عفوا أيها الإخوان..التخلية قبل التحلية..

عفوا أيها الإخوان..التخلية قبل التحلية..
الثلاثاء 13 دجنبر 2011 - 04:06

تُعرف السياسة عادة بأنها “فن الممكن”، لكن الإشكالية كلها تكمن في مفهوم هذا “الممكن” تحديداً، هل هو ما في المستطاع فعله؟ أم هو المسموح بفعله؟

وأؤكد بداية أن الأمر في غاية الجدية، ولا علاقة له بفذلكة أو تلاعب بالألفاظ، بل نحن أمام عقدة العقد التي جعلت العهود والحكومات والبرلمانات والانتخابات في المغرب تتوالى وتتشابه، وكانت النتيجة يأساً تحول إلى عزوف عن العمل السياسي، وفتح المجال أمام السماسرة والمضاربين، حتى تحولت الاستحقاقات المصيرية إلى أسواق ومواسم تروج فيها أموال طائلة، ويباع المواطنون فيها بـ”الراس” أي الوحدة الحسابية المستعملة في الإحصاء في عالم تربية المواشي.

المشكلة المزمنة، ظلت دائما وأبداَ، في كون الحكومات المتعاقبة كانت تمارس “عفا الله عما سلف” في حق ناهبي المال العام، والمفسدين، بل كانت أحيانا تبارك هجماتهم على مقدرات الوطن وتخترع لهم منافذ جديدة للتسلل نحو جنات اقتصاد الريع والإثراء السريع..

وحتى مع حكومة التناوب التوافقي التي راهن عليها الرأي العام الوطني والدولي في لحظة مفصلية من تاريخ المغرب، لإعادة قدر من المصداقية للقانون وللعمل السياسي عبر محاسبة المغتنين دون وجه حق على حساب مقدرات الوطن وحقوق المواطنين، سرعان ما رفعت شعار “لا لمطاردة الساحرات”، بل ظهرت نظرية جديدة مفادها أن الهدف الاستراتيجي إنما هو منع تكرار ممارسة الماضي، ويكفي لتحقيق ذلك تقديم نماذج عبر محاكمة بعض المفسدين الكبار الذين عاثوا فسادا في المؤسسات العمومية – خاصة المالية منها-، وبالتالي لا داعي لتقليب كل الملفات ولا للنبش في تركة متعفنة بكل المقاييس.

فماذا كانت النتيجة؟

محاكمات صاحبتها مواكبة إعلامية صاخبة، أدين على هامشها من أدين، وصدرت أحكام بمئات الملايير كتعويضات وغرامات ومطالب بإرجاع ما تم نهبه، لم تحصل خزينة الدولة منها ولو قطميراً؟

الأنكى من ذلك، أن الفساد لم يعد تهمة، بل أصبح المفسدون نجوم المجتمع وقياداته التي يتتبع الإعلام خطواتها وسكناتها، وحتى عندما تحرك المجلس الأعلى للحسابات في السنوات الأخيرة عبر الكشف عن بعض الجوانب البسيطة من النهب الممنهج الذي يتعرض له المال العام، تحولت تقاريره إلى مادة صحفية سرعان ما تنتهي صلاحيتها، حتى أن بعض “المتهمين” أخرجوا ألسنتهم استخفافا بخلاصة عمل قضاة المجالس الجهوية للحسابات، بل رأينا كيف أن جريدة “العلم” الناطقة باسم حزب الاستقلال، كثيرا ما اتهمت وزير المالية التجمعي مزوار بتسليط رجال مفتشيته العامة على الوزارات الاستقلالية، وتحصين الحقائب التجمعية…أي استعمال أداة رقابية لتصفية الحسابات الشخصية والحزبية..

واليوم لسنا في حاجة للاستعانة بأرقام وإحصائيات المنظمات الدولية، لمعرفة المستوى الذي وصل إليه الفساد في المغرب، فحيثما وليت وجهك هناك فساد وإفساد ومفسدون وشهود زور، وإعلام مأجور يسعى للتغطية على الحقيقة..

ومن هنا ولهذه الأسباب، ليس مقبولا البتة من الحكومة الجديدة أن تكرر لازمة “عدم مطاردة الساحرات”، التي ترددت مبكرا للأسف على لسان أحد القياديين في حزب العدالة والتنمية.

فالشعب قلب كل التخمينات والتكهنات وأعطى لحزب المصباح المرتبة الأولى وبعيدا جدا في المقدمة، ليس ليسمع “العفو عن الساحرات” كـ”خبر عاجل”، بل ليشاهد نصب مشانق لتعليق المفسدين، وإشعال نار “المحرقة” التي ستلهب جلود الساحرات ومن يستفيد من سحرهن.

ليس من المسموح به اليوم إصدار “عفو” من هذا النوع، لأنه عفو ممن لا يملك، ولمن لا يستحق، والشعب لم يفوض أحداً لطي صفحة وبدء أخرى، وإلا لكان زكى ما خطط له مهندسو تحالف الثمانية الذين راهنوا على “نضجه” لإبقاء ما كان على ما كان عليه.

ولنكن صادقين وواقعيين، فما لم يتم فتح أبواب السجون في وجه سراق المال العام والجراد البشري الذي أتى على الأخضر واليابس، فلن يكون هناك تغيير حقيقي على أرض الواقع، لأن نفس المفسدين سيطيلون لحاهم ويقصرون “قشاباتهم” وسيحملون سبحات في أيديهم، ويكثرون من التردد على المساجد ليتأقلموا مع متطلبات المرحلة، أي أن التغيير لن يتعدى الجلد والمظهر الخارجي…ورحم الله معاوية ابن أبي سفيان حين قال :”من خادعك فتخادعت له فقد خدعك”..

ومرة أخرى أذكر بأن التاريخ كتاب مفتوح أمامنا اليوم، نشاهد كل تفاصيله ولا نقرأها، ومن ذلك مثلا فصول طويلة تتحدث عن محاولات سرقة الثورة في مصر وتونس وحتى ليبيا..
والعجيب أن من سرقوا الثروة على عهد الأنظمة المطاح بها، هم من يسعون اليوم لسرقة الثورة وتقويضها، أو إشاعة الفوضى على الأقل بما أن العودة إلى الوراء أصبحت شبه مستحيلة.

ولهذا يضطر المواطنون في مصر مثلاَ للنزول في كل مرة إلى الشارع، وبأعداد ضخمة، لتذكير الناسين بأن الشعب عرف طريق الشارع وهدم جدار الخوف…وأن هناك وعيا تاما بأن الذين أعلنوا التوبة بعدما بلغت الروح الحلقوم، لا يمكن أن تكون توبتهم صادقة..

ولا يختلف الأمر عندنا كثيرا في المغرب في العديد من الجوانب، فقد رأينا أنه حتى بعد ظهور حركة 20 فبراير، ونزول المواطنين إلى الشارع للمطالبة بـ”إسقاط الفساد”، ظل كثير من المفسدين مصرين على التحدي، وحتى من توارى منهم عن الأنظار، فقد ظل يراقب الوضع من خلف الستار، بل لربما ظل ممسكاً بكثير من الخيوط التي يحركها من خلف ستار.

والدليل على ذلك، أنه في الوقت الذي ربط فيه الجميع بين تزوير انتخابات نوفمبر 2010 في مصر وثورة يناير 2011، ظل هناك إصرار غير مفهوم من طرف بعض مهندسي المرحلة عندنا على الالتفاف على إرادة الشعب، حتى أن الأمر لم يقتصر على التوزيع المبكر للمناصب الحكومية بما فيها رئاسة الحكومة التي آلت لمزوار، بل سمعنا عن توزيع عضوية الدواوين على الغاضبين من إقصائهم من الترشيح ضمن اللوائح المحلية أو الوطنية..

إن المعركة ينبغي أن تكون شرسة ومتواصلة مع نوعين تحديداً من أعداء “الثورة الهادئة في المغرب”، هما: حزب فرنسا والفلول.

بالنسبة لحزب فرنسا، ينبغي أن نسمي الأشياء بأسمائها، وألا نستمر في المداهنة والمجاملة، ففرنسا في حاجة إلينا أكثر مما نحن في حاجة إليها، وما دام رجالها ونساؤها المندسون بيننا ممسكين بزمام الأمور في كثير من القطاعات الحيوية، فلا أمل في الحصول على سيادة حقيقية، لا في التعليم ولا في الثقافة ولا في السياسة والاقتصاد.

صحيح أن العلاقات الدولية تؤمن بمنطق موازين القوى، لكنها أيضا تنحني أمام المصالح، ونحن نعلم أن الشركات الفرنسية اعتادت ماءها ومرعاها في المغرب، وأنها تتصرف كما لو كانت سلطة احتلال فعلية.

فماذا استفاد المغرب بالمقابل؟

بالنسبة لقضية الصحراء، أعتقد أن الجزائر في حاجة لعودة العالم ربع قرن إلى الوراء لإحياء مشاريعها التقسيمية القديمة، وإذا لم يحسم المغرب الوضع لصالحه في هذه اللحظة المواتية، فلا يلومن إلا نفسه..

وبالنسبة للتغلغل الفرنسي في دواليب المؤسسات العمويمة، فمن صدق أن ظهور مذيعتين بـ”غطاء الرأس” يعني استرجاع القناة الثانية من أيدي الفرنسيين والمفرنسين، فأظن أنه في حاجة لمحو أميته السياسية.

وحبذا لو تتطوع بعض مضيفات “لارام” لإطلاع الرأي العام على فحوى “الاستشارة القانونية” التي قدمها لهم أحد المحامين العداليين في ما يتعلق بمحاولة مقاضاة مدير عام الخطوط الجوية..

أما بالنسبة لـ”الفلول”، فيكفي أن نذكر بأن الشعب المصري قدم أربعين شهيدا قبل أيام فقط، من أجل تحيين مطالب ثورية من بينها “قانون العزل”، الذي يهدف إلى منع رموز الفساد من المشاركة في العمل السياسي لولايتين متتاليتين.

لقد أدرك المصريون – وقبلهم التونسيون- أنه لا مجال للتغيير إذا ظلت نفس الوجوه حاضرة، وبقوة، في مجال صناعة القرار الاقتصادي والسياسي والإعلامي والثقافي، أفلا نحتاج في المغرب إلى قانون من هذا النوع؟ أليس عيبا أن يتم الاعتماد مجددا على وسائل الإقناع “الخفية” لثني بعض المشبوهين عن الترشيح للانتخابات، في بلد يقول إنه ولج نادي الديموقراطية والحق والقانون؟

ينبغي ألا نتوهم أن التغيير يمكن أن يحدث بنفس الأدوات والوجوه، ولنستحضر فقط كيف تقاطر كبار المسؤولين عن أهم القطاعات الإنتاجية والإدارية والخدماتية والإعلامية..على المقر المركزي لحزب الأصالة والمعاصرة عشية الانتخابات الجماعية التي انتهت بتتويجه..

فهؤلاء اعترفوا صراحة بأنهم جزء من مشروع – سقط لحسن حظ الشعب المغربي قبل أن يقف على رجليه- بل كانوا يتبارون في الانحناء أمام “التراكتور”، ويتسابقون على التقاط الصور التذكارية في الصفوف الأولى إلى جانب قياداته السرية والعلنية ..فهل يمكن أن نستأمنهم على المستقبل؟ وهل نعتقد أنهم سيكونون أعوانا على الخير؟

إن كل محاولات التغيير ستذهب هباء، إذا لم يتم الحسم في موضوع “مطاردة الساحرات”.

وأنا هنا أتحدث قصداً عن “التغيير” لا عن “الإصلاح”، لأن “التخلية قبل التحلية” كما تقول الحكمة المأثورة..

وإذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد نصح الأعرابية بـ”إضافة” قليل من القطران إلى “دعائها” حتى تشفى ناقتها من الجرب، فإن حكومة “الإخوان” ستكون في حاجة إلى أكثر من قراءة المعوذتين لإبطال سحر الساحرات.. وتصفيد شياطين الإنس..

*كاتب من المغرب

[email protected]

‫تعليقات الزوار

8
  • Mohamed de Canada
    الثلاثاء 13 دجنبر 2011 - 08:28

    Je suis tout à fait d’accord avec vous mon cher ami My Touhami. Il faut qu’il y ait un changement radical performant au Maroc pour que les marocains voient bien qu’il ya vraiment une lutte contre l’injustice et la corruption.
    La question qu’on devra poser est la suivante : Est ce que l’équipe de Mr Bekirane a-t-elle des outils «Forces» pour arrêter l’hémorragie compliquée dans notre pays ? Autrement dit : est ce qu’elle y aura le courage d’éliminer les «patriotes de Louis XVI» le cas d’Elhima (Basri II) par exemple, et les responsables qui ont rédigé la constitution de 2011 ? Nous allons voir le résultat d’ici 100 jours. Plus de 80% des marocains sont tristes.

  • ابن علي-اوروبا
    الثلاثاء 13 دجنبر 2011 - 10:34

    خير الكلام ما قل ودل.الاسهاب مرض عضال اصابكم وهو الانسب فى العملية اي في تفصيل الهدف.لماذا لا تكونوا انفسكم على حسن الاستماع والنظر.قال الله تعالى:واسمع وانظرنا. يتعين على المرئ ان يقرا التاريخ بعناية وبتروى فى فحص الاحذاث ودراستها.ان الحفاظ على المؤسسات العامة والخاصة ليس غاية في حد ذاته بل هو وسيلة لتحقيق غاية.الاهم تشخيص الخلل ومكامن الضعف والقوة.ليس حبا فى الصدام او النزاع لان هناك امة وجهود بذلت.اليس من حق الطبيب ان يحسن الاستماع للمريض ثم النظر اي تشخيص المرض.هذه سنة الله فى الكون والمجتمع والحياة.

  • maghribia hta lmout
    الثلاثاء 13 دجنبر 2011 - 10:39

    مقال رائع و نصائح في محلها افادكم الله هذه هي الاقلام التي نحتاجها بناءة و موضوعية المرجو ان نقرا لك المزيد

  • الساحرات دوخو العدالة
    الثلاثاء 13 دجنبر 2011 - 11:29

    الساحرات سحرن العدالة مبما يسمى سحر القبول فأحبت ورضيت الزواج بالمخزن واتزجوا على سنة المخزن وهي زواج المتعة لبعش سنين يستمتع المخزن بعذرية العدالة كما استمتع بعذرية الاتحاد ثم يرمي بها ويبحث عن أخرى عذراء حال العدالة أشبه بأخت ملتزمة خطبها سكير مقامر …وزد ماشئت من الأوصاف ولكنها قبلت وهي تظن أنه بعد الزواج سيترك الخمر والميسر ويتوب ويتحول إلى زوج صالح ولم تتوقع المسكينة أنها بعد الدخلة ستتيقن أن الأمر صعب وليس سهلا وقد صرد بنكيران في الأيام الأولى بذلك…ولم يكتف الزوج بذلك بل طالبها بنزع حجابها وأن تشاركه خمره وتسقيه أصدقاءه ولا تتأفف من قيئهم أو بول أحدهم في المطبخ وهو يظنه مرحاضا فقد جاء بها للكنس والتنظيف والأشغال أما ما سوى ذلك فليس من حقها فهل سيكون حال الزوجوة العدالة هكذا أم ستطلب الطلاق قبل الحمل بجنين قد يودي بحياتها؟ أم ستتبرج وتشرب الخمر و تتوافق مع هواه ليرضى عنها وإن سسخط عنها الله والناس فتكون قد خسرت الدنيا والآخرة؟
    إذا لم تف العدالة بوعودها في محاربة الفساد والاستبداد وبررت وسكتت وداهنت فذاك هو المقصود بالتبرج مجازا

  • مقال رائع
    الثلاثاء 13 دجنبر 2011 - 16:58

    مقال رائع و نصائح في محلها افادكم الله هذه هي الاقلام التي نحتاجها بناءة و موضوعية المرجو ان نقرا لك المزيد

  • samir
    الثلاثاء 13 دجنبر 2011 - 20:07

    étonné par ton style de redaction plein de rhétorique et une logique rarement que l'en a voit dans nos journaux je te remercie et je te prie de nous ecrire chaque semaine ça nous aide à etre toujours averti

  • abdou698
    الأربعاء 14 دجنبر 2011 - 10:29

    توزير عباس و العنصر وبنعبدالله استمرار للفساد وهو ضوء احمر
    هذه هي الفيصل بين قليل من الأمل في الغد من عدمه وكذلك استمرار وزارة الأوقاف في الوجود

  • hassan tighboula
    الخميس 15 دجنبر 2011 - 23:49

    على ما اضن ان الاخ مولاي التهامي افاد في مقاله بما فيه الكفاية وعلى ما اضن ان الكرة في
    مرمى الاخ عبد الاله بن كيران
    اريد ان اقول بصفتي مواطن غيور على وطنه يجب على حزب الاغلبية ان يفي بتعهداته مهما وقع
    فالشعب الذي اوصله الى الاغلبية بامكانه ان يرده الى المعارضة للاسباب التي ساتذكرها
    اولا . لاعودة الى الوراء
    ثانيا .. نريد تطبيق البرنامج الانتخابي حرفيا
    ثالثا…نريد محاسبة المفسدين في الحكومات السابقة
    رابعا…. نريد ان تكون الحكومة حازمة مع كل من سولت له نفسه النيل من وحدتنا الثرابية سواء
    تعلق الامر ببني جلدتنا كاسامة الخلفي ورفاقه ممن يرفعون راية الجمهورية الريفية المزعومة
    او بوليزاريو الداخل .
    اوالمامرة الخارجية كبرلمان الاتحاد الاوروبي العنصري
    ارجو النشر

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش