إلى روح الفقيد هشام عينو
أحقا رحل قبل الأوان إلى المأوى الأخير.. وكأنني الآن أمشي خلفه أجر تعب السنين حتى لا أتركه في سفرته الأبدية وحيدا.. حين ودع ظله العليل وحمل آخر حقائبه المعبأة بوميض الابتسامة المعهودة.. ومواعيد آماله الموؤودة.
كان يكبر في عيوننا وكان جناح الحلم يترعرع على كتفيه ليحلق به طليقا عاليا في الآفاق النائية.
أذكر يا شقيقي.. يا صديقي ذات فراق أليم حبكته بيننا الأقدار.. كنت ما تزال ترتع في حدائق الحبو.. ترنو إلى زهرة عمري على الصورة وتسأل الله إن كانت أنياب جوع وعطش العزلة قد مزقت قميصي الوحيد في قرارة الجب.. وكنت حين تعز عليك الأجوبة الحيرى تلوذ إلى فسحة الصبر لعلك ترى طيفي الغريب قادما يوما ما ليتلقفك بين ذراعيه ويحشو فمك بالشوكولاتة وجيوبك الصغيرة بالحلوى ويمسح عن خدك دمعة طويلة حفر أخدودها إزميل الوقت أواخر صيف بعيد.
حين عدت من غربتي ذات شتاء ألفيتك قد كبرت وكبرت معك الأحلام.. رأيتك تشق بكل عزم شعاب المتاهات تارة بروح الوحي اليقين وتارة على حبل الشك المديد.. وكنت تفتح لي دواوينك الموسومة بحبر الخلق والعرق الأصيل…
بعد كل هذا الحظ من قدر السنين.. ما إن آويت إلى سقفك المكين.. واستدفأت بشمس الفتوة.. وما إن استأنست بدربك الطويل.. حتى رماك الوقت بسهم الرحيل.. وأشهد أنني عرفتك كما عهدتك مدججا بالصبر الجميل.. متمنطقا بالإصرار واستماتة المقاتلين.. قاومت وكابرت إلى أن انتصرت على الرحيل الموجع بسلاح الرحيل الواثق.. المغتبط.. المتلفع برداء الطمأنينة الأبدية…
نم يا شقيقي.. نم يا صديقي قرير العين في رقدتك الأخيرة.. أو انهض متى شئت في سحاب أحلامي.. سامرني واقصص لي عن أسفارك الأخرى وعن باقة الزهر الصاعدة من تحت الثرى.. انهض أمامي لحظة وارسم على باب بيتنا القديم ما تبقى من حكاياك عن المواعيد.. ارحل كما شئت أو لا ترحل.. سيان عندي.. فقد غدوت في مهجتي جزء من البقاء.. وداعا يا صاحبي وإلى لقاء…