رسائل الشعب إلى الحكومة الجديدة

رسائل الشعب إلى الحكومة الجديدة
الجمعة 2 دجنبر 2011 - 01:29

ماذا يريد أفراد الشعب المغربي الذين شاركوا في اقتراع 25 نونبر أن يقولوه من خلال نتائج التصويت؟ وما الذي يريد أن يقوله الشعب من خلالهم بالضبط للحزب الذي توجه على رأس الحكومة وعلى رأس الفرق البرلمانية بنتائج غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات في المغرب؟ أسئلة من المفروض أن تكون أول ما نبحث فيه انطلاقا من مبدأ الالتزام السياسي الذي يجعل إرادة الشعب فوق كل الإرادات. وبعيدا عن الوصاية على رأي الشعب يمكن مقاربة الجواب بالبحث عن رسائل الناخبين من خلال ثلاث مؤشرات لها دلالتها الخاصة.

أولى هذه المؤشرات تتعلق بنسبة المشاركة. ونسبة المشاركة لها وجهان: وجه المشاركة و وجه المقاطعة، و تعمل المقاربات الضيقة دائما على إخفاء أحدهما لصالح الآخر.

ففي وجهها المشارك، ومهما اختلفت القراءات حول حجمها الحقيقي بعد عمليات الطرح الحسابية، فإن نسبة المشاركة المسجلة تبقى مرتفعة مقارنة مع سابقتها سنة 2007 والتي لم تتجاوز 37 في المائة حينها، وهي لا تعني في العمق إلا أن الشعب المغربي صوت لصالح التغيير في ظل الاستقرار وخيار العمل المؤسساتي. لكن الاستقرار الذي صوت لصالحه المغاربة المشاركون يختلف تماما عن الاستقرار الذي دأبوا على التعلق به، إنه استقرار مقاوم وليس استقرارا مهادنا ومستسلما، فالمغاربة المشاركون قاوموا ضد أساليب السلطوية التي عملت في الخفاء للتحكم في نسبة المشاركة بما يجنبها المفاجئات. ولقد عاين الجميع كيف أقصي مغاربة الخارج من حقهم في التصويت ضدا على صريح الدستور، وكيف أقصي كل المغاربة البالغين سن الرشد من ذلك الحق بحرمانهم من التسجيل التلقائي في اللوائح الانتخابية وفق الدستور نفسه، وكيف باشرت وسائل الإعلام العمومية حملات التسجيل في تلك اللوائح ببرودة قاتلة، وأخيرا كيف حرم الكثيرون من المسجلين في تلك اللوائح وقرروا المشاركة في التصويت من هذا الحق في عدد من مكاتب التصويت بناء على آلية “الإشعار” حيث أصبح مسك إشعار من السلطة وليس البطاقة الوطنية وفق القانون هو ما يعطي الحق في التصويت في تلك المكاتب… كما قاوم الشعب المغربي من خلال الاختيار السياسي الذي عبر عنه في نتائج التصويت كل أشكال شراء الذمم واستغلال الحاجة وباقي آليات تحريف إرادة الناخب والتي نجد أخطرها في انخراط ممثلين للسلطة المحلية في التعبئة لصالح مرشحين بأعينهم. كل هذه المعطيات تؤكد أن المغاربة المشاركين من خلال تلك النسبة المرتفعة للمشاركة مارسوا مقاومة كبيرة ضد السلطوية ووجهوا بتلك النسبة ودلالتها السياسية ضربة قاسية للسلطوية ومهندسيها.

أما في وجهها المقاطع فإن نسبة المقاطعة، التي لا يمكن تحديدها بعمليات الطرح الحسابية، كما دأب على ذلك كثيرون لاستحالة بلوغ 100 بالمائة عمليا كنسبة مشاركة، نسبة المقاطعة تلك و مهما ارتفعت فهي لا تعني في العمق سوى التعبير عن مطلب التغيير وهو نفس المطلب الذي عبر عنه المشاركون سياسيا بالتصويت على المعارضة السياسية مع اختلاف في عمق التغيير المنشود ومدى تجدره.

ثاني تلك المؤشرات تتعلق بالتصويت المكثف وغير المسبوق، لصالح حزب العدالة والتنمية، ومهما تباينت المواقف حول الحزب الإسلامي، فالنتيجة واحدة وهي أن الشعب الذي عانق شعارات التغيير من خلال المسيرات الشبابية وفي هوامش المغرب وعبر وسائل الإعلام، اختار خندق الربيع العربي بشعاره المركزي، إسقاط الفساد والاستبداد، ولونه السياسي الذي يسجل حضور الإسلاميين بقوة في بلدان الربيع العربي.

ثالث تلك المؤشرات تتعلق بالنتيجة التفصيلية التي سجلت لأول مرة في تاريخ الانتخابات المغربية، والتي تعتبر هذه الأخيرة أكثرها نزاهة، حيث تمت معاقبة الحزب السلطوي والأحزاب الإدارية والأحزاب الحكومية، مع استثناءات محدودة الدلالة. فعمليا يقول التصويت المكثف لحزب العدالة والتنمية الذي حصل على أزيد من مليون صوت في اللوائح المحلية وقرابة المليون ونصف صوت في اللائحة الوطنية، وهي أرقام جديدة على قاموس الانتخابات المغربية، (يقول) أن الشعب يقول بأن هذه الانتخابات التشريعية هي انتخابات “آخر فرصة” حيث أن الكثيرين صوتوا على العدالة والتنمية بالقول “هو لي بقا لينا نجربوه” و يريدون من خلالها القطيعة مع الماضي. وتؤكد النتائج و كأن إرادة التصويت تتجه لإعطاء الحزب الإسلامي، غير المجرب، أغلبية مريحة تحرره من قيود التحالفات المريضة، وهي الأغلبية المتوقعة فعلا لو لم تقص السلطوية المهاجرين وباقي الشباب ولو تعامل شباب حركة 20 فبراير بنوع من الذكاء السياسي والبراغماتي مع المرحلة. وقد قدمت تجربة توركيا نموذجا عمليا أيضا في هذا المنحى عبر تحميل حزب العدالة والتنمية هناك مسؤولية كاملة من خلال نتائج التصويت التي أعطته الأغلبية المطلوبة. نعم لم تتمكن إرادة المشاركة من فرض اختيارها السياسي الواضح وأعطت تشكيلة تفرض على الحزب الأول الخضوع لشروط باقي الفرقاء السياسيين لتشكيل الفريق الحكومي.

ومن خلال هذه المؤشرات الثلاثة السابقة يمكن القول أن التعبير السياسي الشعبي يتمحور حول عدة رسائل وجب على الحكومة الجديدة والحزب الذي يقودها أن يلتقطاها ويعملا على تحقيقها.

أولى تلك الرسائل تقول بأن الشعب يريد من الحكومة أن تجسد حكومة صناديق الاقتراع بالفعل وليس حكومة التعليمات، على اعتبار أن نتيجة الانتخابات أطلقت شرارة “ثورة صناديق الاقتراع” وهذه الثورة تحتاج إلى حكومة تقودها لا حكومة تخنقها.

ثاني تلك الرسائل تقول بأن الشعب يريد إسقاط الفساد والاستبداد، وهذا يتطلب من الحكومة أن لا تقع في فخ الوعود الرقمية، بل يريد إجراءات سياسية لا تحتاج ميزانيات مالية بقدر ما تحتاج إرادة وشجاعة سياسية هما رهان الحكومة الجديدة الحقيقية. وهذا يتطلب من الحكومة استكمال إجراءات الثقة التي بدأت قبل الاستفتاء الدستوري وذلك بفتح ملفات الفساد وملفات حقوق الإنسان بجرأة تستوعب كل المعنيين.

ثالث تلك الرسائل تقول بأن الشعب يريد حكومة عملية في حديثها عن التضامن، فيكون مطلوبا منها إجراءات في هذا الاتجاه لعل أكبرها أثرا هو إعلان سياسة تقشف لا تستهدف حرمان المواطنين من الخدمات الأساسية كما دأبت السياسات البائدة على ذلك، ولكن تقشف يبدأ بمراجعة الأجور الكبيرة بما فيها أجور الوزراء والبرلمانيين بصفتهم يمثلون الشعب وأول المتضامنين معه، وبمراجعة أوجه صرف ميزانيات الإدارات العمومية التي يكون من غير المقبول على الإطلاق أن نجد فيها مرة أخرى مسؤولا يصرف من مال الدولة غلافا شهريا لا يقل عن 5 آلاف درهم شهريا لشراء الشوكولاطة كما هو واقع اليوم! ومعلوم أن أموال الشعب يبذر منها الكثير في كماليات وسفريات وحفلات … لا تبررها الوضعية الاجتماعية التي يعيشها المغرب.

رابع تلك الرسائل تقول بأن الشعب بتتويجه الحزب الإسلامي يريد تخليق الحياة العامة وتنقيتها من الفساد الإداري والمالي الذي ينخر جسدها، كما يريد مصالحة المجتمع مع قيمه الأصيلة في انفتاح كامل على الآخر.

وإذا اكتفينا بهذه الرسائل، نخلص إلى القول بأن عدم التقاطها والعمل على تنفيذها بالشكل الذي يعبئ الشعب سنكون قد ضيعنا آخر فرصة لانقاد العملية السياسية في المغرب و عرضنا الحزب الإسلامي بدوره لعمليات “التعرية السياسة” التي أفقدت كثيرا من الأحزاب شعبيتها ومصداقيتها و وضعنا المغرب فعلا على سكة المجهول.

‫تعليقات الزوار

11
  • fadwa25
    الجمعة 2 دجنبر 2011 - 03:22

    حزب الفساد يريد ترميم صفوفه بعد الضربة القاضية اللتي تلقها في لإنتخابات الشعب المغربي عـــــــــــــــاق لا لا لا للأصـــــــالة والمعاصرة والإستقــــــــــلال والأحــــــــرار أحزاب الفســــــــــاد

  • faddoula
    الجمعة 2 دجنبر 2011 - 10:38

    il faut que Mr Ben kirane sache tout le contenu de cet article.merci

  • كادح اخر
    الجمعة 2 دجنبر 2011 - 13:32

    ما الذي تركه المفسدون في " الخزائن المغربية " ليباشر به الاسلاميون عمليات الاصلاح المرجوة ؟ … الله يلطف اوصافي

  • حر حار
    الجمعة 2 دجنبر 2011 - 18:47

    لا نريد التحا لف مع المفسدين والمفسدات:للمسواة بين الرجل والمراة كما يريدون, الاستقلاليون والاستقلاليات الاشتراكيون والاشتراكيات اليساريون واليسارات حتى يتقق حلم اعادة الانتخابات, فيرسب الراشون والرشيات لان الفلوس تقادت ,ولايستطيعون المغامرات.

  • بـا بـا عـسـا عـبـد الــسلام
    الجمعة 2 دجنبر 2011 - 22:07

    مع بصيص الأمل الذي بزغ نجمه في الأفق المغربي،بفوز حزب ذي توجه إسلامي ، لم يسبق له أن كان مسؤولا عما انتهى إليه المغرب من ترد في الحضيض، رغم أن هــــــــــذا الفوز أريد له التعويق، لأسباب عدة ، منها : عزوف جل المغربة من الانتخابات،ونفض أيديهم من الأحزاب،وإشراف وزارة سيئة الذكر في ماضـــيها الانتخابي ودأبها على الحياد السلبي ،وحرمان جالياتنا جارج الوطن من المشاركة،عمدا، والإصرار على عدم تنقية الأجواء قبل تعديل دستور فاتح تموز/يوليوز2011 ،وبالطريقة الفرجوية الهجينة التي عرض بها على الشعب إاخ…….
    فإن المعاربة وعن بكرة أبيهم، ــ مع استثناءالانتهازيين الفاسدين والمفسدين ــ ينتظرون رسائل قصيرة ، عميقة الدلالة ،تخصهم وحدهم أولا،لأن الشعب قد سئم ومل وكره سياسة:(ألمزوق من برا أشخبارك من ألداخل).
    الشعب يريد الرجل المناسب في المكان الناسب، والمساءلةوالمراقبة الصارمة ولا إفلات من الغقاب.
    الشعب يريد الترشيد في النققات العامة ،ويكره المجون والإسراف . لأنه أمة أبيةأ لا حدود لنشاطها في البناء والخلق والإبداع، متى وفيت حقوقهاأوأحترمت كرامتها ومقدساتها.
    الشعب في غاية التفاؤل .

  • ملوك
    الجمعة 2 دجنبر 2011 - 22:23

    إذا كان أولاد هذه الحكومة الجديدة أحرارا صادقين في نيتهم فلا يحتاجون رسائل من الشعب .لأنهم أنفسهم رسل أرسلتهم صناديق الأقتراع إلى خزائن الوزارات فلننتظر بما سيعودون إلى بني جلدتهم غدا هذا إن عادوا ولم تنتفخ بطونهم فتمنعهم من الخروج من الباب الذي دخلوا منه وهم ضامرين ,مثل ما وقع لسابقيهم,

  • Arz
    السبت 3 دجنبر 2011 - 02:34

    اتركوا بنكيران يخدم شغله,االمشكلة هي ان المواطن عندنا امقابل غير تقرقاب الناب و الجلوس في المقاهي ….المغرب يحتاج الى مواطن ينتج و يحترم القوانين ….

  • تطاوني بورو
    السبت 3 دجنبر 2011 - 20:28

    ا نظمام حزب الا ستقلال الى الحكومة المقبلة سوف يكون بمثابة الضربة القاضية للسيد عبد الا له بن كيران اي سيضطر هدا الا خير ان يتازل عن الكثير من الوعود فكيف يعقل ان انظمام عباس الفاسي الدي سيكون طرفا في الحكومة سيسمح بمحاسبته لا اظن ان دلك سيحصل الا مر الدي سيجعل محاربة الفساد خارج اللعبة و سيضعف الثقة في الحكومة و ستفقد مصدا قيتها لا محالة حداري من ان يلتف حزب الا ستقلال على الوضع و يدفع بالحكومة الى ما لا يحمد عقباه فا لبيجيدي و صفهم الا مير مولاي هشام بالبلداء و هدا كلام خطير في حق حكومى حديثة يتراسها البلداء فما مصيؤ هده الحكومة و هل البلداء سيحققون اي نجاح في نظر الا مير المتمرد على الا و ضاع بالمغرب و نوه الا مير بالفبرايريين و جعل منهم الر مز القوي للتغيير ا تمنى ان يجد اولاد سيدس بوقنادل تفسيرا لما اتهمهم به الا مير و ان يطمئنوه على الحكومة المقبلة قبل ان يطل علينا بتحليلات لا يعلمها الا الله

  • جلال
    السبت 3 دجنبر 2011 - 20:35

    ما يطمح اليه الشارع المغربي هو محاربة الفساد المالي و محاسبة المفسدين و ادا فشلت حكومة بن كيران في هدا المطلب فانها ستسقط على يد حركة 20 فبراير هل ستتمكن من دالك ام انها ستكون بدورها فاسدة نحن نترقب ربما اخر تجربة بقيت لدى المغاربة 5سنوات ستمر بسرعة شخصيا لا اتوقع نجاح هده الحكومة في محاربة الفساد ليس في القنافيد الاملس

  • عزيز المردي
    الأحد 4 دجنبر 2011 - 00:18

    قلت فأجدت الأخ حسن بارك الله قي أمثالك .

  • علي من الجزائر
    الأحد 4 دجنبر 2011 - 15:47

    وفق الله إخواننا في المغرب إلى بناء دولتهم بالحكمة العربية و العقيدة الإسلامية الصحيحة ، كما أرجو أن لا يقعوا في الخطأ الذي وقع فيه جيرانهم … سواء من حيث تسرع الإخوة في الحركة أو من حيث تصلب النظام في معالجة الأزمة.

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس