الدراما المغربية.. ما الذي ينقصها؟

الدراما المغربية.. ما الذي ينقصها؟
الجمعة 18 يناير 2019 - 16:30

ألم يحن الوقت بعد لفتح نقاش جديّ وهادف بخصوص الدراما المغربية، وقد مرت عقود على انطلاقتها، وحققت تراكما كميا لا بأس به، وكذا الميزانيات التي ترصد لها كل موسم، وبسط سؤال الجدوى، خاصة في ظل اكتساح الإنتاج الدرامي الأجنبي لسوق المشاهدة منذ سنوات؟ فإلى متى تظل رؤوسنا مدفونة في الرمال كالنعامة وكأن شيئا لا يقع، نترك حبل هذه الدراما الأجنبية على غاربها، لتفعل فينا الأفاعيل، وتغزونا في عقر دورنا بلا حسيب ولا رقيب؟

فالإنتاج الدرامي نعم هو فرجة أساسا لا جدال في ذلك، بكل ما تعنيه من دقة اختيار الحدث، إلى السيناريو المتقن، إلى الحوار المطروز، إلى الحبكة المتقنة، إلى الممثل المناسب للدور المناسب، بعيدا عن العواطف أو ما يعرف بالإخوانيات، أو استغلال المغمورين أو المبتدئين الأقل كلفة، مما يجعل منطق الربح الشخصي هو الفيصل على حساب الجودة، مما يفقدها إشعاعها وقدرتها على المنافسة أمام الدراما الأجنبية التي تتربع على نسبة المشاهدة المغربية منذ عقود، مع الدراما المصرية بداية، حتى غزت الأسماء الشخصية المتداولة في هذه المسلسلات حالاتنا المدنية، وبعدها دراما أمريكا اللاتينية، فوجدنا من بسطائنا من يخوض حربا ضروسا من أجل إطلاق اسم إحدى بطلات هذه السلسلات على بناتهم “كوادلوبي”، ناهيك عن إطلاقها على مجموعة من السلع الاستهلاكية من أثواب وغيرها، كانت تكسب رواجا لمجرد أن تحمل اسمها، وصولا اليوم إلى هوس الدراما التركية. ومن منا لم يتابع المهزلة التي صاحبت زيارة بطلة سلسلة “سامحيني” إلى المغرب، إذ حج الناس بالآلاف لاستقبالها بالصفيقات والزغاريد و”الصلاة والسلام” والحراسة الأمنية المشددة وحضور وازن للإعلام الوطني؟ فإلى متى تظل قنواتنا الوطنية نفسها عالة على هذه الدراما الغريبة عنا في كل شيء؟ ويعلم الله إلى أين ستتجه بوصلة المستشهرين ممن لا يهمهم غير عدد المتتبعين والمشاهدين؟ فما الذي ينتظره القائمون على الشأن الدرامي ببلادنا؟

إذا كان عن عادات هذه الشعوب لربما بِتْنا منذ مدة نبزهم بزا. وإذا كان على تاريخهم فقد عرفنا ملوكهم ورؤساءهم ووزراءهم حق المعرفة، وكذا موسيقاهم وأغانيهم نترنم بها حتى ولو لم نعرف حرفا من لغاتهم. ولنتصور القصف اليومي لهذه السلسلات بما تحبل به من ثقافة. فهل تصمد ثقافتنا أمامها مهما لقحناها بحقن الممانعة؟

فالدراما اليوم لم تعد تقتصر على الفرجة وحسب، بل تتعداها إلى الاقتصاد واللغة والسياحة أيضا. فكم هم الذين ينظمون اليوم رحلات إلى تركيا، خصيصا ليروا القصر الذي مثل فيه “حريم السلطان”، وطبعا بالمقابل. ففي تركيا لا شيء بالمجان. أما الكارثة من شدوا الرحال فقط ليروا المنزلين اللذين كانا مسرحا لسلسلة “سامحيني”، ولفرط حماسة أحد الشباب، وبعد رحلة طويلة من المغرب إلى اسطنبول ومنها إلى أنقرة ومنها إلى أعالي الجبال وسط الصقيع، يتنهد من الأعماق لما وصل أمامهما وهو يرفع العلم المغربي مزهوا بنفسه كأنه الطاووس، قائلا بأن فخره لا يوصف بما أنه أول مغربي يصل إلى أمام هذين البيتين. ويضيف بأن إحساسه غريب وهو يقف بالمكان الذي كان يتحرك فيه كمال ومنار كوزان وسيرين كاياجان ووليد كوزان وسهيل يلدريم وعثمان كوزال وغيرهم. المسكين وكأنه وصل إلى قمة إيفرست أو قطع غابة الأمازون أو وضع رجله على القمر؛ لكن عذره معه، لربما رضع من ثدي أمه على نغمات أحداث هذه السلسلة التي لا تنقضي حلقاتها. علما فتنقيطها على سلم الدراما التركية لا يتجاوز 2/10.

ألم تبلغ سكين هذه المسلسلات عظم المواطن المغربي البسيط بعد، ليتحرك القائمون على أمر الدراما لفتح نقاش معمق حول التأثير السلبي لها على هويتنا وعلى قيمنا وحتى على نسيجنا وطريقة لباسنا؟

أعتقد أننا نملك من المقومات ما يؤهلنا لإنتاج دراما وطنية في المستوى، من غنى طبيعي هائل قل نظيره، بحار ووديان وغابات وجبال وسهول وصحاري ورمال وثلوج، ومناخ متنوع، وموقع جغرافي مهم صلة وصل بين أوروبا وإفريقيا، ثم وهو الأهم، فبلدنا من البلاد القليلة التي تتوفر على تاريخ زاخر وطافح بالأحداث، أعتقد لو وجدت الكاتب البارع، والمخرج المتمكن من الإخراج الدرامي، والسيناريست المتضلع في صنعته والمصور وغيرهم وطبعا قبلهم من يؤمن بالإنتاج الوطني من المستشهرين، فلا أظن أن درامانا تكون أقل إثارة مما نتابع فصوله لدى الدراما الأجنبية. فحدث تأسيس دولة الأدارسة بالمغرب مثلا بأحداثه المثيرة وحده كاف لإنتاج دراما قد تنافس كبريات الدراما المعروفة، ابتداء من فرار المولى إدريس من معركة فخ الرهيبة في مكة المكرمة، التي ارتكبها العباسيون في حق الطالبيين من آل البيت، إذ أعملوا فيهم السيف بالتقتيل والترهيب والتشريد، فقصد المغرب فرارا بجلده مرورا بمصر. وكيف دخل متخفيا مع ما ركبه من أهوال قبل أن يحط الرحال بقبيلة أوربة، إذ بايعوه وزوجوه بكنزة الأوربية إحدى بنات أحد أشرافهم، وكيف اجتمع حوله الأمازيغ وشكلوا قوة، كانت النواة لدولة الأدارسة. ورغم الاحتياطات والحذر كان الاغتيال من قبل مبعوث الخليفة العباسي الذي قرر أن يتخلص منه بعدما رأى نفوذ سلالة علي بن أبي طالب يتعاظم. فتم ذلك على يد سليمان الشماخ، الذي عرف ببيان لسانه وغزير اطلاعه. التحق بالمغرب وتقرب من حاشية السلطان حتى أصبح من المقربين للسلطان. والقصة معروفة كيف تمت عملية الاغتيال بالسم. ففر بعدها مباشرة في اتجاه المشرق. وبعد مراسيم الدفن، تمت مبايعة المولى إدريس الثاني وهو في بطن أمه كنزة، التي تولت بحنكة إدارة شؤون الحكم إلى أن سلمته إلى المولى إدريس الثاني الذي سار على خطى أبيه في تثبيت أركان الدولة، إلى حدود سن الستة والثلاثين حيث فاجأه الموت، قيل بسبب حبة عنب شَرَق بها، فأودت بحياته. تسلمت كنزة المرأة الحديدية زمام الأمور من جديد إلى أن أولت ابنه البكر محمد سلطانا على المغرب، وحثته على تولية بقية إخوته على رأس الأقاليم حفاظا على وحدة البلاد وأمنها.

ألا تصلح هذه الأحداث المتشابكة وغيرها لتكون مادة دسمة لإنتاج دراما مغربية خالصة نحقق بها أكثر من هدف؟ ألا تكون مناسبة ليطلع شبابنا على جزء من تاريخ بلادهم في هذا الوقت المبكر؟ فكثير منهم لا يفكر في فترة التأسيس هذه. وحتى إن فكر فيها فلا يظنها سوى كأي حدث عادي لا معاناة فيه ولا مكابدة. فهم لا يعرفون أن أحداثها عجنت بالدماء والدموع، من أجل تثبيت أركان الدولة، والقضاء على كل ما يهدد كيانها. تلك حال كل الدول المتعاقبة على حكم المغرب، جاهد شرفاؤها وأحرارها من أجل المحافظة على وحدته واستقلاله. فكم من شبابنا من لا يعرف أن ما ننعم به اليوم من وحدة وطنية في ظل الملكية هو تراكم، هو مجهود قرون، هو بناء لبنة لبنة منذ اثني عشر قرنا، تخللتها تضحيات جسام كان من فصولها تضحية محمد الخامس طيب الله تراه بعرشه، لما آثر النفي على الخضوع لإرادة المستعمر، مسطرا ملحمة الاستقلال مع شرفاء الوطن وأحراره، بوضع اليد في اليد حتى فرضوا على المستعمر قبول الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

ألا يمكن لهذه اللحظة التاريخية نفسها أن تكون مادة خامة لدراما مغربية جديرة بالمتابعة، بشرط أن لا تكون من قبيل السرد التاريخي البارد، الذي عادة ما يطغى عند محاولة تمثيلها.

أن تكون دراما مفعمة بالحركة، من قبيل ما نراه لدى غيرنا ممن يفرض علينا تتبع إنتاجه الدرامي. إنهم يجعلونك في صلب الدراما التي ينتجونها، حتى ليخيل إليك أنك تعيش الأحداث في خضمها الزمكاني.

كاتب

‫تعليقات الزوار

5
  • Peace
    الجمعة 18 يناير 2019 - 16:50

    متفقة معك استاذ بوسلهام عميمر, انا شخصيا احب الدراما و المسلسلات و الافلام المغربية جدا, لانني احب الدارجة و الثقافة المغربية و كل شيء مغربي من دمباني و ديكور و الاكل و الطبيعة و غيرها و هي متنوعة جدا و غنية. بالاضافة الى انها تصنع مواهب و عمالقة هذا الفن و الفن بصفة عامة و تساهم في خلق فرص شغل عديدة و متنوعة و التعريف بالبلد و تربية الاجيل و التاثير عليهم ايضا سلوكيا و ثقافيا… و تحسيسهم بمواضيع تخصهم.

  • المحاسبة
    الجمعة 18 يناير 2019 - 16:54

    شكرا للاخ الكريم على المقال القيم والاشارات الدقيقة والهادفة ..ومن باب التفاعل فقط يمكن الحديث عن فترتين أو زمنين فاصلتين في مجال الدراما المغربية ..حقبة ما بعد الاستقلال على قلة الموارد والتجارب ولكن كانت هناك القصدية والمهنية والفرجة والمصداقية والتحسن من حسن الى احسن وقد تكون هذه الحقبة بلغت حتى بداية تسعينات القرن الماضي والدلائل والمعايير والمؤشرلت الدالة كثيرة …أما الحقبة الثانية هذه البرهرجة الفارغة فهي التي لازالت مستمرة قائمة وفاشلة لا طعم ورائحة ولا دوق لها.. والسؤال هو هل هناك أولا دراما مغربية بقواعدها حتى نتحدث عن النواقص.. ان الفنون جميعها من موسيقى وتشكيل ومسرح ودراما ومديح وسماع وغير ذلك محتاجة لوقفة تأمل حول قيمتها المضافة في المجتمع .. والى ضرورة مراقبة منحها ومواردها وفي ماذا تصرف ..ان قطاع الثقافة والفن هو مجال الريع لا أقل ولا أكثر الا من رحم ربك وقلة هي الجمعيات الجادة في مجال الثقافة والفن ببلادنا ..وهذا يضيع الفرص على الكثير ..

  • كاره الضلام
    الجمعة 18 يناير 2019 - 17:00

    هناك شق اداري في المسالة تهم السياسة الثقافية عموما من تعيين المسؤولين على الهيئات و المؤسسات الثقافية الى تنظيم الدعم المالي الى تقنين القطاع و الحد من المحسوبية و الفوضى و اقتحام المجال من طرف الغرباء عنه و هناك شق فني يتحدد خصوصا في امر واحد و هو السيناريو، لان كل المتطلبات الفنية الاخرى متوفرة بغزارة في المغرب من ممثلين و مخرجين و موسيقيين و تقنيين و يبقة الخصاص المهول هو السيناريست و الامر ليس راجعا لانعدام المواهب و انما لاقصاء ممنهج و احتقار للمنهة و احتكار للعملية الابداعية من طرف المخرج و المنتج اللدان يكون همهما غير فني في اغلب الاحيان، السيناريست الدي يكتب اكثر من تلاثين حلقة بنفس الجودة و بروح مغربية هو الدي ينقص المشهد ،و الشقان يتكاملان بحيث ان الاصلاح لااداري السياسي سيؤدي الى تحقيق الجودة الفنية ،القضاء على الريع و المحسوبية و المتطفلين سيؤدي حتما الى ان تنال المواهب المقموعة فرصتها ،و اعتقد ان دلك المسؤوال دي الروح المغربية و الغيور على الفن المغربي لم يات بعد و ان التسيب و الاستلاب الثقافي سيستمران للاسف

  • hobal
    الجمعة 18 يناير 2019 - 17:43

    كما يقول المصريون بلاش من الدراما
    الا تكفي الدراما التي يعيشها المواطن
    نساء يلدن على ابواب المستشفيات مرضى يذهبون الى مستشفى وهم في حالات حرجة فتسمع اذهب بمريضك الى مستشفى اخر وعند وصولك يقلون لك اذهب به مستشفى اخر
    اليس محاكمة حراك الريف دراما تاثرت لها دول العالم اليس بنكيران وحزبه اكبر منتجي الدراما منذ سنين المغرب باحواله دراما .

  • الدرهاما المغربية
    الجمعة 18 يناير 2019 - 18:25

    عوض الدراما المغربية يمكن تسميتها ايضا بالدرهما المغربية لأن كل شيء فيها لا يتحدث الا عن الدرهم وليس شيئا آخر أنا اعتقد أن الفن والثقافة في المغرب ماتت اجنحته فلم تعد هناك لا جمعيات مؤطرة ولا اتحاد كتاب المغرب الذي اصيب بالمرض الخبيث ولم تعد مراكز التكوين تخرج فنانين وحتى البيئة الاجتماعية لم تعد تفرز فنانين بالفطرة ,,اللهم القلة القليلة ,,,الثقافة في بلادنا هي مجال للريع والبحث عن الاسترزاق والسفريات والتقرب من السلطة ومن رجال المال والاعمال والسياسيين وهذا ليس عيبا ولكن ماذا يفرز هذا النوع من الاشتغال إن الفن هو أداة تكوين ورقابة ومواكبة وتحسيس وبناء للاجيال …فاين هو الفن الآن من هذا الهدف ..كل شيء يجري على الدرهم ولهذا فهي الدرهاما المغربية وليس الدراما التي لاتزال اصلا غير موجودة أو بئيسة الوجوه ..

صوت وصورة
الفهم عن الله | التوكل على الله
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | التوكل على الله

صوت وصورة
مهن وكواليس | الرايس سعيد
الإثنين 18 مارس 2024 - 17:30

مهن وكواليس | الرايس سعيد

صوت وصورة
حملة "بن زايد" لإفطار الصائم
الإثنين 18 مارس 2024 - 16:21 2

حملة "بن زايد" لإفطار الصائم

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الاحتياجات النفسية عند الأطفال
الإثنين 18 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الاحتياجات النفسية عند الأطفال

صوت وصورة
ناجية تروي تفاصيل حادث أزيلال
الإثنين 18 مارس 2024 - 15:25 15

ناجية تروي تفاصيل حادث أزيلال

صوت وصورة
ما لم يحك | تصفية الدليمي
الإثنين 18 مارس 2024 - 15:00 1

ما لم يحك | تصفية الدليمي