في تسريح أدوار المركز وإعادة إنتاج الهامشية

في تسريح أدوار المركز وإعادة إنتاج الهامشية
الثلاثاء 14 ماي 2019 - 05:18

تكاد نظرية المركز والهامش تستحوذ على جزء كبير من صراع قوى الإنتاج وتأثيره على أنساق العلاقات الدولية، بما في ذلك تلك القوى المهيمنة على القرارات الجيوسياسية، التي تفرض نمطا تبعيا مغلقا بغرض السيطرة على طموحات الهامش والحد من مستوى تطوره ونموه، بما يناسب مصالح ومستقبل المركز.

وكما هو معلوم فوحدة النظام لا تنفي التناقض والتباين داخله، كما يؤكد ذلك كريستيان باولو في كتابه “الاقتصاد الرأسمالي العالمي”.

وتتقوى نزعة تغول واستقواء المركز كلما استعار الهامش منفذا للعبور إلى قضايا المصير الذاتي واستقلال القرارات وما يترتب عنها من فواعل التنمية والبناء.

ولهذا يمتد المآل الديمقراطي في العملية التي تخلف جملة تجاذبات وجدل مستديم إلى عمق مفهوم الدولة وانتظاراتها، وأفق فهمها للعمران والتنمية البشرية ومناهج تدبير شؤون الدولة المستقلة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا.

كما تبقى نظرية المركز والهامش عقدة في منشار الأنموذج التنموي المراد تحقيقه، على اعتبار مستوى طرح الإشكالات الكبرى التي تحول دون قضم علامات التشابك والاحتدام بين الإطارين النقيضين اللذين ينهلان من نفس قاموس الاستعمار الكلاسيكي، الذي صاغت تركته مناهج الثقافة الكولونيالية: “فرق تسد” و”المغرب النافع وغير النافع” و”الظهير البربري”.. جملة من الترسبات والانتقالات المعطوبة حالت دون تفكيك بواعث ما بعد الكولونيالية حول تأثير الاستعمار الجديد المعاصر، ما يؤكد تواصل فعله كعامل مركزيّ في بلورة وتصميم الوعي الحديث، حتى بعد انهيار الدول الاستعمارية الكلاسيكية.

المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد تنبه في كتابه “الثقافة والإمبريالية”، في إطار تنوير الاستشراق للقارئ بنقد العلوم والأفعال الإمبراطورية، إلى أمر خطير، يتعلق بالعلاقة المتآمرة التي تجمع الإمبريالية المهيمنة بالثقافة، خاصة إبان الاستعمار الفرنسي والبريطاني في القرن التاسع عشر. إذ تصبح الثقافة فن المؤسسات الإمبراطورية التي تهندس تركيب المشاعر وتمنح المستعمر شعرية كبرى للهيمنة والاستعباد؛ بل تجعل من وجودها التعليلي في إطار وصايتها وتعاليها النمطي جزءا من رهانها على تقليص الحاجز النفسي والثقافي ضمن مخططاتها، على اعتبار إيجاد رؤية تفسر كيف تستعمل الثقافة كبنية فعّالة للاستحواذ والتعصب والأسبقية العرقية والقياس النظري للاقتدار والسمو العقلاني.

إن ترسيخ مفهوم الهامش وقيادة المركز ليس تدليلا اغترابيا عن فعل خارج بدلات التنظير الافتراضي الذي تدعمه مشكلات الوعي الاجتماعي وانغلاق المجتمع وتحلحل بنيات الفكر العربي ما بعد مرحلة تكوين العقل ونقده؛ بل هو تجسيد لمرحلة تشاكلت فيها جوانب تحليل ظاهرة تهيكل الخطاب الرسمي، أي خطاب أيديولوجيا المركز، وتجاوز سؤال الهوية إلى تأثير ذلك على وحدة المصير الثقافي وتعدد قواسمه والمشترك التاريخي والمعرفي والإنساني، فكانت بذلك مركزية الكيان الثقافي للاستعمار ممثلة في الحفاظ على مصالحه الإستراتيجية، إن على مستوى ترسيخ حجم التعامل الفرنكفوني في قطاعات تقع في صلب الاستقلالية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أو على مستوى التقاطعات السياسية والدبلوماسية وصناعة القرار.

في حين ظلت النزعة الذاتية للهامش تتصرف كمركز ثقافي وتاريخي آخر من خارج دائرة الدولة ومحيطها؛ فلا هي مركزية مركبة تعترف بمحصول الواقع المرعب الذي يجرف بالهوية إلى حدود مصطنعة، ولا هي كيان مستقل عن مركز لازال يغامر بمستقبل ومصير أمة ضحت بالغالي والنفيس لأجل الاستقلال والانتقال إلى مرحلة البناء.

إن دلالة التمركز في بنى الثقافة والتعليم وسياسة الإدارة والاقتصاد والإعلام لازالت تشكل سؤالا لنزعة استتباعية متحورة، تراهن على إبقاء حالة الشك في بؤرة العقل المغذي لاستمرار وفعاليات الكيانات التقليدية ما قبل البورجوازية التي تساوي ما قبل الرأسمالية، والتي تعمد إلى السيطرة المفصلية على كل أجهزة الدولة، والسيطرة على مدخراتها، واستثمار ذلك على جميع الأصعدة، حتى تتمكن بإيعاز من الدولة المستعمرة السابقة من تحويل الموجهات والأساليب الإمبريالية، الثقافية منها واللغوية والفنون والآداب والعلاقات والتراتبيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المرعية، إلى أسلحة أيديولوجية واستخباراتية فتاكة.

إن خطاب المركزية يواصل تشدده إزاء وضعيات خاملة للهامش. وإن تراكم نظام المغالبة لواقع تنموي مليء بالثغرات والنقائص سيقوض العديد من الجهود المبذولة في إطار ما تسعى إلى تحقيقه التشريعات المتراكمة، التي لن يكون آخرها ميثاق اللاتمركز الإداري، الذي يمنح لسلطة والي الجهة دورا محوريا في مجال نقل السلط من المركز إلى الإدارات في الجهات، باعتباره ممثلا للمصالح المركزية، إذ أنيطت به مهام الإشراف على كل المصالح الإدارية للوزارات.

فهل يحق بعد ذلك الترفع عن النظر في مطالب تقليص نفوذ المركزية وتغليب مصالح المواطنين المهمشين عن بدائع الفئوية والنخبوية المتعسفة؟.

إن السلوك الديمقراطي والانتقال الديمقراطي لا يحجب قوة الانتظارات التي تتقصدها سنن التغيير وطفرات العصر، ففي نماذج الدول النامية الأفريقية والآسيوية الناهضة خير مثال على نجاعة وقوة الرهانات التي تخوضها الشعوب المستقلة لأجل نهضتها وتفوقها. ومن بين تلكم الرهانات تحقيق زيادة سريعة تراكميّة ودائمة عبر فترة من الزمن في الإنتاج والخدمات نتيجة استخدام الجهود العلميّة لتنظيم الأنشطة المشتركة الحكوميّة والشعبية.

أو حسب ما جاء في تعريفها من قبل هيئة الأمم المتحدة: أنّ التنمية هي العمليات التي بمقتضاها تُوجّه الجهود لكلٍّ من الأهالي والحكومة بتحسين الأحوال الاقتصاديّة والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحليّة؛ لمساعدتها على الاندماج في حياة الأمم والإسهام في تقدّمها بأفضل ما يمكن.

فـــهل نـــتعـــــــظ؟!

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49 74

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 67

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 4

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة