المصلحون يهاجرون والمفسدون يهربون

المصلحون يهاجرون والمفسدون يهربون
الخميس 24 نونبر 2011 - 04:06

مع كل سنة هجرية جديدة، يرتوي عقل المسلم من حياض سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فيراجع مفاهيمه و مقولاته في فهم الرسالة الإسلامية و تنزيلها على واقع الناس، ويتجدد بالرجوع إلى أصوله المفاهيمية و المناهجية، فيتحقق بسنة الاقتداء للاهتداء إلى الطريق القويم.

إن مفردة الهجرة يضيق معناها إن رجعنا إلى معاجم اللغة، التي تتحدث عن القطع و الفصل، و الترك، وهذه المفردة أكسبها حدث الهجرة النبوية، مفاهيم تأخذ من المعنى اللغوي قبسا، غير أنه شحنها بمفاهيم تطابق رؤية الإسلام للكون و الإنسان و الغيب، فأخرجها من ضيق اللغة إلى رحابة الحدث التاريخي الباهر.

بالتأمل في كل أحداث الهجرة النبوية من المقدمات إلى الخواتيم، قد يتسلل إلى ذهن القارئ أن الحدث هو ” هروب جماعي ” للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، و يتعزز للقارئ هذا المفهوم بوقائع تثبته و تؤكده، وهي تطابق مفهوم الهروب؛ كتحقق السرية، و المناورة، و الاختفاء، وعدم نقل الأمتعة، و الملاحقة، و الاستخبار .

خطط النبي صلى عليه وسلم لكيفية صيانة الأخبار و حفظها من التسريب، يذهب إلى بيت أبي بكر في الهاجرة، لأن الناس في بيوتهم لا يجولون في الطرقات، يستأذن أبا بكر و يأمره بإخراج من عنده في البيت دون الأهل، و يناور بأمر علي بن أبي طالب للنوم في مكانه، و يضلل الكفار باتجاهه جنوبا، و يختبئ في غار ثور على رأس جبل هو و صاحبه ثلاثة أيام، و يأمر عامر بن فهيرة راعي الغنم ليزيل بغنمه أثر عبد الله بن أبي بكر الذي يمده بالأكل و الشراب، و يستأجر عبد الله بن أريقط الهادي الخريث الأمين على سره.

و أما المطاردون؛ فيترصدون له ليلا أمام بيته، و يعقدون اجتماعا طارئا بعد انكشاف عجزهم عن إلقاء القبض على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، فيقررون إعطاء مكافأة ضخمة قدرها مائة ناقة لمن يأتي بمحمد ميتا أو حيا، فخرجوا في ملاحقته إلى أن وصلوا إلى الغار، و يتبعهما للقبض عليهما سراقة بن مالك.

هذه المشاهد تطابق خطة أي” هروب و مطاردة ” لأنها تستند إلى حرب المعلومات و الاستخبارات و الاختفاء و الخدعة، فنصف هذا الحدث بالهروب!.

لكن حقائق التاريخ و النبوة ترغمان أي قارئ بالامتثال إلى مفهوم الهجرة النبوية، و الارتقاء درجات عليا عن مفهوم الهروب، نعم، الهجرة باعتبارها تخطيط بشري سلكت كل ما يتوسل به الإنسان لإنجاح فراره وهروبه، غير أن هذه الهجرة هي هجرة الرسالة و النبوة، هجرة النبي المصلح، المحب لقومه، لأنه يريد لهم الخير و الفلاح، و يهجر مكانه و هو مكره، و تمر الأيام و هو في شوق لرؤية الأحباب و العودة إلى البلد، و دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا، دخلها علانية غير مختبئ، وخاطب جموع الناس، فرسم على جبين التاريخ مقولته الشهيرة ” إن اليوم يوم المرحمة و ليس يوم الملحمة”، فجاء ورجع إلى قومه بالرحمة و الغفران، فقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء.

و أما الهروب، فتواضع الناس على الوصف به كل ” مجرم مفسد ” ظالم لنفسه و مجتمعه، يريد تحقيق أهوائه، فر من الحساب و العقاب، مريدا لذلك، و تمر الأيام و هو يفكر في الانتقام و الاعتداء على كل من طارده، وإن فكر في العودة إلى نزله ، رجع متخفيا متربصا، يخاف على نفسه من القبض و المحاكمة، لأن ليس له أية رسالة إنسانية نبيلة، سوى رسالة الفساد و الإفساد.

بكلمة واحدة؛ إن المصلحين على مر التاريخ يهاجرون و إن المفسدين يهربون!.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

2
  • ابن علي-اوروبا
    الخميس 24 نونبر 2011 - 10:26

    اولا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اراد الهجرة ولولا قومه ما هاجر.ثانيا امر الله الذى امره بالهجرة.لكن البيت القصيد هنا فى عصرنا اليوم هل تتم الهجرة فى بلدان الاسلامية كبلد المغرب اللهم لا غير جائز شرعا. الشرع يجيز لك مواجهة الوضع بشتى الطرق الممكنة. وليتعرف عليك الناس من انت..ماذا تريد..مارسالتك..لان القيادة تظهر فى الازمات لانك اظهرت مستواك عال من الحضارة.ان كثيرا من الناس يتظاهر بسماة التدين او الحذاثة اوالتقدم بمجرد ان يتسلم السلطة او يصاب بصدمة او يقع اشتباك ينفجر غاضبا ويتحول الى وحش كاسر.هذه شخصية متوترة لا ينتج منها اى شئ الا الخراب.لقد العلامة الدكتور مهدى بن عبود:ان اسجن واعتقل في بلد جاهدت فيه وناضلت خير ان ابقى حرا طليقا فى الغرب.نعم هذه هى الرسالة والعلماء والدعاة والوطنيون هم القدوة الحسنة للتغيير والتقدم.يتجلدون اما سياط الاعاصير.ان اشد الناس ابتلاءا الرسل والانبياء ثم يلونهم ثم يلونهم

  • عزيز
    الخميس 24 نونبر 2011 - 13:11

    السلام عليكم. يوما بعد يوم يتحقق العالم بان محمدا بن عبد الله صلى الله عليه و سلم مدرسة شاملة جامعة خالدة مضيئة مشرقة..نور على نور..هي لكل عصر مهما كثرت النظريات و تعددت و تلونت و اخترعت..محمد طب القلوب و دواؤها و عافية الابدان و شفاؤها.هو الرحمة المهداة و السراج المنير في ظلمات الزمان البهيم.لا تنقطع انواره ولا تبلى اقواله.وسطيته تدعو الى العجب.و بساطته تدعو الى التامل. و مرحه مع الحسن و الحسين مثار دهشة و حيرة..من هذا الرجل الذي ادهش العالمين..من رباه..كيف يتواضع و يلاعب الاطفال و يحادثهم و كيف يرق لحال الضعيف و المريض..و هو من هو في مقامه و سيرته لدى المعبود و العبيد..لم يقهر صغيرا و لا كبيرا و لم يدع على احد ابدا..و لم يظلم حتى اعداءه الذين دهشوا من قوله ..اذهبوا فانتم الطلقاء.لم يضرب بيديه الشريفتين طفلا ولا امراة و لم يحمل في صدره حقدا و لا حسدا و لم يبت ليلة واحدة الا واستغفر فيها لامته الى يوم الدين..كل الانبياء سيقولون يوم الفزع الاكبر..نفسي نفسي..الا هو صلى الله عليه و سلم سيقول..امتي امتي..صلوا عليه بكرة و اصيلا..فهو علاجنا مما نحن فيه اليوم…شكر الله لصاحب المقال

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات