المؤسسات العسكرية والديمقراطية.. أية علاقة؟

المؤسسات العسكرية والديمقراطية.. أية علاقة؟
الثلاثاء 23 أبريل 2019 - 12:02

هل يمكن للجيش أن ينتج ديمقراطية ويصنعها؟ سؤال بسطته مجلة “التايمز” البريطانية منذ سنوات، فرض استحضاره اليوم ما يجري على أرض مجموعة من الجمهوريات العربية، آخرها الجزائر والسودان. فالشد والجذب ما زالا على أشدهما بين مؤسسة الجيش والشعب المرابط بالآلاف في الشوارع، لا ينشد غير الانعتاق من قبضة العسكر الحديدية، والتنعم ولو قليلا بنسائم الديمقراطية.

لكن كالعادة لمؤسسة الجيش رأي آخر، بحكم مرانها على فن المراوغة، واللعب على كل الحبال، وكذا استفادتهما من تجارب الدول الرائدة في مجال الانقلابات منذ خمسينيات القرن الفائت، لن تعوزها الوسيلة للالتفاف على مطالب المتظاهرين، بإظهار الانحياز الكامل لهم بدعوى دعم مطالبهم العادلة، وادعاء حمايتهم. ممن تحميهم؟ وهل يخفى على أبسط متتبع أن كل المؤسسات الأمنية والاستخباراتية من ألفها إلى يائها بيد جنرالات منهم تمهيدا للقيام بدورة كاملة بالانقلاب على رأس النظام العسكري منتهي الصلاحية، بعد السهر على حبك سيناريو جديد وإخراجه، ليحل محله وجه آخر من وجوههم.

فالأنظمة العسكرية كتنين خرافي له أكثر من رأس. وعلى الفور يتم تشكيل مجلس عسكري، يدشن عهده بإصدار البيان تلو البيان، كلها مغازلة للشارع المنتفض، واستقبال ممثلي الدول الأجنبية لطمأنتهم على مصالح بلدانهم، لاستمالتهم وكسب دعمهم، مؤكدين لهم أنهم الأقدر على الحفاظ على مؤسسات الدولة، وتجنب انهيار اقتصادها، والسهر على تنفيذ التزاماتها، وكذا الحرص على ممتلكات المواطنين وأمنهم وسلامتهم، والحيلولة دون سقوط البلد بيد المنظمات الإرهابية، الشماعة التي أصبحت اليوم مشجبا تعلق عليه كل الممارسات القمعية وانتهاكات حقوق المواطنين في التظاهر والاحتجاج والمطالبة بالتغيير من أجل الكرامة والديمقراطية.

يؤكدون في بياناتهم هاته أن مجلسهم لن يكون سوى انتقاليا، وقد يقسم كبيرهم على ذلك بأغلظ الأيمان (جنرال السودان السابق عوض بن عوف) بأنه لن يبقى أكثر من المدة التي يتمكن فيها الشعب من لملمة نفسه، وينظم انتخابات حرة نزيهة وديمقراطية، ومن تم يسلم السلطة للحكومة المدنية المنبثقة من صناديق الاقتراع.

كان يمكن التأمين على هذا السيناريو لو كان غير مسبوق، أما وسجل الانقلابات حافل بالتجارب النكوصية، ففقط ما بين 1936 و1970 تم إحصاء أكثر من 41 انقلاب، كلها لا تخرج بياناتها عن هذا الإخراج الرديء للمسرحية نفسها؛ إذ مباشرة بعدما تهدأ الأوضاع يعمد الجنرال إلى استبدال بِزَّته العسكرية بأخرى مدنية، ويسهر على تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية على المقاس، بما يضمن له البقاء على كرسي الحكم عقودا وعقودا، قبل أن ينتفض الشعب من جديد، ليتكرر السيناريو نفسه في غياب معارضة حقيقية ذات مصداقية لا شرقية ولا غربية، إيديولوجيتها خدمة الوطن، يلتف حولها الشعب تكون لسانه، فتؤسس لبديل مدني يرغم العسكر على الالتزام بمهمته الأساس المتمثلة في حماية الثغور وليس احتلال القصور بالحديد والنار.

فهل يمكن تصور أن تنجز المؤسسات العسكرية الديمقراطية وتصنعها، وتحرص على تنزيل مقتضياتها على أرض الواقع؟ وهل يمكن تصور أن يتنازل جيش، أي جيش، طوع إرادته، يحكم البلاد لعقود من الزمن بعد أن يبسط هيمنته المطلقة على كل السلط، التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلامية والفنية والدينية وغيرها، فضلا عن الاستحواذ على معظم ثروات البلاد (حسب مجلة تايمز يسيطر الجيش المصري على ما بين 35 و40% من الاقتصاد الوطني)؟

للأسف سرعان ما تتبخر الوعود المعسولة لتصبح عقودا من الحكم المطلق (البشير نموذجا، 30 سنة، وكان يطمح لعهدة موالية بدعوى أن البلاد مستهدفة، ونظيره بوتفليقة 20 سنة وكانوا يُعِدُّونه لولاية خامسة حتى وهو على كرسي متحرك منذ 2013 دون أن يسمع منه الشعب الجزائري الشقيق ولو كلمة واحدة طيلة هذه المدة).

هل يمكن أن نتصور أن تتخلى مؤسسة الجيش عن عقيدتها العسكرية الصماء القائمة على الأوامر الصارمة والطاعة العمياء التي تتربى عليها في الكليات الحربية والمدارس العسكرية والمعاهد، وعن كل هذه الامتيازات وتسلم مفاتيح تسيير البلاد على طبق من ذهب للنخب السياسية للتداول على السلطة عبر صناديق الاقتراع، وتعود إلى ثكناتها تنتظر منها قرارات السلم والحرب؟ أم إنه حتى في الحالات النادرة لما تضطر فيها للتواري قليلا عن المشهد تحت ضغط اشتداد الاحتجاجات، فإنها تشترط على من يتولى تسيير المرفق العام رزمة من االلاءات تهم أساسا وزارة الدفاع والداخلية، وعدم متابعة أحد أفرادها أو مساءلته، ولا مناقشتهم في قرارات الحرب والسلم، لعذر أعظم من ذنب بدعوى أن لا دراية للسياسيين بأمور الحرب ولا علم لهم بإمكانات البلد العسكرية ولا بمستوى تدريب الجيش، متجاهلين عن عمد أن أبسط تعريف للحزب السياسي في الأنظمة الديمقراطية هو مشروع حكم أو سلطة، لا بد أن يكون على استعداد لتحمل المسؤولية في أي وقت كاملة غير منقوصة، وإلا انتفت عنه صفة الحزبية.

إنهم انطلاقا من نرجسيتهم العسكرية، وبدون أن يرف لهم جفن أو يتعرق لهم جبين، لا يجدون غضاضة ليأخذوا أماكن لهم في اللقاءات الدولية جنبا إلى جنب مع رؤساء شباب في سن أحفادهم، يمثلون شعوبهم بالديمقراطية، وليس كما هو شأنهم يحكمون شعوبهم بالحديد والنار، يغتصبون السلطة اغتصابا على ظهر الدبابات وسجن المعارضين وسحل المحتجين.

في مذكرات أنديرا غاندي، رئيسة الوزراء الهندية سابقا لثلاث فترات متتالية، سألت والدها الزعيم جوهر لا نهرو مؤسس دولة الهند: ماذا يحدث لو سيطر العسكر على السلطة؟ رد عليها: ينهار الاقتصاد

قالت لوالدها: وماذا يحدث بعد انهيار الاقتصاد؟

أجابها: تنهار الأخلاق

وماذا يحدث أيضا لو انهارت الأخلاق؟

رد عليها بمنتهى الحكمة:

وما الذي يبقيك في بلد انهارت أخلاقه؟

*باحث

‫تعليقات الزوار

2
  • BAT MAN
    الثلاثاء 23 أبريل 2019 - 15:41

    جوهر الدمقراطية هو التسامح والسلم ثم العدل وهذه المبادئ لا يؤمن بها العسكري لأن تكوينه مبني على العنف وطاعة الأوامر فلا يعتقد أحد أن العسكر يؤمنون بالدمقراطية وعلى سبيل المثال ذالك الطيار الأمريكي الذي قصف الأطفال والنساء في العراق وفي كثير من المناطق في العالم هل يؤمن بدمقراطية العيش أم بأوامر الجنرالات وأمريكا دولة عظمى وكان يضرب بها المثل في الدمقراطيات
    لهذا يجب التعامل مع العسكر في الأزمات بذكاء كبير وبقيود النظام الدولي إلى أن يرجعوا لتكناثهم وحين إذ يعمل المجتمع المدني على تأسيس الدولة المدنية الدمقراطية و تكوين علاقة مع الجيش مبنية على حب الوطن بتعيين عسكريين في مستوى المسؤولية الوطنية لكي يتقوا شرهم والله أعلم

  • amahrouch
    الثلاثاء 23 أبريل 2019 - 20:43

    Vous avez humilié les militaires partout dans le monde.C est quoi ce raisonnement ?Régime militaire,régime miltaire,ne cessent-on de dire avec un mépris à peine voilé !Les militaires et la police sont eux aussi les enfants de la patrie.Ils nous protègent en plus de tous les dangers extérieurs comme intérieurs.C est à eux que revient la tâche de stabiliser le pays en cas de trouble social etc.Les rejeter de cette manière est une insulte à leur égard.Ils méritent tous les privilèges et s ils prennent le pouvoir,logiquement parlant,ils le méritent,ils sont les gardiens de la patrie !Je suis pour les Sissi,les Bourhane(Soudan)les Hafter et les Gaid Salh et pourquoi pas un gouvernement militaire au Maroc à la place de ces islamistes qui dirigent le pays à sa perte

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 7

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب