عوائق التنزيل السليم لدستور 2011

عوائق التنزيل السليم لدستور 2011
الأربعاء 16 يناير 2019 - 15:05

شخصنة مؤسسة رئاسة الحكومة نموذجا

يعيش المشهد السياسي المغربي مخاضا عسيرا منذ الإعلان عن دستور2011، وتبدو تجليات هذا المخاض في ارتباك مختلف الأحزاب السياسة في التعامل مع هذا السياق الجديد المليء بالمستجدات، التي تفرض على جميع المكونات السياسية والمجتمعية البرهنة على مصداقيتها في الدفاع عن المصلحة العليا للوطن.

وفي إطار قراءة السياق العام، الذي أفرز التطورات السالف ذكرها، نستحضر الدور الهام للحراك الذي عرفته الدول المغاربية من ثورات واحتجاجات بدأت شراراتها تلوح في الأفق من جديد، مما يؤكد وبشكل قاطع ارتفاع منسوب الوعي السياسي والرغبة في التغيير لدى هذه المجتمعات، وخصوصا لدى فئات شبابها.

وقد عرف المغرب بدوره حراكا اجتماعيا يعود الفضل في إحيائه وانطلاقته إلى الشباب المغربي، الذي انخرط بجدية وبحس مسؤول في النقاش الدائر وقتئذ “حول مطالب التفكير في الإصلاح”، وشكل خطاب 9 مارس 2011 بداية أولى للاستجابة لمطالب شباب “الحراك”، ويمكن القول إن سقف الإصلاح ومحدداته وفق التصور الشبابي كان قد تجاوز أفق البرامج الحزبية الفاقدة للرغبة في طرح الإصلاح والتطو، بل حتى مجرد التفكير فيه.

ومازالت الأحزاب المغربية لم تستوعب مضمون وأبعاد الخطاب التاريخي لـ 9 مارس 2011؛ إذ جاء محملا بحلول لمجمل الإشكالات الكبرى التي تتحاشى الأحزاب السياسية الدخول في مناقشتها، باعتبارها إشكالات ليس لها ارتباط وثيق بخدمة المصالح الحزبية الضيقة من جهة، ومن جهة أخرى لكونها إصلاحات تجاوزت مستوى تفكير وتطلعات الزعامات و”المشيخة “الحزبية الفاقدة لحس الإبداع والابتكار الذي يفرض نفسه كمطلب آني قصد مواكبة الصيرورة التاريخية للفكر السياسي المعاصر.

وقد توج الحراك الشبابي بوضع دستور جديد 2011، قيل عنه-والعهدة على الأحزاب السياسية-إنه من بين الدساتير الراقية في العالم، شكلا ومضمونا.

ولأول مرة في تاريخ الدساتير المغربية، أشار المشرع المغربي إلى مجموعة من المستجدات التي كانت فيما قبل مغيبة عن ذهنية الأحزاب السياسية، أو ربما كان حضورها موسميا يرتبط بالحملات الانتخابية في إطار “التنابز السياسي الهجين”.

ودون الخوض في قراءة كل المستجدات، سنقتصر فقط على إبداء بعض الملاحظات على مبدأ فصل السلطات، كركن من أركان النظام الديمقراطي، فلأول مرة قام المشرع المغربي بوضع السلطات الثلاث (التشريعية-التنفيذية-القضائية)، في أبواب متتالية في الدستور، وذلك بعد الرقي بالقضاء إلى سلطة قائمة الذات.

وكما هو معلوم، فكل سلطة تتميز بخصوصيات هندسية وبنيوية تميزها عن غيرها، وترتبط فيما بينها بعلاقة مبنية على احترام القانون وخدمة الشأن العام والتفاني في العمل بدل التضحية بالمصلحة العليا للوطن مقابل الحفاظ على المصالح الشخصية الضيقة.

كما عرفت السلطة التنفيذية إعادة الترميم “محاكاة” لأنظمة الديمقراطية العالمية، إذ أصبحت مؤسسة رئيس الحكومة تستمد قوتها من مضامين الدستور الجديد، ولها من الصلاحيات ما يجعلها تتولى تنفيذ وتدبير الشأن العام في أريحية تامة، دون اعتبار-السلاحف والقنافذ-كعوائق التدبير لما يزيد عن ولاية ونصف الولاية من تدبير الحزب “الإسلامي”.

إن الإشكالية التي تطرحها مؤسسة رئيس الحكومة في المغرب (في أولى صيغها بعد الدستور الجديد)، ترتبط بالسيد الرئيس كشخص من جهة، ثم كمسؤول على تدبير الشأن العام للبلاد خلال فترة ولايته من جهة ثانية، ويمكن تلخيص هذه الإشكالية في شخصنة الحكومة كسلطة تنفيذية، مما يدفع إلى التساؤل حول ما إذا كانت مؤسسة رئيس الحكومة آلية للتنزيل السليم للدستور أم مجرد عائق لهذا التنزيل.

أولا: شخصنة مؤسسة رئاسة الحكومة

تعتبر الشخصية من المفاهيم الفلسفية التي نالت حظها من النقاش والجدل الفكري والفلسفي، سواء حول أنماطها وجوهرها وتفاعلها مع الصيرورة التاريخية للأحداث والوقائع، فإما أن تكون الشخصية فاعلة في تاريخ الحدث أو موضوعا للحدث في حد ذاته.

وبالرجوع إلى مؤسسة رئاسة الحكومة، وما لها من رمزية وطنية في ذهنية المغاربة، والآمال المعقودة عليها من أجل الاستجابة لمطالبة المواطنين، نطرح التساؤل التالي: هل رئيس الحكومة في تصرفاته كمسؤول حكومي وسياسي يجسد حقيقة مكانة هذه المؤسسة التي آلت إلى الحزب الفائز في الانتخابات؟ وهل الزعامات السياسية المعاصرة تتصف بما يكفي من المقومات الكفيلة بالرقي بمؤسسة رئاسة الحكومة؟

ومما لا شك فيه أن مرور سبع سنوات على دسترة “مؤسسة رئاسة الحكومة” كافية لمساءلة بل ولتوجيه بعض النقد لهذه المؤسسة، التي منحها دستور 2011 صلاحيات واسعة لكنها، للأسف، تحتاج إلى شخصية وطنية، قوية وغيورة على المصلحة العليا للوطن، وهو ما تفتقر إليه مؤسسة رئاسة الحكومة، التي تسعى إلى نيل رضى الآخر ولو كان ذلك على حساب التضحية بالوطن.

والغريب في الأمر أن دستور 2011 جاء بحمولة إصلاحية، حيث كان الرهان هو المضي قدما بالمغرب نحو مصاف الدول الديمقراطية، لكن نظرا للتأثير السلبي لمرحلة الفكر الأبوي “البطريركي” على تنشئة السيد رئيس الحكومة، فإنه مازال لم يستسغ فكرة أنه رئيس حكومة للبلد، وليس رب أسرة.

وإذا كان ماكس فيبر قد ميز بين ثلاثة نماذج من المشروعية السياسية هي: المشروعية التاريخية، المشروعية الكاريزماتية، المشروعية العقلانية، فإن مؤسسة رئاسة الحكومة في ظل دستور 2011 خارجة عن هذا التصنيف، إذ ربما-أغفل ماكس فيبر-التطرق إلى نوع آخر من المشروعية ألا وهي “المشروعية الشعبوية أو الفرجوية”، التي عرفت أوجها في ظل أول ولاية لمؤسسة رئاسة الحكومة لما بعد دستور 2011.

وإذا كانت الشخصنة كشبح يلاحق رئيس الحكومة في حله وترحاله، وفي ممارساته اليومية، فعلى الأقل في دواليب الدولة ومؤسساتها عليه استحضار حرمة الأماكن، فلكل مقام مقال، حتى يحس المواطن المغربي “الناخب” بأنه أدلى بصوته من أجل اختيار رئيس للحكومة، وليس من أجل اختيار مواطن فائز.

ثانيا: شخصنة المسؤولية

لقد جاء في فصول الدستور الجديد مبدأ الحكامة الجيدة، المبني على ربط المسؤولية بالمحاسبة، ما يعني أن السيد رئيس الحكومة مسؤول عن نتائج حكومته خلال ولايتها الحالية، لكن قبل ربط المسؤولية بالمحاسبة يجب معرفة المسؤول عن الحكومة؛ هل الملك أم رئيس الحكومة الذي يربط تدبير السلطة التنفيذية مباشرة بالملك متجاوزا الصلاحيات المخولة له دستوريا في وضع برنامج حكومي وتنزيله والانخراط في التقعيد السليم للدستور، في أفق الاستجابة لانتظارات المواطنين، أو على الأقل للناخبين الذين صوتوا للسيد رئيس الحكومة أمين عام حزب العدالة والتنمية، (في النسخة الأولى، باعتباره، حسب تعبيره، ليس رئيس حكومة لكل المغاربة وإنما للمصوتين عليه فقط)؟

إن تقلد المسؤولية في جميع البلدان ليس تشريفا أو مكافأة بقدر ما هو تكليف مع أداء الحساب في حينه، فرئاسة الحكومة كمؤسسة تقتضي تمثيل الدولة المغربية داخليا وخارجيا أحسن تمثيل، وتستدعي التحلي بالوطنية والصدق، فكفى من الهرطقة والسفسطة التي تنم عن تجاهل تام للمصلحة العليا للوطن، فالسيد رئيس الحكومة مكلف وليس مشرف في منصبه الحكومي؛ فاليوم عمل وغدا حساب، وغدا حساب بلا عمل، فماذا أعد السيد الرئيس ليوم الحساب (الانتخابي) وليس (القيامي)؟ أليس من العيب والعار أن تكون أول تجربة حزبية لتولي مؤسسة رئاسة الحكومة عائقا للتنزيل السليم لدستور 2011؟

إن العيوب المعوقة لتدبير الشأن العام، التي تعود في أسبابها إلى “شخصنة المسؤولية” وعدم التميز بين “تسيير الشأن العام وتسيير الشأن الحزبي”، توضح بشكل قاطع أن الأحزاب السياسية المغربية لم تعد قادرة في صيغتها ووضعها الراهن على تدبير أمور هذا البلد، بل هي عاجزة أيضا عن إرساء أسس النظام الديمقراطي ومواكبة ايقاع الديمقراطية التشاركية، عوض الديمقراطية التمثيلية، ولعل الإخفاق في إرساء مقومات وأسس مؤسسة رئاسة الحكومة خير دليل على ذلك.

وختاما، يبقى الأمل أن يحظى المغاربة كمواطنين بمسؤولين سياسيين، وطنيين، غيورين على المصلحة العليا لهذا البلد، حتى يبقى الوطن ملكا مشتركا للجميع، دون مزايدات شخصية وسياسوية؛ فالمواطنة غير قابلة للتفويض وللشخصنة.

‫تعليقات الزوار

1
  • موحند
    الأربعاء 16 يناير 2019 - 16:33

    مقال جد قيم.
    حزب الاخوان والاحزاب التي شاركت وتشارك في المحكومتين بعد دستور 2011 ضيعو فرصة ثمينة على الشعب المغربي ليعيش في حرية وكرامة وعدالة ودولة الحق والقانون. والاخطر من ذالك هو ارجاع الشعب والبلاد الى عهود افقير والبصري والسفاح. حيث السجون مملوءة بنشطاء حراك الريف وزاكورة وجرارة. اضافة الى سجن الصحفيين والحقوقيين والمحامون وكل صوت حر يطالب بحقوقه ويفصح الفساد والمفسدين. بالمقابل تطبق مقولة المنافق السياسي الكبير بن كيران "عفا الله عما سلف وعما خلف" على المستبدين والمفسدين وناهبي اموال الشعب. خلاصة القول حليمة بقيت على عاداتها القديمة. عقلية وثقافة وسلوكات المخزن هي الساءدة: العبودية والاستبداد والفساد ومختلف اشكال الريع والعهر والقوادة والنهب والافتراس لحقوق وممتلكات وارض الشعب ورهنه للبنوك الدولية.

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب