في البَدءِ كانت الخُلوة
تُقرّر الذّات في لحظةٍ ما من لحظاتِ عُمرِها (حياتها)، وذلك لأسبابٍ متعددة، الاختلاء بنفسها. وقد يكون السّببُ –كما هو حال السّارد في رواية ثورة المريدين- هو الرغبة في عودةِ الذات إلى ذاتها ومراجعة قراراتِها واختياراتها. إنها لحظةٌ، أو قلْ فُرصةٌ، للتّذكرِ (الحنين) وللاستشراف (الحُلم). وهذا ما يفعله سارد ثورة المريدين، أي الشخصية البطلة، الذي اختار خلوة إرادية في جنوب إسبانيا. يقول: “يومٌ جديد أستقبِلُهُ في غربتي الإرادية، في خلوةٍ خططت لها منذ عدة أشهر.” (ص 9)
الخُلوة والحَنين والحُلم في رِواية “ثورة المُريدين”
من جنوب إسبانيا، الفضاء الذي تبدأ منه أحداث الرواية، يعمل –وهو في انفرادٍ مع الذات- عبد المولى، تارة، على استحضار بعضٍ من صور الماضي، وتارة أخرى، على استحضار حلمٍ طالما ابْتَغَاه. فتأتي الصُّورُ بأمكنةٍ معينةٍ حيناً، وتأتي بأصدقاءٍ أو أحبابٍ حيناً آخر. يقول السّارد ذات صباحٍ: “أشعر بتوق إلى القاهرة وبحنينٍ إلى صديقي جمعة بسيوني […] تظهر صورة شمس تم تختفي. يحضرني طيف نعمان”. (ص 16) يخرجُ عبد المولى لوحدهِ إلى الشارع ويواصل حوارَه مع الذات، فيتحدث هذه المرة عن حُلمهِ في كتابة رواية، والذي وُلد –يقول السارد- “في جوف الحنين إلى بلاد سبعة رجال”. (ص 20)
إذن، في الخلوةِ يحنّ الساردُ إلى بلاده الأم، فيُقرر الكتابة عنها، كتابة رواية التي حلم بها. وهنا التداخلُ بين مفاهيم: الخُلوة، الحَنين، والحُلم.
يحلم عبد المولى (السارد) بكتابةِ رواية، لكن ليس أيّ رواية، بل رواية تستعيد حنينَه إلى الماضي، ماضي مراكش مدينة سبعة رجال. فيختار الحديث عن واحدٍ من رموز المدينة أو البلاد. يقول: “قرأت باللغات التي أجيد، كثيراً أو قليلاً حتى شعرت أني أمتلئ معرفة بموضوع المهدي وصحبه ورجاله وزمانه. ثم قلت: أستطيع الآن أن أكتب رواية تاريخية، رواية المهدي بن تومرت.” (ص 25)
يُحقق السّارد حلمه بكتابة روايةٍ تاريخية تأخذُ من المهدي بن تومرت شخصية بطلة لها. يبدأ بإطلاع القارئ عليها، فيتحول السرد من سردٍ عن الذات، (عن عبد المولى)، أي بضمير المتكلم، إلى سردٍ عن الغير (عن المهدي بن تومرت)، أي بضمير الغائب. وكأننا هنا نتحدثُ عن رواية أخرى أو رواية من داخل رواية (الميتارواية).
في خلوة حيث الذات مع ذاتها، وهو يجلسُ عن في إحدى الحدائق، يُطلعنا السارد على الفصل الأول من روايتهِ الذي أخذ منه حيزا وصل إلى ثلاثين صفحة (هنالك فصول أخرى تأخذ حيزا لا بأس به من الرواية)، والذي نَقَل لنا من خلاله صورة عن شخصية المهدي بن تومرت الذي سافر إلى المدرسة النظاميية بِبغداد، واطلاعه على أهم الكتب هنالك من قبيل كتب حجة الإسلام أبو حامد الغزالي، وكتاب الجفر المنسوب لعلي ابن أبي طالب وجعفر الصادق وغيرهما من الكتب1.
بعدما ينتهي السرد عن المهدي بن تومرت، أي حينما يأخذنا السارد إلى الماضي، إلى بغداد، يعود بنا إلى الحاضر، إلى جنوب إسبانيا حيث عبد المولى السارد الذي لا يتوقف حنينُهُ إلى الماضي. نقرأُ له وهو وحيدٌ في البيت: “لا يزال الوهج مشتعلا يا بشرى ولا يزال الفؤاد، بين الحنايا يخفق كما لو كنت دون العشرين”. (ص 66-67) يتذكر هنا عبد المولى بشرى الحبيبة في زمن الشباب. إضافة إلى ذلك، يُحدثنا عبد المولى عن بعد الأحداث التي يعيشها من قبيل: لقائه ببعض الأصدقاء المهتمين بالسينما، لكن ما إن يختلي بنفسه حتى تتشبث به فكرة الحَنينِ والحُلم. في الحال هذه، أي لحظة الاختلاء بالذات، يقرأ لنا فصلا من روايته يعود فيه عبد المولى إلى الماضي حيث المهدي، فيتحدث عن وصول الأخير إلى بْجَاية الجزائرية آتٍ من بغداد ولقاؤه ببعض العلماء هنالك.
تستمر خُلْوةُ السارد، ومعها تسمتر كتابته (قراءتُه) عن التاريخ؛ حنينُهُ إلى الماضي. يعود إلى المهدي فيقف عند بعضٍ من صفاته كالدهاء والمكر؛ فالرجلُ جعل الناس يصدقون أنه المهدي المنتظر، وأنه مُخلصُ النّاس من الشرور والبدع… ليس هذا وكفى، بل إن الرجل (الفقيه السوسي والعالم) هو من سيصنع أول خليفة موحدي، والحديث هنا عن عبد المؤمن بن علي أول حكماء الدولة الموحدية. بعد ذلك، ينتهي السرد عند وصول المهدي أو الفقيه السوسي محمد ابن عبد الله إلى فاس ثم إلى تينمل القرية الجبلية التي سيأخذها عبد المؤمن مكاناً لبداية حكمه، وفي تينمل سيختفي المهدي.
الخُلوة بدءٌ مُعاد
إذن، لا تعرفُ الذات ذاتَها، ولا تعرف ما يجول في خاطرِها، ولا تهتدي إلى طموحاتها، ولا تفهم حاجاتها ورغباتها… إلا متى اختلت بنفسها. وهذا ما ينقصنا، أو ينقص الكثير منا. نعرف كل شيءٍ خارجٍ عنا، لكن لا نعرف ذواتنا، ورغباتنا، وطموحاتنا، وأهدافنا، ومشاعرنا، الخ. إن الانفراد بالذات فرصة للخلق والابتكار، وذلك ما جسده عبد المولى في نصه. وإننا نحسب أن كتاب ثورة المريدين العمل الذي جادت به قريحة أستاذنا بنسعيد العلوي، ما كان ليكون لولا اختياره لخلوة مع الذات. وقد لا نبالغ، أو لا نجانب الصواب، إذا قلنا إن عبد المولى السارد هو نفسه الأستاذ بنسعيد العلوي الروائي.
عندما تهاجر اللغة
منذ اللقاء الأول، تكون أول 20 ثانية كافية للحكم على الآخر وتكوين انطباعاتنا عنه وعن ثقافته ومستواه الاجتماعي والثقافي، من خلال اللغة التي يتحدث بها.. فهي تكسب المتحدث كاريزما معينة وتؤطره داخل قالب ثقافي واجتماعي محدد، ومن هذا المنطلق يتخذ العديد من الناس قرار تغيير لكناتهم أو لغاتهم الأم إلى لغة البلد التي يقيمون فيها.
إيناس عوض
ذو العقل من اصبح ذا خلوة في بياه كالميت في رمسه منفردا بالفكر عن صحبه – مستوحشا بالاِنس من اُنسه اصبح لا يالف خلا و لا يصحب شخصا ليس من جنسه – و لا يريد الليث في غابه من مؤنس فيه سوى نفسه _
صفي الدين الحلي
الخلوة والإنفراد بالذات لا يعني بالضرورة الاعتكاف في قمة جبل أو في أرض خلاء ، يمكن للشخص ان يبدو عادياً يمشي في الاسواق ويركب الحافلات ويجلس في المقاهي دون ان يبدو عليه ما يظهره اعتكافه واختلاءه بنفسه ينظر الى الأشياء والكائنات تتحرك حوله بعين غير عيون الأخرين ، الخلوة أحياناً أشبه ما تجون بما يقوم به البقال عندما يقفل دكانه عند نهاية السنة لجرد السلع ومآل تجارته وماذا ربح وماذا خسر وتحديد مكامن الخلل أو كما نقول فاين غادي ؟ ، الخلوة تتيح التطهر من الأدران والتخلص من المعارف الموبوءة ومراجعة الذات والأخطاء والاستمرار في هذا النهج والتخلي عن ذاك والتأمل في عبثية الحياة مقابل رصيد العمر الأخذ في التناقص وترميم ما يمكن ترميمه من الصحة حتى لا ينتهي المرء عالة في مجتمع شرس لا يؤمن إلا بالقوي الكاسر ولا مكان فيه للعليل العاجز حتى منظومة الأسرة تفككت وأصبح التكافل والتراحم نظيراً للغول والعنقاء والخلّ الوفي ، الخلوة استحضار لما هو آتٍ ومدى استعدادنا له والتحسّب للأسوأ بعد ان ينفضٌ من حولك الخلّٰان ويصبح المال والصحة جزءاً من الماضي وترتيب الأمور على ضوء ذلك فالإنسان يولد وحيداً ويرحل وحيدا
قد لا أتفق مع الأستاذ الكريم في المنحى الذي ذهب به في تجليات الكلمة وايحاءاتها السليمة، فالخلوة أخي تكون عادة فرارا إلى الأنس بالله والاعتصام به هربا من ضغوطات شتى تؤثر سلبا على نفسية الفار إلى مولاه ،أو حبا في إتيان رب الأرباب خشية وعشقا وعن طواعية التعبد للتلذذ بعبوديته؛ إلا أن كلمة عزلة هي التي تليق ربما بمقام مقالك لأن العزلة تكون فيها ممارسة ومساءلة للنفس وربما تصل إلى مراجعة وتعديلات في السلوك والفكر؛ وأخيرا العيش أو الارتماء في أحضان الجماعة للحاجة إلى التلاحم مع الغير في الأخذ والعطاء؛ إذن هو تقلب العبد بين التولي والتخلي بالتذلل لله والتأمل مع الأنا والتأهل مع الآخر أو الغير.
أبيات من قصيدة روحية بعنوان : العبد بين التولي والتخلي.
بالتذلل يا عبد الله تكون لك الهوية بالتولي
وبالأنا مع الله فيها الرفعة أنت في التخلي،
رد البال يا مسكين وبتقوى الله ابني وعلي
بالتواضع الجنة والمتكبر في قعر النار يغلي.
العبد عبد والرب رب يا طالب الأمن والأمان
على أمر الله الاستقامة وهذا مني لك إعلان،
يوم الوقوف بين يد الملك ما ينفع فيها خلان
نعد العدة بالاتصال ونترجى رحمة الرحمان.
هذا زمن زبد وخبث صار المسلم فيه إرهابي
العابد كالقابض على الجمر له أجر الصحابي،
تقوى الله الميزان: لا عجمي لا عربي لا أعرابي
كن عبد مسلم: لا صوفي لا إخواني لا وهابي…
الولاية عطاء من الله لكل مؤمن بالتقوى في الدين
يراقب المولى في كل عمل عابد عامل حتى اليقين،
نقول للظالم منا من اعصى الله هذا زمن التمكين…
الثقة في الحق،هو الله، وبالله أكبر تعود لنا فلسطين.
بما انك اخترت المهدي بن تومرت كمثال, و كانه لا يوجد غيره في الامة, ما بقي لك الا ان تختار عبد السلام ياسين و امثاله, فان الرد على ذلك هو ان الهداية ليست بالخلوة بحد ذاتها, و انما العكس هو الصحيح, ان الهداية هي التي تدفع الانسان للخلوة, و تخيل او ظن ان الله اعطاك الولاية, ليس بهداية, لان لا يغني الظن عن الحق شيئا. الخلوة من عدمها لا يقرره الانسان السالك للطريق الرباني بنفسه و انما الله هو الذي يوجهه و الله هو المقيت اي يضع المواقيت و يحدد المكان و هو المحيط و المهيمن.
لم أكن أعرف الأستاذ بنسعيد العلوي حتى قرأت له نقدا لـ"نحن والتراث" للجابري، نشر مطلع ثمانينات القرن الماضي على صفحات جريدة الفكر العربي المعاصر، ومن يعرف كيف يقرأ بين سطور كتابات الأستاذ بنسعيد العلوي، يدرك تمام الإدراك أنه يمارس السياسة عبر الفكر، ويعلم أن له نزعة صوفية إن لم يكن صوفيا فعلا، وهو علاوة على ذلك عضو في مؤسسة مؤمنون بلا حدود، وهي مؤسسة لا حدود لإيمانها، كما يفهم من المنع الذي طالها مؤخرا من قبل الحكومة الأردنية، فكلمة مؤمنون في تسميتها تشي بشيء آخر … أن يختلي المرء بنفسه ويعكف في قمة جبل أو غار فيه، عسى أن يتلقى إشارة ما من "اللــه"، فذاك هو الوتر الذي يعزف عليه المتصوفة، ومن يعرف تاريخ التصوف، يعلم أن الغاية من التصوف هي السلطة – أولا وأخيرا – فلذلك نجد المتصوفة قي المغرب كانوا دوما من بطانة الحاكم. هذه حقيقة لا يجادل فيها إلا متفلسف يجهل موضوعه، ولا تردي علي يا peace فلن أرد عليك، ولتعلمي حتى لا يقال عني أن أحجمت عن الرد، فأنا باسل في مثل هذه الحروب.
الى 7 – عين طير
لست انت من تقرر ان ارد عليك ام لا, بما انك ساهمت في النقاش.
انا عندي ملاحظة بسيطة جدا و بعض الاحيان الاشياء لبسيطة تعري الحقيقة.
"مؤمنون بلا حدود" من "اطباء بلا حدود" الانسان الذي ينقل حتى التسميات, يكون انسانا مزيفا, لان ليس له خيالا واسعا و لا ابداع و لا موهبة, اما المعاني العميقة للتسمية, فهذا شيء يطول التفصيل فيه.
مقال رائع يستحق القراءة كالعادة مواضيعك متميزة دمت بهذا العطاء المستمر "ذ بدازي"
قال اب الجوزي:
وكان أصل تلبيسه عليهم أنه صدهم عن العلم وأراهم أن المقصود العمل فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا في الظلمات.فمنهم من أراه أن المقصود من ذلك ترك الدنيا في الجملة فرفضوا ما يصلح أبدانهم.وشبهوا المال بالعقارب، ونسوا أنه خلق للمصالح وبالغوا في الحمل على النفوس حتى إنه كان فيهم من لا يضطجع.وهؤلاء كانت مقاصدهم حسنة غير أنهم على غير الجادة.وفيهم من كان لقلة علمه يعمل بما يقع إليه من الأحاديث الموضوعة وهو لا يدري.ثم جاء أقوام يتكلمون لهم في الجوع والفقر الوساوس والحظوات وصنفوا في ذلك مثل الحارث المحاسبي.وجاء آخرون فهذبوا مذهب التصوف وأفردوه بصفات ميزوه بها من الاختصاص بالمرقعة والسماع والوجد والرقص والتصفيف وتميزوا بزيادة النظافة والطهارة.ثم مازال الأمر ينمى والأشياخ يضعون لهم أوضاعا ويتكلمون بواقعاتهم.ويتفق بعدهم عن العلماء لا بل رؤيتهم ما هم فيه أو في العلوم حتى سموه العلم الباطن وجعلوا علم الشريعة العلم الظاهر.
ومنهم من خرج به الجوع إلى الخيالات الفاسدة ف ثم تشعبت بأقوام منهم الطرق،ففسدت عقائدهم،فمن هؤلاء من قال بالحلول ومنهم من قال بالاتحاد.وما زال إبليس يخبطهم بفنون البدع