تغيير المقررات.. البذرة قبل التربة أم العكس؟

تغيير المقررات.. البذرة قبل التربة أم العكس؟
الجمعة 31 ماي 2019 - 18:48

عادة لما يبلغ الشد والجذب السياسي أوجه حول قطاع التعليم يتم اختزاله بطريقة أو بأخرى في المناهج والمقررات، بما أنها الدجاجة التي تبيض ذهبا، تكون مناسبة لمن يعرفون من أين تلهف كتف الميزانيات، التي تدر الملايين على الفائزين بصفقات التأليف والطبع طيلة سنوات اعتماده. ورغم ما يكتنف العملية من غموض، تطفو على السطح بين الفينة والأخرى مما تتناقله بعض وسائل الإعلام، فإن حبلها لا يزال على الجرار وكأن شيئا لم يقع.

مقررات في جلها تكون لا علاقة لها بمستوى التلاميذ المتدني في اللغات وفي المواد العلمية، حسب التقارير الرسمية الوطنية والأجنبية. مقررات مبنية على أساس تعميم التعليم الأولي، مما يجعل التلميذ من سنته الأولى يحمل بذور فشله بما أنه ولج المدرسة بدونه.

مقررات أقل ما يمكن القول عنها كأنها موضوعة لتلاميذ من كواكب أخرى، سواء من حيث حجمها أم من حيث شكلها أم من حيث مضامينها. خذ أي مقرر بالتعليم الابتدائي، ستجد الهيمنة المطلقة في لجان تأليفها لأساتذة جامعيين لا علاقة لهم بالسلك الابتدائي العمومي، أو مفتشين ممتازين بالتعليم الثانوي، وكأن أهل مكة من أساتذة هذا السلك ومديري مدارسه ومؤطريه التربويين لا علم لهم بشعابه، علما فهم الأدرى بـ”خروب بلادهوم”.

إذا تجاوزنا المقررات بما لها وما عليها، وتجاوزنا بقية الأعطاب التي تثار حولها زوابع سياسوية تغشي الأعين عن المشاكل العميقة التي تنخر جسد القطاع التعليمي وتصيبه في مقتل، فيما يتعلق مثلا بلغة التدريس التي لا يزال مرجلها يغلي على نار التقاطبات السياسية والتجاذبات الإيديولوجية، ولربما سيتم طي سجلها ليتم تصديره إلى الحكومة المقبلة، بما أن المكتوين بنارها ليسوا سوى أبناء الفقراء بالمدرسة العمومية، ومن مثل معضلة الاكتظاظ التي لما استفحل أمرها، لم يجدوا من مرهم يضمدون به جراحه غير سياسة التعاقد. فوجدوا أنفسهم كاللقلاق “بغا يبوس ولدو عورو”.

هذا الخيار، الذي لا أحد يدري أفقه، سيأتى على ما تبقى من التعليم العمومي، ليس بالإضرابات المتوالية وحسب؛ بل بإقحامهم في المنظومة التربوية بدون تكوين يذكر من شأنه إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

السؤال: هل بتركيزنا على تغيير المقررات وفصلنا في مسألة اللغات التي لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات، وحل معضلة التعاقد، هل بهذا نضمن خروج تعليمنا من عنق الزجاجة، الذي يعلق به منذ عقود، رغم ما رصد له من ميزانيات آخرها ما تم في إطار البرنامج الاستعجالي، لا يزال جزء منها مجهول الوجهة؟

أعتقد أن على الجهات المعنية بإصلاح التعليم أن تبرح مكاتبها المكيفة في الفصل المطير لمعاينة حجرات تصبح مع أولى قطرات المطر مسابح للبط، عرضة لكل التيارات الهوائية بسبب تكسر نوافذها وأبوابها واهتراء سقوفها، وكذا في فصل القيظ الشديد، حيث تصبح حجرات البناء المفكك على الخصوص كأفران ينبعث الصهد الحارق من كل جنباتها. حجرات تصبح سقوفها ملاذا لكل أنواع الطيور بما يلازم أعشاشها من حشرات وطفيليات وبراغيث، لا بد أن ينال الأستاذ مع تلاميذه نصيبهم من بركة لسعاتها، بل وملاذا حتى لأنواع من الأفاعي خبرها عند أساتذة وأستاذات ممن ابتلوا بالتدريس بها أو السكن تحت رحمتها. أما حال من نضع بين أيديهم هذه المقررات فحدث ولا حرج. عماذا نتحدث؟

عن ظروف سكنهم، أم عن وسائل تنقلهم، أم عن معيشهم، فـ”ليس من رأى كمن سمع” لا يُتَصور كيف يتصرفون مع ما يُتَفضّل عليهم به من إطعام مدرسي. وأي إطعام؟ أم نتحدث عن نوع التربية التي يتلقونها من قبل ذويهم، لا تزال تمتح من القواميس العتيقة، لا تقيم وزنا لنفسية الطفل ولا لحاجيات مراحله العمرية، لضمان الحد الأدنى من توازنه النفسي والعاطفي “ففاقد الشيء لا يعطيه”.

فهل تغيير المقررات لوحدها كفيل باستعادة المدرسة العمومية لمكانتها الريادية في إنتاج النخب كما كان عليه الوضع سابقا؟ فهل هناك طائر يغامر بالبيض قبل أن يبني عشه؟ أو هل هناك حيوان يقدم على التوالد قبل أن يجهز وكره لاستقبال مولوده؟ أم هل هناك فلاح حصيف يزرع بذوره قبل أن يعد التربة لاستقبالها، فالغلة تكون بقدر العناية بالتربة.

أعتقد جازما أن تعليمنا العمومي حتى لو استوردنا له من المقررات آخر ما تتفتق عنه عبقرية كبار التربويين على الصعيد العالمي، فلن تجدي نفعا على درب النهوض به في ظل أوضاعه المزرية، سواء المتعلقة ببنيته التحتية، أو بأحوال تلاميذه الاجتماعية، أو بمستوى تكوين أساتذته ومدى رضاهم عن عملهم. فلن يكون حظه أكثر من زرع حبة قمح في الهواء، لن تنبت زرعا ولن تنفع ضرعا.

*كاتب

‫تعليقات الزوار

2
  • ابن رشد
    الجمعة 31 ماي 2019 - 19:21

    اول شيء يجب فعله تعميم الانحليزية ..وتقليص ساعات العربية في كل الاسلاك الى 3 ساعات فقط
    العربية مضيعة لللوقت ومهدرة للمال ..ولا شيء ينتظر منها غير الانشاء
    الاعتماد على لغات العلم فهي اللغات الكونية

  • ابن طنجة
    الجمعة 31 ماي 2019 - 21:06

    التعليم الذي لا يبني الإنسان وينمي مهاراته ويصل به الى أعلى مستوى للتنمية الشاملة للمجتمع فهو تعليم عقيم وفاشل أزمة التعليم العمومي في المغرب ليست أزمة لغة تدريس لغة التدريس ما هي إلا شماعة تعلق عليها الدولة فشل نظام تعليمها أو نقول هي مسرحية مفتعلة بين الاحزاب المخزنية لإلهاء الشعب عن حقيقة أزمة التعليم وهى أزمة منظومة ككل من قمة هرم الدولة الى قاعدته باختصار النخبة الحاكمة لا تريد اصلاح وتطوير منظومة التعليم

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش