مناضلو الوقت الميت

مناضلو الوقت الميت
الخميس 8 نونبر 2018 - 14:29

كثيرا ما يطرح هذا السؤال: هل تنتمي إلى حزب سياسي؟..سأجيب من خلال هذا المنبر لأوضح رأيي من قضية الانتماء السياسي، والتي ليست في الواقع قضية التحاق بحزب سياسي ما، ولكنها أبعد وأعمق من ذلك؛ إنها قضية تربية وتنشئة سياسية وقضية مبدأ قبل أن تكون قضية عضو في حزب سياسي.

في الحقيقة تعرفت على الأحزاب السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في الدَّرْبِ الذي مازلت أقطن فيه مع والدتي، ونظرا لاحترامي الكبير لعائلة المعتقل السياسي، سوف أشير بسرعة إلى واقعة الاعتقال التي مرت أمام أعيننا ونحن مازلنا صغارا نلعب قرب البيت؛ وكانت المناسبة يوم عيد الأضحى حين اعتقل عضو منظمة إلى الأمام ورفيق من رفاق أبراهام السرفاتي.

كما أتذكر شخصا أميا لا علاقة له بالسياسة من قريب أو بعيد ترشح باسم الاتحاد الدستوري في سنوات الثمانينيات، وكان يُرَوَّجُ أن هذا الحزب “حزب الملك” ويجب التصويت عليه يومها.

تعرفت على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على مائدة الإفطار، حيث كان إخوتي يشترون جريدة الاتحاد كل صباح مع الخبز، ولا يمكن أن تأتي بهذا الأخير ولا تأتي بالجريدة. وكنا نتسابق على تجميع الملحق الثقافي كل أسبوع نظرا للمواضيع المهمة التي كانت تنشر فيه – (وللإشارة فجريدة الاتحاد الاشتراكي كانت تنفد أعدادها قي الأكشاك يوم الأحد).

كما أذكر كيف أنه عندما رُفِضَ تجديد تسجيلي بالحي الجامعي الأول بمراكش، وبما أنه كانت لدي ارتباطات مع طلبة منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، فكرت في هذا المقر الذي حضرته ذات يوم لمناقشة مائدة مستديرة حول اليسار بالمغرب، فاتجهت إليه، وهو بالمناسبة يقع في زقاق بحي كليز، فلما طرقت الباب رحب بي الرفاق، وكان أغلبهم من مدن أكادير ووارزازات وتزنيت، فعرضت عليهم مشكلتي ولكنهم تهربوا من مسؤولية إيوائي بعدة أعذار، وهم الذين اتخذوا مقر الحزب سكنى رسمية لهم.

ومع ذلك بقيت ومازلت أحترم كل تلك الأحزاب وتوجهاتها، ولكن أن ألتزم سياسيا وحزبيا بخط نضالي يعني أن ألتزم أخلاقيا ومبدئيا بالدفاع عن أفكاره وتوجهاته، وعموما الدفاع والترافع عن إيديولوجية الحزب..بصراحة سأفقد حريتي لصالح الالتزام الحزبي.

إن الانتماء الحزبي في أسمى صوره هو ما مثله كبار المناضلين من المشرق والمغرب وجسدوه بأخلاقهم العالية. أما هؤلاء الذين يظنون أن الانتماء إلى حزب سياسي هو وسيلة للتسلية والسفر وحضور المؤتمرات في ربوع المملكة أو خارجها للوصول وتسلق المناصب في الدولة فَحَسْبُهُمْ ذلك، حيث تَوَقَّفَ فكرهم واجتهادهم، وهم سوف لن يتوقَّـفوا عن تغيير انتمائهم السياسي كلما تغيرت موازين القوى ومالت الكفة لصالح حزب آخر وهذا ما يعرف بـ”الاحتراب السياسي” – ( نسبة إلى الحِرْباء) – وعليه سيغيرون جلدهم كالأفاعي كل مرة وحين. إن الانتماء السياسي ليس معطفا يغطي جسدك اليوم وترميه غدا.

فهل أمثال هؤلاء “الحربائيين” جديرون بتقلد مسؤوليات عليا داخل الدولة؟ وبأي رصيد مبدئي؟..إنهم ليسوا إلا وصوليين وانتهازيين وقناصة للفرص و”مناضلي الوقت الميت ” في زمن توارى فيه المناضلون الشرفاء أو تم إقصائهم.

إن هؤلاء الجالسين في كرسي الاحتياط، ونظرا “لصلابة” وجوههم، وموت كرامتهم وضمائرهم، سوف لن يتنازلوا عن لعب دور “مناضلي الوقت الميت”.

‫تعليقات الزوار

4
  • Peace
    الخميس 8 نونبر 2018 - 15:27

    هناك من هو حربائي و وصولي و انتهازي و هناك من يتطور فكريا, اي انه يذهب الى حزب معين و بعد مرور فترة من الزمن و يتعرف جيدا على تلك الاديولوجيا, فلا تعجبه, فيذهب الى حزب اخر و هكذا دوليك و عندما ينضج و يجمع المعلومات الكافية يقرر ان يتبع ايدلوجيا معينة عن اقتناع تام فلا يغيرها ابدا.

    انا شخصيا لم اكن انتمي في الحقيقة لاي حزب او ثير سياسي, لانني لا حب لسياسة في حقيقة امري, لانها جافة و فيها كثرة النقاشات و الجدال و كل حزب بما لديهم فرحون. و بالنسبة لي كنت اعتبرها مجال رجولي, لان امي ربتني عل عقلية تقليدية و كنت بطبيعتي حب الهدوء و الخلوة, لانني بصراحة كنت صوفية منذ صغري, و لكن الحال و الاحوال لصوفية, كما يقال دفعتني دفعا لا اراديا للاهتمام بالطوائف الدينية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية..فكنت ابحث بشكل ميداني مباشر و بالقراءة و حضور الدروس و الحلقات ووو لكل لطوائف و كنت كممثلة اتقمص ذلك الدور و اتماهى معه حتى اظن انا نفسي انني انتمي الى هذا التيار او ذاك لاحس باحاسيسهم. و هذا راجع الى انني طرحت على الله سبحانه بعض الاسئلة لفهم القران, فعرض علي هذا العرض. و هو طريق صعب جدا.

  • أحزاب النهب واللاوطنية .
    الخميس 8 نونبر 2018 - 15:36

    أصبح الإنتماء الحزبي وسيلة اغتناء وليس بابا من أبواب الجهاد ضد الفساد لسان الحزب يقول امنحنا مقعدا بالبرلمان نمنحك صكا على بياض فلا أنت تدفع الضراءب ولا حقاءبك تفتش وستطلق يدك وستفوز بأهم المناقصات ويتعلن شركاتك مفلسة كل عام .

  • زينون الرواقي
    الخميس 8 نونبر 2018 - 17:28

    من يذهب ويطلب الانتماء الى حزب معين دون ان يعرف خطه السياسي والأيديولوجي بنية التعرف على أيديولوجيته من بعد ومن ثم يحسم اختياره ما اذا كان سيستمر أو يرحل الى حزب أخر هذا يبحث عن الكلأ كالرعاة الرُّحَّل وينشد تعلم ابجديات النضال والتعرف على الحزب وخطه كما يقال apprendre sur le tas كصبيٌ النجار .. المناضل الحقيقي وحتى الانتهازي الحقيقي كلاهما يعرف ماذا يختار فينتمي ثم يثري بنضاله أو بعبقريته الانتهازية الحزب أو التنظيم ولكل حزب او تنظيم جاذبية مغناطيسية تشفط هذا أو ذاك .. اليوم انقرض الصنف الاول لحساب الثاني ولم تعد الأحزاب تنبثق من الأسفل اي من القواعد الشعبية بقيادات من رحم الشعب بل من الأعلى ومن قيادات مخملية تجذب من سمّاهم ميلونشون les mouches à miel ورحم الله زمن النضال والقامات النضالية …

  • مراكشي
    الجمعة 9 نونبر 2018 - 20:17

    الأحزاب المغربية مجرد دكاكين سياسية لتزيين ديكور وواجهة مزورة.لذا فهي لاتخرج عن الخط المرسوم لها سلفا.وكلها تطبل لسياسات الملك بشكل آلي .ولا تتجرأ على انتقاد سياساته .

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة