كوبا "الثورة والدولة" في دستور جديد!

كوبا "الثورة والدولة" في دستور جديد!
الخميس 21 فبراير 2019 - 22:29

في 24 فبراير الجاري سيتم التصويت في استفتاء شعبي على الدستور الكوبي الجديد، وذلك بعد أن صوّت البرلمان بنوابه البالغ عددهم 560 نائباً بالإجماع على المشروع بعد مناقشته بحضور راوول كاسترو الأمين العام للحزب الشيوعي. وافتتح باب النقاش على الدستور الذي ساهمت فيه نقابات واتحادات وجمعيات وهيئات مدنية متنوّعة، إضافة إلى جمهور واسع، لسماع آرائهم ومقترحاتهم طيلة ثلاثة أشهر من 15 غشت لغاية 15 نوفمبر قبل عرضه على البرلمان (دجنبر 2018).

ووصل عدد الاقتراحات إلى 783 ألفا و174 اقتراحاً لتعديلات أو إضافات أو حذف أو إلغاء. وقامت لجنة مختصة بتصحيح 60% من النص الأصلي، وشارك في النقاش الغالبية الساحقة من الذين يحق لهم التصويت من سكان كوبا البالغ عددهم 11 مليون نسمة.

وكان من أهم التعديلات إلغاء فقرة تتعلق ببناء المجتمع الشيوعي، وهي التي كانت من أبرز ما تصدّر دستور العام 1976. وقد أثارت تلك النقطة ردود فعل متباينة، منها أن كوبا تخلّت عن نظامها الشيوعي، خصوصاً بانفتاحها على اقتصاد السوق، حيث يعمل الآن 591 ألف كوبي في القطاع الخاص، وهو ما لم يكن مسموحاً به قبل سياسات الانفتاح وتخفيف وطأة تدخل الدولة التي كانت سائدة طيلة نصف القرن الماضي.

لكن الاتجاه الآخر يعتبر مثل ذلك التطور مجرد قراءة جديدة للحظة التاريخية التي تستوجب التعاطي مع مستجدات العصر والانفتاح أكثر على الملكية الخاصة والاستثمار الأجنبي، مع حفاظ الدولة على مكتسباتها الاشتراكية وعدم التخلي عن مقاليد السلطة، واعتبر منسق لجنة صياغة الدستور أوميرو أكوستا إن هذا الدستور هو ” تعبير صادق عن الطابع الديمقراطي والتشاركي لشعبنا لأنه انبثق منه ويعبّر عن روحيته”.

وأكّد الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل الذي تولّى السلطة في 19 أبريل/نيسان 2018 خلفاً لراوول كاسترو الذي حكم من 2008 ولغاية 2018، بعد أن تولى شقيقه فيديل كاسترو زعيم الثورة فعلياً قيادة البلاد من العام 1959 ولغاية العام 2008، إن الدستور الجديد ينص على إعادة صلاحيات رئيس الجمهورية ونائب الرئيس ورئيس الحكومة وهو يحدد سقف الترشّح عند تولّي السلطة للمرّة الأولى بـ 60 عاماً، كما يحدد مدّة الرئاسة بـ 5 سنوات قابلة للتجديد لمرّة واحدة.

وقد أثار موضوع “زواج المثليين” نقاشات حادة وردود فعل كبيرة بسبب الصيغة الملتبسة التي احتواها الدستور بتعريفه الزواج بأنه “اتحاد بين شخصين” وليس بين رجل وامرأة، كما هو حال دستور العام 1976، وكانت غالبية المشاركات والمشاركين قد عبّرت عن رأيها برفض هذه الصيغة التي تم العدول عنها، والإبقاء على الصيغة القديمة التي تغلق الباب أمام زواج المثليين.

ويحتوي مشروع الدستور الجديد على ديباجة و224 مادة، وسيقوم بنسخ دستور العام 1976، الذي جاء في ظروف الصراع الأيديولوجي الحاد وثقافة الحرب الباردة، فهل سيشكل الدستور الجديد قطيعة مع الثورة، لاسيّما لأجيال ما بعد الثورة؟ أم أن الدولة أصبحت من القوة بمكان فأخذت تجري مراجعة للتجربة بإيجابياتها وسلبياتها، متوسمة إحداث إصلاحات هيكلية وضرورية في بنية النظام؟ .

ولعلّ دواعي الإصلاح كان قد مهّد لها راوول كاسترو الذي قام بتشجيع السياحة الأجنبية التي ارتفعت من 400 ألف إلى 4 مليون سائح والسماح لبيع وشراء المنازل والممتلكات وإدخال مقتنيات التكنولوجيا والعولمة مثل الانترنيت والكومبيوتر والهواتف النقالة وتخفيض العمالة الحكومية والقيود المفروضة على الكوبيين للسفر وتوزيع الأراضي على الفلاحين وتشجيع الاستثمارات الأجنبية.

وكان مثل هذا التطور والانفتاح يحتاج إلى قاعدة تشريعية ودستورية شرعية لمواجهة التحديات المجتمعية، تلك المرتبطة أساساً بالتنمية والحريّات، ناهيك عن التحديات الإقليمية والدولية، لاسيّما بعد الزيارة التاريخية لباراك أوباما إلى هافانا ( 20 مارس 2016).

“حروب سبعة، آخرها الحرية والحداثة” كان هذا عنوان فقرة ختامية في كتابي الموسوم ” كوبا- الحلم الغامض”، (دار الفارابي، بيروت، 2010) والحروب الخمسة اجتازتها كوبا بنجاح خلال القرن ونصف القرن الماضي، ورغم ما تحقق، فإن حقل الحريات وحقوق الإنسان بحاجة إلى إعادة نظر، وإقرار بالتعددية وحرّية التعبير وحق الاجتماع والاعتقاد والتنظيم والمشاركة، فقد أدى التضييق على هذه الحقوق إلى استثمار الثورة المضادة لهذه الثغرات والمثالب، الأمر الذي كان يحتاج إلى مراجعة جادة ومعالجة إيجابية لإدراجها في الدستور.

وسيبقى مصير كوبا ومستقبلها رهناً بمواجهة التحدي الخاص بقدرتها في الاستثمار بالعلم والتكنولوجيا لمواكبة التطور العالمي، التي ظلّت محرومة منها بسبب الحصار الأمريكي الجائر عليها منذ ما يزيد عن نصف قرن، إضافة إلى شحّ الإمكانات والعزلة ونقص الموارد.

ويأتي الدستور بمثابة الجرعة الأولى للانتقال الديمقراطي بمبادرة من داخل منظومة النظام لاعتبارات براغماتية ولكسر حالة الجمود السياسي والركود المجتمعي والحراك الشعبي ولتطوير الاقتصاد وفكّ العزلة، ولكن المطلوب اليوم وفي المستقبل هندسة جديدة تربط الاشتراكية بالديمقراطية، وتضفي عليها “وجهاً أكثر إنسانية”، وذلك هو الضمان لتحقيق مجتمع أكثر عدالة.

*باحث ومفكر عربي

‫تعليقات الزوار

1
  • جليل نور
    الجمعة 22 فبراير 2019 - 13:46

    طبعا ليست كوبا دولة اشتراكية (كيف ذلك و قد عانت و تعاني من جار رأسمالي متسلط) و لا دولة أخرى هي كذلك.. الصين نظام لرأسمالية الدولة حيث تزدهر طبقة الأغنياءالجدد أما الحزب "الشيوعي"، طليعة الطبقة العاملة مبدئيا، فتسوده طغمة من "الأمراء الحمر"..إيديولوجيا تقرير نسخة دستور كوبا الجديدة أن المجتمع ليس إشتراكيا صحيح و يؤيده الواقع و التاريخ..في الأدبيات الماركسية-اللينينة قرأنا أن بناء المجتمع الشيوعي يمر عبر مرحلتين: مرحلة دنيا على أساس "من كل حسب طاقته و لكل حسب عمله" و هي الإشتراكية، قبل الإنتقال إلى مجتمع الوفرة و العدالة الإجتماعية الكاملة أي الشيوعية تحت شعار "من كل حسب طاقته و لكل حسب حاجته"..نذكر  كيف أن بريجنيف صرح  يوما و ورد في تعديل دستور الإتحاد  السوفييتي سنوات قليلة قبل إنهيار النظام: لقد تمت مرحلة الإشتراكية و سننتقل الآن إلى المرحلة الشيوعية! للأسف النظام السوفييتي انتهى إلى إحراق كل المراحل و عاد إلى الحضن الرأسمالي الدافئ و كذلك تفعل الصين بطريقتها فما بالك بكوبا االعاثرة الحظ التي يصدق عليها المثل المغربي: الجار قبل الدار!

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 8

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب العقوق
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب العقوق

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | مقلب ري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | مقلب ري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 18

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب