فلسطين والفلسطينيون الأصل وغيرهم طارئون

فلسطين والفلسطينيون الأصل وغيرهم طارئون
السبت 2 مارس 2019 - 03:28

في إطار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الممتد عبر التاريخ والمفتوح على المستقبل، تشن إسرائيل ومعها الصهيونية العالمية حربا مفتوحة على الفلسطينيين، وإن كانت المواجهات والحروب العسكرية الأكثر إثارة وجذبا للاهتمام، بحيث لا يمر يوم إلا ونسمع عن مواجهة عسكرية هنا أو حرب هناك من غزة إلى الضفة والجبهة الشمالية وحتى في العمق العربي، وإسرائيل معنية بتوجيه الأنظار إلى هذا البعد العسكري من الصراع، إلا أن مواجهة وحربا لا تقل خطورة تخوضها إسرائيل وأطراف أخرى ضد الفلسطينيين، بأساليب خبيثة وأدوات ناعمة وأحيانا عنيفة، قليلا ما يتم الحديث عنها، ونقصد هنا الصراع على الثقافة والهوية والرواية التاريخية .

إسرائيل والصهيونية العالمية ومن يحالفهما ويتبنى رؤيتهما يدركون أن هزيمة الفلسطينيين عسكريا لا تعني نهاية الصراع، لأن موازين القوى غير ثابتة والانتصار العسكري لا ينهي الصراع ما دام الشعب الفلسطيني متمسكا بحقوقه السياسية الوطنية، وما دامت غالبية دول وشعوب العالم تؤمن بعدالة القضية الفلسطينية وبالرواية الفلسطينية، لذلك فإن إسرائيل تسعى إلى هزيمة الرواية الفلسطينية والتشكيك في هوية الشعب الفلسطيني وانتمائه إلى أرض فلسطين، وتعمل على تكريس روايتها الكاذبة بأنه لا يوجد ولم يوجد عبر التاريخ شعب يسمى الشعب الفلسطيني، وأن الفلسطينيين عائلات وقبائل جاءت مهاجرة من بلاد أخرى واستوطنت (أرض إسرائيل) .

استطاعت الحركة الصهيونية من خلال توظيفها للمال والأيديولوجية الدينية استقطاب بعض المستشرقين لتأكيد مزاعمها، وهذا غير مستغرب إذا أخذنا بعين الاعتبار الأصول الكولونيالية للاستشراق في بداياته ومكانة التوراة عند بعض الطوائف المسيحية ونفوذ اليهود المالي، والعلاقات الإستراتيجية مع الحركة الاستعمارية عبر التاريخ.

وقد كشف المفكر إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق الصادر عام 1978 المنحى المنحرف لمستشرقي المرحلة الكولونيالية، وكيف وجهوا نتائج كتاباتهم وأبحاثهم لخدمة السياسات الاستعمارية والرواية الصهيونية التوراتية بالنسبة لتاريخ فلسطين والشرق بشكل عام. وقد سبق ادوارد سعيد ولحقه كثير من المستشرقين والباحثين الغربيين الذين عملوا على إعادة رواية تاريخ الشرق، وخصوصا الشرق الأوسط والإسلام، بموضوعية، مفندين الرواية الصهيونية ومزاعم المستشرقين الكولونياليين .

ولم يسلم المُفندون للرواية الصهيونية بالاستناد على الوثائق وعلم الآثار من أذى الحركة الصهيونية التي اتهمتهم بمعاداة السامية؛ ونذكر من هؤلاء: البروفيسور الفرنسي توماس تومسون في كتابه “التاريخ المبكر لشعب إسرائيل من المصادر الآركيولوجية المدونة” (1992)، والبريطاني كيث وايتلام، أستاذ الدراسات الدينية في جامعة ستيرلينغ في اسكتلندا، في كتابه “اختلاق إسرائيل القديمة: إسكات التاريخ الفلسطيني”، (1996)، والفرنسي روجي جارودي في كتابه “الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية”، والإسرائيلي شلومو ساند في كتابه “اختراع الشعب اليهودي” (2008)، والكاتب اليهودي البريطاني جون روز في كتابه “أساطير الصِّهيونية”، وآخرون .

للأسف، في زمن الردة والانحطاط العربي وصعود الإسلاموية السياسية فإن أطرافا عربية وإسلامية وفلسطينية تساند الإسرائيليين في حربهم للتشكيك في الرواية الفلسطينية ودعم الرواية الصهيونية، بوعي وأحيانا بدون وعي؛ وذلك في السياقات التالية :

1- بعض المطبعين العرب اليوم، وخصوصا من الكُتاب وبعض السياسيين، يتساوقون مع الرواية الإسرائيلية ويروجونها في سياق محاولاتهم لشيطنة الفلسطينيين عند الشعوب العربية، حتى يمكنهم تمرير التطبيع مع إسرائيل دون ردود فعل شعبية كبيرة.

2- بعض جماعات الإسلام السياسي، وخصوصا في الدول العربية، وفي سياق الترويج للمشروع الإسلاموي الذي يزعمون، يناصبون القومية والوطنية العداء، وفي السياق الفلسطيني حاربوا المشروع الوطني الفلسطيني والرواية الوطنية الفلسطينية وكل ما يرمز للثقافة والهوية الوطنية، بل إن بعضهم أعلن أنه لا يوجد شعب فلسطيني وأن الفلسطينيين جاؤوا من الجزيرة العربية ومصر وأماكن أخرى!!!!.

3- بعض الفلسطينيين يعززون الرواية الصهيونية بدون قصد من خلال المباهاة بأصولهم غير الفلسطينية، فتجد بعضهم، وخصوصا من العائلات الكبيرة، يتفاخرون بأن أصل العائلة من تركيا وآخرون يتفاخرون بأصولهم المصرية أو السعودية أو المغربية أو الأردنية؛ وكأن الأصل الفلسطيني يُعيبهم، وهم في هذا الأمر وكأنهم يقولون إن الشعب الفلسطيني لقيط وليس أصيلا في وجوده على أرضه؛ ولا أدري لماذا يفترضون أن تشابه أسماء العائلات يعني أن أصلهم من خارج فلسطين وليس العكس؟ .

أكد المؤرخون والعلماء الموضوعيون المُشار إليهم أعلاه عدم صحة الرواية التي روج لها المستشرقون اليهود الأوائل، والتي تزعم أن الفلسطينيين ليسوا سكان فلسطين الأصليين، وأنهم قبائل الببلست جاؤوا من البحر (جزيرة كريت) حوالي عام 1188 ق.م، واختلطوا مع قبائل الكنعانيين وعاشوا على الساحل. وسُميت فلسطين بهذا الاسم نسبة لهذه القبائل. وأكد هؤلاء أن الشعب الفلسطيني شعب أصيل ضرب جذوره لآلاف السنين ووجوده سابق لظهور بني إسرائيل. وحتى مع افتراض صحة رواية المستشرقين التوراتيين فإن شعبا يستقر على أرض تسمى باسمه فلسطين وبشكل متواصل منذ عام 1188 قبل الميلاد حتى اليوم هو شعب عريق وأصيل، بل من أعرق شعوب الأرض، وليس كالدولة المصطنعة التي تسمى إسرائيل، والتي لم يكن لها وجود أو يسمع بها أحد إلا خلال العقود السبعة الماضية -منذ 1948.

بالإضافة إلى ما سبق، يزعم بعض الجهلة ومنهم بعض العرب والفلسطينيين أن فلسطين لم تظهر إلى الوجود إلا مع اتفاقية سايكس – بيكو 1916، وهذه مغالطة كبيرة؛ وما يؤكد ذلك أنه عندما انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل في سويسرا عام 1897، أي قبل سايكس – بيكو بسنوات، أعلن المؤتمرون أن هدفهم إقامة وطن قومي لليهود في (فلسطين)، وهذا يعني أن هذه البلاد لم تعرف لها مسمى إلا فلسطين. وتواصل الأمر بعد ذلك حيث نجد آرثر بلفور في إعلانه المسمى باسمه عام 1917 وعد اليهود بإقامة وطن قومي لهم في (فلسطين)، وعصبة الأمم أعلنت عام 1922 أن تكون بريطانيا منتدبَة على (فلسطين)، وقرار التقسيم عام 1947 نص على تقسيم (فلسطين). واليوم فإن حوالي 150 دولة في الأمم المتحدة تعترف بدولة فلسطين وبحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وهذا يؤكد أن فلسطين والفلسطينيين هم الأصل، أما إسرائيل والإسرائيليون فأمر طارئ فرضته توازنات وحسابات دولية استعمارية في مرحلة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية .

[email protected]

‫تعليقات الزوار

7
  • عنف وهمجية .
    السبت 2 مارس 2019 - 08:34

    اذا كان غالبية الفلسطينيين من اصول تركية ومصرية او مغربية فكذالك اليهود من نفس الاصول واذا كانت اسراءيل تستفيد من اموال اللولبي اليهودي في العالم فكذالك يستفيد الفلسطينيون من اموال الخليج العالم اعترف بحق الشعب الفلسطيني في الوجود ومنح حكما ذاتيا في افق الاستقلال التام لكنهم أعملوا الذبح في نحور بعضهم وسارعوا لتخوين بعضهم ليطبقوا حرفيا المثل الذي يقول أفلس طين .

  • perte arabe
    السبت 2 مارس 2019 - 08:37

    la cause palestine sera noyée par les arabes du golfe,ce ne sont que de petits états ennemis entre eux,les uns se méfient des autres,et ils sont incapables de se défendre,alors ils font appel aux occidentaux pour les défendre,ils se croient menacés par l'iran qui possède des armes de pointe ,alors comme des pays occidentaux n'aiment plus les islamistes des pouvoirs pétrodollars,ces arabes font appel à israel pour les défendre,ces arabes veulent que les palestiniens cèdent Aqods à israel moyennant un prix fort,
    solution proposée par le fouet et le sable:
    Alqods pour israel,
    des millions de dollars pour les palestiniens avec une autonomie sous souveraineté d'israel,
    un siècle de lutte :perte de la palestine voulue par le fouet et le sabre:c'est la victoire des obscurantistes islamistes du rocher noir

  • امازيغي متنور
    السبت 2 مارس 2019 - 15:27

    لقد شغلونا كثيرا بخزعبلات بقضية فلسطين وجعلوها قضيتنا الاولى لننسى مطالبنا الامازيغية ولتذويبنا في خرافتهم القومية..شغلونا بالقومية العربية والجامعة العربية والمغرب العربي الكبير…كلها قضايا ابتكروها لنهتم بها وننسى مطالبنا بالحرية والديمقراطية والتعليم…
    فلتنسف القدس ولتتبخر فلسطين وليشرد كل العرب ..ما الذي سيقع بدء وانتهاء اذا كنت لا احفل بالعرب في اي واد هلكوا..
    يجب ان تكون قضيتنا الاساسية تحقيق دولة ديمقراطية تحقق مطالب الامازيغ..اما ما عدا ذلك فلغط وهراء…انا وبعي الطوفان

  • موحند
    السبت 2 مارس 2019 - 16:52

    الامازيغ والاكراد يعانون نفس الاظطهاد والابادة الجماعية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني تحت غطرسة وهمجية العرب والاتراك وايران ودول الاستعمار والصهيونية العالمية. لماذا لم يكتب صاحب المقال المقيم في المغرب ارض الامازيغ ولو سطرا واحدا على معانات الامازيغ التي يراها يوميا؟ وهل بوصلته موجهة داءما نحو الشرق؟

  • الحسن العبد بن محمد الحياني
    السبت 2 مارس 2019 - 17:25

    فلسطين عاصمة ليس فقط للعرب لكن للأمة الإسلامية جمعاء عما قريب إن شاء الله؛فمن الإستضعاف على أكناف الأقصى المبارك لأهلها الأصليين الذين هم على الحق ظاهرين إلى الإستخلاف في قلب فلسطين بفتح مبين زمن التمكين بلا إله إلا الله محمد رسول الله والله أكبر بصلب الأقصى؛فلسطين عربية إسلامية سحقا سحقا للصهيونية؛واقرأ إن شئت قصيدة زجل روحية بعنوان :" الفتح المبين زمن التمكين ".

  • ماسسنيسا
    السبت 2 مارس 2019 - 18:27

    الأمازيغية الأمازيغ هم الأصل في المغرب وغيرهم طارئون

  • شاهد
    الأحد 3 مارس 2019 - 12:23

    ما لا يقوله الكاتب ان فلسطين التي يتكلم عنها المؤرخون هي ارض فلسطين وليس دولة فلسطين . وارض فلسطين التاريخية تمتد من الاردن وقطاع غزة والجولان وصحراء سيناء وجنوب لبنان وسوريا. ارض فلسطين تم تقاسمها بين العرب وبنو اسرائيل،

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة