لعنة الذهب القادمة من الفضاء الخارجي

لعنة الذهب القادمة من الفضاء الخارجي
الثلاثاء 26 فبراير 2019 - 20:09

هدية إلى قراء جريدة هسبريس المغربية

قصة دراماتيكية تدور أحداثها بكل من طنجة وأبي ظبي وهانوي وأكادير.. فتاغازوت، تحبل بوقائع ترتكز على وجود سبائك ذهبية لكائنات قادمة من الفضاء الخارجي تبحث عنها بصور وأشكال مروعة مهددة حاملها بزيارات ليلية رهيبة!!

في الطريق ليلا

كان الليل مدلهما في نزعه الأخير حينما لاحت في الأفق من بعيد أضواء لسيارة مرسديس 250 تشع على جنبات طريق صخري في اتجاه مدينة طنجة عبر الشاون، كان بصر المجروفي مسمرا على مؤشر الوقود يترنح بين رقمي 1 و2.. بين الفينة والأخرى يقذف جليسه السمراوي بهذه الجملة “… آلحاجْ… آلحاجْ…دابا واحْنا وصلنا…آه مبقشاي…”، يرمقه السمراوي بعينين حمراوين متورمتين يغالبهما النعاس، ثم ما لبث أن طرق برأسه على يساره وقد راح في نوم عميق، لم يبال بحدة الفرامل التي كان المجروفي يضغط عليها بين آن وآخر، وهو ينزل أحد المنحدرات الجبلية… لكن وفي لحظة ما تداعى إلى ناظريه شبح طائر، فاعتقد أول الأمر أنه لطائر الوطواط يرتاع في تلك الأحراش، بيد أنه عاوده ثانية فتراءى له من الضخامة حتى غشي الزجاجة الخلفية، فظن أن عياء السفر قد تمكن منه حتى بات يحلم أحلام اليقظة! توقف قليلا وهمّ بإشعال لفافته المفضلة ماركيز.. عبأ منها نفسا عميقا وتحول إلى الحاج السمراوي عله يجد لديه كلمة أنيسة…

ــ “آلحاج… آلحاج… واشْ ما…؟”

ــ غمغم السمراوي وأخذ يتلمظ بلسانه محاولا استبيان حديث صاحبه: “انْعام…آشْ تمّا… راه النعاسْ آخويا المجروفي..”

ــ “واشْ ما بان ليكْ والو..”

ــ ” كيفاشْ… آشْ غيبان لي أوعينيّا مشدودين بالنعاس…”

ــ “شي اخْيال كبير… اخْيال معمْري شفْت بحالو…”

ــ “ياكْ ما كنتي تحلم…ونتا سايقْ؟..”

ــ “جوج مرّات… قدّامنا ومورانا…”

ــ “اخْيال… اخْيال!..اديلاش؟ “

ــ “معرفتشْ… خصنا واقيلا نعسو شويّا على ما يطلع نهار..”

ــ “الدنيا خاليا..واحنا هازين معانا لهازّين..كيفاشْ!؟”

استأنفت المرسيديس سيرها حتى إذا أشرفت على تلة داهمتها أنوار قوية في شكل هالة كبيرة تومض جنباتها بالأصفر والأحمر.. وفجأة توقف المحرك وخبت أنوار السيارة بأكملها، ركب المجروفي ذعر شديد وهو يحدق مشدوها في لوحة القيادة.. حتى ما كان من الفرامل توقفت تلقائيا… أخذ يتساءل.. فلا تكاد الكلمات تطاوع لسانه: “… هل هذا حاجز طرقي بهذه الضخامة؟!..لا…لا”

ــ ” السمراوي يفرك عينيه محملقا في الهالة… ماذا أرى… انظر… هي لمركبة….”

ــ ” المجروفي، يبحث عن ولاعة.. ليستبين بها لوحة القيادة.. إلهي… إلهي…وحتى الولاعة لا تتــ”

المجروفي والسمراوي.. أخذا يجيلان النظر في شبحين بحجم ديناصور يخطوان قبالتهما فأحسا بخفقان شديد وقشعريرة أتت عليهما من أم الرأس إلى أخمص القدمين، على إثرها ذهبا في شبه غيبوبة… استفاقا منها بعد حين على جلبة محرك السيارة وقد عاد إليه هديره فور اختفاء الهالة!

السمراوي يجرد هاتفه ليرد على مكالمة “… آلو…نعم… آلو مسيو الكوهن! لا…لا ربما من دابا شي ربع ساعا….راحْنا داخلين لطنجة… واخّا…. واخّا…لا… كون هاني آمسيو الكوهن…”

كان المجروفي يذرع شوارع طنجة المقفرة، وصور الأشباح ما زالت تملأ مخيلته، مع ما رافقها من أحداث ظلت إلى ذلك الحين ضاغطة على أعصابه وغير عابئ بالحمولة التي سيقايض بها ملايين الكوهن الصائغ اليهودي الشهير.

ولجا دهليزا شبه معتم ومنه ترجلا نحو سلم حديدي كان يفضي مباشرة إلى قاعة قديمة ازدانت جدرانها بأجهزة وكابلات وقوارير ولامبات…بدا من أدواتها الدقيقة أنها محلة معدة للصياغة. كان في استقبالهما الكوهن، رجل خطى الشيب مفرقه وقد تجاوز الخمسين من عمره، نظراته تشع ذكاء وخبثا:

ــ “… مرحبا…… مرحبا… وكأنني علمت بطارئ أخركم عن الموعد… لا بأس… لا بأس هيا تفضلوا…”، دلفوا إلى غرفة مجاورة تتوسطها منضدة رصّت كراسيها ومناشفها بعناية.. بعد حين دخلت امرأة تحمل صينية فبادر الكوهن السمراوي:

ــ “… أعددت الفطور الذي يروق صاحبك… الاسم الكريم…؟ آه عفوا السيد المجروفي مرحبا… مرحبا”.

همهم المجروفي من جانبه لرد التحية، ويده اليمنى ما زالت مثقلة بكيس جلدي بني محكم الأزرار والأقفال، وضعه جانبا على كرسي مستقل وحانت منه نظرة إلى الطاولة التي ازدحمت بأطباق الثريد والإسفنج الملطخ بعسل النحل إلى جوار الملوي وأوعية زجاجية بالزبادي وزيت الزيتون متصلة بآنية فضية تحمل محرشة بلدية وقد دهنت أطرافها بسمن الماعز، ما زالت أبخرتها تعبث بروائحها الشهية في زوايا الغرفة. لكن المجروفي لم يرق له سوى كأس شاي منعنع ليظل بيمناه يرشف منه بين آن وآخر وبصره إلى الفضاء لا يلوي على شيء.

ولّع الكوهن للسمراوي قضيب سيجار كوبي ذهبي قبل أن يدعوهما إلى دخول ورشته:

ــ الكوهن متوجها إلى السمراوي: “آشي الشمراوي.. يالله… آشيدي نبداو..؟ أراو نشوفو..”

ألقى المجروفي من حوله بنظرة توجس قبل أن تمتد يده إلى الكيس ويستخرج منه أربع سبائك ذهبية بلمعان يكاد يذهب بالأبصار بقوالب فريدة من نوعها… تناولت يد الكوهن إحداها وأخذ يمعن النظر بعينين جاحظتين خلف نظارة سميكة، كانت أمارات الاندهاش بادية على محياه وهو يسلط فانوسا دقيقا على جنباتها قبل أن يودعها في جوف روبوط صغير ليقرأ على شاشة مجاورة لحاسوبه بيانات جعل يطيل النظر إليها، ويسراه ما فتئت تقبض على ذقنه حائرا.. وفي غمرة صمت لفّت المكان أزاح عنه النظارة متوجها إلى السمراوي:

ــ “… أمر عجيب هذا لطالما عملت في الصياغة لم يسبق لي أن شاهدت هذا العيار لمدة أربعين سنة..!”

تململ السمراوي في مقعده ومال على أذن المجروفي: “… ياكْ قلتها ليكْ امْعلم يهودي احْرايفي.. مكاينشْ اتْخرشيش..”

أودع الكوهن السبائك بخزانة حديدية بشيفرة معقدة، ثم استخرج منها في آن واحد حقيبة معدنية وفتحها تحت أنظارهم… كانت مكدسة برزم أوراق الدولار من فئة $100 تأملها كل من السمراوي والمجروفي، وقبل تسليمها لهما أخرج من درج مكتبه رزمة أوراق اليورو ووضعها بيد المجروفي قائلا: “هذه عمولة إضافية زائد المائة مليون.. رجائي أن نظل أوفياء لصداقتنا”.

المجروفي ما زال طريد الأشباح

توقفت بهما سيارة المرسيديس على ضفة ميناء طنجة المتوسط، فتح المجروفي الحقيبة وناول السمراوي حزمتين من أوراق الدولار قبل أن يشد على يديه مودعا: “… آلحاج.. ما زال نتلاقاو… أنا عندي شي اشْغال فتطوان”.

استأجر المجروفي غرفة بفندق ريتز بمدينة سبتة مطلا على البحر… فتح الحقيبة وأخذ يتأمل أوراقها، يفركها ثم يعيدها مكانها وأغلقها… راح إلى البلكونة جالت به نظراته في الأفق البعيد الملامس لمستوى مياه البحر، وفجأة لاحت له من بعيد سحب داكنة فتولى عن تلك الجهة لما كان يشكل له من حرقة بتذكيره بالليل وما يحمله له من كوابيس وأخيلة رهيبة منذ أن عثر على السبائك الذهبية… قعد إلى طاولة وأخذ يلهو بحاسوب الفندق، يتحول بين الصور والأخبار والأماكن… وبعد حين عنّت له فكرة البحث عن الأشباح وعلاقتها بالسبائك الذهبية… أخذ اهتمامه يزداد تركيزا كلما توغل في نقر أخبار هذه الظاهرة التي لم يسبق له أن سمع بها، كانت تتقاذفه المواقع الالكترونية من أبحاث إلى أخرى لينتهي إلى موقع لنادٍ مختص، بيد أن ولوجه كان يستوجب ترخيصا لم يكن متاحا إلا بزيارة جزيرة كات با (Cat Ba) بهانوي بفيتنام الشمالية، وبعد تردد مضني وعلى وقع ملاحقة الأشباح له وتنغيص طعم النوم وراحة باله… اتصل بإدارة الفندق لحجز مقعد بأول طائرة متجهة إلى أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة ومن ثم إلى هانوي… وفي اعتقاده أن مغادرته المغرب ستخلصه من محنة وعذاب الهامات التي تتربص به كل ليلة.

على متن طائرة إلى أبو ظبي

كان المجروفي يحس بالغبن والغيرة وهو يرى رؤوس المسافرين من حوله ممددة وقد ذهب أصحابها في نوم عميق، بين المرة والأخرى كانت تتبدى له عبر كوة الطائرة قطع مضيئة لسفن تمخر عباب البحر على علو 7000 متر، وكثيرا ما كان يتبادر إليه أنها كائنات فضائية في طريقها لزيارته… حاول أن يغفو قليلا لكن في كل مرة يستشعر باهتزازات خفيفة أسفل مقعده فيخالها لضيوفه وقد جاؤوا ليقتلعوا وجوده على متن الطائرة… عمد إلى مضيفة الطائرة وسألها إن كان بودها أن تمنحه ولو دقيقة بالقعود إلى جواره لمجرد الاستئناس، اعتذرت: “… I’m sorry , Sir I have a lot of services..So”، لكن بعد حين فوجئ بقعودها إلى جانبه فركبه الذعر معتقدا أنها موفدة من قبل العالم الخارجي، صعق وحاول الهروب من أمامها وهي تحاول أن تهدئ من روعه بابتسامة حينا ومد ذراعها حينا آخر. اندهش المسافرون لرؤيته وهو ينتحب جانبا في ذهاب وجيئة بالممر.. اعتقدوا أول وهلة أنها نوبة ألمت به فتطوع أحد الأطباء إلى مناولته قرصا مهدئا… غفا قليلا على إثره ولم يصح إلا بعد أن جاءته المضيفة تعرض مساعدته في نزول سلم الطائرة.

بأسواق هانوي

تزخر أسواقها بحركة دائبة، يقصدها السياح من الصين واليابان وأستراليا، عدى الفيتناميين، يتهالكون كثيرا على مقتنيات بسيطة كالأغطية والأفرشة والصناعات التقليدية كأغطية الرأس والحقائب الجلدية إلى جانب معروضات التوابل والبخور.

كان المجروفي هائما وسط حشود من جنسيات وبألوان مزركشة، سحناتهم تتشابه من فرد إلى آخر، كانت خطاه متثاقلة ونظراته تائهة وسط الغفير والمقاهي المنتشرة على الأرصفة، ومن خلالها تداعت له صور ساحة الفنا وكنوزها ومعروضاتها وشواؤها… كيف له أن يستأنس بالقضيبين الخشبيتين وقد دأب على استخدام أصابعه في التهام الأطباق… انتحى مكانا وقعد يتفرس الوجوه.. كان يخيل إليه أنه أمام صور سينمائية متحركة وبأفراد مستنسخة ولغات اعتقد أنها أعقد لغات الدنيا، تصل أصواتها إلى أذنه بلكنات متضاربة…

فجأة وقع نظره على شخص بسحنة بدت له شبيهة بالمراكشية.. اقترب منه وحياه بعبارة “.. كيدايرْ آولد البلادْ…؟” فزعق الرجل واستنفر من كانوا حوله، وأخذ يصرخ “… مجنون… مجنون…” بالفيتنامية، لكن سرعان ما تداركه رجال شرطة مشاة، اقتادوه إلى مركز قريب وأخذوا يستجوبونه.. لكن المجروفي فقط كان لا يحسن سوى اسم الجزيرة كات با (Cat Ba) وبعد التأكد من هويته أرسلوا في طلب سيارة أجرة قادته بمسافة بعيدة إلى مشارف الجزيرة ومن ثم أركبوه عبّارة تبعا لتعليمات الشرطة، رست به قرب مغارة…

بدا المكان شبه مقفر وبسكون لا يخترقه سوى خرير مياه تتكسر هائجة على حافة صخور المغارة.. دلف من طريق رملي وأخذ يحملق في جدران وأعمدة مهترئة، تحمل بقايا صفيحة زنك تلاشت حروفها، كانت محل صفير حاد بفعل تيارات الرياح التي كانت تلطمها برتابة بين الفينة والأخرى.

وبينما هو كذلك تائها ومتوغلا في هذا الدهليز، إذا به يرمق عن بعد شخصين متجهين صوبه، فقد تكون كاميرات مراقبة رصدت غشيانه لهذه المغارة، استوقفوه بلكنة حادة، بيد أنه وفور إخضاعه للتفتيش ناولهم ورقة مكتوبة باللغة المحلية “معلنا عن عزمه لزيارة باكاشهلوم” كانت هذه الورقة بمثابة إيذان للدخول… رافقوه إلى سلم أرضي أفضى إلى قاعة فسيحة دافئة تتوسطها منضدة ضخمة وعلى يسارها بدت هناك أسفار عديدة تؤثث جانبا خلفها… سكون عام يملأ المكان… اقتعد كرسيا محاذيا للمنضدة، وراحت نظراته تسرح في هذا البهو الذي بدا أشبه بكاتدرائية من شدة مظاهر التجلة والوقار التي كان يقرأها على كل شيء توجه إليه بصره.

باكاشهلوم يلج القاعة

ظل المجروفي مسمرا في مقعده ينتظر ما سيُفعل به، وهو الذي رمى بنفسه في هذه الربوع بين أقوام باعدت بينهم وبينه كل الطباع والعادات… وما هي إلا لحظات حتى وضع حدا لتصوراته دخول شيخ هرم من الباب الخلفي مصحوبا برجال في زي خاص لم يعهد له مثيلا إلا لدى لاعبي رياضة الكونكفو. وقف الشيخ ثم بدرت منه انحناءة وهو يتأمل من طرف خفي سطيحة وجه المجروفي، كان حاسي الرأس بلحية هدباء وشعيرات ناعمة ضاربة إلى اللون الأصفر وبنظرات صلدة حادة.. دعاه إلى القعود وطفق يتأمل الورقة ثم تحول إلى أحد مساعديه، وهمهم له بكلمات وكأنه المترجم: التفت إلى المجروفي:

ــ “باكاشهلوم.. يسألك متى شرعت هذه الأخيلة والأشباح تعترضك ليلا..؟”

ــ “منذ أن حصلت على سبائك ذهبية..؟”

ــ “ومن سلمك إياها..؟”

ــ “أنا من هواة القنص قصدت ذات يوم غابة عندنا بجهة الأطلس قرب مراكش.. توغلت صحبة كلبي، وإذا بي فجأة أسمع نباحا فاستغربت لعدم وجود طريدة.. لكن لما قصدت مكان الكلب عثرت على حقيبة جلدية بدت غير بالية… ترددت في فتحها أول الأمر، لكني أخيرا امتدت يداي إلى سلاسلها وفك أزرارها لأجدها تحوي خمس سبائك ذهبية…”

حانت من باكاشهلوم ابتسامة الظافر، وطفق يقلب صفحات مجلد ضخم كان منشورا أمامه.. ثم رفع رأسه وسأل بالنيابة:

ــ ” أين ذهبت بالسبائك؟”

ــ “بعتها”

ــ “كلها؟”

ــ “لا.. احتفظت بواحدة في دولاب خزانة لي”

باكاشهلوم.. يرفع كفه اليمنى في وجه المجروفي وكأنه انتهى إلى سر ما، ما لبث يوضح للمترجم بعض الملابسات الغامضة التي تلف بقصة المجروفي، سأله أخيرا:

ــ “كم من المدة التي مضت على عثورك على هذا الذهب؟”

ــ “قرابة ثلاثة أسابيع”

ــ “وأثناء قيادتك للسيارة ونزول الأشباح هل استمرت…”

قاطعه المجروفي، وكأنه يعتزم توضيح لب اللغز

ـــ “توقف المحرك، وخبت الأضواء وغمرتنا غفوة إلى حين اختفاء تلك الهالة الضوئية من أمامنا…”

باكاشهلوم، يصدر قهقهة خفيفة من بين ثناياه ويدعوه إلى النظر في شاشة مضيئة خلفه:

ــ “أوضح له بأن الأشباح هي لكائنات قدمت من الفضاء الخارجي، تبحث عن هذه السبائك التي ضاعت منها في حقب من الأحقاب…”

ــ المجروفي مقاطعا “لكن إلى متى ستظل هذه الأشباح في أثري… لقد…”

ــ “يجب عليك التخلص من السبيكة الخامسة قبل انصرام عشرة أيام وإلا…”

ــ المجروفي ينهض واقفا وقد احتبست كلماته في حلقومه “وإلا ماذا.. بربك؟”

ــ “وإلا احترقت!”

المجروفي أخذته نوبة نحيب حادة.. لكن أمسكوا بيده إلى منفذ خاص واقتادوه إلى زورق ليقله إلى بلدة قريبة من هانوي العاصمة، من حسن طالعه وجد الطائرة المتوجهة إلى أبو ظبي على وشك الإقلاع.

مسيو الكوهن يستغيث

لم تطل كثيرا نوبة الفرح التي غمرت الكوهن باحتضانه للسبائك الذهبية، إذ لم يمض سوى قليل حتى أخذ يتصل تحت إلحاح شديد بالسمراوي مستنجدا:

ــ “آلو… آلو… آلو… الشمراوي.. فايْنك… فاينك وفين شاحبك.. شاحبك مولْ الدهب؟!”

ــ “والله… ماعاراف.. خلّيتو امْشا لتطوان لْشي…”

ــ “والتلفون ادْيالو؟”

ــ “ما عنديش”

في صبيحة بتاغازوت

في جوف الليل تسلل المجروفي منطلقا من منزله الخاص بأكادير متوجها صوب مدينة تاغازوت، لم يكن يعلم حينها أن هناك أعينا باتت ترصد حركاته، كان يسير بسرعة قصوى، والحال أن أجل احتفاظه بالذهب على وشك الانصرام، مرة تلو أخرى كان يربت على كيس بجواره، لكن هلعه زاد لما أحس بأن القطعة الذهبية أصبحت في وزن الريشة!! ما جعله يتأكد من خبرة باكاشهلوم حينما أوضح له أن السبيكة يتحول وزنها إلى 0,5 غرام عندما تقترب منها تلك الأشباح ليلا لتُفرِغها وتبعث بها إلى عوالمها.. لكن سرعان ما يعود لها وزنها الطبيعي إذا أشرقت الشمس.

قادته السيارة إلى مرتفع هناك يطل على مياه المحيط قريبا من تاغازوت، كانت الشمس قد شرعت تلامس خيوطها الذهبية أبنية المدينة ومنها إلى مياه البحر. نزل من السيارة وبقي مستندا إلى بابها الأمامي وفي يده الكيس، تظاهر بتأمل زبد الأمواج وهي تتحطم على الصخور الجرفية، لكن فجأة وعلى حين غرة سمع طلقات رصاص صوبه، احتمى بالسيارة قبل أن يستخرج بندقيته وينبطح محاذيا للعجلات… لكن لخطأ ما أحس بالسيارة تتحرك وتتدحرج رويدا رويدا إلى مشارف البحر، وعلى إثره لمح من بعيد السمراوي والكوهن يجدان الخطى وباعتقادهما أن المجروفي قد لقي حتفه… لكن ما إن تقدما حتى عالجهما بوابل من الرصاص خر الكوهن صريعا إلى الأرض، بينما السمراوي أصيب بفخذه اليمنى، قبل أن يجرها هاربا، لكن المجروفي كان له بالمرصاد فضربه بالكيس على رأسه… أخذ يتماسك لكنها كانت الضربة المميتة.

انتصب المجروفي واقفا وجعل يتأمل المرسيديس يتلاعب بها الموج وهي ذاهبة إلى الغرق… ثم تحول بنظراته إلى الكيس، أخذ يتأمله قبل أن يستخرج السبيكة ليطوح بها بعيدا في عرض البحر، وعلى إثره أحس بقشعريرة تدب من رأسه إلى أخمص قدميه، لم تسعفه حواسه بعد ليلبث واقفا إذ سرعان ما سقط إلى الأرض وقد خارت قواه… بعد حين استيقظ ليجد نفسه بسرير داخل مستشفى وعيناه شبه نائمتين.

أفاد الطبيب المعالج رجال الشرطة القضائية بأن المجروفي ميال للنوم الشديد في كل لحظة، ما أن يهم بالكلام حتى يذهب في نوم عميق…!!

يسدل الستار على

يسدل ستار القصة على المجروفي يعود لممارسة هوايته لكن هذه المرة الكرة الحديدية بدلا من القنص في الأحراش والغابات.

‫تعليقات الزوار

8
  • نعم الهدية و العطاء
    الثلاثاء 26 فبراير 2019 - 20:56

    شكرا السي عبد اللطيف على الهدية القيمة حكاية وسفر في الامكنة و سبائك

    من الذهب و مائدة تسيل اللعاب و اشباح و آكشن جانب البحر

    اخيرا هناك كاتب يتذكر قراء هسبريس و يمنحهم من الهدايا ما لا يقدر

    تحياتي

  • كمال
    الثلاثاء 26 فبراير 2019 - 21:07

    قصة مشوقة و رائعة
    مزيدا من العطاء

  • الواري.م
    الثلاثاء 26 فبراير 2019 - 21:55

    هدية قيمة وكبيرة من كاتب كبير، هذه القصة الممتعة تذكرنا بأفلام الآكشن، لكنها تحبل بأحداث ضخمة انتقل بنا الكاتب عبرها إلى مدن داخل وخارج المغرب، وهي مثال للإثارة والحرص على تتبعها

  • متعة القراءة
    الأربعاء 27 فبراير 2019 - 07:58

    نعم متعة في القراءة بفضل أحداثها المثيرة، سافرت بنا في أماكن بعيدة وهي نموذج في الإثارة والتشويق كتبت بأسلوب قصصي يذكرنا بعمالقة القصة والرواية من أمثال كافكا وباولو

  • KITAB
    الأربعاء 27 فبراير 2019 - 09:33

    هدية ممتعة لهواة ومحترفي الأعمال الروائية والقصصية على شاكلة قصة نعلة الذهب… وهي بحق عمل درامي ممتع كما هي أعمال الأستاذ دائما تغري بالقراءة والمتابعة وفي آن تختزن لغة عربية جميلة وعذبة عز نظيرها اليوم، وتحياتي

  • سيناريو جاهز ...
    الأربعاء 27 فبراير 2019 - 12:07

    …جاهز لشريط سينمائي من النوع الرفيع وبكل شخوصه ووقائعه المشوقة، لكن للأسف الشديد المغاربة المشتغلون بالسينما عندنا عادة ما تجتمع فيهم ما تفرق في غيرهم يجمعون بين المخرج والكاتب السناريست والممثل والممول…. وهل هذه سينما؟ نعم سينما في منظورهم ولكنها بجودة هزيلة وضحلة.

  • نعم أية قصة
    الأربعاء 27 فبراير 2019 - 21:09

    جميلة جداً وكتشبه فيلم وشكراً للأستاذ الكبير على الرائعة التي تضاف لروائعه فشكراً على الهدية

  • good story
    الأحد 3 مارس 2019 - 10:55

    Thank you Mr. Majdoub for his great masterpieces, which is considered the "curse of gold" one of which I thank him for his gift to the readers of Hespress

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة