حتى لو أجهدت نفسك، عزيزي القارئ، غاية الإجهاد، وفتشت في كل دساتير دول العالم، ديمقراطية كانت أو حتى ديكتاتورية أو كانت تقعد في مكان ما بين الديمقراطية والديكتاتورية، فإنك بالتأكيد لن تعثر أبدا مهما حاولت على فصل واحد أو مادة واحدة فيها لدولة واحدة تنظم حالة الانقلاب أو الثورة..
ذلك أن من طبع كل واضعي الدساتير أن يتسموا بالطوباوية بخصوص هذه النقطة بالذات، بحيث لا يخطر لهم على بال أن يتطرقوا إليها. فالمشرعون الدستوريون إنما يكدون ويجتهدون ويتخيلون ما شاء الله من الوعكات الدستورية المختلفة إلا وعكة الانقلاب أو الثورة لأنها بكل بساطة تعني نهاية النظام. وبالتالي تميل كل الوصفات التي تعج بها النصوص الدستورية إلى ضمان دوام نظام الدولة واستمراره لا إلى ترتيب سقوطه وانهياره، أي أنها تنظم حياة النظام واشتداد عوده فقط، وتربأ بنفسها عن تنظيم مماته. وما لا شك فيه أنها لو أنها فعلت ذلك لحظة ولادة الدستور ستظهر كمن يتحدث عن الطلاق أثناء إبرام الزواج، وهذا مما لا يجوز بالبداهة، وهذا ما يفسر هذه الثغرة المتعمدة والطبيعية التي تتفق عليها كل القوانين الأساسية .
ولعلك تفهم مني أيضا، أنت يا من تراجع هذه الخطاطة المتعجلة، أن مناسبة هذا الحديث إليك هو ذاك النقع الذي أثاره غبار معركة الفصل 102 من دستور الجزائر التي تدور رحاها ببلد المليون ونصف المليون شهيد بين القائلين بالشرعية الدستورية والمناصرين تبعا لهذا الموقف لقرار القايد صالح بتنصيب بنصالح رئيسا مؤقتا للدولة، كما ينص على ذلك الدستور الجزائري الحالي، وأولئك الذين يدعون بدلا عنها إلى إحلال الشرعية الشعبية التي يمثلها الحراك، الذي خرج على حكام المرادية كمارد طال حبسه في قمقم القهر والظلم المطبقين على الجماهير، التي ملت عذابها بين فكي “العصابة”، فيناوئون كنتيجة لذلك كل عودة محتملة عبر بوابة الدستور لرموز النظام الذي يسعون إلى وأده، بالدعوة إلى تفعيل مبدأ السيادة الشعبية، وبالتالي ينادون بضرورة نهج مسار آخر مختلف يصل إلى ابتداع حلول سياسية خلاقة تليق بزخم اللحظة الفارقة التي تعيشها الجزائر الثائرة.
يبني الشعب الجزائري ومعه جزء كبير من المعارضة، التي يبدو من خلال بعض تصريحاتها الأخيرة أنها قررت أخيرا أن تشرب حليب السباع، مواقفه على عدد من الدفوعات الوجيهة، منها: أن الثورة أسقطت بالضربة القاضية العقد الاجتماعي القائم في الجزائر، وخلقت بالتالي وضعا مختلفا عما سبق، ويستحيل وضع معالمه المستقبلية الركون مرة أخرى إلى استخدام القديم، فالجمهورية الثانية ينبغي أن تبنى من طرف من لم يتورطوا أبدا في التنكيل بالشعب، ومن لم يعملوا قط على تبديد آماله وأحلامه فيما مضى من زمن الديكتاتورية المنبوذ. ولذلك يرى أنصار هذا التوجه أن الشعب بثورته عاد خطوات إلى الوراء، واسترجع بالتالي تفويضه للحاكمين ليتمتع من جديد بسيادته، التي هي مصدر كل السلطات، وأن له وحده الآن أن يرسم معالم الجمهورية الثانية، التي تبدأ وجوبا من خلال عدم تفريط الثوار في الانفراد برسم معالم المرحلة الانتقالية. ثم يزيد هؤلاء “المشرعون الجدد” فيفرقون حتى في نصوص الدستور الحالي بين مواد أساسية مبدئية لها الكعب العالي، والنصوص المسطرية التي لن تستنسخ إلا عهد بوتفليقة، معتبرين أن الفصلين 7 و8 هما الفصلان المفتاحان لهذه المرحلة الدقيقة، ما داما يؤكدان على أن السيادة ملك للشعب، وهو ما لا يدع مجالا للمقارنة مع الطابع الإجرائي للفصل 102 .
ولذلك يكون من حق الشعب وفقا لفلسفة الثورة أن يضيق الخناق على من يعاكسون ثورته، وأن لا يفعّل إلا تلك النصوص التي لها ارتباط وثيق ومباشر بممارسته لحقوقه، أي تلك التي تلقى هوى في أعماق نفسه المفعمة بالرغبة في الانعتاق. كيف لا وخروجه في ثورة هو أكبر دليل على أنه لم يعد يثق في المؤسسات القائمة الآن. ولذلك يكون ترك الحبل على الغارب والتساهل في تطبيق الفصول الإجرائية في الدستور فرصة للنظام ليتصرف مثل ذاك المدرب الذي يغير فقط لاعبا بلاعب آخر، بينما هدف الحراك طرد كل اللاعبين وتغيير النظام لا تغيير جلد النظام.
إنها إذن معادلة جديدة بزغت تقتضي تغليب التأويل والتفسير الذي يتبناه الشعب للمواد الدستورية بعد أن بدا واضحا أنه لم يعد يقبل الحِجر ولا الوصاية من أي جهة كيفما كانت .
إنها معركة كسر عظام حقيقية تجري بين الحراك، الذي يريد تغيير قوانين اللعبة وإعادة التفاوض على كل بنود العقد الاجتماعي، وبين الدولة العميقة، التي ربما لم تحسن التقدير حين تأخرت في الاستجابة لمطالب الحراك، فاضطرت إلى قنطار علاج عوض دينار وقاية كان يكفيها لو أنها فهمت في الوقت المناسب أنه لا مجال بعد الموجة الأولى للربيع العربي، وبعد ظهور الاحتجاجات حتى بفرنسا، لاستمرار رئيس عاجز كبوتفليقة .
ولذلك يفهم الكثيرون أن دفع بوتفليقة إلى الاستقالة كان أمرا مدبرا، ومجرد مناورة فقط لجر البلد نحو خيار الفقرة الثانية من الفصل 102 بعد الاتفاق معه على التنحي طبقا للفقرة الأولى منها، فلا يكون هناك مناص من البقاء رهن هذا الفصل للاستمرار في عملية إعادة انتاج النظام من جديد.
هناك الآن خيارات عدة مطروحة، رغم إعلان القايد صالح لبنصالح رئيسا مؤقتا، تتراوح بين الاستمرار في تبني الحل الدستوري وبين الانتقال إلى الحل السياسي أو المزاوجة بينهما .
وفي الحقيقة، فإن الجماهير التي تستشعر بمرور الثورة أنها أضحت فاعلة بحراكها غير المسبوق لا ترفض الدستور، وإنما ترفض الوجوه التي يسفر عنها الاحتكام إلى نصوص هذا الدستور. إنها تريد جمهورية جديدة خالية من الرموز القديمة التي كانت لصيقة بالنظام، خصوصا أن هذا الدستور لم يكن يحترم من طرف الأزلام الراحلة، فلم كل هذا الكلف وهذا الحرص على تطبيقه الآن؟ لقد فات الأوان. فالدستور لا يضمن التخلص منهم ولا رحيلهم كما يود الحراك .
لكن القايد صالح الذي لا يزال وضعه ملتبسا ونواياه الحقيقية غير واضحة بخصوص صحة زهده في تسنم السلطة الأولى للبلاد، والذي يساير إلى الآن الشعب في مطالبه، قد يرغب أيضا في الخروج من الدستور ليضرب صفحا عن ذاك الزهد الذي أبان عنه بعد أن يكون قد أظهر تهافت الثورة وسيرها بالبلاد نحو المجهول برفعها شعار “يتنحاو كاع”، خصوصا أن التهاب الوضع على الحدود الليبية والمالية يخدم مراميه في الإمساك بالحكم مباشرة دون طبقة سياسية وسيطة.
المشكلة في الجزائر أن النزال بين الشعب والجيش يبدو متكافئا إلى حدود اليوم، فالجمهورية القديمة لم تنحل بعد، والجمهورية الجديدة لم تحل بعد. إذ لا يعرف إلى الآن إن كان القايد صالح ينظر إلى الدستور بكونه يكفل فقط خارطة طريق وسراجا ينير السبيل في هذا الليل البهيم مهما كان ضوؤه خافتا عوضا عن التخبط في الظلام دون دليل، أم أنه سيسعى إلى أن يتقاضى ثمن تنحيته لبوتفليقة بعد أن يتسرب الوهن إلى أوصال الحراك ويتم إرهاقه، وبعد أن يثبت بأن الجيش هو البديل عن الفوضى.
ولذلك فإن طول النفس وإبراز إرادة صلبة وتصميم وعزيمة لا تلينان هي صمام الأمان لكي تنجز الجزائر ثورة غير مسبوقة في العالم العربي. ولذا يتعين على هذه الجماهير الرافضة للتسويات الهجينة أن تثبت للجميع أنها جادة، وأنها قادرة على إدارة الصراع إلى النهاية، وأنها فوق كل هذا مصدر كل السلطات الآن، آنذاك وآنذاك فقط ستصدر كل الفتاوى الدستورية والسياسية لصالحها. كما أن أحدا لن يستنطق الدستور بقدر ما سيستجيب لزخم الثورة وينصت إلى نبضها.
لاترفض الدستور وانما ترفض الوجوه التي يسفر عنها الاْحتكام نصوص هذا الدستور _________خير الكلام ما قل ودل ______لاْن هذه الوجوه اْرتكبت اْخطاءا فيما مضي عن قصد اْو عن غير قصد _الله اْعلم_ لكن من الاْن فصاعدا اْصبحت المحاسبة من الضروريات وليست من الكماليات _____كنا نحلم لرؤية مسؤول يقدم استقالته ولم يحدث هذا __الاْن نحن نستمتع بهذا
أولا نحمد الله أنهم لم يفطنوا إلى فكرة دسترة حالة الثورة أو الإنقلاب لكانوا وضعوا بنود تقيد الثوار وتفرغع ثورتهم من المضمون
ثانيا أعتقد أن ثوار دول العالم الثالث هم يواجهون الدولة العميقة والدولة البعيدة أي المستعمر وبالأخص الدول الثائرة ذات الموارد الطبيعية المهمة مثل الجزائر فلا يعتقد أحد أن حل العقد بين يد الجيش فتحويشة العمر للدولة العميقة بما فيها الجيش هي في خزائن المستعمر لهذا هو لا يخطو خطوة إلا بأمر من المستعمر والثورات العربية تقع في الأخطاء نفسها لما ترفع سقف المطلب ويصل الطلب إلى مصالح الدول العظمى والتي إذا نفذ صبرها تفجر الوضع كله من الداخل و تحرق الأرض ومن عليها والأمثلة الحية كثيرة مثل ما جرى في العراق وسوريا لهذا أنصح بأن يركز الثوار الجزائريين على احتياجاتهم الداخلية التي لا تتصادم مع مصلحة فرنسا وأمريكا وشكرا
برأيي الخاص أم ممارسة السياسة في البلدان العربية تنطوي على مقالب ومصائد حتى الأنظمة العسكرية والديكتاتورية لم تعرف شبيهاً لها في التحايل وخلق جبهات وأجهزة مقربة من النظام الحاكم وتدور في فلكه، النقابات والاحزاب والمؤسسات الحكومية كلها تستقي أوكسجينها من دائرة السلطة الحاكمة، اما شيء من قبيل الدستور فهو لتعمية الشعب وتخديره ولا يعدو في كل الحالات واجهة بقصد الزينة وذر الرماد في الأعين، وهو تشهد عليه كثير من الأوضاع الاجتماعية المزرية فبمجرد مرض الرئيس أو غيابه يدخل البلد في نفق مظلم ويسود مستقبله الغموض كما نرى حالياً في الجزائر والسودان، ومنهم من يحاول استدرار رحمة الدستور ليكتب لنفسه الخلود في السلطة كما أقدم عليه مؤخراً الرئيس المصري حينما لجأ إلى تعديل مواده لتتسع أم الدنيا إلى كل أبنائه بقصد التسلط والنهب، بيد أن مرد كل هذه السياسة التسلطية انتشار وتغلغل الأمية في صفوف الجماهير العربية حتى إن منظرين غربيين كبار أكدوا أن شعوب البلاد العربية لم تنضج بعد يصبح بمكنتها تأسيس دولة بكل مؤسساتها، وتحياتي
الانظمة الاستبدادية عادة ما تستأثر بالسلطة وتمارسها ضمن نطاق مغلق وبسرية كبيرة.ولا تسمح لاي وافد عليها من الخارج منبثق من الشعب بولوج ذلك الاطار بان يشاركها الا بكيفية سطحية ما لم تتأكد بأنه لا يشكل اي خطر عليها.وهذا يعني ان انتقال السيادة كلية الى الشعب بعد سقوط نظام ما من دون وجود استعداد لديه لممارسة السيادة والحكم كتدبير بشكل خطرا على الجميع.وفي حالة الجزاىر لو فرض ان اصبح الشعب سيد نفسه فان نجاحه يتوقف على من سيدبر اموره بعد تنحي الوجوه اىقديمة.بل ان المشاكل التي كانت وراء حراكه ستتفاقم ما لم توجد نخبة مقتدرة.ولربما هذا ما سيدفع الجيش الى ايجاد حل وسط وهو الابقاء على بعض بقايا النظام القديم ممن لم يتورطوا في الفساد للمساعدة على الانتقال الى جمهورية جديدة.