقجي هي قضية سياسية أخذت أبعادا دولية، بينما قضية الأستاذ يتيم قضية سلوكية أخذت أبعاد وطنية، لسبب وحيد وهو أن الموارد السياسية التي بنى عليها كل مساره السياسي تمتح من خطاب الأخلاق. وإن الحديث عن تشابه بين الحالتين ولو من باب خطيبتين من طراز مختلف ونوع جديد لا يستقيم بتاتا إلا إذا كان يقصد به الحبكة الأدبية والروائية.

لسنا ضد حق الإسلام السياسي في الوجود، ولكن عليه أن يقبل بقواعد اللعبة السياسية ويكون أعضاؤه في مستوى التحدي الذي رفعوه؛ لأنه عندما تدخل عالم السياسة من بوابة الدين والأخلاق الفاضلة توزن أفعالك عند الجمهور بميزان الأخلاق قبل أن توزن كباقي خلق الله من السياسيين بميزان السياسة. لأن الجمهور يصدم كثيرا في من راهن على طهرانيتهم قبل أن يراهن على فعاليتهم لما يكتشف أن هناك فجوة بين الخطاب والتطبيق وبين الشعار والممارسة وبين الاعتقاد والسلوك، وخصوصا عندما يدفع اصحاب هذا الاعتقاد بأنهم يغرفون من النبع الصافي للإسلام وأنهم يتأسون بعصره الذهبي…ولعل هذا يوافقنا فيه الإسلاميون أنفسهم إلا إذا كان بعض منهم يتأسون ببعض غلاة أعلام الصوفية غير العزيزين على قلوبهم الذين يتعمدون الهفوات والسقطات تعمدا لكي لا يقدسهم المريدون والأتباع أو ببعضهم الآخر ممن يعتقدون أن العارفين بالله ممن كشفت أمامهم الحجب واطلعوا على الحقيقة يعفون من الطريقة..وأن الالتزام بشكليات الشريعة وبالعبادات هو لمن لازال لم يتوغل الإيمان في قلوبهم..أي إنه بكل بساطة لنا نحن باقي الناس..وبالتالي هناك 3 مستويات لا أقول للتدين وإنما للسلوك.. سلوك العامة والخاصة وسلوك خاصة الخاصة.

ما غالب أحدنا هذا الدين إلا غلبه. هذا يصح لمن انقطع للدين.. أما من استهوته السياسة ورمت عليه بحبائلها فسيغلب حتما ويغلب معه لا قدر الله الدين الذي زج به في التدافع ولم يكن في مستوى أن يكون خير ممثل له. هل كان عبد الإله بنكيران يبصر بقلبه حين قال ذات حكومة لأصحابه…اضمنوا لي أنفسكم أضمن لكم ثلاث ولايات؟…

‫تعليقات الزوار

4
  • ملحد يفكر بالمنطق
    الثلاثاء 16 أكتوبر 2018 - 20:37

    هل كان عبد الإله بنكيران يبصر بقلبه حين قال ذات حكومة لأصحابه…اضمنوا لي أنفسكم أضمن لكم ثلاث ولايات؟….
    الولاية الثالثة قادمة وربما الرابعة والخامسة هؤلاء هوى الشعب شاء من شاء ، وتنطع من تنطع .

  • Peace
    الثلاثاء 16 أكتوبر 2018 - 20:58

    القصتين للخطيبتين يتشابهان من حيث الشكل و لكنهما يختلفان من حيث المضمون, فربما الخطيبة التركية لجمال خاشقجي, اوقعت ب"خطيبها" بتواطئ مع السلطات لتركية, اقول ربما, و محمد يتيم ربما خرج من سجن زواج مزيف و دخل في علاقة غرامية, لذلك فهو يبدو سعيدا و لا يهمه ما يقال عنه هنا و هناك.

    اما الصوفية, فهذا عالم اخر, حيث انهم يكونون عارفين بالله و يفعلون فقط ما يريده الله. و عندهم بالتالي علم بالحقيقة, اذا ربطنا ذلك بالخطوبة و الزواج مقارنة بهتين الحالتين, فلا وجه للمقارنة, لان حتى الزواج يحدث حقيقة, هذا لا يعني انهم يخالفون الشريعة. هناك منهم من يتشبت بالشريعة و هناك من تفرض عليه الاقدار مخالفتها, لان هذا فيه سر من اسرار ربانية. على اي يكونون مسيرين لا مخيرين. و هذا شيء معقد شرحه.

  • رغبة مستبدة
    الثلاثاء 16 أكتوبر 2018 - 21:31

    إلى التعليق جوج لا الصوفية ولا البودشيشية والحنابلة ولا المالكية ولا أحد يمتلك أن يستغني عن رغبة جامحة وضرورة ملحة فمتى ما قالت المرأة للرجل هيت لك قال هيت لك .

  • مسلم ابن بيئته .
    الثلاثاء 16 أكتوبر 2018 - 22:48

    الإشكال ليس في علاقات الإخوان على سنة الله ورسول ، بل الإشكال كل الإشكال في تحريمهم علاقات ما قبل الزواج على الآخرين واعتبارها موطئا للشيطان . وهم إذ يقومون بذالك يدخلون في تناقض صريح بين ما يدعون له ، فإذا كانوا يؤمنون بأنه ما اختلى رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما فلماذا بالمقابل يختلون (يتيم نموذجا) صحيح أني سعيد بالإسلام المعاصر لحزب العدالة والإنفتاح ضدا عن الدعشة . ولكنني بالمقابل أدعوهم للنزول من أبراج القداسة التي تعتكف فيها خطاباتهم ، والتي تعاكس نمط عيشهم الأقرب للإنبهار بنمط عيش المنفتح الذي لا عقيدة له .

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب