الأكراد و"حوار العقلاء"

الأكراد و"حوار العقلاء"
الإثنين 18 مارس 2019 - 05:58

استعدتُ وأنا أستمع إلى محاضرة البروفسور الكردي العراقي شيرزاد النجار، والموسومة «الأخوّة العربية – الكردية وحوار العقلاء»، عبارة هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي ومستشار الأمن القومي الأسبق، حين سأله أحد الطلبة عما يمكن أن يدرسه ليحظى بالموقع الذي وصل إليه، فأجاب «التاريخ والفلسفة»، وهما القضيتان الأساسيتان اللتان كانتا حاضرتين في حديث شيرزاد النجار في «منتدى تحوّلات – مركز ألف» في بيروت، وبحضور متميز ولافت لنخبة فكرية وثقافية وسياسية.

التاريخ والفلسفة اللذان اعتمد عليهما كيسنجر وهو يتقدّم الصفوف في «تروست الأدمغة» أو «مجمّع العقول» الذي ضمّ أكاديميين بارزين منذ عهد الرئيس جون كيندي الذي اغتيل في 22 نوفمبر العام 1963، أصبح له شأن كبير، ومنه ارتقى في سلّم الدبلوماسية والأمن القومي، فإضافة إلى كيسنجر كان هناك زبيجينيو بريجنسكي ومادلين أولبرايت وستيفن هادلي وكونداليزا رايس. الدعوة لحوار عقلاء، تُقرأ من عنوانها حين يتعلق الأمر بالعلاقة العربية – الكردية، من منظور فلسفي وتاريخي، حيث ركّز المحاضر على المشتركات الموحِّدة والجامعة وتجنّب المختلفات المفرِّقة والمشتتة، ولاسيّما بالدعوة إلى حوار القيم والمفاهيم وليس حوار البارود والدم، وذلك انطلاقاً من المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة.

ولا تستند أهمية الوعي بالتاريخ وفلسفته على استعادته، فالماضي مضى بكل ما له وما عليه؛ والسلفيون وحدهم يعيشون في الماضي، لكن استحضار التاريخ غير استعادته والهدف منه هو الاستفادة من دروسه وعِبَرِه، بما يؤدي إلى تجاوز الأخطاء والثغرات والنواقص التي رافقته وهو ما ينطبق على العلاقة العربية – الكردية، خصوصاً وأن الأكراد تعرّضوا في التاريخ المعاصر ومنذ قيام الدولة العراقية، إذا أردنا الحديث عن العراق، إلى اضطهاد وتمييز مزمن ومعتّق، دون نسيان أخطاء قيادات الحركة الكردية وتأثيرات القوى الخارجية الإقليمية والدولية، التي ظلّت وما تزال تعمل لإضعاف الطرفين ولتعزيز نفوذها ومواقعها، وخصوصاً القوى الكبرى التي كثيراً ما أجّجت الحروب والصراعات وعقّدت المشاكل والاختلافات، إرضاء لمصالحها الأنانية الضيقة، بل قدّمت وعوداً لهذا الطرف أو ذاك ونكثت فيها.

وقد أثبتت التجربة التاريخية، فشل جميع الحكومات الدكتاتورية والشوفينية والاستبدادية في حلّ القضية الكردية، وتلبية مطامح الشعب الكردي في التعبير عن كينونته وهويته بما ينسجم مع التطور الكوني، مثلما لم تنجح الحركات الكردية في تحقيق طموحاتها ومطالبها عبر الحلول العسكرية والعنفية، وهو ما يتطلب البحث، بل والاستثمار في الحوار السلمي المدني وصولاً للمشتركات التي ترضي الطرفين، بالاعتراف المتبادل بحقوقهما وتقرير مصيرهما في إطار المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة وعلى أساس المساواة والشراكة والمواطنة المتكافئة.

وأكّدت التجربة أيضاً أن العيش المشترك ومعاً وعلى أساس الإقرار بالتنوّع والتعددية، هو السبيل الكفيل لوصول الحوار إلى النتائج المطلوبة، وهو ما ينبغي أن يكون حوار عقلاء خارج دائرة الاصطفافات المسبقة، بل هدفه التوصل إلى ما هو مشترك ونافع، لاسيّما بتعظيم الجوامع وتقليص الفوارق وباحترام الهويّات الخصوصية في إطار الهويّة العامة الجامعة، الأمر الذي يقتضي إرساء ذلك بصياغات دستورية وقانونية انطلاقاً من القيم المشتركة التي تخص شعوب وبلدان المنطقة في التنمية والتحرّر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتوحيد كياناتها – فضلاً عن انبعاثها الحضاري- التي هي رافعات لأي مشروع نهضوي.

وإذا كانت الدولة العراقية قد عانت من ضعف الهياكل والتراكيب الحكومية وشح الحريات منذ تأسيسها في العام 1921؛ فإنها عانت من مشكلة كردية تفاقمت مع مرور الأيام بثورات وتمردات أهمها الثورة الكردية المعاصرة بقيادة الملّا مصطفى البرزاني.

وإذا كان شعار «على صخرة الأخوّة العربية – الكردية تتحطّم مؤامرات الاستعمار والرجعية»، قد جسّد تطلعات اليسار العراقي منذ الثلاثينات فأصبح في الستينات «الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان» شعاراً لعدد غير قليل من أطراف الحركة الوطنية العراقية بما فيها الحركة الكردية.

وقد كانت أول إشارة للاعتراف بشراكة العرب والأكراد في العراق في دستور العام 1958، التي تعززت بصدور بيان 11 مارس 1970 وإصدار قانون الحكم الذاتي العام 1974، لكن ما حصل من تداخلات خارجية وطغيان داخلي، ناهيك عن ظروف موضوعية ممثلة بالحرب العراقية – الإيرانية 1980-1988، ومن ثم احتلال العراق في العام 2003، أوجد صراعات وتشظّيات جديدة في العلاقات كان آخرها التوترات التي حصلت عشية وخلال حملة الاستفتاء الكردي في 25 سبتمبر2017 وما صاحبها وأعقبها من ردود فعل، الأمر الذي يطرح مجدداً ضرورة استحضار عِبَر التاريخ ودروسه وفلسفته كي يكون الحوار عقلانياً ويديره عقلاء.

لا ينظر كيسنجر إلى مقولة الفيلسوف الألماني هيجل من أن التاريخ ماكر ومخادع، إلّا من زاوية البحث في الأخطاء لعدم تكرارها، وإلّا فالتاريخ لا يعيد نفسه، بل يُنظر إليه ليُستفاد منه بالقياس، وتلك هي فلسفته الأساسية، وهي فلسفة وتاريخ العلاقة العربية – الكردية.

وبالتاريخ والفلسفة، يمكن التسلح لمواجهة الحاضر والمستقبل، وتلك كانت خلاصة وجهة نظر المفكر الكردي.

‫تعليقات الزوار

4
  • ايت واعش
    الإثنين 18 مارس 2019 - 06:48

    وماذا سيتذكر الكردي هل حلبجة ام مطارادات وتهجير ..وتعريب ومسخ للهوية لدرجة ان كاتب سويدي الف كتاب عنوانه ليس لنا من اصدقاء سوى الجبال..مقتبسا عما عاشه في كوردستان مع الملا مصطفى البرزاني..باسم العروبة المقدسة ابيدت حلبجة وجرائم الانفال التي استعمل فيها نص قراني لتبريرها..وباسم العروبة العرقية عدب الكثيرون سفكت دمائهم هجروا…وطوردوا..مع ان الكردي مسالم يريد البقاء في ارضه والثحدت بلغته واحترام تمييزه…يتشارك الكورد والامازيغ هذه الصفة كونهم مضطهدين ومقموعين من طرف العروبة المقدسة..فبدل ان يثحدت الكاتب عن الضحية امره بان يقبل بالتاريخ ويبجله ويشكر الجلاد على فعلته..اولى الخطوات للنسيان هو الاعتراف ثم تانيا التذكير بعدم التكرار…هل تدرس في مقررات العراق ..ما يفيد بعدم تكرار ماساءة حلبجة مثلا..او جرائم الانفال…لا اضن …لم يشفع للكردي اسلامه ولا انسانيته ..

  • الجغرافيا
    الإثنين 18 مارس 2019 - 13:19

    من يبني. من ؟التاريخ. أم. الجغرافية. بدون الرافدين. لن تكون هناك بابل او بغداد. و بدون نفط. لن تكون هنام حروب آل. بوش. التاريخ. يسجن الإنسان في الماضي. دار لقمان قد. يحفزه. للعمل للانبعاث. و تلك حماقات العبرانيين و كدلك البعثيين حدثتينا.سابقا عن اليمن. بدون سالم البيض. فمن أين. أتت الحروب الداخلية. هل من جغرافياته الصحراوية و الجبلية الصعبة من تاريخه. و اي تاريخ. ؟لقد كان دائما . محل صراع بين الفرس والروم و العرب حروب من احل باب المندب. انها دائما. الجغرافية. لا مشترك تاريخي يا إستاد الجغرافية هي المشترك الوحيد. و غير دلك. مداخل ايديولوجية

  • sifao
    الإثنين 18 مارس 2019 - 19:42

    المحاضرة كانت تحت عنوان «الأخوّة العربية – الكردية وحوار العقلاء» ، الحوار يكون بين اثنين على الاقل ، وعنوان المقال هو"الاكراد وحوار العقلاء" اسقط احد طرفي الحوار وكأن التعقل يخص الاكراد وحدهم اما العرب فهم عقلاء بالفطرة،ما يزكي هذا الفهم اشارته الى خذلان"الحلفاء" للاكراد وكأن ما تعرض ويتعرض له الاكراد من اضطهاد في سوريا والعراق وايران وتركيا كان نتيجة تحالفهم مع دول غير اقليمية في الصراعات التي تشهدها المنطقة منذ عقود من الزمن، سياسة منطق القوة والامر الواقع الذي تنهجه اسرائيل في الشرق الاوسط وينتقده الساسة العرب هو نفسه الذي تنهجه الدول العربية تجاه الاكراد ، وكأن حال لسانها يقول : لا تفكروا في واقع آخر غير هذا الذي اوجدانه، المطالبة بالاستقال السياسي او الثقافي تهور فادح ، عدوا الى رشدكم …
    امريكا اعلنت انها ستنسحب من سوريا ولم يوقف الاكراد مشاركتهم في محاربة الارهاب ويقدمون تضحيات كبيرة ، ليس من اجلهم فقط وانما من اجل كل شعوب المنطقة والعالم ، لذلك يحضون بتقدير كبير عند الشعوب المحبة للسلام والحرية وانضم اليهم شبان من مختلف الجنسيات في حربهم على داعش ، دون وعود ب"حور العين"

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج