قطع سياستنا في المزاد العلني!

قطع سياستنا في المزاد العلني!
الجمعة 18 يناير 2019 - 07:05

استوقفني صاحبي، وهمهم بسؤاله الروتيني لي كل صباح: “كيف حال سياستنا؟”

“تسألني عنها كما لو كنت خفيا عنها، إنها أشبه بسوق الخردة، تجمع بين القديم والجديد، لكن روائحها دوما نتنة”.

“أشبه بالخردة! لم أفهم”، تلقف السؤال ثالثنا، وكان حديث العهد بالشلة:

“كل شيء داخلها قابل للمزاد السري.. والبيع والشراء.. سوق الهموزْ والصفقات.. بامتياز”.

صاحبي وقد رفع عقيرته: “آسي المبروكي! إنها السياسة بمفهومها الدقيق عندنا، لا أخلاق ولا قيم لديها ولا هم يحزنون.. إنها المصلحة حاضرة بقوة، بين الفينة والأخرى تتلقى غمزة من المال… ههـه ههــا”.

حاولت أن أستوضح جليسي؛ عبد الله الماكْانا، وقد سبق له مرارا أن تذوق مرارة الخسارة في الانتخابات البرلمانية:

آسي عبد الله! ماذا يبدو لك في سياستنا، هل هناك ثمة فارق بين الأمس واليوم؟

“الأمس واليوم سيان دوما خانزة، روائحها تزكم الأنوف حتى خارج الحدود، وأصحابها ماتت لديهم حاسة الشم، إما المال والمراوغة أو الركض وراء الهموز والصفقات”.

المبروكي يولع فتيلته، وقبل أن يعب منها توجه إليّ بسؤال العارف المتبلد: “أو تعتقد أننا بهذه الأساليب المفلسة في تدبير الشأن العام قادرون على حيازة رضى وثقة الشعب؟”، إلا أن عبد الله الماكْانا انتفض في وجهه غير عابئ بالأدخنة التي كانت ترسلها مناخيره تباعا “الشعب… الشعب…! ههـه ههــا أين هو الشعب؟ لقد أسروه في دار غفلون، وأغدقوا عليه من مواقع التواصل الاجتماعي كل أنواع التخدير حتى أصبح مدمنا على استهلاك صور الإثارة؛ أشرطة وللا ومالي”.

سياستنا تحت الماسح الضوئي

همس صاحبي في أذني ونظراته مسمرة على حشد كبير من المولعين بسوق الخردة، وقد أثث حضورهم كافة مناحي “الجوطية السياسية”، والآن سنرى أمراض سياستنا قطعة تلو أخرى.

لكن جوطية السياسة دأبت على عرف بألا تسمح بدخول أية قطعة سياسية إلا بعد خضوعها لماسح ضوئي، وتصويرها كما هي بنقائصها وأعطابها.

الحكومة: في شخص ملتح، يضع على رأسه الحاسية طاقية مراكشية، تتدلى من عنقه مسبحة بحبات صفراء فاقعة؛ يقذف بفتاويه يمنة ويسرة كيفما اتفق له، ولا يعلم للسياسة معنى سوى “ما كاين غير لمليح”.

التعليم: جهاز مخلخل التركيب؛ تبرز من ثناياه فوهة مسودة من فرط إفرازه لتقارير مرقمة بدت أطرافها ضالعة في ابتلاع الميزانيات الضخمة مقابل تفريخها لكائنات تعليمية وتربوية مشوهة.

“مزايد وسط الحشد” ديبلوماته حال وأحوال لا تسمن ولا تغني من جوع… ليتني ظفرت فقط بإحدى ميزانياته السمينة.

الصحة: تعرض على الماسح؛ في صورة جهاز مهترئ تنكشف من ثناياه ثغرات كما لو كانت مقضومة من طرف جرذان سمينة.

مزايد: “.. ما هذا الدخان المنبعث منها؟ هل هي لوصلات غير محكمة أم دخان الرميد أم أن الأمر على علاقة بصحتنا العليلة؟”

القضاء: يلج سكة الماسح: شخص مهلهل البدن مصاب بالكساح وحول في عينه اليمنى، لكن لا أحد اهتم به بل الجميع استقبله ببرودة بادية وحوقلة وعضة شفاه…!

المالية: ولدى ولوجها وسط الجوطية تقاطر عليها العديد من الزبناء، وضع أحد يده على ظهرها في محاولة لتقييم مدى صلابتها لكن ما إن وضع يده عليها حتى هوت إلى الأرض مصابة بالدوار.

أحدهم يوضح: “… المالية مريضة، ألم يدر في خلدكم هذا؟ إنها مصابة بالحساسية أرهقوها من فرط الامتصاص حتى أضحت أشبه بنعجة بلا دم”.

الصيد: عبارة عن قارب تعتلي جنباته ثقوب سوداء، تسكنها حشرات/مافيات تحتال على حمولته لتعيد بيعها في السوق السوداء للمرة الثالثة والخامسة وحتى العاشرة بعد أن تكون لزمت صناديق التصبير لمدة تزيد عن الشهر!

تجارة السلع: في صورة صناديق تعلوها بقع وخدوش رمادية داكنة، تنبعث منها رائحة نتنة لعدم خضوعها لمعايير دولية أو التلاعب بجودة عناصر مكوناتها.

النقل: عربة معطوبة؛ تبدو أشبه بدبابة من رواسب الحرب العالمية الأولى تجر خلفها حاوية محشوة بالتوابيت والنعوش!

الخارجية: امرأة مكتنزة شبه عارية لا تفتر عنها الإصابة بالأنفلونزا الإسبانية Spanish flut.

الداخلية: رجل سمين يمتشق عصا غليظة، بصره حاد لا يلوي على شيء، يزبد ويلعن ويصرخ من حوله: “ليسمّيتو راجل يواجهْني”.

السياحة: امرأة شمطاء قاعدة أمام المرآة، تجرب أصباغا وطلاءات، لكن في كل مرة تكشف عن وجه ذابل أعيته المساحيق.

جهاز المراقبة: رجل كهل أحول العينين، صدره مرتبط بخيوط أنبوب الإنعاش، متصل بجهاز التحكم عن بعد!

الحكومة التي يريد الشعب

صاحبي يرفع عقيرته: “إنها حكومة متلاشيات.. كيف يمكن توظيفها أو بالأحرى استخدامها في تدبير الشأن العام، وهي عبارة عن كومة أجهزة متقادمة الأعطاب؛ من الصعوبة بمكان ترميمها أو محاولة استصلاح قطع غيارها، فالحكومة التي نحتاج ليست المستقدمة من العهود الغابرة ولا هي المنبعثة من صناديق الاقتراع، بل هي حكومة مستقلة غير قابلة لا للتحكم ولا للتوجيه ولا للاستظلال بأخرى…”.

‫تعليقات الزوار

11
  • Peace
    الجمعة 18 يناير 2019 - 08:08

    هناك مقولة رومانية من قيصر روماني عاش تقريبا في 70 بعد المسيح: "المال ليست فيه روائح نتنة" و قصة هذه المقولة انه اراد ان يملا خزينة الدولة بالاموال فامر بجمع الضرائب من كل مكان, حتى انه فرض ضريبة التبول في المرحاض العمومي, فعارضه ابنه و قال له "كيف تجمع الضرائب حتى من المراحض?" فاتى بكومة من المال و وضعها تحث انفه و ساله "هل تشم رائحة نتنة" فاجابه "لا" فقال له "اذا اين هو المشكل, اذا كان هذا المال من المرحاض" المهم ان خزينة الدولة ممتلئة.

  • سياسة مصالحة غير ....
    الجمعة 18 يناير 2019 - 08:23

    …للرمي في الأزبال، لا وجود لمثيل لها في القبح والفساد وامتصاص دماء الشعب، هذه هي سياستنا كساد وبوار

  • من سيقبل بها
    الجمعة 18 يناير 2019 - 09:24

    قطع سياسية لا تصلح لشيء وكلها أصبحت من المتلاشيات، دول جاء استقلالها متأخرا ومع ذلك ذهبت بعيداً في مجال التنمية البشرية، نحن فقط لدينا التنمية الجيبية والمصلحة الخاصة هي السائدة، إذن لأي شيءٍ تصلح هذه القطع المهترئة، مآلها البحر والمزبلة

  • سياسة لإغناء الغني وقتل
    الجمعة 18 يناير 2019 - 09:32

    الفقير…. النظام السياسي الوراثي لا يحده الدستور المكتوب ولا تؤطره القاعدة القانونية، فهو تاريخيا وواقعيا يحتكر السلطة والثروة والنفوذ في كل المجالات دون وجود أي نوع من المسؤولية أوالاعتراض أوالمحاسبة، ويجمع العقلاء على أن سبب الفساد في العالم العربي عموما وفي المغرب على وجه الخصوص هو الفردانية في الحكم، التي لا تأخذ شرعيتها من الشعب، وإنما فقط من الآلة القمعية الإكراهية التي تعلو على الشعب والعقل والحق والعدل والقانون ،لهذا فلا غرابة

  • والإدارة هي عنوان البلاء
    الجمعة 18 يناير 2019 - 09:34

    نسي الأستاذ ذكر الإدارة وعدم ظهورها في المزاد العلني وهي وراء أسباب الفساد الذي يعاني منه الشعب المغربي، هي عنوان المغرب والتي تمنحه صورة مشوهة

  • Fragments
    الجمعة 18 يناير 2019 - 09:41

    These political pieces are fragments or militias that are not suitable for reclamation or restoration, and even subject to the scanner reveals the existence of gaps and droughts suffered by the Moroccan administration and its institutions in general. Mafias enrich and increase wealth while the large segments of the Moroccan population live on the subsistence and the average income is sometimes less than 1 one dollar per day.

  • karman
    الجمعة 18 يناير 2019 - 15:55

    مسخرة هي هذه الحكومة وما تمثله من أعطاب وأوجاع لا تصلح لشيء سوى المزابل والدمن، وأوافق الكاتب أن الحكومة الحقيقية التي يريد الشعب المستقلة والغير موجهة ولا تستظل بحكومة حقيقية في الخفاء

  • KITAB
    الجمعة 18 يناير 2019 - 16:02

    حكومة بهذه القطع الغيار تكشف سبب عمق مصائب المغرب وجراحه، فهي تتلقى الدعم من أصحاب الثراء والسلطة وآخر شيء تفكر فيه هو مصلحة المواطن، وهي قطع بالقطع لا تصلح لا للترميم ولا للاستعمال وقد كشف الأستاذ مدى بشاعة عملنا الحكومي وسخافته وختم بشيء مهم جدًا هو أن الحكومة التي انتظرها وما زال المغاربة هو حكومة ليست فقط نابعة من صناديق الاقتراع بل حكومة لها استقلاليتها في القرارات والبرامج والتوجهات الكبرى والخطط الاستراتيجية وغير قابلة للإشراف من أحد أو تتلقى التعليمات من حكومة القصر التي تحكم البلاد والعباد، فهذا شأن أصبح المغاربة على علم به وبالتالي فلا يرجى وجود إصلاح أو تنمية بهذا النظام العفن، وتحياتي

  • خوردة السياسة
    السبت 19 يناير 2019 - 10:01

    Politics in Morocco represents the worst Khorda of the pieces can not conceivable for a thing, and larger than this that the government does not govern, but is only in the forefront, but the real government is the government of minors، and thanks

  • ZAD
    السبت 19 يناير 2019 - 10:04

    السياسة في المغرب تمثل أسوأ خوردة من القطع التي لا يمكن تصورها لشيء ، وأكبر من ذلك أن الحكومة لا تحكم ، بل هي في الصدارة فقط ، لكن الحكومة الحقيقية هي حكومة القصر وشكرا

  • Au Maroc
    السبت 19 يناير 2019 - 10:08

    La politique au Maroc représente le pire des morceaux inimaginables de quelque chose, et encore plus pour que le gouvernement ne gouverne pas, mais soit seulement en tête, mais le vrai gouvernement est le gouvernement des mineurs …

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب