على هامش المعرض البيضاوي الدولي للكتاب

على هامش المعرض البيضاوي الدولي للكتاب
الأربعاء 27 فبراير 2019 - 22:36

في حياة الناس، محطات أثيرة، ولحظات ماتعة، ومواعيد جميلة ـ دعنا من المنغصات والطواريء الجارحة، والملمات الجائحة ـ. ومن هذه المواعيد الجميلة المنتظرة، بالتأكيد، موعد المعرض الدولي للكتاب الذي يقام كل فبراير من كل سنة بالدار البيضاء. وكان، قبل الآن، ينعقد في شهري مارس وأبريل قبل أن يستقر الرأي على شهر فبراير.

إنه موعد المواعيد، موعد من لا موعد له، إذ يتيح لك ولي ولنا قاطبة: ـ نحن أولاء المكتوين بنار الثقافة، الملسوعين من نحلة البحث والتنقيب والطيران من رواق إلى رواق، ومن دار إلى دار، كما يفعل النحل وهو يتنقل نشيطا خفيفا مرفرفا بين زهرة وزهرة، ونبتة عطرة وأخرى ـ يتيح لنا زيارة البيضاء الثقافية هذا الشهر، وربط صلة الرحم مع الكِتاب وأهل الأدب والفكر والفن. كما يتيح للأساتذة والتلاميذ والأسر البيضاوية وغير البيضاوية، سانحة الاطلاع، ومناسبة الجوس خلال الأروقة والأجنحة، والممرات العامرة باللغط، والعابقة برائحة الكتب المختلفة الأحجام والأشكال والألوان، والمضامين والمحتويات كما لا نحتاج إلى تبيين.

فالذهاب إلى المعرض الدولي، يسبقه التفكير والتخطيط والتدبير، والإعداد والاستعداد، والتزود بالمال والأمل. والأياب منه إلى الديار الأولى، والإقامات الثابتة، يقتضي أن يعود المرء غانما سالما، مبددا لقلق الرحلة، ووعثاء السفر، وما يتخلله من أكل وشرب، ومبيت، وشراء واقتناء.

وككل عام، كان المعروض في المعرض من الكتب والمجلات، وفيرا متوافرا، كثيرا وغزيرا. ودور النشر مفتوحة الأشداق، باسطة أذرعها بالأجنحة والممرات، وفق نظام وانتظام مدروس ومتقن إلى حد ما. ولا شك أن الكثرة الكاثرة الزائرة للمعرض، الغادية الرائحة، الصائحة والباحثة عن عنوان كتاب، أو صورة للتذكر والذكرى، لم تُلْقِ بالاً، ولم تلتفت إلى ما أصاب ويصيب أهل الفكر والأدب من تذمر وسخط ويأس يقل ويكثر بحسب المعنيين بالأمر، أي بحسب الذين رأوا ويرون في المعرض، احتكارا، وتهريبا أحاديا للمحاور والقضايا الفكرية والأدبية والفنية التي تبرمج وتثار كل سنة من قِبَلِ وزارة الثقافة والاتصال، وبالتبعية من قِبَل مديرية الكتاب.

إن الأسئلة لا تنفك تطرح وتثار في أثناء الاستعداد لإطلاق الدورة، أو عند الختام على سبيل التقويم والتقييم، ولم تسلم من ذلك دورة من الدورات. ويكاد تجمع زمرة مضيئة وجادة من المثقفين والأدباء شعراء وروائيين، ونقاد، ومفكرين، ومترجمين، أن أماسي وجلسات، ومحاور، وموائد الدورة هذه والدورات السابقة، لم تخرج عن المعتاد والمستهلك المعاد. إِنْ على مستوى عنوناتها، أو على مستوى منشطي تلك العنونات، والمنحشرين ضمنها الذين يترددون كل دورة ـ ومنذ فترة طويلة، كالزكام الموسمي، على المعرض. كأنهم هم وحدهم من يكتب ويفكر ويروي. كأنهم الطير الحاكي وغيرهم الصدى وفقا لتعبير المتنبي.

لست في معرض النيل من أحد بعينه، ولا أريد أن أذكر اسما واحدا من أسماء أولئك المصطفين الأخيار. فهم معروفون، وعلى لسان المتضررين ” المنبوذين”، والذين يرون أن المعرض يقصيهم.

وأعرف، من جهة أخرى، بأن مسؤولية وزارة الثقافة، وكذا مديرية الكتاب، هي مسؤولية جسيمة. وكل مسؤول هو عرضة للنقد والسؤال، وأحيانا التحامل والتشنيع. وليس في ذلك ما يفسد للود قضية، ويقطع حبل الصداقة الرمزية، ويزمع صرم العلاقة الأدبية والفكرية مع أصدقائنا المسؤولين. ولكن الإنصاف، والنزاهة، والموضوعية، والصدقية، تستوجب أن نسمي الأشياء بأسمائها، ونضع اليد على مكامن الداء، وعلى ما هو سلبي، ونثير ما يقتضي الإثارة في أفق تخطيه، وعدم السقوط في غيس الشك والتشكيك، والقيل والقال، وتجريد السيوف للمقاتلة والقتال.

إن وضع الثقافة ـ كما يعرف الجميع ـ وفي مقدمتهم من يتحمل مسؤولية وجسامة تدبير القطاع إياه، وضعٌ لا يسر الناظرين ولا يبعث على الطمأنينة والرضا والارتياح.

فالقراءة ـ على رغم التطبيل ـ في ضمور وانكماش، والقراء في عزوف وانحسار، والدولة ” مهمومة “، ومُنْهَمّة بأشياء أخرى، ليس من بينها هَمُّ الثقافة والمعرفة كما لا نحتاج إلى قَسَمٍ وأَيْمان. واسألوا الإعلام أين هو من الثقافة الجادة والخلاقة؟ ما لم نستثن بعض ” النوافذ ” الإذاعية والتلفزيونية، والملاحق الثقافية الورقية والإلكترونية، والتي تلعب دور الكوى الملتمعة في ليل بهيم مهيمن. وهي نوافذ قليلة جدا في بلد تعداد ساكنته يربو على الأربعين مليونا. نوافذ تغالب الظلام الذي يأخذ بخناقها، ويحاول أن يأتي على ما بقي منها ليطفيء ذبالة سراجها.

وبناء عليه، يجب أن يكون المعرض الدولي للنشر والكتاب، عرسا حقيقيا، ما دام أنه سنوي لا يتعدى عمره عشرة إيام. ومعنى أن يكون عرسا، هو أن يصبح موعدا ثقافيا فعليا، قمينا بالزيارة، وصلة الرحم بالكِتاب والكُتّاب. ما يقتضي تجديد دمه كل دورة، بدعوة الجادين من الكاتبات والكتاب الذين ينشرون، ويحترقون على مدار الأشهر والأيام، الذين لهم إصدارات وحضور مشع هنا والآن، لا الذين تكرسوا ذات زمن، ولم يعودوا يقدمون جديدا نوعيا، ولا إضافة إبداعية أو فكرية جديرة بالتسمية. فقد آن الآوان أن نقطع الخيط الإخواني والزبائني مع من ” مات ” أدبيا او فكريا، ولم يعد يقدم إلا ” اللغو “، والثرثرة الفارغة في تلك الموائد أو الندوات التي يستدعى لها. وآن الأوان أن يشرع في نَخْلِ وغربلة الناشر من المحسوب على الناشر العارض وما هو إلا تاجر محتال. ومساءلة، بل متابعة الوزارة الوصية الذين يحظون بدعمها فيما يتصل بعدد النسخ المطبوعة، ومدى جودة ورق المطبوع من عدمه، وهل سوقوا ووزعوا مقدار ما طبعوا، وفي أي مكتبات وأكشاك ـ مثلا ـ حط الكتاب، وبأي المدن والجهات؟.

وأخيرا، وليس آخرا، هل لنا أن نطالب وزارة الثقافة، بأن تعمل على تشكيل لجنة تنظيمية وتدبيرية وعلمية محكمة، إلى جانب مديرية الكتاب، من أجل تدقيق محاور ومواضيع الجلسات والندوات، وكذا برمجة الأماسي الشعرية، والموائد النقدية والترجمية. وفي ضوئها، وعلى هدي من خطاطتها وتصوراتها العامة والمفصلة، يستدعى ذوو الكفاءات والمؤهلات العارفين بالقضايا الفكرية والمعرفية المقترحة. وكذا الأدباء والشعراء والأديبات والشاعرات الذين يملؤون الرحب نشاطا وإبداعا، ويعلنون عن حضور بيّن ساطع طيلة السنة الجارية، وفي ما سبق من سنوات.

إنه رهان ورأي قلناه، وَصَدَعْنا به قبل اليوم، وأحببنا أن نعيد التذكير به ( إن نفعت الذكرى )، على هامش الدورة الفضية للمعرض الدولي للكتاب. وهو تذكير ملؤه المودة والمحبة للساهرين على الشأن الثقافي العام الذي نعي تمام الوعي، كم هو جسيم ومكلف، وحارق للعقل والقلب والأعصاب والدم.

فلا يكبو إلا فارس، ولا ينبو إلا سيف مُهَنّد.

‫تعليقات الزوار

4
  • معرض الكتاب .
    الأربعاء 27 فبراير 2019 - 23:10

    سيرة نوستيك من الدعوة الى الالحاد كان نجم معرض الكتاب للموسم الحالي حيث يستعرض حياة هذا الشاب والظروف التي جعلته ينقلب في قناعته من النقيض الى النقيض . ورغم أنني لم احصل على نسختي إلا أنني سعيد بهذا الانفتاح وهذا التسامح المغربي الجميل الذي يجعل الالحاد مسألة عادية وقناعة مستساغة في أفق تهيىء الأرضية لقبولها من الجمهور ، ففي نهاية الأمر كل نفس رهينة بما كسبت . وان كان لي من مؤاخدات في شخصية السيد كافر مغربي فهو خوفه الشديد من دخول المغرب ، كما لو أنه السعودية او افغانستان متجاهلا ان بيننا يعيش مغاربة يعلنون الحادهم منذ سنوات ورغم ذللك لا أحد يعترضهم أو يضيق عليهم الخناق .

  • باستثناء
    الخميس 28 فبراير 2019 - 16:28

    كل شيئ جميل في معروضات المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء باستثناء المنشورات الرديئة والنصوص الرديئة الخاصة برواق جمعية اتحاد كتاب المغرب الذي لم يعد يحمل من الكتاب والكتابة والثقافة اي شيء

  • Mohamed
    الخميس 28 فبراير 2019 - 21:12

    Il était devenu d'usage de distribuer des prix auxs
    lauréats de lecture à l'occasion de la tenue du salon du livre
    Mais cette fois ci il n'y a pas eu de concours national mais une simple désignation à la tête du client c'est dommage car cela vide la competition de toute substance
    Cela décourage les jeunes de s'adonner à la lectrue car le manque de transparence blesse et étouffe l'envie de lire

  • ب.مصطفى
    الجمعة 1 مارس 2019 - 09:42

    المعرض الدولي للكتاب والنشر معرض يفتقر الى التنظيم كما انه يتعمد دائما اقصاء جل كتبيي مدن المملكة نحن نطالب ان يخصص رواقا كبيرا خارج مكان المعرض الكلاسيكي يخصص للمكتبات مثل ما يحصل في الدول العربية وخاصة بمصر من حق اي كتبي يعرض بضاعته بالمعرض الدولي وعليه قوانين وواجبات المنصوص عليها قانون تنظيم المعارض فلماذا اقصي المكتبات بالمملكة؟ مع العلم لهن دخائر وكنوز من التراث المغربي والعربي والعالمي للذكر لاللحصرأعرف (مكتبة يوجد بها اكثر من الف ديوان )وهذا كنز كبير وصيد ثمين لكل أديب ارجو ان يصل هذا النداء الى من يهمه الأمر

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين